هجوم صيني ـ عربي على القصور الريفية البريطانية

الطلب تضاعف في العام الأخير في منطقة جنوب شرقي إنجلترا

أحد العقارات الريفية الفاخرة في إنجلترا
TT

يتفق خبراء العقار في شركتي «سافيلز» و«نايت فرانك» على أن معظم مبيعات القصور الريفية البريطانية تباع الآن لأجانب وليس لأرستقراطيين إنجليز كما كان العهد في السابق. ويتفق هؤلاء على أن الموجة الروسية تتراجع أمام موجة غزو جديدة يتقدمها العرب والصينيون. وتتوجه نسبة كبيرة من الأجانب إلى الريف البريطاني بعد شراء عقارات في وسط لندن. وهم يعرفون تماما المواصفات التي يريدونها في هذه القصور الريفية التي تسمى «Country Houses».

وقبل عدة سنوات كان الطلب المتعارف عليه في أوساط العقار البريطانية هو انتقال الأثرياء من المصرفيين ورجال الأعمال من لندن إلى الريف واختيار القصور التي توفر لهم الخصوصية و«البرستيج»، خصوصا قرب فترة التقاعد. أما الآن فقد انفتحت هذه السوق أمام المستثمر الدولي، خصوصا من الشرقين الأوسط والأقصى.

من ناحية يقول كريسبن هولبرو، رئيس قسم مبيعات القصور الريفية في مؤسسة «سافيلز» العقارية، إن هناك قيمة مضافة في نظر المستثمر الأجنبي لهذه العقارات الريفية لدرجة أن البعض مستعد الآن لدفع علاوات تصل إلى 23 في المائة من الثمن للحصول على العقار المطلوب. ويبحث المستثمر الأجنبي عن العقارات في مواقع جيدة بمساحات كبيرة من الأراضي حولها توفر له الخصوصية التي يبتغيها. ويوافق تشارلي ويلز، مدير موقع عقاري اسمه «برايم بيرشيس»، على هذا التحليل، ويضيف أن تاريخ العقار عادة ما يلعب دورا هائلا في تحديد قيمته. فالكثير من المشترين الأجانب يستثمرون للمدى البعيد جدا، أي لأجيال مقبلة، ويعرفون أن بعض القصور الريفية تأتي إلى السوق أحيانا مرة واحدة كل قرن من الزمان. فالمشتري يبحث في الواقع عن «قطعة من التاريخ الإنجليزي».

أحد القصور المعروضة حاليا يوضح هذه النقطة. فالعقار اسمه «مانور هاوس» في منطقة شاملي غرين، وهو مكون من 8 غرف نوم، وتم بناء القصر في عام 1895. وتعرض القصر شركة «هيل كليمنتس» في مدينة غيلدفورد بمبلغ 5 ملايين جنيه إسترليني.

عقار آخر تسوقه شركة «سافيلز» يسمى «كنغستون وود مانور» في مقاطعة كمبريدجشاير، وتحيط به مساحات شاسعة من الأراضي وتطلب فيه الشركة ما بين 8.5 إلى 9 ملايين جنيه إسترليني. ويباع قصر آخر اسمه «بليدسلو» في منطقة كوتسولدز بسعر 8 ملايين جنيه إسترليني وتعرضه شركة «سافيلز» أيضا.

ويقول أندرو هاي، مدير قسم القصور الريفية في شركة «نايت فرانك»، إن ما يجذب الأجانب إلى العقارات الريفية البريطانية وجود المدارس الجيدة والمساحات الواسعة والقرب من المطارات المحلية التي تصل المشتري الثري بعقاره فورا برحلات طيران خاصة. ويلاحظ هاي وجود أعداد متزايدة من الأطفال الصينيين والعرب في منطقة جنوب شرقي إنجلترا يدخلون صفوف التعليم الجامعي البريطاني وتبحث عائلاتهم عن مواقع قريبة للإقامة فيها. وهو يقدر وجود 15 ألف طالب صيني في صفوف التعليم المختلفة في بريطانيا يدفع الطلب على القصور الريفية. ويزداد الطلب بصفة خاصة من العائلات التي يدرس أبناؤها في مدارس مثل تشيلتنهام كوليدج أو هيدنغتون أكسفورد.

ولعل الحافز الأكبر لشراء القصور الريفية البريطانية هو سعر هذه القصور. ويعتقد رئيس القطاع الإسكاني في شركة «نايت فرانك»، ليام بيلي، أن التوقيت الآن هو الأفضل للخروج من لندن إلى الريف الإنجليزي. ويضيف أن الأسعار في لندن الآن أعلى مما كانت عليه في شهر مارس (آذار) عام 2009. ولكن خلال الفترة نفسها ارتفعت أسعار القصور الريفية البريطانية بنسبة 8 في المائة فقط، ويعني هذا أن من يبيع عقاره في لندن للشراء في الريف البريطاني لديه قوة شرائية إضافية تبلغ 23 في المائة عما كان عليه الوضع في عام 2009.

ومع استمرار ارتفاع أسعار العقار الفاخر في لندن، تبدو أسعار القصور الريفية جذابة للغاية. فهي ما زالت أقل من الذروة التي بلغتها في عام 2007 وتقع عند مستويات كانت سائدة في عام 2005. ويضيف بيلي أن المشترين الأجانب يقتنون الآن أكثر من نصف عقارات لندن التي تزيد في قيمتها على مليوني جنيه إسترليني، ويذهب بائعو هذه العقارات إلى القصور الريفية التي يعتبرونها بديلا أفضل.

وتقول أبحاث شركة «سافيلز» إن هناك مناطق ساخنة للاستثمار في الريف البريطاني، حيث نصف القصور الريفية التي بيعت في قطاع الـ5 ملايين جنيه إسترليني على الأقل لمشترين أجانب تقع في مقاطعات ساري، وهامبشير، وأكسفوردشير، وباركشير. وتباع القصور الريفية خارج لندن لأجانب بمعدل قصر واحد من كل 3 قصور مباعة.

ويقول وكيل الشراء في شركة «ميدلتون»، توم هادسون، إن المحركات الرئيسية لشراء الأجانب خارج لندن هي القرب من العاصمة والمطارات، وبالنسبة لهؤلاء الذين لهم جذور إقامة طويلة الأجل في بريطانيا، القرب من المدارس الخاصة الجيدة. ولكن الأساس، وفقا لهدسون، هو القرب من لندن. وهناك بعض الفروق بين المناطق، ففي منطقة كوتسولد تأتي الفخامة على قمة لائحة المتطلبات للمشتري الأجنبي الثري، أما في ساري فإن القرب من لندن والجوانب الأمنية و«البرستيج» تأتي في قمة الأولويات، أما المقاطعات الريفية البعيدة نسبيا فالعامل الرئيسي فيها هو الخلود إلى الهدوء والسكينة في جو ريفي خالص.

ويقول مندوب شراء شركة «ميدلتون» في منطقة كوتسولد، جيمس دافيز، إن القرى المعزولة أصبح من النادر العثور على قصور ريفية فيها، ويتركز البحث الآن على القصور في القرى التي تحيط بالمدن المتوسطة التي تعقد فيها الأسواق الأسبوعية. وهناك عشرات القرى في المنطقة التي توفر مجموعة جيدة من القصور بكل الأحجام. ومع ذلك فهو يشير إلى ما يسميه «فجوة توقعات» بين ما يريد المستثمر الدولي وما تقدمه القصور الريفية البريطانية. فالمستثمر الدولي يبحث عن قصر تقليدي من الخارج يحتوى على أحدث التجهيزات في الداخل، وهذا غير متاح في معظم القصور البريطانية التي تبدو عتيقة في الداخل أيضا وتحتاج إلى الكثير من التحديث.

وهناك الكثير من النماذج الجيدة لقصور ريفية تعرضها شركة «نايت فرانك» للبيع الآن بأسعار تتراوح بين 4 و5 ملايين جنيه إسترليني. وما زال الطلب الدولي على القصور الريفية البريطانية في تصاعد، حيث تشير إحصاءات شركة «سافيلز» إلى أن البريطانيين يمثلون نسبة 66 في المائة من المشترين لهذه القصور ونسبة 83 في المائة من البائعين، وهذا يعني تزايد نسبة المشترين الأجانب باطراد.

ولكن من هم المشترون في هذا القطاع؟

يقول فيليب سيلواي، من وكالة الشراء «باينغ سوليوشن»، إن المشتري في هذا القطاع ينقسم إلى عدة فئات منها نحو 15 في المائة من الأثرياء بالوراثة، ومثلهم من الذين كونوا ثرواتهم من الاستثمار العقاري أو في الأوراق المالية. ونسبة كبيرة من فئات المشترين النشطين في أسواق بريطانيا حاليا هم من الأثرياء الأجانب. ويأتي معظم الأجانب من روسيا وأنحاء آسيا والشرق الأوسط. ويختلف البريطانيون عن الأجانب في أنهم، في هذا القطاع الفاخر ينطلقون بقوة إلى الضواحي الخضراء والمقاطعات التي تبعد عن لندن زمن ساعة في القطار على الأقل.

ويضيف سيلواي أن المشترين الإنجليز في هذا القطاع هم في العادة من العائلات الصغيرة التي تبحث عن نوعية حياة هادئة خارج زحام العاصمة، أو مدارس جيدة للأطفال. وجميع هؤلاء يبحثون في هذا القطاع عن منزل الأحلام الذي يتكون من 5 أو 6 غرف، بالإضافة إلى غرف إضافية لطاقم الخدم مع ملعب تنس وحمام سباحة وأراض خضراء حوله مساحتها في حدود 5 إلى 10 أفدنة. والسعر الأدني لهذه المواصفات لا يقل عن 2.5 مليون جنيه إسترليني ولكنه يصل في المتوسط إلى 5 ملايين جنيه إسترليني.

والمناطق المفضلة هي تلك المقاطعات التي تحيط بلندن، خصوصا في جهات الغرب والجنوب. ولكن المعضلة التي تواجه المشتري دوما هي عدم وجود العقارات الكافية التي تغطي الطلب على هذه النوعية من العقار. وهذه الندرة تضغط على الأسعار ارتفاعا مما يدفع المشترين أحيانا إلى دفع مبالغ أعلى مما يطلب البائع - تصل أحيانا إلى 25 في المائة - للفوز بالعقار. ويعد تنافس الأجانب على قطاع العقارات الفاخر في بريطانيا من أهم أسباب نشاط هذا القطاع وارتفاع الأسعار فيه أحيانا في مخالفة واضحة لتوجهات السوق.

وهناك أهمية خاصة في الاستعانة بوكيل الشراء العقاري، فهو من ناحية يمكنه أن يسدي النصيحة، خصوصا لغير المقيمين، حول العقارات التي تعتبر مؤهلة لعرض سعر أعلى فيها. حيث يقول أحد الوكلاء إن بعض المشترين يزايدون في السعر أحيانا على عقارات «من الدرجة الثانية» حيث تكون بها عيوب واضحة.

وكيل الشراء العقاري، من ناحية أخرى، يمكنه أن ينصح العميل بانتظار الفرصة المناسبة، وعدم التقدم بعروض لعقارات دون المستوى. وفي معظم الأحيان يمكن للوكيل عن طريق اتصالاته بوكلاء البيع الحصول على معلومات العقارات المعروضة قبل أن تعرض في السوق. هناك أيضا الكثير من أصحاب العقارات الفاخرة الذين يرفضون فكرة عرض العقارات في السوق المفتوحة، ويتصلون مباشرة بوكلاء الشراء لإيجاد عميل مناسب للشراء.

يمكن أيضا أن يتقدم وكيل الشراء بالنيابة عن المشتري لإبلاغ مالك العقار بأن هناك من يهمه شراء العقار بالثمن الذي يحدده. وفي معظم الأحوال السابقة لا بد للمشتري أن يكون مستعدا لدفع مبالغ أعلى من سعر السوق. وهي علاوة يقدرها خبراء الشراء بنحو 10 إلى 15 في المائة من ثمن الشراء.

ولكن الاستراتيجية المناسبة تعتمد على حالة السوق. ففي الأحوال التي يكون فيها العرض أكبر من الطلب ينصح الوكيل عميله المشتري بالانتظار حتى تعرض العقارات في السوق قبل أن يتقدم للشراء. ولكن النصيحة في أحوال نقص المعروض، كما هو الحال حاليا، هي الإسراع بإتمام الصفقة قبل وصول العقار إلى السوق.

ويؤكد وكيل شراء أن عملية الشراء عادة ما تكون عاطفية، فالمشتري يقع في حب عقار معين ولا يمانع من دفع أي مبلغ للحصول عليه. وهناك حالات مثبته لمشترين دفعوا مليون جنيه إسترليني زيادة عن السعر المطلوب للحصول على قصر الأحلام.

هناك الكثير من الإجراءات الأخرى التي ينصح بها وكلاء شراء العقار للمساعدة على إتمام الصفقات، فالمشتري يجب أن يكون مرنا خصوصا في توقيت إتمام الصفقة حتى لو طلب مالك العقار منحه بعض الوقت لكي ينتقل إلى عقار آخر. لا بد أيضا من عرض مبلغ سخي في العقارات ذات القيمة الكامنة لضمان الحصول عليها. وفي النهاية فإن أفضل أسلوب هو مراعاة مشاعر البائعين، ودخول مجال العقارات الفخمة من أوسع أبوابها، وهو وكيل الشراء العقاري.

إلى ذلك، أدت المعاناة الاقتصادية السائدة على جميع الطبقات الاجتماعية إلى ارتفاع عدد العقارات الريفية الفاخرة المعروضة للبيع في الشهور الأخيرة، وزادت نسبة العقارات المعروضة للبيع خلال الربع الأول من العام بنحو 12 في المائة عما كانت عليه خلال الربع الأخير من العام الماضي. وتنصح الشركات البائعين في هذا القطاع بأن يكونوا واقعيين وأن يراجعوا تطور أسعار الأسواق عن كثب، وكلما كانت هناك حاجة لخفض الأسعار، كان من الأفضل إنجاز ذلك سريعا نظرا لاحتمال تراجع إضافي في الأسعار خلال الشهور المقبلة.

وعلى عكس القطاع العقاري الفاخر في لندن وضواحيها الذي لا يتأثر كثيرا بعوامل محلية مثل الاقتصاد البريطاني لأن نسبة كبيرة من المشترين فيه هم من الأجانب، عقارات الريف البريطاني تواجه حساسية متزايدة من المشترين في ما يتعلق بالأسعار في قطاع القصور الريفية.

ويقول روبرت سويتنغ، رئيس مبيعات العقارات الريفية في شركة «نايت فرانك»، إن الشركة تحقق أفضل الصفقات للبائعين، ولكنه أشار أيضا إلى زيادة الحساسية من المبالغة في الأسعار، خصوصا إذا ما كان العقار دون الفئة الممتازة. وهو يطمئن المشترين أيضا بأن هناك زيادة في إمدادات العقارات الريفية التي تصل إلى السوق ويمكن الاختيار من بينها بعد فترة طويلة كانت الأسعار فيها جامدة وغير قابلة للتفاوض مع خيار محدود أمام المشترين. وهو يعتقد أن هناك فرصة للحصول على قصر ريفي بثمن معقول قبل نهاية موسم الشراء الحالي الذي يتراجع مع حلول الخريف والشتاء.

وتجمع شركات العقار أن الريف البريطاني يقدم الكثير من الفرص الجيدة للمستثمرين الأجانب لاقتناء قصور ريفية بعضها لا يأتي إلى السوق إلا مرة كل قرن من الزمان.