ارتفاع السعر العالمي للحديد يهدد القطاع العقاري المصري بالشلل

الخبراء يرون أن الاضطرابات السياسية وراء تراجع معدلات استهلاك الإسمنت

ما زالت تأثيرات ثورة 25 يناير تلقي بظلالها على القطاع العقاري في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

مر القطاع العقاري في مصر بصفة خاصة بحالة ركود، متأثرا بالركود العام الذي يشهده الاقتصاد المصري في ظل الاضطرابات السياسية التي مرت بها البلاد مؤخرا، ويرى الخبراء أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها مصر أثرت بشكل كبير على قطاعي الحديد والإسمنت اللذين يعدان من المكونات الرئيسية للبناء والتشييد.

ويشير الخبراء إلى أن قطاع الإسمنت تأثر بشكل كبير نتيجة الاضطرابات التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وتعطيل عجلة الإنتاج، على الرغم من حدوث طفرة مؤقتة في استهلاك الإسمنت، نتيجة استغلال غياب السلطات المعنية، والبناء على الأراضي الزراعية والعشوائيات.. فإن استهلاك الإسمنت انخفض خلال الربع الأول من عام 2011 بنسبة 11.7 في المائة، مقابل 10.7 في المائة خلال الربع الأول من العام الماضي.

وجاء في تقرير حول قطاع الإسمنت في الفترة الحالية تخوف الخبراء مما يشاع حول ارتفاع أسعار الطاقة، وما سيعكسه بصورة سلبية على قطاع الإسمنت، إذا تمت الموافقة على رفع أسعار الغاز الطبيعي في شهر يوليو (تموز) الحالي.. إذ إن شركات الإسمنت لن تستطيع أن تمرر هذه الزيادة في الأسعار إلى المستهلك النهائي.

في الوقت نفسه يتجه المستهلكون إلى الإبقاء على أصولهم في صورة نقدية بدلا من استثمارها في القطاع العقاري، ويواجه المنتجون صعوبات في إعادة إثبات وجودهم في الأسواق التي كانوا يصدرون إليها. ومن المتوقع أن تنخفض الصادرات بسبب ضغوط كثيرة، كضعف الطلب من الخارج، إلى جانب انخفاض الأسعار الحالية، التي تبلغ نحو 51 دولارا للطن.. مما يعني أن مصر ستصدر خلال العام الجاري نحو 0.32 مليون طن إسمنت فقط، بينما يتوقع الخبراء أن تعاود الصادرات الانتعاش في عام 2012.

ويرى الخبراء أن منتجي الإسمنت سيواجهون تحديات في ظل انخفاض الاستهلاك بنسبة 8.3 في المائة هذا العام، حيث إنه من المتوقع أن يستمر قطاع العقارات في حالة التعطيل خلال هذا العام بسبب حالة عدم الاستقرار.

وتتوقع غادة رفقي، محللة مالية متخصصة بقطاع الإسمنت في البنك الاستثماري «إي سي كابيتال»، أن يزيد الاستهلاك بنسبة نحو 7.3 في المائة من معدل متوسط النمو السنوي ليصل إلى 59.7 مليون طن في عام 2015.

وتقول رفقي لـ«الشرق الأوسط»: «ستشهد السوق خلال عامي 2011 و2012 تدفقات تصل إلى 13.1 مليون طن، مما سيخفض من معدلات الاستغلال لتصل إلى أدنى مستوياتها بحلول عام 2012». وأضافت رفقي «بدأت السوق تغير من مسارها إلى الفائض هذا العام، بعد أن شهدت حالة عجز العام الماضي.. ونتوقع للسوق أن تشهد فائضا قدره نحو 0.32 مليون طن».

وتوضح رفقي «على الرغم من التوقعات بأن السوق المحلية للإسمنت ستشهد فائضا خلال عام 2011، فإننا نرى أن الواردات منخفضة الأسعار ستستمر في اختراق الأسواق المحلية خلال عامي 2011 و2012. وبالنسبة إلى الواردات فمن المتوقع أن تقل بحلول 2013، نتيجة التدفقات الجديدة مع بداية الإنتاج».

كما تتوقع رفقي أن تنخفض الأسعار المحلية للإسمنت بنسبة 4.9 في المائة خلال العام الحالي، وبنسبة 5 في المائة في 2012. وترجع ذلك إلى محاولات الشركات لدفع الطلب على الإسمنت بسبب الركود الذي تشهده السوق المحلية، بالإضافة إلى التدفقات المحددة لهذه الفترة، إلى جانب اشتداد المنافسة مع الواردات من الإسمنت الأقل سعرا.

وأشارت رفقي إلى أن أسعار الصادرات من المتوقع أن يصل متوسطها إلى 42 دولارا أميركيا في العام الحالي، وسترتفع إلى 47 دولارا للطن في 2012 نتيجة استعادة السوق العالمية نشاطها، بعد أن وصلت إلى مستوى منخفض جدا هذا العام. وفي الفترة من 2013 إلى 2015 سترتفع أسعار الصادرات، رهنا بأداء السوق نتيجة المنافسة الشرسة. ومن المتوقع أن تزيد الأسعار بـ2.5 في المائة لمعدل متوسط النمو السنوي، لتصل إلى 50 دولارا بحلول عام 2015.

وفي سياق متصل، ارتفعت أسعار حديد التسليح بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ليصل سعر الطن الواحد إلى 4590 جنيها (نحو 770 دولارا أميركيا)، في شهر مايو (أيار) الماضي.

وذاع في الأوساط المصرية نية شركات «حديد عز»، أكبر منتج للحديد في الوطن العربي والمملوكة لرجل الأعمال المصري أحمد عز المسجون حاليا بتهم تتعلق بالتربح من المال العام، لرفع أسعارها لشهر يونيو (حزيران) الماضي ليصل سعره إلى 4650 جنيها (780 دولارا) لطن التسليم من أرض المصنع، و4800 جنيه (806 دولارات) سعر الطن للمستهلك النهائي.

ولكن سمير نعمان، مدير إدارة التسويق بشركات «حديد عز»، نفى ما يقال عن وجود حالة تعطيش تحدث داخل السوق في الوقت الحالي، وأكد أنه سيتم استيراد ما لا يقل عن 80 ألف طن من الحديد خلال الشهر الحالي. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال نعمان: «السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الحديد هو ارتفاع السعر العالمي لأكثر من 40 دولارا خلال الفترة الماضية». وأضاف نعمان أن «ارتفاع سعر الحديد لا يؤثر على سوق العقارات، لأن الحديد ليس مكونا رئيسيا في عملية البناء».

وبالنسبة إلى إعلان الشركة رفع أسعارها، علق نعمان قائلا «تعلن الشركة عن أسعارها في نهاية كل شهر، ومن السابق لأوانه الخوض في مثل هذه الأمور الآن، فالسوق العالمية هي التي تحكمنا فقط».

وفي هذا السياق، قال المهندس مختار الدهشوري رئيس مجلس إدارة شركة «الصعيد للمقاولات»، لـ«الشرق الأوسط»: «ارتفاع أسعار الحديد العالمية ترجع إلى سياسات العرض والطلب، وأتوقع أن ترتفع أسعار الحديد خلال الفترة المقبلة لتصل إلى 6 آلاف جنيه (1007 دولارات) للطن بسبب توقف الإنتاج في بعض الشركات وتوقف الاستيراد، الذي أدى في معظم الفترات إلى انخفاض سعر الحديد».

وأشار الدهشوري إلى تضرر الشركات العقارية من هذا الارتفاع في الأسعار، لأن كل الشركات تشتري بسعر الشهر، وليس بنظام العام أو نصف أو ربع العام.

وحذر الدهشوري من انعكاس ارتفاع أسعار الحديد على باقي أسعار مواد البناء والتشييد، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات والوحدات السكنية، وأضاف أن الارتفاعات غير المبررة في أسعار الحديد في الأسواق المحلية قد تصيب السوق بالشلل.