بيانات وتقارير «المضاربين» تربك سوق العقارات السعودية

في ظل غياب مرجعية مطلقة تؤكدها أو تنفيها

السوق العقارية السعودية في حاجة إلى مرجع خاص لتدقيق المعلومات المطروحة (تصوير: خالد الخميس)
TT

تشهد سوق العقارات السعودية تقارير وبيانات مختلفة من جهات رسمية وغير رسمية، تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في تداولات السوق، خاصة مع عدم وجود مرجعية مطلقة تؤكد أو تنفي صحة تلك التقارير والمعلومات في أسواق العقارات بالاقتصاد الأكبر عربيا.

وبما أن بعض التقارير تنطلق من خلال اجتهادات لمعرفة حالة السوق العقارية، فإن البعض قد يستغل الفراغ الموجود في تدقيق البيانات لمصلحته، كما يستخدم المضاربون الإشاعة لشراء أو بيع العقارات كما هو الحال في أي سلعة في أي سوق عالمية، وذلك لتحقيق مكاسب على المدى القصير، الأمر الذي يتطلب وجود رقابة على المعلومات المطروحة والتأكد من مطابقتها لواقع السوق العقارية في السعودية.

وأربكت تقارير خلال الفترة الماضية حركة البيع والشراء خاصة بما يتعلق بالأراضي الخام، حيث توقعت تلك التقارير والبيانات انخفاض أسعار الأراضي الكبرى الخام بنسب خارجة عن المألوف تصل في بعض الأحيان إلى 40 في المائة، نتيجة التضخم الحاصل في تلك الأراضي الذي وصل إلى أشده، في حين تشهد سوق الأراضي الخام استقرارا مستمرا، نتيجة وجود طلب للمشاريع الضخمة، خاصة مع تحرك شركات التطوير العقاري لطرح المزيد من المنتجات العقارية.

وينتظر أن تكون تلك الأراضي محل اهتمام في الخطة التنموية التي تعمل عليها الحكومة لبناء مليون وحدة سكنية خلال خمس سنوات، يقوم على تطويرها القطاعان العام والخاص، وهو ما يؤكد وجود الطلب عليها خلال الفترة المقبلة، في مقابل معلومات عن الركود وانخفاض الأسعار.

وبحسب مصادر أفصحت لـ«الشرق الأوسط»، فإن بث مثل تلك المعلومات من قبل مضاربين ينتظر أن يحقق الانخفاض في الأسعار، ومن ثم الانقضاض على الأراضي وطرح بيعها بارتفاع لا يبتعد عن الأسعار السابقة في عملية الانخفاض، في حين يعتبر منتج الأراضي المنتج المفضل عقاريا، لاستثمار المدخرات المالية حيث تنحصر أغلب المدخرات والاستثمارات في قنوات العقار وسوق الأسهم.

وقال حسام بن عيد المتعامل في سوق العقارات السعودية إن الطلب لا يزال يسجل حركة واسعة على الأراضي المفردة الصغيرة على شقيه الاستثماري والسكني، وهو ما يعكس وجود حركة كبيرة، في حين واصلت أسعار الأمتار الارتفاع في المناطق المطورة في عدد من المدن الرئيسية، مشيرا إلى أن الطلب يزداد في مكة المكرمة على الأراضي الصغيرة على الشق السكني.

وأضاف «من المعلوم أن حركة نمو أسعار الأراضي لم تكن وليدة اللحظة، وإنما باتت عرفا واضحا في سوق العقارات السعودية، حيث إن الأراضي الخام كانت وما زالت المبدأ الأساسي لقيام أي مشروع عقاري سواء كان صناعيا أو زراعيا أو سكنيا، وهو ما يجعلها محببة لدى أغلب المستثمرين، ومركز أمان للاستثمارات المالية، الأمر الذي يجعل السوق السعودية من أكبر الأسواق في حجم المدخرات المالية في السوق العقارية، والتي تتنامى شيئا فشيئا».

وتتطلع خطة الحكومة إلى توفير 266 مليون متر مربع لتنمية القطاع الإسكاني، ضمن خطة التنمية التاسعة، مما يؤكد أهمية الأراضي الخام خلال الفترة المقبلة، في المقابل تواصل تلك الأراضي أفضليتها كمنتج عقاري مفضل لشركات التطوير العقاري، والقائمة على تطوير الأحياء السكنية.

وتابع بن عيد «الجميع لاحظ كيف كانت المنطقة الشرقية نشطة في عملية طرح الأراضي في المزاد العلني، وتحقيق مكاسب، حيث وصلت مبيعات 10 مساهمات عقارية في العام الماضي إلى نحو ملياري ريال (533.3 مليون دولار)، وهو مؤشر مهم للأسواق العقارية».

وتعمل شركات التطوير العقاري في السعودية على شراء أرض خام ضخمة، ومن ثم تقسيم تلك الأرض إلى أراض صغيرة وإدخال الخدمات من ماء وكهرباء وشبكة صرف صحي وشبكة اتصالات، إضافة إلى سفلتة وأرصفة الشوارع والطرق، على أن يتم طرح تلك الأراضي في مزاد علني يتسابق عليه المستثمرون على شراء الأراضي، من باب الادخار وطرحها بعد مدة وتحقيق عوائد ربحية خلال تلك الفترة.

من جهته، قال محمد القحطاني الخبير العقاري، إن بث البيانات والتقارير المغلوطة يبرز فرصا جيدة للمضاربين في الاستفادة من تأثير تلك المعلومات، إلا أنها تضع المستهلك النهائي الحقيقي في مأزق من خلال انتظار خفض الأسعار من جهة، وعدم ضخ السيولة من جهة أخرى، موضحا أن الوضع قد يرتفع إلى الشركات المحلية والإقليمية التي تبدأ في تطبيق مبدأ انتظار الفرص الاستثمارية والتي قد لا تشكل واقعا لكون تلك البيانات والتقارير بنيت على افتراضات.

وكانت تقارير أطلقت خلال الفترة الماضية عن أن عددا من الممولين يمتنعون عن تمويل شركات التطوير العقاري أو الأفراد لشراء الأراضي بحجة انخفاض أسعار الأراضي الخام وبالتالي انخفاض أسعار الأراضي المفردة، الأمر الذي يوقف عجلة التطوير العقاري، ومن ثم ارتفاع التضخم نتيجة عدم وجود منتجات عقارية جديدة.

وتابع القحطاني «مضاربو قطاع العقارات ليسوا بعيدين عن مضاربي الأسهم أو النفط أو غيرها، حيث تؤثر المعلومة على الأسعار وتضع الأشخاص في حيرة من التداول، وجدوى الاستمرار في السوق من عدمه، إلا أن الفرق في السوق العقارية أن التأثير يحتاج إلى وقت وإلى استمرار ضخ تلك المعلومات التي قد لا تؤثر في أغلب الأحيان».

وشهدت الأعوام ما بين 2001 وحتى 2007 وما قبل الأزمة المالية العالمية نشاطا واسعا على الأراضي الخام، في حين أغرى ذلك النشاط شركات التطوير العقاري الإقليمية للدخول في السوق السعودية، في ظل الحاجة الإسكانية المقدرة بنحو 200 ألف وحدة سكنية بشكل سنوي، ومع الطلب المدعوم محليا بعكس ما هو حاصل في الدول المجاورة التي تستورد الطلب.

وتنتظر السوق العقارية في السعودية دخول 500 ألف وحدة سكنية أمر خادم الحرمين الشريفين ببنائها خلال الفترة المقبلة، حيث تعمل وزارة الإسكان على مشروع متكامل لبناء تلك الوحدات.

ويبلغ حجم السوق العقارية في السعودية نحو 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار)، وذلك من خلال إحصاءات غير رسمية، في حين تستحوذ المدن الرئيسية الثلاث، الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، إضافة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، على النسبة الأكبر من التداولات العقارية، في الوقت الذي تطلق فيه وزارة العدل مؤشرا عقاريا في مدن الرياض والدمام والمدينة المنورة ضمن مشروع سيضم باقي المدن، مما سيسهم في تعزيز المعلومة الحقيقية لسوق العقارات السعودية.