تزايد الإقبال على «المنازل الصديقة للبيئة» في أميركا

استطاعت جذب الانتباه خلال الـ 10 سنوات الماضية

TT

يعرف أي شخص يهتم بسوق العقارات الصديقة للبيئة أن أكثر المساكن الصديقة للبيئة التي انتشرت في أنحاء البلاد خلال السنوات الأخيرة الماضية كنز يقدر بملايين الدولارات. لكن يوجه العاملون في مجال التنمية العقارية في مجتمع نورث بوينت في فريدريك الأمور إلى اتجاه مختلف تماما، حيث يشيدون منازل ذات فعالية من ناحية الطاقة وشققا من مستويين موجهة إلى أفراد الطبقة المتوسطة. تبدأ أسعار 55 منزلا من 250 ألف دولار، لكنها تتسم بملامح «بهرجة خضراء» عادة ما توجد في المنازل الراقية، مثل الألواح الشمسية والتدفئة بحرارة باطن الأرض ونظام كومبيوتر متطور يساعد على التحكم في استخدام الطاقة. وتتنوع نماذج المنازل الصديقة للبيئة، حيث يتضمن بعضها ملامح صديقة للبيئة مثل الأرضية معادة التصنيع أو المراحيض التي يكون فيها معدل الدفق منخفضا. على الجانب الآخر هناك منازل أخرى عبارة عن صناديق محكمة الإغلاق تهدف إلى الحفاظ على الطاقة. وظهرت كل هذه الأنواع فجأة في واشنطن. وشهدت واشنطن العاصمة مشروع بناء تكلفته 700 مليون دولار محل ما كان في السابق مركز اجتماعات. ويهدف المشروع إلى توفير مجموعة من المكاتب والمتاجر والمنازل وأسطح خضراء على المباني السكنية. وهناك في بيثيسدا «منازل سلبية» ذات عزل فائق مبنية على غرار المنازل الخضراء في ألمانيا التي تحتاج إلى نحو 10 في المائة من الطاقة التي تستهلك في تدفئة وتبريد المنازل التقليدية، أضف إلى ذلك تنمية منطقة فريدريك التي تزعم تحقيق إنجازات في مجال الاستغلال الأمثل للطاقة.

ويحاول المقاولون الحد من توسع سوق المنازل الصديقة للبيئة لسنوات، حيث استطاع هذا النوع من المنازل جذب الانتباه خلال الـ10 سنوات الماضية. وقد ازداد حجم سوق تلك المنازل من 7 مليارات دولار عام 2005، إلى أن وصل إلى ما يتراوح بين 12 و17 مليار دولار العام الماضي بحسب آخر تقرير صادر عن «مكغراو هيل كونستراكشن». ومع ذلك لا يزال هذا النوع من المنازل أبعد ما يكون عن التوجه السائد ولا يزال الكثير من متابعي هذا المجال ينتظرون حدوث ازدهار كبير.

وقال ريك شلويسكي، رئيس تحرير مجلة «إيكو هوم»، عن البناء: «يقول الجميع إنه بمجرد تجاوز المجال (أزمة الإسكان الحالية)، سيعاد تعريف المساكن ولن تكون هناك طريقة أخرى سوى الصديقة للبيئة». الهدف من إنشاء مجتمع نورث بوينت الذي يحتل منطقة فريدريك التاريخية على مساحة 3 بنايات هو أن يكون أول حي لـ«التكلفة الصفر» في المنطقة، أي أن منازله ستكون مصممة بحيث تنتج كهرباء بقدر ما تستهلكه.

أما بالنسبة للمبتدئين، فستبنى المنازل بمحيط محكم من الجدران والسطح والقبو مما يساعد في خفض كمية الطاقة اللازمة لتدفئتها وتبريدها. الجدران مصنعة من ألواح معزولة من جزأين من خشب قوي معاد تصنيعه مطعم بـ7 بوصات من المواد العازلة. ويتم رش طبقة من الفوم على الأسطح وأكبر من حجمها بـ70 مرة لتحقيق مزيد من العزل. يوجد في كل منزل نحو 20 لوحا شمسيا، ويوضع أكثرها على أسطح المنازل التي تمتص الطاقة من الشمس وتحولها إلى كهرباء. عندما يذهب أفراد الأسرة إلى العمل أو المدرسة خلال فترة النهار، تنتج تلك الألواح طاقة أكبر مما يحتاج المنزل، ويتم توصيلها بشبكة الطاقة لشركة الكهرباء، بينما يتم قياس مقدار الطاقة المنقولة. وأثناء الليل، يتم إعادة الطاقة إلى المنزل، على حد قول مايك ميرفي، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «نيكسوس إنيرجي هومز» التي تعمل في بناء نورث بوينت.

وقال ميرفي مدير مشروع سابق في «تول براذرز»، إحدى أكبر الشركات التي تعمل في مجال بناء المنازل: «ستستخدم الطاقة التي وضعتها على الشبكة في وقت مبكر من اليوم. لذا، إنك لا تدفع مقابل ما تستخدمه من طاقة في المساء. إنك تأخذ وتعطي الطاقة طوال العام. في نهاية الـ12 شهرا، يصبح استهلاك الطاقة من حيث صافي التكلفة صفرا».

هناك وسائل أخرى للادخار، حيث يستطيع مشترو المنازل استعادة جزء من النظام الشمسي ونظام التدفئة بحرارة باطن الأرض من خلال طلب حصول على قروض فيدرالية أو من الولاية. على سبيل المثال، يصلح نموذج المنزل الذي تبلغ مساحته 2700 قدم مربع لاستعادة 17 ألف دولار على حد قول مايكل مورين، مدير المبيعات في المجتمع.

منذ افتتاح نموذج المنزل في المجتمع في يونيو (تموز) الماضي، تم بناء منزل آخر. دفع 7 مشترين مقدما، على حد قول مورين، وتم توقيع 5 منهم، وسيشرع في البناء قريبا. إذا استمرت المبيعات بالمعدل نفسه، فسيتم الانتهاء من 55 وحدة في غضون 18 شهرا، على حد قوله. لكن ما سيحدد نجاح المنازل الصديقة للبيئة أو المنازل التجارية هو الحسابات الخاصة بعادات واحتياجات الذين يستخدمون تلك المنازل. في السياق التجاري، أدت المزاعم بأن بعض المنازل التي تم تشييدها لم تنجح في توفير الطاقة بالقدر المتوقع، إلى إعاقة برنامج اعتماد المنازل الصديقة للبيئة. زعم 4 متخصصين في مجال التصميم والبناء في نيويورك أمورا مماثلة في دعوى قضائية أقيمت ضد المجموعة التي تتولى إدارة البرنامج.

وقال بريان أوهر، أحد أصحاب شركة «أميكس كونسالتينغ سيرفيسيس» في كنسينغتون المتخصصة في بناء المنازل صديقة البيئة، إن القائمين على البناء يقدرون فقط استهلاك البناية المستقبلي للطاقة. قد يكون الاستهلاك الفعلي أقل بنسبة تتراوح من 10 إلى 20 في المائة. وأشار إلى أن مهارة البنائين والتركيب السليم من العوامل الأساسية. وقال أوهر: «لا يوجد سحر في الأمر، الأمر يعتمد على مراقبة الجودة».

استخدم العاملون في مجال التنمية العقارية في نورث بوينت برنامج كومبيوتر لتقدير ما يستهلكه كل منزل من طاقة بحسب أحمال نشاط الغسيل الذي تقوم به كل أسرة شهريا، والإضاءة في المنزل، مع الوضع في الاعتبار الأضواء التي ينسون إطفاءها. كانت الفكرة هي محاولة قياس كم الطاقة الذي تستهلكه الأسرة وكم الطاقة الشمسية اللازمة لمعادلتها.

ولتشجيع أصحاب المنازل على الحرص على ما يستهلكونه من طاقة، يأتي مع كل منزل في نورث بوينت موقع إلكتروني خاص به يمكن أن يستخدمه أصحاب المنزل في رصد مقدار ما يستهلكونه من طاقة مثل «مقياس يوضح مقدار الأميال لكل غالون في المنزل»، كما يوضح جون سبيرز، أحد مستثمري شركة «نيكسوس» الذي أسهم في عمل النظام. يمكن لأصحاب المنازل إغلاق الأضواء أو رشاشات ري الزرع في منازلهم من خلال هاتف ذكي أو جهاز كومبيوتر محمول عندما يكونون خارج المنزل. لكن يقول ميرفي: «إذا ركبوا 15 تلفزيونا بشاشات بلازما أو أقاموا صالون تجميل في القبو، فلا يمكنني التحكم في الأمر».

ويعد مجتمع نورث بوينت جزءا من محاولة أكثر شمولا لإعادة إحياء المنطقة. ووافقت هيئة الإسكان في فريدريك التي تمتلك الأرض التي ستبنى عليها المنازل على تأجيل دفع ثمن الأرض مع إتمام بيع كل وحدة، مما ساعد على الإسهام في التكاليف وحرصت على المطالبة بخفض الأسعار على حد قول ميرفي. لم يكن البناء على الأرض في السابق أمرا سيئا، حيث تتوافر الطرق والأرصفة والإنارة في المكان، مما يساعد على الشروع في البناء سريعا.

الأهم من كل ذلك هو أن «نيكسوس» عدلت هامش أرباحها لتضبط حساباتها واعتمدت على مقاولين من الباطن للقيام بالأمر ذاته كما يوضح ميرفي. كانت الحسابات الاقتصادية لمستوى الأرض في صالح الشركة. ويساعد بناء مجتمعات بدلا من منزل واحد على ضغط النفقات، على حد قوله. وتعتزم «نيكسوس» بناء مئات المنازل التي يكون فيها صافي استهلاك الطاقة صفرا في منطقة وسط الأطلسي. ويوضح ميرفي أن من الأسباب الأخرى التي تجعل أسعار المنازل في المجتمع منخفضة هو أن «تكاليف الألواح الشمسية بلغت نصف تكلفتها منذ بضع سنوات».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»