20% من عقارات لندن الجديدة للعرب

70 مشروعا يجري العمل عليها فيها باستثمارات قيمتها 21 مليار إسترليني

جانب من العاصمة البريطانية لندن ( تصوير: حاتم عويضة)
TT

سباق عقاري محموم يجري في لندن حاليا لتلبية الطلب الأجنبي المتزايد على ملكية العقارات فيها، ويجري العمل حاليا في نحو 70 مشروعا عقاريا تكتمل خلال العقد الحالي باستثمار يبلغ حجمه 21 مليار إسترليني. ويصل حجم هذا الاستثمار إلى ضعف ما تنفقه العاصمة البريطانية على تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية التي تجري فيها خلال العام المقبل. كما أن الاستثمار يزيد عشرين ضعفا عن ما تنفقه لندن في توفير المساكن الشعبية للطبقات العاملة فيها. وأشار تقرير من شركة «إي بي غلوبال» إلى أن نسبة 20 في المائة من عقارات لندن الجديدة تتوجه إلى مستثمرين من منطقة الشرق الأوسط. ويبحث هؤلاء المستثمرون بالدرجة الأولى عن الأمان من الاضطرابات السياسية والمالية وفقا للتقرير.

وتنتشر مشاريع لندن الجديدة ما بين ناطحات سحاب مثل مشروع «شارد» ومجمعات كبرى مثل مشروع ثكنات تشيلسي المعدل، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الأخرى التي تنتشر في كل أحياء لندن من أقصى الغرب إلى شرق العاصمة، حيث موقع الألعاب الأوليمبية.

وأشار تقرير عقاري من مؤسسة «إي سي هاريس» إلى أن موجة الاستثمار العقاري العملاقة سوف تتراجع قليلا بداية من عام 2014 بعدما تكتمل مشاريع قيمتها 8 مليارات إسترليني.

ويشير رئيس وحدة الأبحاث في الشركة، مارك فارمر، إلى أن الموجة الحالية يدفعها الطلب الأجنبي على اقتناء عقارات في لندن. وأضاف أن الدراسة شملت فقط العقارات الفاخرة التي يزيد فيها ثمن القدم المربع الواحد عن ألف إسترليني. وسوف تضيف هذه الموجة العقارية نحو تسعة آلاف عقار فاخر بمتوسط سعر لا يقل عن مليوني إسترليني للعقار الواحد.

وفي الوقت الذي يعاني فيه سوق العقار البريطانية الخمول بصفة عامة، فإن سوق عقار لندن تشهد موجة انتعاش غير مسبوقة بفضل الطلب الأجنبي من الشرق الأوسط والصين وروسيا وأنحاء أوروبا. وتبدو سوق العقار البريطانية رخيصة لهذه الجهات، نظرا لانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى أسلوب المعيشة في لندن والأمان من الاضطرابات السياسية التي تعصف بمواقع أخرى.

وقالت دراسة أخرى صدرت في لندن هذا الأسبوع من مؤسسة «نايت فرانك»، إن أسعار العقار في وسط لندن زادت بنسبة 8.3 في المائة في آخر 12 شهرا، وإن المعدل الحالي يفوق ما كانت عليه الأسعار خلال مرحلة الكساد بنحو 34 في المائة.

ولكن جمعيات الإسكان الشعبي وبعض الجمعيات الخيرية تطالب بزيادة الاهتمام بالإسكان الشعبي والمتوسط، لأن لندن تعاني نقصا مزمنا في هذين القطاعين. وتشكو هذه الجمعيات من أن لندن لا تحتاج إلى المزيد من الإسكان الفاخر، خصوصا أن معظم هذه العقارات تظل شاغرة معظم فترات العام. وتخشى الجمعيات زيادة الفجوة بين الفقراء والأثرياء في لندن.

وتؤكد جمعية إسكانية أن لندن تحتاج إلى 33 ألف وحدة عقارية شعبية سنويا وحتى عام 2017، من أجل تلبية الحاجة المتزايدة في هذا القطاع، وتطالب بأن تكون هذه القضية هي المحور الرئيسي في انتخابات عمدة لندن المقبلة.

من أضخم المشاريع التي ما زالت في طور التصميم بناء قرية كاملة في حي إيرلزكورت على أرض مركز معارض قديم لا يستخدم إلا مرات معدودة سنويا في الوقت الحاضر. وسوف يتم هدم الموقع تماما بعد انتهاء الدورة الأوليمبية في عام 2012 وبناء أربع قرى تضم 7500 منزل جديد مع مساحات خضراء تغطي الموقع الحالي الذي تغطي مساحته نحو 77 فدانا. وهي أكبر مساحة شاغرة في قلب لندن في الوقت الحاضر.

وسوف يضيف المشروع، بالإضافة إلى المساكن، نحو مليوني قدم مربع من المساحات التجارية ويوفر 23 فدانا من المساحات المفتوحة في لندن. وصمم المكتب الهندسي الذي يشرف على المشروع، من شركة «فاريل آند بارتنرز»، المشروع على أربع مناطق تحوي كل منها قرية خاصة. وتشمل المرحلة الأولى من المشروع بناء قرية اسمها «وست برومتون فيليج» تضم 800 مسكن منها 200 مسكن شعبي. وتبنى هذه المساكن ضمن مجمعات حديثة تصل بينها شوارع جديدة وميادين خضراء. وسوف تخصص هذه القرية للعائلات.

أما المرحلة الثانية، فهي لقرية إيرلزكورت الارستقراطية، ثم يبدأ العمل بالتزامن في قريتين أخريين هما «نورث آند» وهي قرية متعددة الثقافات، وقرية «وست كنزنغتون» التي ستكون بمثابة المركز التجاري للمشروع.

وسوف تسمح بلدية الحي بارتفاع عشرة طوابق للمجمعات السكنية وستكون الشقق بأحجام أكبر من المتوسط بمقاييس لندن. ويشمل المشروع أراض خلفية تعمل حاليا كمخازن للباصات. ولن يبدأ العمل في المشروع إلا بعد انتهاء الدورة الأوليمبية، لأن قاعة إيرلزكورت سوف تستضيف مباريات الكرة الطائرة في دورة الألعاب الأوليمبية.

هذا ويتكلف مشروع إيرلزكورت نحو ثمانية مليارات إسترليني، ولكنه يواجه بعض المعارضة من الأهالي على الرغم من الوعود بمنح مساكن جديدة لمن يسكن في مساكن شعبية في الوقت الحاضر. ويضم المشروع أيضا فنادق ومدارس ومكتبة ومركزا صحيا.

وترى الشركة العقارية المشرفة على المشروع، واسمها «كابكو»، أن الموقع يعد فرصة تطوير تاريخية، لأنه لا يمثل أي مشاكل ملكية مفتتة مثل بقية مواقع لندن، ولأنه الأكبر مساحة في وسط العاصمة.

استثمارات الشرق الأوسط وفي ما يتعلق باستثمارات الشرق الأوسط، لاحظ تقرير «غلوبال» أن نسبة الاستثمارات الواردة من المنطقة زادت بنسبة الضعف منذ العام الماضي. وكانت نسبة 60 في المائة من هذه الزيادة من دولة الإمارات، بينما زادت استثمارات آسيوية أخرى بنسبة 40 في المائة. ويمثل الأجانب في ما بينهم نسبة النصف لمشتريات العقار الفاخر في وسط لندن. وتقول الشركة إن ارتفاع الطلب يشير إلى المزيد من تراكم القيمة في عقارات لندن، خصوصا في الأحياء الفاخرة التي تجذب الطلب الأجنبي. ولاحظ التقرير أن مستثمري دول الخليج يفضلون أحياء بلغرافيا ونايتسبردج ومايفير وتشيلسي.

ويقبل العرب على لندن لأسباب متعددة منها الاستقرار الاقتصادي والسياسي والنظام القانوني الصارم في ما يتعلق بحقوق الملكية، وأيضا لإغراء فرص النمو والوجود في مركز مالي عالمي. كما تجذب المستثمرين معدلات الإيجار العالية في لندن حاليا التي تمثل نسبة أربعة إلى ستة في المائة من قيمة الاستثمار. وعلى الرغم من ارتفاع الطلب الأجنبي على عقارات لندن، فإنها ما زالت تعاني نقصا في قطاع العقارات الفاخرة الذي يجذب هذا القطاع من المستثمرين. ويشير تيم ميرفي، مدير شركة «غلوبال» للأبحاث، إلى أن عدم الاستقرار السياسي في بعض دول الشرق الأوسط سوف يجذب المزيد من الاستثمار العقاري العربي إلى لندن.

ويزداد التنافس بين الأثرياء الأجانب على العقارات الفاخرة المتاحة في لندن لاعتقادهم أن إمدادات هذا النوع من العقار محدودة وأن ظروف السوق الحالية تقدم لهم فرصا جيدة قد لا تتكرر. وأشارت عدة شركات عقارية إلى أن المخزون لديها من العقارات الفاخرة يقل عما كان متاحا منذ عام واحد بنسب تتراوح بين 20 و40 في المائة.

ويساهم في هذا الإقبال أيضا أن بعض بائعي العقار الفاخر سحب العقارات من السوق توقعا للمزيد من ارتفاع الأسعار، بينما دفعت أسعار الفائدة المنخفضة المشترين المترددين في التعجل في اتخاذ قرار دخول الأسواق لوجود الفوائض المالية التي لا تدر عوائد ذات قيمة، ولأن العقار يعد استثمارا أفضل في الأحوال المالية السائدة، لأنه يقدم لهم أفضل فرص الحفاظ على قيمة رؤوس الأموال. ولا توجد حاليا فرص استثمار أخرى مجدية في الأسواق. وبالنسبة للمشترين الأجانب، أضاف انخفاض سعر الجنيه الإسترليني إزاء اليورو والدولار حافزا إضافيا على الشراء. وتقول مصادر من شركة «هامتونز إنترناشيونال» إنها تلقت عروضا لشراء عقارات لندنية تزيد بنسبة ستة أضعاف عما كانت تتلقاه خلال الشهور الخاملة في العام الماضي. ولكن هذا الاهتمام ما زال مقصورا على أحياء معينة في لندن وعلى قطاع النخبة فقط.

وتؤكد شركة «نايت فرانك» أنها تلقت عروضا في مكتبها في حي تشيلسي خلال الشهور الستة الماضية أكثر مما تلقته خلال العام الماضي كله. وكان من الملاحظ أنها تلقت عرضا على أحد عقارات المنطقة يفوق في قيمته السعر الذي كان معلنا للعقار خلال ذروة السوق في عام 2007. من الشركات الأخرى التي سجلت ارتفاعا شركة «سافيل» التي قالت إنها تلقت عروضا هذا الشهر تفوق عما تلقته في الأشهر القليلة الماضية، وقالت شركة اسمها «وينكورث» إن أحد العقارات المعروضة في منطقة ناتنغ هيل تنافس عليها خمسة مشترين، وهو أمر لم يكن معهودا منذ عام 2007.

ومع ذلك، تحذر الشركات من أن العروض التي تتلقاها لا تؤدي كلها إلى مبيعات مسجلة، وأن من السابق لأوانه الحديث عن استقرار الانتعاش إلى السوق. ولكن هذه التطورات تساهم في تفاؤل أصحاب العقارات الذين عانوا تجمد السوق خلال السنوات الثلاث الماضية. ويشرح فيليب تينانت من شركة «هامتونز» الوضع السائد بأن الكثير من العروض ما زالت لا تصل إلى حجم توقعات البائعين الذين يطلبون ثمنا لعقاراتهم أكثر مما يتلقونه من عروض. ولكن الفجوة بين الطرفين تتقلص نسبيا في ما يبدو وكأنه عودة للثقة بالأسواق.

وينقسم المشترون، وفقا لشركة «نايت فرانك» إلى قسمين: المشتري المحلي الذي يملك بالفعل عقارا ويريد أن يبدله بعقار أفضل منه، والمشتري الدولي الذي يبحث عن الفرص ويدفع نقدا. أما المشترون للمرة الأولى الذي يريدون تمويل مشترياتهم بنسبة كبيرة من الاقتراض فما زالوا غائبين عن السوق. وتنشط السوق في القطاع الذي يصل إلى مليون إسترليني ويرتفع أكثر في القطاع الأعلى الذي يزيد على خمسة ملايين إسترليني. وتزداد نسبة تحقيق الصفقات بين الأثرياء الذين يملكون عقاراتهم الفاخرة المعروضة للبيع، لأنهم يتمتعون بالمرونة ويستطيعون التفاوض على الثمن لإنجاز الصفقات. أما بائعو العقارات المكبلة بنسب قروض كبيرة من ثمنها، فهم يترددون في خفض الثمن لأن البنوك ترفض ذلك أحيانا.

وتشير شركة «نايت فرانك» إلى عقار باعته في منطقة تشيلسي يفوق في قيمته ما دفعه المشتري في عام 2007. ومع ذلك بيع العقار بنحو نصف مليون إسترليني أقل من السعر المطلوب فيه وهو 3.1 مليون إسترليني. وبيعت عدة عقارات أخرى في المنطقة بأكثر مما طلبه البائعون فيها. وتشير الشركة إلى أن نشاط دخول مشتر آخر على الخط لزيادة السعر وخطف الصفقة، بدأ يحدث مؤخرا في حالات العقارات المتميزة التي يتم تسعيرها بأسعار عملية وجذابة. ويعتقد المشترون أن السعر الجذاب الآن هو ذلك الذي يقل عما كان عليه وقت ذروة السوق بنحو 25 في المائة. والبائع الذي يرفض تخفيض عقاره بهذه النسبة ما زال يجد صعوبة في العثور على مشتر. وتلاحظ شركات العقار زيادة الاهتمام فور تخفيض السعر المعلن وأيضا عندما يتقدم أي مشتر بعرض واقعي للشراء.

وينشط في السوق، على وجه الخصوص، فئة المليارديرات العرب والروس الذين يعتبرون لندن من أفضل أسواق العقار الدولي، خصوصا بعد انخفاض الجنيه الإسترليني. ويبحث هؤلاء عن الفرص سواء كانت تلك المخصصة لإقامتهم أو لمجرد الاستثمار. من جهة أخرى، تقوم شركات استثمار بشراء عقارات لندنية متميزة وتقوم بإجراء تعديلات وتجديدات عليها لكي تناسب احتياجات المشتري الدولي. ومن ضمن التغييرات التي تطرأ على العقارات الفاخرة التقليدية توفير مساحات تحتها لصف أربع سيارات على الأقل، وتطوير أجهزة الأمن فيها بما في ذلك تركيب كاميرات في كل الأرجاء. وبعض هذه العقارات به مقر دائم لحارس خصوصي، مهمته مراقبة كل ما يحدث، ليس فقط داخل العقار وإنما حوله أيضا.