أزمة اليورو تلقي بظلالها على العقارات في أوروبا

الحصول على قروض للشراء في اليونان شبه مستحيل

بعد عقود من التضخم انفجرت فقاعة العقار في إسبانيا
TT

في حين كان زعماء أوروبا يناقشون خطة إنقاذ اليونان من العجز المتزايد عن الوفاء بديونها، مما هدد منطقة اليورو بأكملها، كانت أسواق العقار الأوروبية في الدول المتأثرة بالأزمة تعاني من أسوأ موجة تراجع في الطلب العقاري والقيم العقارية. ورصد موقع «برايم لوكيشن» الذي يغطي أسواق العقار الأوروبية على الإنترنت تراجع اهتمام المستثمر الأجنبي بالسوق الأوروبية عن طريق إحصاء عدد الاستفسارات عن العقارات عبر الموقع. ولكن المخاوف من منطقة اليورو لم تصل بعد إلى مرحلة الذعر والتخلص من العقارات بالجملة.

وتراجع الطلب الأجنبي على العقارات البرتغالية واليونانية والإسبانية بنسبة 25 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي. وقال موقع «برايم لوكيشن» إن عمليات البحث عن العقار اليوناني تراجعت خلال الفترة نفسها بنسبة 19 في المائة، بينما هبط الطلب على العقار البرتغالي بنسبة 23 في المائة. وعانت أيضا العقارات الإسبانية والإيطالية بتراجع خلال الربع الثاني بلغ 24 و25 في المائة على التوالي.

وكان زعماء أوروبا قد اتفقوا منذ أسابيع قليلة في بروكسل على خطة إنقاذ لليونان تشمل في تفاصيلها أن يتحمل المستثمرون من القطاع الخاص في السندات الحكومية اليونانية بعضا من الخسارة. وهذا يعني أنه للمرة الأولى منذ إنشاء منطقة اليورو سوف يتعرض للخسارة مستثمرون من القطاع الخاص في السندات الحكومية, وبالطبع تمتد آثار ما بات يعرف بـ«أزمة اليورو» إلى أبعد من القطاع المالي، وتؤثر كذلك على قطاعات الاستثمار والعقار.

وحتى الشائعات التي ترشح إسبانيا والبرتغال لكي تكون الدول التي تعاني من أزمة اليورو التالية من شأنها أن تتسبب في المزيد من تراجع هذه الأسواق الحساسة لعوامل العرض والطلب.

ومن جهة الأسعار الفعلية في دول جنوب أوروبا تراجعت أسعار العقارات في اليونان بنسبة 5.7 في المائة، وفي إسبانيا بنسبة 4.8 في المائة، في العام الأخير حتى نهاية شهر مارس (آذار) الماضي. وتراجعت كذلك القيمة، وفقا لإحصاءات شركة «نايت فرانك» بنسب أدنى في البرتغال وإيطاليا بلغت 1.8 و1.4 في المائة على التوالي.

وتراجع الطلب كذلك لعوامل أخرى، من بينها الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالكثير من الدول، والحرص على التوسع العقاري في وقت التقشف، فقد استغنى الكثير من المستثمرين عن فكرة شراء عقار ثان في أوروبا، خصوصا في فترة عدم الاستقرار الحالية. وسوف تظهر المؤشرات الواقعية لتأثير أزمة اليورو على الطلب العقاري في الدول الأوروبية بعد ثلاثة أشهر، عندما تؤخذ المرحلة الحالية وقرارات الشراء خلالها في الاعتبار.

وعلى عكس هذه الدول التي تعاني من مشكلات أزمة اليورو هناك دول ما زالت ترتفع فيها القيم العقارية. مثل سويسرا وفرنسا. فقد ارتفعت القيم العقارية في هاتين الدولتين بنسبة 5.1 و9.1 في المائة على التوالي.

وقالت شركات عقار فرنسية إن الطلب يميل إلى الارتفاع، بفضل تراجع معدلات الفائدة على القروض العقارية. وتمثل السوق الفرنسية حاليا نحو 60 في المائة من استفسارات العقارات الأوروبية لدى شركة «سافيلز» اللندنية، وفقا لأحدث إحصاءاتها.

ولا شك أن أسوأ الدول المتأثرة بالأزمة الحالية سوف تكون اليونان، حيث يكاد يتوقف بالكامل نشاط الاستثمار العقاري فيها للأجانب. وينتظر الجميع استقرار الوضع وما سوف تسفر عنه الجهود الأوروبية لإنهاء الأزمة.

ويقول دافيد كيرنز من شركة العملة الدولية «موني كورب» إن الأمر يحتاج إلى بعض الاستقرار قبل عودة المستثمرين إلى اليونان مرة أخرى. وهو يحذر المستثمرين في اليونان من أنهم يواجهون الكثير من المتاعب الاقتصادية في المستقبل. فاليونان من الممكن أن تضطر إلى مغادرة منطقة اليورو، وينعكس هذا سلبيا على قيمة العقارات فيها، التي ستتحول إلى التقويم بعملة محلية تحمل قيمة أقل من اليورو.

هناك أيضا بعض الأخطار السياسية المتعلقة باستقرار الحكومة. وفي بعض الحالات قد يعاني بعض المستثمرين من القيمة السلبية التي تعني أن العقارات ستكون أقل في قيمتها من القروض العقارية عليها.

ومع كل هذا المتاعب التي تدعو المستثمرين الجدد إلى الحذر، فإن شركات العقار لم تلحظ أي اتجاه للبيع الجماعي في الدول الأوروبية المتأثرة بالأزمة، مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا.

وبينما تعاني الدول الأوروبية من موجة غلاء ملحوظة، فإن المشترين الأجانب لم يتأثروا بها، نظرا لدرجة ثرائهم، أو لأنهم لا يقيمون في أوروبا لفترات طويلة. ولاحظت شركات متخصصة في تحويل الأموال، مثل «موني كورب» أن نسبة الذين يبيعون عقاراتهم في إسبانيا زادت في العام الأخير ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في عام 2007. وهناك عدة أسباب لهذا التوجه، مثل اضطرار بعض المقيمين للعودة إلى العمل مرة أخرى، حتى يمكنهم التغلب على غلاء المعيشة أو حالات فقدان الوظائف المحلية، بسبب موجة الكساد.

وبالنسبة للبريطانيين فإن البيع باليورو لتحويل الأموال إلى الإسترليني أصبح عملية مربحة، نظرا لارتفاع اليورو في قيمته بنسبة 30 في المائة إزاء الإسترليني في العامين الأخيرين. وقد أسهم هذا الارتفاع في تعويض القيم المتراجعة للعقارات الإسبانية. وتقول شركة «موني كورب» إنه إذا اشترى مستثمر عقارا في عام 2007 ثم انخفض ثمنه بعد ذلك بنسبة الربع، فإن ارتفاع نسبة اليورو يمكن أن تعوضه عن هذه الخسارة، وفي بعض الأحيان تزيد عليها. وفي عام 2007 كان سعر اليورو مقابل الإسترليني هو 1.40 يورو لكل جنيه إسترليني، ولكن هذا السعر انخفض الآن إلى نحو 1.14 يورو لكل جنيه إسترليني. وهذا يعني أن شراء عقار إسباني بمبلغ 100 ألف يورو في عام 2007 وانخفض سعره إلى 75 ألف يورو، فإن البائع لن يخسر سوى خمسة آلاف إسترليني تقريبا، على الرغم من انخفاض السعر الاسمي بمبلغ 25 ألف يورو.

* التمويل

* ومما يزيد من متاعب العقارات الأوروبية أن البنوك الدولية تمتنع الآن عن الإقراض العقاري في الدول المتأثرة. ويقول متعاملون في لندن إنه من المستحيل العثور على بنك يقرض حاليا على عقارات في اليونان أو في البرتغال لغير المقيمين في هذه الدول. ويقول مدير التمويل الخاص في شركة «سافيلز»، شون ادامز إن مصرف اليونان ظل مغلقا منذ عام كامل بسبب الأزمة.

وأضاف أن الشركة خسرت بذلك بعض الصفقات المهمة، منها صفقة شراء فيللا بمبلغ 2.5 مليون يورو، أراد المشتري أن يقترض من الثمن نصف مليون يورو فقط، ولكنه لم يجد بنكا واحدا يرغب في هذا الصفقة.

وعلى الرغم من أن بعض البنوك ما زالت تقدم قروضا عقارية للمشترين في البرتغال، فإن صفقات التمويل صعبة وتجري بمعدلات فائدة مرتفعة. وتظهر الصعوبة خصوصا في حالات إعادة تمويل القروض، التي ترتفع عليها الفائدة من نسبة ثلاثة في المائة إلى سبعة في المائة. ومع كل هذه الصعوبات، فإن الطلب العقاري على العقارات البرتغالية ما زال مرتفعا إلى درجة أن بعض الشركات تؤكد أن عدد الصفقات الجاري إتمامها خلال الشهرين الأخيرين تزيد عما تم إنجازه خلال العام الماضي بأكمله.. ويصل معدل الفائدة في البرتغال حاليا إلى نحو تسعة في المائة، وتقدم البنوك نسبة تصل إلى 80 في المائة من قيمة العقار. كما يمكن أيضا تدبير قروض تزيد على المليون يورو بنسبة فائدة تصل إلى 5.1 في المائة، بحد أقصى نسبته 60 في المائة من قيمة العقار، ورسوم تمويل قدرها واحد في المائة.

وتعتقد مصادر السوق إن سوق العقار البرتغالي سوف يعود إلى الانتعاش قريبا، لأنه لا يعاني من مشكلة زيادة الإمدادات التي يعاني منها السوق الإسبانية. كما تعد البرتغال من وجهات السفر السياحية المشهورة للأوروبيين.

أما في إسبانيا، فالاقتراض فيها أسهل من البرتغال، ويتم بأسعار فائدة أقل تصل إلى 3.6 في المائة لنسبة 70 في المائة من العقار. ومع ذلك، فلا يوجد أي طلب حاليا على العقارات الإسبانية على الرغم من وجود الكثير من الفرص الجيدة والعقارات الرخيصة.

* مناطق واعدة

* ولا توجد مشكلات تُذكر في التمويل لعقارات فرنسية أو إيطالية خصوصا في المناطق الجيدة التي تلقى إقبالا كبيرا في الطلب عليها. وفي فرنسا، هناك الكثير من المناطق التي تبدو أكثر استقرارا وجذبا للاستثمار الأجنبي مثل بروفانس وسان تروبيه وكاب دانتيب. ولكنها ما زالت تقتصر على قطاع النخبة، حيث تقول شركات العقار إن المشتري في بروفانس يحتاج إلى ميزانية لا تقل عن 1.5 مليون يورو لشراء عقار متميز في المنطقة. أما إذا كانت الميزانية أقل من ذلك فالعقارات المتاحة هي المزارع التي تحتاج إلى ترميم أو الشقق الحديثة في وسط المدن. وفي الوقت الذي تراجع فيه مؤشر الأسعار، فإن قطاع النخبة حافظ على قيمته، ولم يعرض عقارات بأقل من القيمة المدفوعة فيها بعد.

وتقدر شركات العقار نسبة شراء الأجانب للعقارات في المنطقة بنحو 60 في المائة. ويواصل الأجانب شراء العقارات في المنطقة غير عابئين بتحولات الأسعار، نظرا لنوعية الخدمات المعيشية وتماسك قيمة العقار عبر السنين. وتربط المنطقة شبكة مواصلات جيدة ببقية أنحاء فرنسا عبر خطوط حديدية سريعة، كما توجد بالقرب منها الكثير من المطارات الدولية في مرسيليا ونيس ومونبيلييه.

أما منطقة سان تروبيه على الساحل الفرنسي الجنوبي أو الريفييرا الفرنسية، فبعض الأسعار مستقرة بينما بعضها الآخر ما زال في اتجاه صعودي. وكانت المنطقة في الماضي تقتصر على الفنانين ونجوم السينما، ولكن هؤلاء باعوا عقاراتهم أثناء طفرة الأسعار في العقد الأخير، لكي يعودوا إليها سنويا كمستأجرين أو ضيوف في الفنادق القريبة منها.

ويعزز من استمرار ارتفاع الأسعار في المنطقة ندرة الأراضي المتاحة للبناء عليها، فالمناطق الخضراء لا يجري البناء عليها بحكم القانون وكذلك الأراضي الزراعية.

وتعتبر المنطقة كلها محمية طبيعية؛ سواء كانت غابات أو مناطق ساحلية أو زراعية. وكل هذه العوامل تساند الأسعار، وتضمن عدم تراجعها. وتشهد المنطقة عودة الاهتمام الفرنسي بها، حيث ارتفعت نسبة المشترين الفرنسيين فيها إلى 65 في المائة من مجموع مستثمرين آخرين من معظم أنحاء العالم.

أما في إيطاليا فإن هناك الكثير من المناطق الواعدة، من بينها العاصمة روما أو المناطق السياحية، مثل منطقة توسكاني. وهناك كثير من المناطق الأخرى مثل ابروزو، التي تقع على بعد 70 ميلا شرق العاصمة روما، وتقدم المزيج من جمال توسكاني والقرب من روما بأسعار ما زالت معتدلة ومرشحة للنمو.

منطقة ابروزو جبلية تغطي مساحة 700 ألف ميل مربع ويقطنها نحو 1.3 مليون نسمة، وتقع فيها ثلاث محميات طبيعية تغطي ثلث مساحتها. وهي منطقة تحوي 80 في المائة من كل أنواع النباتات والحيوانات الموجودة في قارة أوروبا، مما يدل على تنوعها التضاريسي وجمالها الطبيعي.

ولكنها منطقة قليلة السكان وقليلة الزيارة السياحية، ولذلك ما زالت أسعار العقار فيها معقولة بالمقارنة مع بقية أنحاء إيطاليا والدول الأوروبية المجاورة. وهي تماثل ما كانت عليه أسعار مناطق، مثل توسكاني وامبريا منذ 15 عاما. وما زال من الممكن شراء عقارات في المنطقة تحتاج إلى ترميمات بأسعار تبدأ من 20 ألف يورو. وبالمقارنة، فإن عقارات مماثلة تقع في توسكاني يبلغ سعرها 160 ألف يورو.

وزاد الاهتمام السياحي في السنوات الأخيرة بمنطقة ابروزو لعدة أسباب، منها رياضة تسلق الجبال التي زادت شعبيتها، والاهتمام بالتاريخ الإيطالي للمنطقة ولجمالها الطبيعي المليء بالبحيرات والشلالات، وأيضا لطقسها المعتدل. وبها يقع أعلى جبل في كل إيطاليا، واسمه كورنو غراندي. كما أنها أيضا تحوي أقدم منتجع للتزلج على الجليد في إيطاليا، وأحد أكثر المنتجعات الجليدية قربا من الجنوب الأوروبي.

ومن أجمل مدن المنطقة العاصمة المحلية، لاكيلا، التي بنيت على الطراز الروماني بعد أن دمرها زلزال في عام 1703.

وما زال بها بعض القصور التاريخية التي تعود إلى عصر النهضة. وهي لا تبعد بأكثر من ساعة من شاطئ البحر، وبها الكثير من المعالم المميزة، مثل الأبنية ذات الأقبية، التي تغطي أرصفة المشاة وجامعة تاريخية والكثير من المطاعم والأسواق الشعبية. وتنتشر حولها منتجعات الجليد. ولهذه المزايا ترتفع أسعار العقار فيها عن المناطق المجاورة. وبيعت فيها شقق مساحتها 80 مترا، بأسعار تبدأ من 250 ألف يورو. ومع ذلك يمكن شراء بيوت تاريخية بأبراج تحتاج إلى ترميم بمساحات تصل إلى 75 مترا مربعا في القرى القريبة بأسعار تبدأ من 55 ألف يورو.