كيف «رهن» مبارك مستقبل جيرانه العقاري؟

الرئيس المصري السابق مشكلة في الماضي.. وفي المستقبل

TT

تبدد الإحساس بالرهبة الذي كان ينتاب كل من يمر بمنزل الرئيس السابق محمد حسني مبارك بضاحية مصر الجديدة واختفت هالة الغموض التي كانت تخيم على المكان، فبعد تنحيه بفترة وجيزة تقلص عدد الحرس الجمهوري الذي كان يحيط بالقصر الرئاسي واختفت أعمال الصيانة والتنظيف التي كانت لا تتوقف في المكان، وقلت الحراسة التي كانت تحيط بمنازل جيران مبارك.

وعلى الرغم من مرور ثلاثة عقود من فرض القيود على سكان منطقة «بيت الرئيس السابق» فإن الشعور بالخوف من المجهول بدأ ينتاب معظم السكان، وبدأ الكثير منهم في بناء أسوار عالية لحماية منازلهم، داخل هذا المربع الشائك الذي كان لـ«الشرق الأوسط» جولة للتعرف على حال جيران مبارك قبل وبعد رحيله.

تبدأ الجولة من خلف مسجد عمر بن عبد العزيز المجاور لنادي هليوبوليس الرياضي (شمال شرقي القاهرة) وهناك تبدأ الإجراءات الأمنية بوحدة حراسة ويسألك أحد المسؤولين عن وجهتك دون عناء تفتيش السيارة أو السؤال عن البطاقة الشخصية أو رخصة القيادة على عكس ما كان يحدث في الماضي من تفتيش دقيق للسيارة والتدقيق والتمحيص في بطاقات الهوية والتأكد من أن زيارتك قد تم الإبلاغ عنها من مضيفك، وكان لزاما على السكان الإبلاغ بأعداد وأسماء القادمين لزياراتهم ويجب الحصول على موافقة لإقامة الاحتفالات بالمنازل وما شابه.

وعلى عكس باقي ضاحية مصر الجديدة ما زالت منطقة «بيت مبارك» محتفظة برونق مصر الجديدة وطابعها المعماري الفريد الذي تم تشويهه على مدار الأعوام السابقة في باقي أنحاء الضاحية، فهناك تجد الفيلات الصغيرة والعمارات ذات الطابقين والثلاثة المحاطة بالحدائق ذات الأسوار القصيرة التي لا تحجب أنظار السكان عن الشوارع الواسعة والحدائق ويبرر أهل المنطقة ذلك بالإجراءات الأمنية الكثيفة التي كانت تعيق إرادة أي ساكن عن إجراء أي تعديلات معمارية بمنزله.

وتعتبر ضاحية مصر الجديدة من أكثر المناطق بالعاصمة التي ترتفع فيها أسعار العقارات ويتهافت الكثيرون على الشراء فيها، إلا أن المنازل المحيطة بمنزل الرئيس السابق لم تكن تلقى إقبالا كبيرا سواء للشراء أو للإيجار على الرغم من هدوء المكان وجماله واحتفاظه برونقه إلى جانب درجة الأمان بتلك المنطقة لدرجة أنه لم يحدث بها حادث سرقة واحد خلال الثلاثين عاما الأخيرة، وهناك عرض أحد السكان منزله للبيع لعدة سنوات ولم يتلق أي زبائن حتى إنه اضطر إلى أن يخفض من قيمة عقاره كثيرا حتى يباع.

فلبيع العقار هناك خلال الفترة الماضية إجراءات استثنائية عن كافة المناطق الأخرى في مصر، فكان لا بد من إخطار الجهات الأمنية برغبة الساكن في بيع أو تأجير عقاره أو إجراء تعديلات معينة بالعقار الخاص به، وفي كثير من الأحيان كانت ترفض هذه الطلبات، كما منعت أيضا تصاريح بناء طوابق إضافية على العقار.

وتقول السيدة صفاء الحناوي أحد القانطين بالمنطقة: «فرضت علينا قيود كثيرة بسبب قرب منزلنا من منزل الرئيس السابق فكل الذي يفصلنا عنه سور كبير محاط بالأشجار ولم يكن مسموحا لنا أن نلتقط صورا خارج منزلنا وإذا حدث والتقطتنا أي صورة كان رجال الحرس يطلبون رؤيتها ويتفحصونها بدقة».

وتذكر الحناوي أنه في أوائل فترات تولي مبارك الرئاسة كانت نقاط التفتيش تتعامل معنا وكأننا لسنا سكان المنطقة وكنا نتعرض للتفتيش الدقيق وفي بعض الأحيان للمضايقات ولكنهم غيروا من تعاملهم معنا وأصبحوا أكثر لطفا ولا أعرف السبب وراء ذلك التحول المفاجئ.

وتضيف الحناوي أنه بعد رحيل مبارك بدأ سكان المنازل المجاورة في بناء أسوار لحماية منازلهم لأن قوات الأمن الباقية من المفترض أن ترحل بعد تولي الرئيس الجديد، وهذا شيء لم نعتد عليه فكنا نترك النوافذ والأبواب مفتوحة دون خوف طوال السنين الماضية. وتسكن الحناوي في واحد من أربعة منازل ملاصقة لسور منزل الرئيس السابق، لذلك كانت تتعرض قبل دخولها إلى منزلها إلى نقطتين تفتيش، الأخيرة منها كانت تمنع دخول السيارات إلا في الحالات الطارئة، أما الآن سمح للسكان بأن يدخلوا سياراتهم ويتركوها أمام منازلهم بعد أن اعتادوا على تركها خارج منطقتهم.

وتعبر الحناوي عن رغبتها في عدم رحيل الحرس الجمهوري على الرغم من القيود التي فرضها على سكان المنطقة بحكم قربهم من مسكن الرئيس السابق وذلك لأن المنطقة ظلت لعقود مؤمنة ولا ينتاب سكانها القلق من مداهمة اللصوص لمنازلهم.

وبعد رحيل مبارك فتحت طرق كثيرة داخل المنطقة كان محظورا على أهلها المرور فيها مثل طريق «المطار» كما يطلق عليه أهل المنطقة، وهو الطريق الذي يربط بين منزل مبارك ومهبط الطائرات الهليكوبتر والذي كان قديما يمر به خط المترو الذي أزيل بعد أن أصبح مبارك رئيسا، وعلى جانبي هذا الطريق تجد اختلافا شديدا في تشييد أرصفته، فعلى الجانب الأيسر من الطريق الذي كانت تعبر منه سيارات مبارك مشيد بالسيراميك غير مستخدم في شوارع مصر أجمع، وعلى الجانب الآخر من الطريق الذي يطل عليه السكان فمشيد بالأساليب التقليدية للشوارع المصرية، والحديقتان الموجودتان على جانبي الطريق والمواجهتان لبعضهما بينهما تناقض ملحوظ فالأولى القريبة لمدخل منزل مبارك منسقة وبها نباتات وأشجار ونخل، أما الحديقة الأخرى وهي المواجهة للساكنين بشارع الدكتور المحروقي ليس بها شيء غريب فهي كانت إحدى الحدائق العامة في السابق، وأثناء فترة وجود مبارك في السلطة لم يكن مسموحا تخطي الحديقة سوى لبضعة أمتار وكان يقف الحرس الجمهوري أمام الحديقة.

وتسمع هناك قصصا طريفة عن أحد السكان الذي جلب عمالا يوم 13 فبراير (شباط) الماضي - أي بعد تخلي مبارك عن منصبه بيومين - لبناء أدوار إضافية على عقاره بعد أن حرم من ذلك طوال ثلاثين عاما.