ثورات الربيع العربي تنعكس إيجابيا على قطاع العقار التركي

تركيا أصبحت البديل الشرق أوسطي للمشتري الأوروبي

جانب من إسطنبول («الشرق الأوسط»)
TT

تحاول تركيا الاستفادة من متاعب جيرانها العرب على البحر المتوسط بفتح أبوابها للمستثمر العقاري الأوروبي وتقديم البديل الأرخص والأفضل للاستثمار في البرتغال أو إسبانيا. وهي تسير على خطة متعددة الجوانب لجذب السياحة وتشجيع رياضات مثل الغولف وبيع العقارات الترفيهية التي يشتريها الأوروبيون كبيوت ثانية لهم. وعلى الرغم من أن معظم الجهود التركية تتوجه إلى أوروبا، فإن الإقبال العربي أيضا يزيد خصوصا في المدن التركية ذات العبق الشرقي الإسلامي.

ويجد العرب جاذبية خاصة في اسطنبول، بينما يتوجه الأوروبيون إلى المنتجعات الساحلية خصوصا تلك التي تضم ملاعب للغولف. وبين المدن والسواحل التركية يقدم قطاع العقار التركي هذا العام أفضل العوائد وفرص النمو بالمقارنة مع العقارات الأوروبية التي تتراجع.

ويتوقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد التركي بنسبة 6.1 في المائة هذا العام. كما زاد الإقبال السياحي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي إلى نحو ستة ملايين سائح، وبارتفاع قدره 21 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي. ويجد السياح والمستثمرون على السواء استقرارا سياسيا في تركيا مع نجاح حزب العدالة والتنمية لفترة ثالثة على التوالي. ويعزز هذا الاستقرار السياسي توجه المستثمرين الأجانب إلى تركيا بدلا من التوجه إلى دول «الربيع العربي». ويقول مطور العقار التركي صابر يغيت إن الحكومة التركية تقوم بتسهيل الاستثمار الأجنبي في العقار، وتضع لنفسها هدف تحقيق مبيعات سنوية قدرها ستة مليارات دولار حتى عام 2015. ويقوم يغيت بتطوير موقع عقاري جديد على الخريطة في حي راق في القسم الأوروبي من اسطنبول يتكون من ثماني بنايات في كل منها ستة طوابق. وهو ينفذ المشروع بحدائق محيطة به، وهي ميزة نادرة في اسطنبول التي تقتصر في معظمها على البنايات السكنية فقط. وهو يضيف أن شركته التي تسوق العقار تحت اسم «يو» لديها مشروعات في 27 دولة تنتشر من أميركا إلى تايلاند. ويؤكد أن بعض مشروعات حققت ارتفاعا في الأسعار بنسبة 50 في المائة ما بين البيع من على الخريطة واستكمال العقار.

وتبدو أسعار المشروع في اسطنبول غالية بالمقاييس التركية، إلا أنها تتسم بمواصفات غير متاحة في المدينة، مثل حمامات السباحة وقاعات التريض والمكتبات. وتبدأ الأسعار من نحو نصف مليون دولار لشقة مساحتها 900 متر مربع. وتحتوي كل الشقق على بلكونات وجراجات تحت أرضية. وتتطلع الشركة إلى العديد من المشروعات الأخرى في أنحاء تركيا، ومنها مشروع في المنطقة السياحية بودروم.

وفي المناطق الأرخص على الجانب الآسيوي من اسطنبول تبيع شركات مثل «بروبرتي فنتشر» عقارات بمساحات تصل إلى 500 متر مربع بأسعار لا تزيد على 30 ألف دولار، مع فرصة للتأجير تصل عوائدها إلى نحو ثمانية في المائة سنويا. وتعاني إسطنبول من ندرة العقارات المعروضة للإيجار على الرغم من وجود طبقة متعلمة وذات أجور عالية. وتقول شركة «ماكينزي» الاستشارية إن المدينة هي إحدى أفضل عشر مدن في العالم من حيث نسب النمو ومستويات المعيشة. وهي من المدن المقبلة على انتعاش في المستقبل ويمكن الشراء فيها من الآن بأسعار معقولة.

والى جانب الاستقرار، تجذب العرب إلى تركيا أسعار أرخص من معظم الدول العربية. ففي اسطنبول يمكن شراء شقة على مقربة نصف ساعة من المطار من على الخريطة بمبلغ 60 ألف دولار، ترتفع إلى 90 ألف دولار للشقق الجاهزة. ومن المشاريع التي تجرى حاليا على الجانب الأوروبي من المدينة مشروع اسمه «نايتسبردج» مكون من شقق مختلفة الأحجام وتبدأ أسعارها من 60 ألف دولار مع ضمان للعوائد الإيجارية فيها لمدة عامين بنسبة 7.5 في المائة.

وفي اسطنبول، أعلنت الحكومة التركية عن مشاريع تنمية عقارية خصوصا في القسم الأوروبي من المدينة الذي ما زال الاستثمار الأجنبي ممنوعا في بعض أحيائه. وأدى الإعلان إلى موجة عارمة من المضاربة العقارية من الأتراك أنفسهم، توقعا لارتفاع الأسعار. لكن مع تأخر المشاريع الحكومية بعد أزمة التمويل العالمية اضطر مستثمرون إلى إعادة طرح هذه العقارات في السوق مرة أخرى. ويأمل هؤلاء أن تؤدي وعود الحكومة بفتح قطاعات من الأسواق إلى الأجانب إلى موجة انتعاش ثانية في الأسعار.

وتقول مصادر تمويل العقار اللندنية إن استفسارات الاقتراض العقاري عن العقارات التركية تضاعفت في الشهر الأخير، وإن تركيا تعد الموقع الثالث الأكثر جاذبية بعد فرنسا وإسبانيا. وكانت البنوك تعتبر أن عام 2010 هو عام تركيا عقاريا، لكنها تؤكد الآن أن جاذبية العقار التركي ما زالت مستمرة في عام 2011. وبالنسبة للأوروبيين تزداد جاذبية تركيا عقاريا وسياحيا لأنها خارج منطقة اليورو، حيث أزمة اليورو تعصف بالقيم العقارية في معظم دول جنوب أوروبا مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، والتي تعاني فيما بينها من انكماش اقتصادي غير مسبوق. ويمكن القول إن عدم دخول تركيا حتى الآن إلى الاتحاد الأوروبي وتبنيها اليورو عملة لها كانت له فوائد اقتصادية لها من باب «رب ضارة نافعة».

ويقول ستيوارت جونسون من شركة الاستشارات العقارية «إكسبيرينس إنترناشيونال»، إن العقار التركي ظهر على المسرح الدولي متأخرا في نهاية فترة الفقاعة العقارية السابقة، لذلك لم ترتفع أسعاره بشدة ولم تتكدس في تركيا مشروعات العقار السياحي كما هو الحال في إسبانيا مثلا. ويعني هذا أن العقار التركي يقدم قيمة جيدة في الوقت الحاضر مع فرص نمو في المستقبل أفضل من معظم الأسواق الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك تقدم تركيا الكثير من الحوافز الضريبية، وأهمها أن العقارات المملوكة لأكثر من خمس سنوات تعفى من ضريبة رأس المال.

لكن تركيا ليست خالية من المخاطر، حيث إنها جديدة بين أسواق العقار الدولي وليست بها إحصاءات كافية لمعرفة تطور أسعار العقار فيها على فترة زمنية متوسطة توضح للمستثمر مسار المؤشرات فيها. كذلك يجب الحرص عند التعامل مع شركات العقار التركية، حيث إن بعضها لا يلتزم بالمعايير الدولية للعقار مثل بقية دول أوروبا. والاقتراض في تركيا له أيضا مصاعبه، حيث أسعار الفائدة فيها أعلى منها داخل منطقة اليورو.

فالمقترض في أوروبا يمكنه أن يحصل على قرض عقاري بسعر فائدة قريب من ثلاثة في المائة، بشرط دفع نسبة 20 من قيمة العقار مقدما. أما في تركيا فإن سعر الفائدة يكاد يتضاعف إلى خمسة في المائة بشرط دفع نسبة 30 في المائة مقدما من ثمن العقار.

ويعتقد الأوروبيون أن المواقع التقليدية في إسبانيا وفرنسا وسويسرا توفر ضمانات أعلى وعوائد مستقرة على المدى البعيد. وتزداد الجاذبية الأوروبية للمستثمر البريطاني بسبب تراجع اليورو من ناحية وأسعار الفائدة عليه من ناحية أخرى. وفي الوقت الذي ينفتح فيه العرب استثماريا على تركيا، فإنها تنظر إلى تنويع جاذبيتها العقارية بالتوجه نحو أوروبا. فالحكومة التركية أعلنت مؤخرا أنها بصدد بناء مائة ملعب غولف جديد من الآن وحتى عام 2014 موزعة على المناطق السياحية الرئيسية. وسوف تبنى حول ملاعب الغولف منتجعات ومنشآت سياحية معظمها متاح للاستثمار الأجنبي. وعلى الرغم من أن لعبة الغولف غير منتشرة بين الأتراك فإن معدلات الإقبال عليها تتضاعف سنويا، ولم يتأثر أي من الملاعب القائمة بموجة الكساد الأخيرة.

وتقل قيمة العقار التركي الآن بنسب تصل إلى 30 في المائة عما كانت عليه في ذروة الطفرة العقارية، كما أن البنوك التركية ما زالت تتمتع بنسب أعلى من السيولة ولا تمانع في الإقراض العقاري للأجانب بضمان العقار نفسه. ويسود الشعور بأن الاقتصاد التركي يعود إلى الانتعاش مع عام 2012، حيث الليرة التركية التي انخفضت أمام الدولار الأميركي بنسبة 15 في المائة، استعادت بعض قيمتها بالارتفاع إلى نحو 1.5 ليرة لكل دولار بعد أن كانت 1.8 ليرة للدولار. وحافظت تركيا على معدلات متوسطة من التضخم ليس من المتوقع لها أن تزيد على ستة في المائة هذا العام.

ويشير خبير عقاري في إسطنبول إلى أن معدلات الفائدة التركية تتجه نحو الانخفاض، وأن العقار التركي أصبح متاحا للمرة الأولى للطبقة المتوسطة. ويضيف أن العديد من شركات التنمية العقارية تعود إلى الأسواق الآن بمشروعات سوف تدخل السوق قبل نهاية هذا العام. وهو يرى أن الوقت الحاضر هو أنسب وقت لدخول السوق التركية. لكنه يضيف أن هناك العديد من العقبات أيضا التي يجب أن ينتبه إليها المستثمر الأجنبي، مثل الحذر من المحتالين والمشروعات الوهمية وتقديرات القيمة العشوائية والتعامل مع شركات سيئة السمعة أو محامين غير محترفين. من الصعوبات الأخرى أيضا البيروقراطية الحكومية والقيود التي ما زالت تفرض على المستثمرين الأجانب.

من المصاعب التي ذكرها بعض المستثمرين الأجانب أيضا صعوبة التعامل باللغة التركية لمن لا يعرف اللغة الإنجليزية، وهي لغة التعامل الثانية. كما أن بعض المحامين يلجأ إلى خفض الأسعار في الأوراق الرسمية لتجنب رسوم تمغة وضرائب مرتفعة، لكن خبراء العقار لا ينصحون بذلك حفاظا على القيمة الحقيقية للاستثمار.

لكن على الرغم من كل هذه المصاعب، فإن تركيا ما زالت تقدم فرصا نادرة في كل قطاعات السوق السعرية وفي العديد من المناطق الساحلية والمدن الرئيسية. ويستخدم مستثمرون محليون نظام تمويل تركيا خاصا بهم اسمه «سينيت» كبديل للاقتراض العقاري. ويسمح هذا النظام بالتمويل بلا فوائد عن طريق كتابة صكوك مؤجلة على المشتري يتم تمزيقها دوريا مع دفع قيمتها. وهو نظام يشبه إلى حد كبير صيغة الشيكات مؤجلة الدفع.

ويلجأ الأجانب في الوقت الحاضر إلى الإيجار المؤقت في بعض المناطق إلى حين تتاح لهم الفرص القانونية للشراء. وينتظر البعض الآخر بعض الفرص العقارية النادرة. وفي إسطنبول مثلا تتوجه الأنظار إلى العقارات الساحلية على خليج البوسفور، حيث المشاهد الساحلية الجذابة. لكن الأسعار قد تكون خيالية في بعض العقارات التاريخية، حيث تعرض في السوق فيلا بحرية في منطقة قنديلي على الجانب الآسيوي من مضيق البوسفور. وهي تطل على المياه مباشرة وقريبة من حي الأعمال في المدينة وتحتوي على نحو 14 غرفة نوم. أما السعر المطلوب فيها فهو 45 مليون يورو.

وهناك فرص مماثلة لفيلات أصغر حجما وتحتاج إلى عمليات ترميم بأسعار لا تزيد على ثمانية ملايين يورو. لكن هذه الأسعار هي الاستثناء وليس القاعدة، حيث تبدأ الأسعار عادة من 250 ألف يورو لشقق ساحلية وتقل عن ذلك في وسط المدينة. ويزداد الإقبال الأجنبي على العقار التركي طوال فصول العام، فالبلاد ذات مناخ مشمس معتدل خلال ثلاثة فصول في العام على الأقل، كما أن الأسعار فيها أقل منها في الدول السياحية المتوسطية الأخرى بما يجعل المقارنة لصالح تركيا دائما. فالعقار المماثل يقل في ثمنه بنسبة الثلث في تركيا عنه في فرنسا أو إسبانيا. تركيا أيضا ليست مزدحمة بالسياح وأسواقها السياحية جديدة نسبيا ولديها الكثير من المناطق الطبيعية الجميلة على البحر المتوسط وبحر إيجة، وتنتشر المنتجعات الساحلية على الكثير من الشواطئ التركية.

وطبقت تركيا في السنوات الأخيرة اشتراطات أمان صارمة في العقارات السياحية الجديدة، خصوصا في ما يتعلق بمقاومة الزلازل. وكل المنشآت الجديدة تحمل معها ضمانا لمدة خمس سنوات، وخدمات صيانة جيدة لفترة ما بعد البيع. كما تجرى الآن العديد من التحسينات للبنية التحتية، منها توسيع المطارات والطرق، خصوصا في المنطقة السياحية جنوب غرب تركيا.

وتناسب تركيا المستثمر العربي بوجه خاص لأنها دولة إسلامية، كما أن شعبها محافظ ومنفتح على الثقافات الأخرى في الوقت نفسه. ولا يقع من تركيا في أوروبا إلا نسبة ثلاثة في المائة من مساحتها، بينما الأغلبية الساحقة من أراضيها تقع في قارة آسيا. وهي قريبة جغرافيا من المنطقة العربية ولا يستغرق الطيران إليها من منطقة الخليج إلا ثلاث ساعات في المتوسط.

وهناك عدة مطارات دولية تخدم المنطقة السياحية في تركيا، منها بودروم ودالمان واتاليا. وتنتشر بالقرب من هذه المطارات المنتجعات السياحية في المدن الساحلية. وتستقبل هذه المطارات عشرات الرحلات يوميا من شركات التشارتر ورحلات الطيران الرخيص من أوروبا مما يسهل الوصول إليها من أي مكان.

وتختلف شروط السفر إلى تركيا من جنسية لأخرى، لكن السياح يحصلون في العادة على تأشيرة دخول وخروج متعددة الرحلات، تصل في مدتها إلى ثلاثة أشهر، وتتكلف نحو 15 دولارا. ويمكن أيضا الحصول على تأشيرة متعددة الرحلات لمدة عام أو خمسة أعوام، لكن بتكاليف أعلى.