بريطانيا: الملاجئ النووية.. عقارات غالية الثمن

بيع منها 17 ملجأ.. وأسعارها تتزايد باطراد

TT

لقطاع العقارات حصته من الغرائب والعجائب التي تتمتع بها القطاعات الأخرى، مثل قطاعات السياحة والترفيه والمال وغيرها، إذ إن الناس لم يتهافتوا فقط خلال السنوات الماضية على شراء المنازل والإسطبلات والمخازن والمصانع الصغيرة وغيرها من العقارات القديمة لترميمها وإصلاحها والعيش فيها وبالتالي بيعها لغاية الاستثمار والربح، بل اتجهوا أيضا إلى الملاجئ النووية القديمة التي بنتها الحكومة البريطانية خلال الحرب الباردة.

فقد ذكر تقرير لصحيفة «التلغراف» البريطانية اليومية المعروفة، أن أصحاب ملجأ هوب كوف في مقاطعة ديفن الجنوبية يعرضون الملجأ الشهير للبيع، وقد يصل سعره إلى أكثر من 750 ألف جنيه إسترليني (1.125 مليون دولار تقريبا). وكانت وزارة الدفاع البريطانية عام 2000 قد عرضته للبيع بالمزاد بين 50 ألف جنيه إسترليني (75 ألف دولار) و100 ألف جنيه إسترليني (150 ألف دولار)، بشرط أن تحتفظ بحق استعادته خلال عشر سنوات من بيعه في حال حصول حرب في البلاد أو تعرضت بريطانيا لهجوم ما. ومن المعروف أن مثل هذه الملاجئ خصوصا الكبيرة منها كانت تكلف الحكومة البريطانية في الخمسينات بين 30 و80 مليون جنيه إسترليني. وبما أن السنوات العشر قد مضت، فقد شرع أصحابه في التفكير في بيعه والتصرف فيه.

وجاء في إعلان البيع الأولي الذي وضعته وزارة الدفاع البريطانية، عام 2000، أن «هناك منشأة أو هيكلا فسيحا جدا، آمنا وواسعا، محصنا إسمنتيا، يعود تاريخه إلى الخمسينات، مع خمسة فدادين من الأراضي الزراعية، ويناسب ناجين من محرقة نووية.. تقبل العروض بين 50 و100 ألف جنيه إسترليني».

ومع أن الملجأ الذي تم بناؤه عام 1954 ليكون قادرا على تحمل أقوى هجوم نووي يمكن أن تتعرض له بريطانيا من الاتحاد السوفياتي السابق، لا يتمتع بأي نافذة، وهو مغلق كما هو الكهف، فإن من حسناته أنه يتمتع بموقع ممتاز مطل على منطقة كينغز بريدج استوري في جنوب مقاطعة دافين الغنية والجميلة والشهيرة. أضف إلى ذلك أن الملجأ ككل الملاجئ النووية في بريطانيا، يتمتع بنظام صرف صحي خاص، ومصاف للتهوية تحمي من الإشعاعات النووية، وكان قادرا على إطعام وإشراب هذا العدد من الناس إلى أكثر من ثلاثة أشهر، أي لفترة كافية لانحسار مفعول الإشعاعات النووية، كما كان يعتقد آنذاك. وبقيت الحكومة البريطانية تحرس هذه الملاجئ حتى عام 1992.

وتصل سماكة حيطان الملجأ إلى ثلاثة أقدام على الأقل، أي متر تقريبا، وفيه متاهة تصل بين الغرف القادرة على استيعاب أكثر من مائة وخمسين شخصا. ويعود هذا الرقم إلى أن الحكومة البريطانية عندما خططت إلى بناء الملجأ كانت تهدف إلى إنقاذ أهم مائة وخمسين شخصية في منطقة الجنوب الغربي من إنجلترا. وبالطبع تضم هذه الشخصيات سياسيين مهمين وقادة عسكريين ومهندسين وأطباء وعددا آخر من الخبراء، وكل ما يتطلب لإدارة المنطقة بعد حصول هجوم نووي شامل على البلاد.

وكانت عملية بيع ملجأ هوف في دافين نهاية عملية طويلة للحكومة في منتصف التسعينات لبيع سبعة عشر ملجأ نوويا بنتها الحكومة تحسبا لهجوم نووي سوفياتي، بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد أيام الحرب الباردة. وتنتشر هذه الملاجئ في كل المقاطعات، ملجأين لكل مقاطعة باستثناء لندن العاصمة التي كان يعتقد أنها ستدمر أولا في حال حصول هجوم نووي، وأن المناطق الريفية ستكون بمنأى عن مثل هذا الهجوم المحتمل.

وتقول وكالة العقارات التي كانت مسؤولة عن بيعه وتصريفه في الماضي، إنه لا توجد مخاوف من الرطوبة في الملجأ، فالحيطان لم تبن لتقاوم الماء فقط، بل بنيت لتحمل القنابل السوفياتية التي يصل وزنها إلى 10 آلاف رطل.

وحسب الوكالة، فإن الاهتمام بهذا النوع من الأمكنة والعقارات لا يتوقف على الأفراد العاديين أو المغرمين بالعقارات الفريدة والغريبة، بل بالكثير من المؤسسات، وأن هناك أكثر من مائتين وخمسين مؤسسة تبحث عن هذا النوع من الأبنية في سجلاتها. وبالطبع فإن هذه المؤسسات تضم البنوك والمؤسسات القانونية والأمنية والتكنولوجية الباحثة عن إمكان لتخزين وحماية وثائقها وأرشيفها بشكل عام، من أي مكروه أو تلف أو أي حادث أمني.

ولم يتوقف الاهتمام على ذلك النوع من المؤسسات، إذ جاءت عروض من بعض شركات المعدات والأدوات الصناعية والمنزلية وبعض الشركات السياحية وعيادات الحيوانات وشركات تدريب الشرطة والتسجيل الموسيقي ومزارع الفطر وبعض الجمعيات الخيرية والحانات الليلية وشركات تخزين الكحول وكل ما يخطر على بال. ولا بد من الذكر هنا أيضا أن شعبية هذه الأمكنة وهذا النوع من العقارات وارتفاع الطلب عليها ازدادا منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، أي بعد الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. فبعد ذلك انتشرت الكثير من المخاوف حول العالم من حصول حرب نووية أو هجوم نووي إرهابي من الجماعات المتطرفة، خصوصا من قبل الأغنياء، فبدأ البعض في بناء ملجئه الخاص في قصره، ولجأ آخرون إلى امتلاك منازل بعيدة في ألاسكا في أقصى شمال العلم، وفضل آخرون بعض الجزر البعيدة والنائية لحماية ممتلكاتهم وأبنائهم من أي حرب نووية مقبلة. ويمكن القول إن الهجوم على مركز التجارة العالمي خلق طفرة فعلا في العقارات التي تضم ملاجئ نووية وما شابه. أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الفرق الدينية المختلفة في الغرب والشرق والتي تبشر بنهاية العالم وقدوم يوم القيامة كل عام وإعطاء تواريخ مختلفة تلعب على عواطف الكثير من الناس. وكان آخرها أن نهاية العالم ستكون في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2012، وستتحول الكرة الأرضية إلى كرة من نار، حسب نبوءة مايانية. وبالطبع أن هذا التاريخ هو التاريخ الذي يتوقع العلماء فيه بدء الانفجارات الشمسية التي تحدث دوريا كل إحدى عشرة سنة.

وكان ملجأ آخر تم بناؤه على يد المهندس المعماري مايك توماس في الثمانينات من القرن الماضي للغاية نفسها، أي للحماية من حرب نووية في منطقة دافين أيضا، بيع بما لا يقل عن 600 ألف جنيه إسترليني (900 ألف دولار تقريبا). ويطل الملجأ النووي على قرية بريكسهام الجميلة والخاصة والمعروفة بتاريخها بصيد الأسماك. ويضم هذا الملجأ الذي يطلق عليه اسم ملجأ توماس نسبة إلى مهندسه جناحا صغيرا خاصا يتألف من أربع غرف. وفيه بالطبع مصاف خاصة ومنافذ هوائية وخزان خاص بالماء وهاتف للاتصال بالعالم الخارجي ومولد مستقل للطاقة الكهربائية.

وكان بإمكان هذا الملجأ الصغير نسبيا لأنه ملجأ خاص، استيعاب ما لا يقل عن مائتي شخص وتأمين ما يتطلبونه لمدة لا تقل عن أسبوعين.

وكان هذا الملجأ كما تشير المعلومات جزءا من مائة موقع مهم في بريطانيا على خارطة الهجوم النووي السوفياتي في الماضي كما هو الحال مع ميناء صناعة السفن في مدينة بليموث الساحلية وكلية البحرية العسكرية في دورتماوث وبلدة سالكومب.

ويقول خبير الملاجئ المعروف نيك كاتفورد في هذا الإطار، إن ملجأ توماس كان من أقوى الملاجئ النووية الخاصة في بريطانيا، فهو مبني على عمق اثنين وعشرين قدما تحت الجناح الخاص. وتم استخدام أربعة أميال من الحديد الصلب ومائة طن من الإسمنت في عملية بنائه. ولذا وكما يقال لا يتحمل فقط الحروب النووية بل أشد الأعاصير التي تضرب أحيانا ولاية فلوريدا الأميركية.

مهما يكن، فإن الملاجئ القديمة في بريطانيا وغيرها من الدول وجدت حتى الآن من يريدها ويشتريها، سواء أكان ذلك من قبل الأفراد أم المؤسسات، ويبدو أن الطلب لم يتراجع عليها، فقد بدأ البعض في روسيا في السنوات القليل الماضية في بناء ملاجئ نووية تجارية صغيرة ذات تقنيات عالية يمكنها جذب الكثير من الزبائن الأغنياء. وعلى الرغم من أسعارها المرتفعة التي تصل إلى مليوني دولار أميركي، فإن هذه الملاجئ الحديثة، ومنها نقال بالطبع، مرغوبة ويزداد الطلب عليها يوما بعد يوم، بسبب القلاقل وعدم الاستقرار الذي يعيشه العالم منذ عام 2000. وقد ارتفعت حدة أو وتيرة عدم الاستقرار في السنوات القليلة الماضية مع بدء الأزمات المالية والتوترات والثورات التي تعيشها دول الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان النووية، والمخاوف من فشل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومحاولات إيران امتلاك إمكاناتها النووية الخاصة بها.