السعودية: تباين آراء الخبراء بشأن انخفاض وشيك لسوق العقار

قرارات حكومية بالتوسع في الإسكان وإقرار الرهن العقاري تدفع نحو تصحيح الأسعار

تتباين التوقعات حول توجهات أسعار العقارات في السعودية خلال الفترة المقبلة («الشرق الأوسط»)
TT

تباينت آراء خبراء ومستثمرين في قطاع العقار حول التوقعات المستقبلية لسوق العقار، على خلفية القرارات التي أصدرتها الحكومة السعودية في الآونة الأخيرة، والتي سيكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على قطاع العقار الذي يعد أكبر القطاعات في السعودية، وفي الوقت الذي ذهب فيه خبير عقاري إلى أن كل المعطيات تعطي مؤشرات إلى تزايد المعروض من الأراضي في السوق خلال الفترة المقبلة، مما سيسهم في خفض الأرباح التي فاقت النسب المعقولة حاليا، في حين يرى مستثمرون في قطاع العقار أن الحاجة الفعلية من الأراضي والوحدات السكنية تفوق المتاح بنسب كبيرة، وسوف يعزز هذا من استقرار الأسعار أو استمراريتها في الارتفاع ولكن بنسب محدودة، بينما يشير الخبير خالد بارشيد إلى أن السوق قد تتجه إلى عملية تصحيح خلال المرحلة المقبلة كي تتعافى السوق من حالة التضخم والركود التي هي عليها الآن.

واعتبر الخبير العقاري عبد الله بن سعد الأحمري رئيس اللجنة العقارية بغرفة جدة، القرارات الأخيرة التي صدرت مؤخرا داعمة لصناديق الإسكان، كما أن إنشاء وزارة الإسكان هو تأكيد على إصرار الدولة لتوفير المساكن للمواطنين، في ظل المقدرة المالية ووجود الأراضي المتصحرة والمساحات الشاسعة التي تتمتع بها السعودية، مضيفا أن الدولة تدخلت للقيام بواجبها في الوقت الذي بلغ فيه السيل الزبى، وبعد أن وصل ثمن الأراضي إلى أسعار خيالية، وأصبح المواطن ذو الدخل المحدود غير قادر على أن يجد له مسكنا في ظل الغلاء الفاحش.

وعزا الأحمري ارتفاع أسعار العقار في السعودية إلى جود شريحة قليلة تتحكم في الأسواق العقارية في السوق السعودية واحتكارها لمساحات واسعة من الأراضي، وتطرحها في السوق (بالقطارة)، مشيرا إلى أن هناك من يحتكرون الكثير من المخططات التي قد تغطي الاحتياج الفعلي من الإسكان خلال هذه الفترة.

وأضاف أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة أو التي في طريقها للتنفيذ من خلال توجه وزارة الشؤون البلدية والقروية لفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، حيث إن مثل هذا القرار يستهدف الأراضي الكبيرة وليس الأرضي المعدة للسكن.

وأشار الأحمري إلى أن غرفة جدة طالبت منذ قبل 8 سنوات بفرض مثل هذه الرسوم على الأراضي التي تصل مساحتها أكثر من 10 آلاف إلى مليون متر مربع فأكثر، والموجودة داخل الأحياء السكنية، حيث إن عدم تطويرها وبنائها ساهم في تأخير النماء والتطوير وأثر سلبا على الوجه الحضاري للمدن السعودية، في حين أن اطمئنان المواطن لحصوله على إسكان من قبل الدولة سينعكس إيجابا على كثرة العرض وبالتالي سينعكس على الأسعار التي ستشهد انخفاضا حتميا خلال المرحلة المقبلة.

وقال: «بكل تأكيد، إن أسعار العقار في طريقها للانخفاض، وقد نصحت الكثير من ملاك الأراضي الكبيرة بالبيع لتفادي مثل هذا الانخفاض، وبالتالي ستلحق بهم خسائر أو انخفاض مماثل في الأرباح من جراء هبوط السعر في المستقبل القريب». مضيفا أن بعض المخططات ارتفعت أسعارها الآن ما بين 5 و10 في المائة، وخصوصا المخططات التي تتميز بالتمدد الراسي نظرا لإقبال المواطنين الذين حصلوا على قروض من صندوق التنمية العقاري خلال هذه الفترة، وبعد انتظار دام لأكثر من 10 سنوات. وتابع: «على خلفية دعم الدولة للصندوق العقاري، الأمر الذي قلل من قوائم الانتظار السابقة. ووجد هؤلاء أنهم مضطرون إلى شراء أراضٍ سكنية بحدود 250 مترا مربعا للحصول على القرض الذي ارتفعت قيمته إلى 500 ألف ريال، ولكن بعد نحو 3 أو 4 سنوات لن تجد مواطنا سعوديا يبحث عن الإيجار في ظل الخطة التي انتهجتها الدولة من أجل بناء مساكن».

وأشار الأحمري إلى أنه على ضوء هذه المعطيات قد تشهد الصفقات العقارية انخفاضا أيضا، وقال: «أنصح المطورين أن يتضامنوا مع البنوك، وفق ضوابط تكفل تحديد أرباح معقولة على المواطن لتتجاوز 10 إلى 15 في المائة، وأن تسمح الدولة للقطاع الخاص بأن يشارك في عملية التنمية الاقتصادية والإسكانية دون أن يكون ذلك على حساب المواطن أو المستهلك النهائي، على أن تتحمل الدولة التكفل بدفع هامش الربح كدعمها لأي سلعة أخرى. مع فرض رقابة على غرار الرقابة على هيئة سوق المال».

وفي ما يتعلق بتوسيع النطاق العمراني للمدن قال الأحمري: «أعتقد أنه بعد دعم الشركة السعودية للكهرباء بـ51 مليار ريال (13 مليار دولار) لمشاريعها المستقبلية وعلى مدى 25 سنة دون أرباح، لم يعد لدى شركة الكهرباء السعودية حجة بعد اليوم عن التقاعس في إيصال التيار الكهربائي لأي ضاحية من ضواحي المدن، ويجب أن تحذو القطاعات الخدمية الأخرى حذوها لإيصال الخدمات للمخططات المعلقة من عشرات السنين، لا سيما المخططات التي تخص الدولة».

وتوقع الأحمري أن تنخفض أسعار الأراضي بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة. وطالب وزارة الشؤون البلدية والقروية بالعمل على التمدد الرأسي لفك الاختناقات الكبيرة، وذلك للتخفيف من التكلفة التي قد تترتب على التمدد الأفقي في حالة إيصال الخدمات إلى المخططات التي تقع خارج نطاق المدينة، خصوصا وأن التمدد الأفقي خير مثال ناجح في مدن مجاورة، وفي مقدمتها العاصمة المصرية القاهرة التي تكتظ بنحو 15 مليون نسمة.

من جانبه أوضح المستثمر والخبير العقاري محمد بن أحمد الدوسري أنه من المستبعد أن تشهد أسعار العقار خلال هذه الفترة أي انخفاض، بل كل المعطيات تشير إلى الارتفاع، الإسكان الحكومي لا يستهدف إلا طبقة ذوي الدخل المحدود، وهي الطبقة غير المستهدفة بدرجة كبيرة من المطورين العقاريين، مبينا أنه لا يمكن أن تشهد الأسعار أي انهيار كما يروج له البعض إلا في حالة أن يصبح العرض أكثر من الطلب في سوق الإسكان، أما في الوقت الراهن فإن المعروض لا يلبي حتى الحد الأدنى من الوحدات السكنية المطلوبة.

وبيّن الدوسري أنه لا يمكن تخفيف وتيرة ارتفاع أسعار الأراضي ما لم تتبنَّ الدولة إجراءات جريئة، وتكليف أمانات المناطق للقيام بتطوير المرحلة الأولى لجميع الأراضي التي تقع داخل النطاق العمراني، خصوصا أن الأمانات لديها القدرة والمعدات والآليات لتنفيذ المرحلة الأولى من التطوير. ولو تم اتخاذ مثل هذه الإجراءات فإنها ستكون داعمة للقطاع العقاري في السعودية، وداعمة للمواطن، ومن شأنها أن تسهم في سرعة إنجاز المخططات.

وأضاف الدوسري أن المؤشرات تعطي اطمئنانا على وضع العقار، وذلك من خلال الإقبال والطلب المتزايد على الوحدات السكنية التي تنفذها بعض الشركات العقارية، مشيرا إلى أن شركته تملك مساحات كبيرة من الأراضي في المنطقة الشرقية، ولديها واحد من أهم وأكبر المشاريع في المنطقة الشرقية (تلال الدمام) على طريق مطار الملك فهد الدولي، حيث يتضمن المشروع 745 فيلا، ومساحة الفيلا تقدر بنحو 500 متر مربع، وتتراوح أسعارها بين 1.2 مليون ريال و1.7 مليون ريال.

وأضاف الدوسري أن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة ازدهار مميزة، عطفا على الإنفاق الحكومي الكبير والميزانيات الضخمة للدولة، كما أن الحكومة تتجه إلى أعلى شفافية في تاريخ السعودية، بيد أن الميزة التي يتمتع بها قطاع العقار السعودي أنه عقار حر، وكل هذه المعطيات تدعم استقرار سعر العراق، ما لم يشهد بعض الارتفاعات خلال الفترة المقبلة.

وقال طلال سليمان الغنيم، أحد أكبر المستثمرين في القطاع العقاري في السعودية، إن ما يتردد من أقاويل أو شائعات حول انهيار سوق العقار يجانب الحقيقة، ولا يستند إلى معطيات، مشيرا إلى أن توجه الحكومة لبناء نحو 500 ألف وحدة سكنية لن يؤثر على سعر العراق في المنظور القريب، كون هذه الوحدات السكنية تحتاج إلى فترة طويلة لتنفيذها، في حين أن قطاع الإسكان في السعودية يحتاج الآن إلى نحو 2.7 مليون وحدة سكنية، كما أن هذه التقديرات ستتضاعف خلال السنوات القادمة في ظل النمو السكاني المتزايد. وأشار إلى أن الحديث حول فرض ضريبة على الأراضي البيضاء داخل المدن سيكون على حساب المواطن.

ولفت الغنيم إلى أن قطاع العقار في حاجة إلى أنظمة وتشريعات جديدة، ويتوجب القيام بدراسة جادة وعاجلة وإيجاد إدارة مستقلة لمتابعة ومراقبة تنفيذ المشاريع، بعكس ما هو قائم الآن، «حيث يحز في نفوسنا أن مشروعا عقاريا عملاقا مثل (برج دبي) تم تنفيذه خلال خمس سنوات بينما نفق صغير في الدمام يستغرق تنفيذه أكثر من خمس سنوات»، مضيفا أن الخطوات التصحيحية التي بدأها خادم الحرمين الشريفين للتوجيه ببناء 500 ألف وحدة سكنية تتطلب سرعة في التنفيذ، وقيام مشاريع مماثلة ومتزامنة لسد الحاجة من الوحدات السكنية، إضافة إلى إقامة ضواحٍ خارج المدن، وأن تمد لها كل الخدمات من بنى تحتية وخدمات صحية وتعليمية وأمنية.

وأشار إلى أن إقرار الرهن العقاري سيدعم أصحاب الدخول المحدودة، خصوصا بعد القرارات التاريخية التي اتخذها الملك عبد الله برفع رواتب وبدلات القطاعات العسكرية، الذين يمثلون شريحة كبيرة من المواطنين، وهذا ما سيعزز الثقة فيهم لدى البنوك وشركات التمويل، وسوف يساعدهم على السعي لتملك مساكن لهم.

وأضاف الغنيم أن معطيات واقع سوق العقار الآن تعطي مؤشرات بارتفاع الأسعار بنسبة قد تصل إلى 10 في المائة سنويا. وأكد أنه ليس هناك ضعف في الصفقات العقارية، مستشهدا بأن شركته العقارية أبرمت مؤخرا صفقات تلامس نحو 2.6 مليار ريال، إضافة إلى إبرام صفقات عقارية أخرى أبرمها عقاريون آخرون خلال هذه الفترة، مشيرا إلى أن الصفقات التي أبرمها تتضمن أرضا في شمال جدة على مساحة 14.7 مليون متر مربع، بقيمة 850 مليون ريال، إضافة إلى شراء فندق في حي الحمراء على كورنيش جدة بنحو 115 مليون ريال، بينما بلغت صفقات الدمام نحو 1.6 مليار ريال.

واستبعد خالد أحمد بارشيد عضو اللجنة العقارية في غرفة الشرقية حدوث انهيار سعري في العقار في الوقت الحالي، ولكنه استدرك في حديثه أنه قد يحدث تصحيح في سعر العقار خلال المرحلة المقبلة، بعد موجة المضاربات التي شهدتها سوق العقار في الآونة الأخيرة وساهمت في ارتفاع أسعار العقار بنحو 50 في المائة عن سعرها المعقول، مشيرا إلى أن المضاربات دفعت بالسوق إلى الركود والجمود، وأن الصفقات التي تتم مؤخرا ليست صفقات مجدية أو استثمارية بحتة، بل تتم بين العقاريين أنفسهم.

وأوضح بارشيد أن غياب التنظيمات والتشريعات فتحت سوق العقار على مصراعيها، وأصبح الكل يفتي في العقار حتى لو لم يكن صاحب خبرة أو دراية، إضافة إلى عدم إقرار الرهن وضعف التمويل العقاري.

وأضاف خالد بارشيد أنه من السابق لأوانه الحديث عن خفض الأسعار على خلفية القرارات الحكومية الأخيرة، خصوصا أن وزارة الإسكان التي تم إشهارها بأمر خادم الحرمين الشريفين، وأنيط بها تنفيذ بناء 500 ألف وحدة، ما زالت في بداياتها، كما أنها تواجه الكثير من المعوقات، مضيفا: «من خلال مشاركتي في أكثر من ورشة عمل لوزارة الإسكان اتضح لي أنها تحتاج إلى نحو عشر سنوات قادمة كي تلبي الاحتياجات من المساكن، وذلك لعدم وجود أراضٍ حكومية داخل النطاق العمراني في مختلف مناطق السعودية، في حين أن قيام ضواحٍ خارج النطاق العمراني يحتاج إلى الكثير من الدعم والميزانيات لبناء البنى التحتية وتوفير كل الخدمات»، مشيرا إلى أن التفكير على المدى القصير يتوقف على محاولة إيجاد أراضٍ عن طريق الأمانات وإمارات المناطق في الوقت الحالي، وفي حالة حصولهم عليها، وتبين لهم في ما بعد أن الحاجة ما زالت قائمة لتوفير أراضٍ أخرى لتنفيذ هذا المشروع، فإن الخيار الآخر هو التوجه إلى نزع ملكيات بعض الأراضي وفقا لما تقتضيه المنفعة العامة وبأسعار السوق. وقال إن هذه الخطوات قد تسهم في عملية تصحيح سوق العقار إلى حد ما، وذلك في حالة استمرارية الوزارة في تنفيذ مشاريع كبيرة، ومن هنا إلى 10 سنوات سينخفض الطلب على الوحدات السكنية وسوف يسهم ذلك في تراجع الأسعار.