أغلى قصر في بريطانيا لا يريد أحد شراءه

معروض للبيع منذ 6 سنوات مقابل 110 ملايين دولار

صورة خارجية للقصر («الشرق الأوسط»)
TT

هو أغلى عقار بريطاني بلا منازع، وأكبر حجما من قصر باكنغهام بالاس الذي تسكنه ملكة بريطانيا. اسمه «أبداون كورت» وثمنه 70 مليون إسترليني (110 ملايين دولار)، ولكنه العقار الذي لا يريد أحد أن يشتريه على الرغم من مواصفاته الخيالية وعرضه في السوق منذ عام 2005.

لكن رغم عرض القصر في السوق منذ ست سنوات فإن تسويقه فشل، ومع تراكم الأعباء المالية تحركت الحكومة الآيرلندية لبيع القصر بالقوة في المزاد العلني لكي تستعيد بعض الخسائر التي تكبدتها البنوك الآيرلندية التي مولت القصر في عصر الطفرة. ولكن الشركة التي تملك حصة في القصر هددت بأن إجراء كهذا سوف يعني الخسارة للجميع.

ولهذا القصر تاريخ حافل بدأ في عام 1924 بفيلا على نطاق أصغر تضم ثماني غرف نوم وأربعة حمامات وحمام سباحة خارجيا. وفي عام 1977 اشتراه الثري المصري سامي جيد وأقام فيه عشر سنوات، وعندما قرر بيعه وقعت الكارثة، حيث دمره حريق في عام 1987 حينما تعرضت بريطانيا لعواصف وأعاصير كانت الأسوأ خلال القرن الماضي. وبقي القصر شاغرا بعد الحريق لعدة سنوات، حتى تقدم رجل الأعمال البريطاني أنطوني بيرس لشراء العقار وتحويله إلى «قصر عربي». ولكنه لم يحسب حساب «النحس» الملازم لهذا العقار، ففي عام 2001 هجم نحو 40 ضابطا من إدارة الجمارك على القصر وقبضوا على بيرس بتهمة تبييض الأموال. وظل بيرس لعدة سنوات يدفع التهمة عن نفسه حتى تأكدت براءته في المحكمة، وبعدها هاجر إلى غير رجعة إلى أميركا، ربما ليبتعد إلى أقصى مكان ممكن عن «أبداون كورت». ولم يكن بيرس وحده هو ضحية هذا الهجوم القانوني على القصر، وإنما سمعة المكان نفسه أيضا.

بعد هذه الواقعة وصل إلى «أبداون كورت» المعماري ليزلي آلن فيركو، وهو ثري بريطاني صنع ثروته من العقار في روسيا خلال التسعينات، وقرر أن القصر فرصة رائعة للاستثمار وعرض فيه مبلغ 20 مليون إسترليني، لم يدفع منها جنيها واحدا. فقد وجد فيركو فرصة التمويل سانحة من بنك آيرلندي في عصر الطفرة الائتمانية واقترض منه مبلغ 60 مليون إسترليني لتحويل القصر إلى تحفة فنية تليق بثري مرموق. واتفق على أن يشترك البنك في الأرباح بنسبة الثلث عند بيع العقار بالإضافة إلى استعادة قيمة القرض والفوائد المستحقة عليه. وكانت حسابات فيركو كما يلي: 20 مليون إسترليني لشراء القصر و25 مليون إسترليني لتحديثه و15 مليون إسترليني فوائد القرض، دفعها كلها البنك الآيرلندي. وكانت الصفقة العجيبة تنص على أنه لو استطاع فيركو بيع القصر بأرباح فله نصيب الثلثين منها وإذا بيع القصر بالخسارة لا يتحمل فيركو أي نسبة من الخسارة.

وعندما اكتملت أعمال القصر في عام 2005 كان سوق العقار البريطاني في أوج انتعاشه، ولو استطاع فيركو بيعه في ذلك الوقت بمبلغ 70 مليون إسترليني لكان قد حقق من الصفقة التي لم يدفع فيها جنيها واحدا نحو 13 مليون إسترليني. ولكن رغم الدعاية الصارخة في ذلك الوقت بأن «أبداون كورت» هو أغلى عقار سكني في العالم، لم يمكن العثور على المشتري المناسب لهذا العقار.

ولكن ما حدث فعلا هو أن البنك الآيرلندي أفلس في أزمة الائتمان العالمية، ربما لأن معظم قروضه كانت من هذا النوع العشوائي، وتحولت قروض البنك إلى التأميم، أي إلى الحكومة الآيرلندية التي تدير الديون لصالح دافعي الضرائب الآيرلنديين. وفيما تهدد الحكومة الآيرلندية بإنهاء هذا الوضع المجمد وبيع القصر ولو بالمزاد العلني، فإن فيركو ينفي هذا التوجه ويقول إن الحكومة الآيرلندية سوف تكون أكبر الخاسرين لو اتخذت هذه الخطوة. فالأثرياء الذين يستطيعون شراء مثل هذا العقار يريدون السرية والعرض العلني في المزاد سوف يجعل من القصر مسرحا لزيارة الفضوليين. ويقول فيركو إنه لو عرف ما جرى له من هذا القصر، لركض مليون ميل بعيدا عنه!» وهو لا يتوقع أي أرباح لنفسه بعد ثماني سنوات من العمل الشاق لتجهيز القصر للبيع.

وبالطبع يتندر الإعلام البريطاني بقصة القصر الذي يعبر عن عقلية عصر الطفرة التي كانت تعمل بنظرية: تجهيز قصر بريطاني برخام إيطالي وتمويل آيرلندي لثري عربي أو روسي أو صيني. وما زال فيركو يعتقد أن استراتيجيته الأصلية كانت سليمة وأن ما أفشل إتمام الصفقة هو التسويق الخاطئ. فهو يؤكد أنه لو تم استكمال بناء وتجهيز «أبداون كورت» بهدوء ثم البحث عن مشتر بطريقة سرية وعن طريق الوكلاء فقط لكان من السهل بيعه. وهو يعتقد أنه يناسب شخصا مهما مثل الأمير أندرو.

ولكن بدلا من اتباع السرية، لجأت الشركة المسوقة للعقار إلى أسلوب مغاير. فمع تزايد الأخبار عن «أبداون كورت» وشائعات حول التمويل وشخصيات المشترين، التي شملت العديد من الأمراء الخليجيين، قررت الشركة فتح أبواب القصر للصحافة. وكانت هذه غلطة قاتلة. فكتب أحد الصحافيين أن القصر يحتوي على مرمى لإطلاق النار، مما تسبب في زيارة من الشرطة والمخابرات لتحري الأمر. ووصلت إلى القصر محررة يابانية بطائرة هليكوبتر لكي تقدم تقريرا تلفزيونيا عن القصر تضمن كل معالمه الخارجية والداخلية. وقرر صحافي أسترالي أن يجرب حمام «الجاكوزي» عاريا! عندئذ فقط عرف فيركو أن لديه مشكلة لا حل لها في بيع «أبداون كورت» لأن الأثرياء يحرصون كثيرا على خصوصياتهم ولا يريدون استثمارا يعرف العالم تفاصيله ويتندر بها. وهو يشير إلى أن العديد من الأثرياء الروس الذين لا تهمهم السرية كثيرا تقدموا لاستعراض تفاصيل القصر ولكن أيهم لم يقدم عرضا للشراء حتى ولو بثمن أقل من المطلوب. وحاول فيركو عن طريق وكلائه التقدم مباشرة لبعض كبار الشخصيات بعروض للبيع، منهم الثري الروسي أليشير عثمانوف الذي يمتلك 29 في المائة من أسهم نادي أرسنال. كما تقدم فيركو بعرض إلى شيخ إمارتي يملك قصرا مقابلا لقصر «أبداون كورت» بغرض إنشاء نفق تحت الأرض يصل القصرين معا، ولكن العرض قوبل بالرفض.

ويشير جون ديني مدير التسويق في شركة «هامتونز إنترناشيونال» المشرفة على تسويق «أبداون كورت» إلى أن الفريق الذي يقود التسويق يعاني الكثير من سوء الحظ. وهو يؤكد أنه تسلم التسويق منذ عام 2008 واصطحب العديد من الزبائن المحتملين إلى القصر، ولكنه يؤكد أن «هذا العقار فريد من نوعه ويحتاج إلى مشتر من طراز خاص يريد عقارا بديلا عن قصور لندن».

وقد يكون سوء الحظ، أو سوء التسويق، أو حتى «النحس» هو سبب عدم بيع «أبداون كورت» لمدة ست سنوات من التسويق. ولكن السبب الأرجح أيضا هو ما عبر عنه أحد الصحافيين الذين زاروا هذا القصر، حيث وصفه بأنه «بيت الرعب». فقد توقع الصحافي أن يرى مظاهر البذخ والإسراف في قصر من هذا النوع ولكنه اكتشف أنه «مزيج من سفينة سياحية وفندق مهجور من فنادق دبي»، على حد قوله. ويبدو أن السبب الواقعي لعدم بيع هذا العقار هو أنه يبالغ في التظاهر والإسراف الذي لم يعد بناسب العصر، كما أن ذوقه في التصميم الداخلي «مريع» على حد قول أحد مهندسي الديكور ممن شاهدوه عن كثب.

وعلى حد وصف الإعلام البريطاني الذي زار هذا القصر، فإن الرخام ينتشر في الأرجاء ولكن بلا ذوق في التصميم، وتبلغ قمة سوء التصميم في تصميم مشهد جبل فوجي المكون من 100 ألف قطعة موزاييك فوق حائط حمام السباحة الرئيسي. ويصف الإعلام المدخل الرئيسي مزدوج السلالم المستعار من تصميم قصر فيرساتشي في ميامي، بأنه «بلا روح»، وكذلك غرف النوم التي يبلغ عددها 103 غرف. ويبدو أن التصميم العام لا يروق لأي ممن شاهد القصر، وهو من تصميم الأميركي جون شولتز المتخصص في بناء قصور نجوم هوليوود.

وحتى عندما استخدمت الـ«بي بي سي» هذا القصر لتصوير بعض أعمالها الدرامية صورته على أنه السفارة الروسية في لندن، وفي حلقة أخرى صورته على أنه بيت للرعب والتعذيب. وفي إحدى الحلقات الوثائقية استخدمته على أنه أحد قصور صدام المدمرة في المنطقة الخضراء. ولا يساعد الإهمال الظاهر في العناية بهذا العقار على تشجيع المشترين للتقدم بعروض، خصوصا فيما يتعلق بحمامات السباحة ذات المياه الخضراء الراكدة التي تفوح منها روائح العفن.

ورغم ذلك فالمواصفات هي من الدرجة الأولى، حيث تم إنفاق سبعة ملايين إسترليني على الإلكترونيات والسباكة والتكييف، بحيث يمكن التحكم في الوظائف من أي مكان في العالم عن طريق كومبيوتر «لاب توب»، بحيث يمكن إطفاء الأنوار والتكييف أو حتى مراقبة المكان من أي موقع في العالم.

ويقول فيركو إن لديه ثلاثة مشترين محتملين لهذا القصر، وإن كان الاعتقاد السائد أن ثمن البيع سوف يكون أرخص كثيرا من السعر المطلوب وهو 70 مليون إسترليني. والمتوقع أن تستعيد الحكومة الآيرلندية بعض خسائرها وأن يتخلص فيركو من القصر بلا أرباح تذكر وأن يتحمل الخسارة في الاستثمار السابق حملة أسهم البنك الآيرلندي الذين هم من دافعي الضرائب بعد تأميم البنك.

ولكن حتى هذا السيناريو غير محتمل لأن القائمين على تسويق هذا القصر يكررون حديث العثور على مشتر منذ ست سنوات بلا نتيجة. وقد اقترح أحد الصحافيين الاستفادة من العقار بتحويله إلى سفارة آيرلندا في بريطانيا! وربما يكون الاقتراح الأفضل هو الاتصال بعائلة اسكوتلندية فازت هذا الشهر بأكبر يانصيب أوروبي قيمته 186 مليون إسترليني، فهي من الأسر القليلة التي يمكنها شراء مثل هذا العقار للسكن فيه.

من الاقتراحات الأخرى التي وردت إعلاميا هدم العقار بأكمله وبيع الأرض للمقاولين للاستفادة منها في بناء منازل وعقارات يبغي متوسطو الدخل المعيشة فيها. فالمساحة يمكنها أن توفر حيا سكنيا بأكمله قد تكون قيمته مجتمعة أكبر من قيمة البناء الحالي، إن قصر «أبداون كورت» يثبت أن التطوير المعماري فن يجب أن يأخذ في الاعتبار ما يريده العميل. ففي هذا القطاع يريد المشتري قطعة من التاريخ البريطاني العريق، تستغرق في المعمار التقليدي من الخارج وتوفر له كل مزايا المعيشة الحديثة في الداخل.

وما زال فيركو يعتقد أن القصر «بني على الذوق العربي، ولكن لسبب ما لم يقدم العرب على شرائه». وهو يروي أنه على مدى ست سنوات اصطحب نحو 40 مشتريا لمشاهدة القصر، يعتقد أن من بينهم عشرة فقط لديهم القدرة المالية على الشراء. أما الآخرون فهم حفنة من المخبولين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون خداع الآخرين في مدى ثرائهم، وهم على الأرجح لا يملكون شيئا. من بين هؤلاء سيدة ادعت أنها أم أولاد مايكل جاكسون وأنها سوف تعيش معهم في القصر. من بين المشترين المحتملين مستثمر أبدى إعجابه الفوري بالقصر ووقع شيكا بكامل المبلغ اتضح فيها بعد أنه بلا رصيد. وفي حالة أخرى دفع ثري روسي مبلغ مائة ألف إسترليني كمقدم للقصر ثم غير رأيه وخسر المبلغ.

أما عن المبلغ المطلوب في «أبداون كورت» حاليا فهو أي رقم فوق الثلاثين مليون إسترليني. فالقرض الأصلي البالغ حجمه 60 مليون إسترليني تم تخفيضه إلى النصف، ولذلك فإن أي مبلغ يزيد على 30 مليون إسترليني يمثل ربحا للحكومة الآيرلندية. ولكن فيركو لن يحصل على أية عوائد في كل الأحوال لأنه فشل في بيع القصر بأكثر من ثمن الاستثمار الأصلي.

* حجمه أكبر من قصر «باكنغهام بالاس» الملكي

* يقع القصر على مساحة 50 ألف قدم مربع، واستخدم في بنائه 250 طنا من الرخام الإيطالي، وتحيطه حدائق مساحتها 58 فدانا. من تجهيزاته ملعبا اسكواش تحت الأرض ومكان لصف السيارات طوله ربع ميل يتم تسخينه من تحت الأرض، وخمسة حمامات سباحة منها حمامان داخليان، تحولت المياه فيهما إلى اللون الأخضر من طول الإهمال! ويتسع جراج السيارات إلى ثماني سيارات رولزرويس.

ولا يبعد الموقع كثيرا عن لندن حيث يقع القصر على مقربة خمسة أميال جنوبي مدينة أسكوت المشهورة بسباقات الخيل.

يحتوي القصر على 103 غرف. وتبلغ ميزانية إدارة القصر بكامل أطقم الخدمة فيه نحو مليون إسترليني سنويا. ورغم خفض ميزانية الصيانة إلى الحد الأدنى، فإن القصر في حالته الراهنة يتكلف نحو 60 ألف إسترليني شهريا للحفاظ على الإطار العام للقصر ووظائفه ودفع العوائد المستحقة عليه. وتبلغ فاتورة الغاز وحدها نحو 8 آلاف جنيه إسترليني.