لماذا تجذب عقارات السواحل البرازيلية المزيد من المستثمرين الأجانب؟

فيلا بخمس غرف وحدائق على الساحل الشمالي بمليون دولار

جانب من مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية («الشرق الأوسط»)
TT

المرة الأولى التي عرف فيها العالم بوجود الساحل الشرقي للبرازيل كمنطقة جذب سياحي كانت في الستينيات عندما صورت الصحافة نجمة السينما الفرنسية بريجيت باردو وهي تتنزه على الشاطئ هناك. ولكن المناطق الشمالية ظلت مهملة لعشرات السنين رغم أنها تطل على أفضل وأنظف سواحل على المحيط الأطلسي.

وفي القرن التاسع عشر كانت هذه الأراضي توزع مجانا على العبيد نظرا لأنها قليلة الإنتاجية ولا يمكن استغلالها في إنتاج قصب السكر، وكان حينذاك هو محصول البرازيل الرئيسي ومصدر ثروتها. أما الآن فقد تغيرت الأحوال وأصبحت أراضي الساحل الشمالي الشرقي هي أكبر منطقة جذب معماري وسياحي في البرازيل بفضل شواطئها الرائعة ووجود مساحات الأراضي التي تكفل مشروعات معمارية جيدة التخطيط.

وهذا الصيف استضافت هيئة تشجيع السياحة والاستثمار العقاري في البرازيل معرضا عقاريا في مدينة فورتاليزا، ونتيجة لهذا المعرض أكدت الهيئة بداية مشاريع عقارية حجمها 1.6 مليار دولار معظمها في مناطق السواحل الشمالية الشرقية. ورصدت الهيئة نمو هذه المنطقة بنسبة 9.3 في المائة سنويا مقابل نسبة نمو عقاري في البرازيل بشكل عام تبلغ 7.5 في المائة.

أحد المنتجعات الجديدة في المنطقة اسمه «اكيراز ريفييرا» ويقع على مساحة 285 فدانا على سواحل الأطلسي بالقرب من مدينة فورتاليزا، وتتوزع فيه نحو 600 فيلا على مساحات خضراء بقنوات اصطناعية بسعر يصل إلى 500 ألف دولار للوحدة. وتتمتع المنطقة بطقس معتدل طوال العام بدرجة حرارة تصل إلى 27 درجة، مع حرارة 25 درجة لمياه المحيط. وهي ميزة إضافية عن المناطق الجنوبية التي تعاني من المواسم المختلفة وتغلق أبوابها في فصل المطر بين مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام. وتتاح في المنطقة فرص الاستثمار في فيلات ساحلية بحدائق تضم خمس غرف وبأسعار لا تزيد عن المليون دولار.

ومن أفخم العقارات البرازيلية المتاحة في مدينة فورتاليزا شقة مساحتها 550 مترا مربعا تطل على المحيط بمشهد بانورامي رائع. وهي مكونة من خمس غرف نوم، وغرفة مكتب ومرآب لست سيارات وشقة ملحقة للخدم وهي تضم حماما للسباحة ومرفأ خاص لليخوت. ويصل سعر هذه الشقة إلى 2.7 مليون دولار.

وتبدو أهمية مدينة فورتاليزا من اختيارها ضمن 12 مدينة برازيلية سوف تستضيف مباريات كأس العالم عام 2014. وقد نتج عن هذا الاختيار استثمارات بلغ حجمها نحو 800 مليون دولار من أجل تحسين الخدمات في المدينة وبناء الطرق ودعم وسائل المواصلات فيها. كما انعكس الاختيار على أسعار العقارات في المدينة التي ارتفعت توقعا لقدوم آلاف المشجعين الذين يريدون الإقامة في المدينة أثناء فترة مباريات كأس العالم.

ولاحظت شركات العقار أن المستثمرين من البرازيل يمثلون نسبة أكبر من تلك التي توقعتها الشركات في المشاريع الجديدة، وذلك بسبب النمو الاقتصادي الكبير وزيادة الثروة في البلاد، على عكس ما هو سائد في الدول الغربية. ويمثل البرازيليون نسبة 95 في المائة من إجمالي المستثمرين في بعض المشروعات.

من العوامل الأخرى قوة العملة المحلية إزاء الدولار بالمقارنة بما كان عليه الوضع قبل خمس سنوات. وانعكس هذا على قيمة العقارات البرازيلية المقومة بالدولار الأميركي التي تضاعفت قيمتها خلال الفترة نفسها.

وهناك كثير من قصص شراء العقار البرازيلي، بعضها ناجح ومربح والبعض الآخر يمنح الآخرين عبرة في ضرورة تجنب الشركات المشبوهة. أحد المستثمرين البريطانيين اشترى منزلا بقيمة 80 ألف إسترليني وأنفق 20 ألفا أخرى على تحديثه، والآن بعد خمس سنوات من الشراء يبلغ ثمن هذا العقار نحو ربع مليون إسترليني.

مستثمر آخر اشترى من على الخريطة ودفع نصف الثمن مقدما، ولكن الشركة العقارية أعلنت إفلاسها. واكتشف المستثمر الأجنبي عدم أحقيته في أي تعويض وفقا للقانون البرازيلي لأنه لم يسجل نفسه مع مصلحة الضرائب المحلية ويحصل على رقم ضريبي.

وتقول شركات العقار النشيطة في السوق الآن إن على المستثمر الأجنبي أن يحصل على الرقم الضريبي أولا لحفظ حقوقه والتأكد من تراخيص الشركة البائعة. ومن الأفضل أن تكون الشركة تبيع للبرازيليين والأجانب على السواء حتى يتأكد المشتري أن أسعارها مقبولة محليا، وتعتقد شركة «غولدمان ساكس» المالية أن موجة زيادة القيمة العقارية في البرازيل سوف تستمر في المدى المنظور بسبب ازدهار الاقتصاد البرازيلي الذي سوف يصبح، في تقديرها، خامس أكبر اقتصاد عالمي في منتصف هذا القرن. وهو اقتصاد غني بالمواد الأولية، كما تأكد اكتشاف النفط البحري بكميات وفيرة في مياهه الإقليمية في السنوات الأخيرة. وينعكس ذلك أيضا على العملة التي ترتفع قيمتها وعلى نمو الاستثمار الأجنبي فيها. وتستعد البرازيل من الآن لاستضافة مسابقة كأس العالم لكرة القدم عام 2014.

وتتاح القروض العقارية حاليا في البرازيل للطبقة المتوسطة التي حرمت منها طويلا. وتدخل البنوك الأجنبية منافسة في تقديم التسهيلات العقارية للمستثمرين في البرازيل وأيضا للمشترين المحليين. وتلتزم البنوك بشروط إقراض صارمة من الحكومة البرازيلية التي لا ترغب في تكرار فضيحة الرهن العقاري على أراضيها.

وبلغ من جاذبية العقار أن كثيرا من كبرى الشركات البرازيلية من مجالات أخرى قررت أن تدخل المنافسة في الاستثمار العقاري. وتعرض شركة استثمار عقاري اسمها «ريسيرفا دو بايفا» 67 منزلا ساحليا للبيع من على الخريطة الآن. ولكن برامج توسعها في المستقبل تشمل عرض 400 منزل و2500 شقة بعد عشر سنوات. وتشمل التجهيزات الأخرى في مشاريعها ملعب غولف وأكاديميتين للتنس وكرة القدم ومركزا لركوب الخيل ومنشآت بيئية طبيعية ومطاعم ومنافذ بيع ودار حضانة ومركز شرطة. كما تبني الشركة جسرا مباشرا لكي تربط مشروعها بالمطار لتجنب زحام المدن القريبة.

ويتوجه نصف حجم هذا المشروع إلى الاستثمار الأجنبي من أوروبا ومناطق أخرى بأسعار تبدأ من نصف مليون دولار إلى مليوني دولار. وبالمقارنة تبدو المشاريع البرازيلية أرخص من مثيلتها في مواقع أخرى، وهي تتيح فرص نمو كبيرة وعوائد جيدة على الاستثمار. وتقول الشركة إن البرازيل سوف تصنف ضمن الدول ذات الملاءة في الاستثمار العقاري في غضون عامين من الآن مما يعني أن أسعار العقار سوف ترتفع أكثر. كما أن حجم السوق المحلية يضمن استمرار الطلب على العقار، في حالة أراد المستثمر الأجنبي البيع والتوجه لمواقع أخرى.

وتتمتع المناطق الشرقية الشمالية في البرازيل بثقافة أفرو - برازيلية لأنها منطقة كانت تستقبل ملايين العبيد الأفريقيين في القرون الماضية للعمل في مزارع قصب السكر. وهي الآن تتيح مناخا يبدو أكثر قربا للبحر الكاريبي عنه للبرازيل. وهي منطقة ذات طقس مداري حار وشواطئ رملية ناعمة مع شمس ساطعة معظم فترات العام. كما أنها منطقة خالية من الأعاصير والتسونامي وبحارها هادئة معظم فصول العام.

من المساوئ القليلة للاستثمار الأجنبي في البرازيل أن الأجانب لا يمكنهم الحصول على تمويل محلي لشراء العقار، رغم أن لهم حقوق الملكية الكاملة مثلهم مثل بقية أهل البرازيل أنفسهم. وبالطبع فإن الصعوبة الأخرى هي المسافة التي تبلغ عشر ساعات طيران من أوروبا، وأطول من ذلك من الشرق الأوسط، مع صعوبة الحصول على الطيران المباشر لمواقع الاستثمار العقاري. فمعظم الرحلات الجوية تمر بمدينة رئيسية مثل ريو دي جانيرو قبل الوصول إلى الجهة المحلية، مثل سلفادور أو ريسيف، عبر رحلة جوية داخلية أخرى. وتأمل شركات التعمير أن تقبل شركة طيران كبرى في النصف الثاني من هذا العام على إضافة هذه المدن البرازيلية على قائمة المدن التي تطير إليها مباشرة.

وحتى الآن تتوجه المشاريع البرازيلية إلى فئة معينة من المستثمرين لا تعنيهم هذه السلبيات حيث لا يحتاجون إلى التمويل المصرفي ويسافرون في الدرجة الأولى أو بالطائرات الخاصة. واستطاعت شركة استثمار أن تحصل على تمويل من بورصة لندن قدره 44 مليون إسترليني لتنفيذ مشاريع فاخرة على سواحل البرازيل تشمل فيلات بمساحات لا تقل عن 750 مترا مربعا. وتباع هذه الاستثمارات بأسعار تصفها الشركة بأنها تقل أربع مرات عن أسعار عقارات مماثلة في فوكيت بتايلند وأقل من النصف عنها في جزر البحر الكاريبي. وهي تتوجه بهذه العقارات أساسا إلى السوقين الأميركية والأوروبية.

وهناك كثير من المستثمرين الأوروبيين من الفئة المتوسطة التي تشتري وحدات من على الخريطة أو تتوجه إلى الأراضي للاستثمار والبيع بعد عامين على أمل أن يتضاعف الثمن. ولا تفرض البرازيل أي ضرائب قيمة مضافة إذا أعاد المستثمر استثماره في البرازيل في غضون ستة أشهر من البيع. ويقبل المستثمرون على البرازيل لعدة أسباب أخرى بخلاف تنمية رأس المال، فهي توفر أسلوب معيشة متميز وحياة ذات وتيرة هادئة واختلاطا سهلا مع أهل البلاد الذين يقدرون قدوم الاستثمار الأجنبي إلى بلادهم. وحتى الطبقات الفقيرة لا تشعر بالغيرة وتعرف أن الاستثمار الأجنبي يعود بالخير على الجميع.

وفي منتجع سلفادور على الساحل الأطلنطي يجري تشطيب البناء في أعلى ناطحة سحاب في المنطقة، واسمها «وايلدبرغر تاور» في منطقة فيتوريا. وفي الأيام الصافية يمكن النظر من أعلى الناطحة إلى مسافة 40 ميلا، ولكن الأهم من ذلك أن المنطقة كلها على مرمى البصر يمكنها أن ترى الناطحة كعلامة مميزة للمدينة. وتباع الشقق الفسيحة في الناطحة بأسعار تبدأ من ثلاثة ملايين دولار، مع تخصيص ربع الوحدات للأجانب.

وتقول الشركة المطورة للمشروع أنه كان بإمكانها بيع كل الوحدات للمستثمرين المحليين من البرازيل ولكنها أرادت أن تلفت نظر المستثمر الدولي إلى الإمكانيات المتاحة في البرازيل بمعايير عالمية وبنصف ثمن العقارات المماثلة في ميامي أو في آسيا.

وكانت أهم التطورات التي حدثت مؤخرا موافقة مجلس المدينة على تغيير القوانين الخاصة بالبناء وتسهيل البناء على السواحل، كضرورة لاجتذاب أكبر الأسماء العقارية في العالم. ويعتقد عمدة المدينة أن كثيرا من الفنادق العالمية لديها الرغبة في بناء منتجعات ساحلية في البرازيل ولكنها لم تستطع ذلك في الماضي بسبب قيود البناء الساحلي. وهو يعترف أن القرار ظل يواجه ما سماه «معارضة عاطفية» لمدة طويلة حتى اقتنع الجميع أن المنطقة بحاجة إلى تنمية اقتصادية وأن تسهيلات الاستثمار الأجنبي هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك.

ومن ينظر إلى إحصاءات المنطقة اقتصاديا يعرف أن قرار فتح باب الاستثمار الأجنبي كان حتميا، حيث عدد العاطلين عن العمل يقارب النصف مليون من تعداد يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة. كما ظلت المنطقة تعاني من الديون منذ 30 عاما، وهي تفتقر إلى الخدمات وإلى الدعم الحكومي المركزي.

وتتعاون الآن أمانة الشؤون الخارجية مع جهات الاستثمار الأجنبي على تأسيس قواعد النشاط العمراني ودراسة كافة الأفكار الجديدة لنهضة المنطقة بداية من تشجيع سياحة المؤتمرات وحتى تشجيع ملكية الأجانب لعقارات سياحية في المنطقة. ولكن رغم المزايا الكثيرة التي تتمتع بها منطقة سلفادور، فإنها تعرف أيضا أن المستثمر الأجنبي يريد قوانين واضحة وشفافية في التعامل وكفاءة في التنفيذ والالتزام بالوعود. وتلتزم السلطات المحلية حاليا باتخاذ قرار بشأن طلبات الاستثمار العقاري في غضون 27 يوما بدلا من عدة سنوات، كما تعمل على تعديل معدلات الضرائب وتبسيطها.

وحتى الآن يقتصر الإقبال السياحي الكبير على الفنادق البرتغالية والإسبانية الكبرى، مع دخول شركة فنادق «هيلتون» لتحديث فندق تاريخي على الساحل. وتطمئن الحكومة المحلية المستثمرين الجدد بأن قيود البيئة سوف تنفذ في المنطقة حيث تشترط أن تكون العقارات الساحلية على بعد 60 مترا من الساحل على الأقل، مع مسافات كافية بين المشروعات وشروط بيئية للمحافظة على طبيعة الموقع.