لهذه الأسباب.. عام 2011 هو الأخطر عقاريا

مخاطر السياسة والاقتصاد والتضخم تعيد الاستثمار من الدول الناشئة إلى الدول الصناعية

TT

الأحداث السياسية والاقتصادية التي وقعت في الشهور الأخيرة تشير إلى أن عام 2011 قد يكون الأخطر في أسواق العقار الدولية على المستثمر. ويؤثر الوضع الدولي المتقلب على اتخاذ قرارات الاستثمار الدولي في العقار، التي تسعى في بحث دائم عن القيمة والأمان، وهما جانبان قلما توفرا في موقع واحد.

ويقول أحدث تقرير للعقار الدولي أصدرته مؤسسة نايت فرانك بالتعاون مع بنك سيتي الخاص إن نسبة 63 في المائة من كبار مستثمري العقار يخشون دخول بعض الأسواق خوفا من المخاطر السياسية، بينما تصل هذه النسبة إلى 80 في المائة في حالة الخوف من العوامل الاقتصادية السلبية.

وكانت بداية مؤشرات العام المتقلبة، الثورة التونسية، التي تبعتها ثورات في مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا، بما يؤشر لوضع سياسي جديد في المنطقة. وتنظر أوساط العقار الأوروبية إلى هذه المناطق على أنها واعدة إذا ما تحققت الإصلاحات السياسية المطلوبة، ولكنها تعتبر أن التوجه الاستثماري إلى الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي ما زال سابقا لأوانه حتى تستقر الأوضاع في هذه الدول وتتضح توجهات المستقبل فيها، ويشمل هذا الحذر دولا تحددت فيها مسارات المستقبل مثل تونس ومصر التي تقبل على انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الحالي.

التغيرات السياسية تحدث أيضا في أوروبا التي تشمل انتخابات برلمانية في كل من ألمانيا وآيرلندا، وهي تغيرات يمكن لها أن تحدد مسار اليورو كعملة أوروبية مشتركة.

ويقول التقرير إن الولايات المتحدة تشهد تناحرا بين الحزبين الرئيسيين فيها، وقد كان ذلك ظاهرا في مفاوضات الميزانية الأخيرة التي كادت تعلق عمل الحكومة بأكملها. وتكتمل ملامح الصورة المضطربة بمباحثات تجارية بين الولايات المتحدة والصين حول مستقبل العلاقة بينهما، بينما يستمر الاضطراب في أسواق النفط، وسط متاعب عرقية في نيجريا وأخرى سياسية في الشرق الأوسط.

ومع كل هذه الأحداث زادت مخاوف المستثمر الدولي من حالة عدم الاستقرار السياسي ووضع الاقتصاد العالمي. ويعتقد المستثمرون أن ميزان القوى العالمي ينتقل تدريجيا من الغرب إلى الشرق، خصوصا بعد أحداث أزمة الديون العالمية التي سحقت قدرات البنوك والاقتصادات الغربية وزادت من الديون.

ويشير تقرير «نايت فرانك» إلى عوامل أخرى تشغل بال المستثمر العقاري الدولي، منها أعمال الشغب ضد الحكومات الغربية كما ظهر مؤخرا في المدن البريطانية وزيادة التوتر الاجتماعي، وزيادة توقعات المستهلكين خصوصا مع تطور التكنولوجيا، والكثير من الإحباط بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والمواد الغذائية. ويقدم التقرير نصيحة مبسطة للمستثمر الدولي بضرورة تنويع الاستثمار سواء كان جغرافيا أو قطاعيا.

ومن الأحداث الباقية في عام 2011 التي يمكن أن يكون لها انعكاسات مؤثرة على توجه كبار المستثمرين في العقار الدولي، الانتخابات البرلمانية في اليونان خلال شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، والانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية قبل نهاية العام، واجتماع مجموعة العشرين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) والانتخابات البرلمانية الروسية في شهر ديسمبر (كانون الأول).

وما يعقد الوضع أكثر في رأي الباحثة تينا فوردهام، من بنك سيتي الخاص، أن تحليل المخاطر السياسية في الماضي كان يجري على دول العالم الثالث لصالح المستثمرين من الدول الصناعية. ولكن منذ أزمة الائتمان وانتشار التوتر السياسي والاجتماعي في الدول الغربية أيضا، انقلب الحال وبات تحليل المخاطر السياسية يشمل الدول الصناعية والنامية على السواء. وهي ترى أن المستثمر يتابع الآن انتخابات مجموعة اليورو بنفس الاهتمام الذي كان يتابع به الانتخابات الروسية أو البرازيلية. ولكن العامل الأهم هذا العام هو الانتفاضات في الشرق الأوسط التي عكست عقودا من عدم الاهتمام السياسي. وهي ترى أن تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية في بعض الدول لم يكن واقيا من عدم الاستقرار السياسي.

وهي ترى أن ثورات الربيع العربي سوف تستمر في تأثيرها إلى العام المقبل، وأن الأوضاع في هذه الدول قد تتحول نحو الأسوأ قبل أن تستقر. وتخشى فوردهام من تردي الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول، الأمر الذي قد يكون له تفاعلات خصوصا فيما يتعلق بأسعار الخبز والمواد الغذائية. وهي تأمل في قيادات لها رؤية للمستقبل لمعالجة هذه المشاكل قبل نشوئها خصوصا في مرحلة تتناقص فيها الموارد الحكومية. أما بالنسبة للمستثمرين، فهي ترى أن التنويع هو أفضل أسلوب للتعامل مع هذه المتغيرات الجديدة.

ويضيف مدير الاستثمار في بنك سيتي الخاص، ريتشارد كوكسون، أحداث هذا العام أقنعت الكثير من المستثمرين بالبقاء في الدول الصناعية بدلا من التوجه إلى الأسواق الناشئة، على الأقل في المرحلة الحالية. هذا على الرغم من الأحوال الاقتصادية غير العادية التي تشمل معدلات فائدة هي الأقل تاريخيا وأحيانا ضخ الأوراق المالية في الأسواق لإنعاشها وزيادة السيولة وتوجه الحكومات إلى الإنفاق بدلا من القطاع العام حتى ولو كان ذلك عن طريق الاقتراض. ويرى كوكسون أن أزمة منطقة اليورو تنبع من سياسة نقدية متشددة لا تستطيع معها الدول الأعضاء التحكم في سعر الفائدة أو تخفيض سعر العملة للخروج من مرحلة الكساد. وهو لا يرى حلا لمشكلة الديون في الدول الأوروبية المتعثرة إلا باستعادة النمو الاقتصادي.

وحتى في الدول المستقلة عن اليورو مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن القطاع الخاص فيها ما زال يحاول خفض نسبة الديون المتراكمة عليه، وهذا يمثل عبئا على النمو لأنه إنفاق بلا عائد. وما زالت المخاوف من البطالة هي العامل الحاسم في خفض الإنفاق المنزلي في الدول الصناعية.

أما في الدول النامية التي ما زالت تواصل النمو بنسب عالية، فإن التهديد الأول هو ارتفاع معدلات التضخم. وتعد الصين هي المثال الأبرز لحالة الدول النامية ومخاوف التضخم فيها. ويمكن تقدير الحجم النسبي المؤثر للصين في الاقتصاد العالمي بمقارنة الطلب فيها على المعدات الصناعية الذي كان لا يتجاوز سبعة في المائة في عام 1999، وأصبح 46 في المائة في عام 2009.

ويرى أن الاهتمام الذي أسبغه المستثمرون على الدول النامية والصين في الماضي بسبب المشاكل الهيكلية في الدول الصناعية سوف يتراجع بسبب التضخم الذي يكاد يخرج عن الزمام. ولهذا يعتقد كوكسون أن المستثمرين سوف يعودون إلى الدول الصناعية من أجل الحفاظ على قيمة استثماراتهم. ويشير إلى أن العوائد على الاستثمارات الأوروبية، رغم متاعبها، ما زالت توفر نسبة الضعف على الأقل بالمقارنة مع الاستثمارات الناشئة في الوقت الحاضر.

وما زال الكثير من كبار المستثمرين العقاريين يتمسكون بالحرص الشديد ولا يظهرون الكثير من الحماسة لدخول الأسواق الجديدة في الوقت الحاضر. والسبب هو أن المرحلة الحالية في الأسواق لها سابقة في بداية التسعينات. وتشرح شركة «إيليس» العقارية الوضع بالقول إن دورات العقار تميل إلى المبالغة في تصحيح الأسعار، بمعنى أن التراجع يحدث بأكبر من النسبة المطلوبة لاستعادة توازن الأسواق، وما إن يتوقف الانهيار ويقدر المستثمرون أن قاع السوق قد اتضح، حتى يندفعوا لدخول السوق بزخم إلى درجة تحدث معها موجة انتعاش مفاجئ. ولكن لأن أساسيات السوق ما زالت تعاني من آثار موجة التراجع، يستمر تخبط الأسعار بين الهبوط والارتفاع بلا اتجاه واضح لعدة سنوات بعد ذلك، وهذا التوجه هو ما يخشاه المستثمرون في الوقت الحاضر.

ومع ذلك، يبدو أن الاستثناء حتى الآن هو العقارات الفاخرة في العواصم الغربية والمدن الكبرى، فهي تجذب كافة أنواع كبار المستثمرين من مديري صناديق الاستثمار السيادية إلى أثرياء الشرق الأقصى، ولذلك فهي تخالف التيار وتستمر في الارتفاع. وما يريده هؤلاء المستثمرون ليس توليد الثروة بقدر صيانتها والمحافظة عليها، وهم يرون قطاع العقار الفاخر في المدن الكبرى أكثر المجالات أمانا للحفاظ على رؤوس الأموال من التآكل. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه في المدى المنظور. وهو بالضرورة ينعكس سلبيا على بقية قطاعات السوق خصوصا خارج المدن الكبرى.

ويعزز الشعور بأن المرحلة الحالية قد لا تمثل عودة إلى الانتعاش هو أن العوائد الإيجارية لم تبرح مكانها. وتقول شركة «دي تي زد» الاستشارية إن المستأجرين يركزون على العقارات الفاخرة ويزداد عددهم كلما ارتفع النشاط الاقتصادي في الموقع. ولهذا يرتبط الانتعاش العقاري كثيرا بالإنجاز الاقتصادي العام في أي دولة. ويوضح هذا نشاط القطاعات العقارية في الدول الآسيوية وفي شرق أوروبا وهي المناطق التي يزداد فيها النمو الاقتصادي عن أوروبا التي ما زالت فيها نسب النمو متدنية للغاية.

وتقول شركة «دي تي زد» إن هناك 6800 مليار دولار من الديون المستحقة عالميا في القطاع التجاري وحده، وأغلبية هذه الديون تقع في أوروبا وأميركا الشمالية. وتقدر الشركة أن ثلث هذه الديون مستحق خلال العامين المقبلين مما يعني المزيد من الضغوط على مستثمري العقار لتدبير المزيد من إعادة التمويل، وأيضا المزيد من الفرص لدخول السوق لالتقاط العقارات التي يتعثر أصحابها.

من ناحية البنوك، ما زال الكثير منها يخفي الديون الرديئة والمتعثرة يساعدها في ذلك تدني أسعار الفائدة التي تخفف من حجم الأزمة، وكذلك جهود البنوك المركزية التي تضخ المزيد من النقد في الأسواق لتسهيل السيولة. ولكن الوضع يتغير بالتدريج مع محاولات البنوك إصلاح ميزانياتها والتخلص من رواسب الماضي.

وإحدى المشاكل التي تعترض الأسواق حاليا هي عدم رغبة البنوك في الإقراض وتركيزها فقط على القطاع المضمون. وهناك مطالب رأسمالية جديدة لشروط الملاءة التي تطلبها البنوك المركزية من البنوك التجارية كما أن البنوك تنظر بطريقة مختلفة لمستويات المخاطر السائدة وتبتعد عن أي إقراض قد يعرضها للمتاعب. وفيما يتعلق بأسواق العقار البريطانية قال كوكسون إن مفتاح التوقعات في الحالة البريطانية هو توازن العرض والطلب فيما يتعلق بالمشاريع الجديدة التي تأتي إلى الأسواق خلال العام. وأضاف أن التراجع حدث عندما زادت إمدادات العقار عن الطلب المتاح في الأسواق، مما جعل الفائض بمثابة عقبة في طريق الانتعاش.

وفي بريطانيا، توقعت عدة شركات عقارية أن تتراجع الأسعار بنسب تصل إلى 10 في المائة خلال عام 2011 عما كانت عليه في العام الماضي، علاوة على التراجع الذي تحقق في عام 2010. وقال هوارد أرشر، الاقتصادي في شركة «غلوبال انسايت»، إن من الصعب الشعور بالتفاؤل في أسعار العقار خلال عام 2011 بينما الحكومة البريطانية تنفذ برنامجا للتقشف وخفض الإنفاق الحكومي. وقال أرشر إنه يخشى من عوامل فقدان الوظائف وارتفاع نسب البطالة خصوصا في وظائف القطاع العام.

وتعد صعوبة الحصول على التمويل اللازم للشراء والحاجة إلى مقدم نسبته لا تقل عن 20 في المائة من ثمن الشراء، من أهم العوامل الضاغطة على قطاع العقار البريطاني في الوقت الحاضر. وسوف تضطر البنوك البريطانية إلى تسديد مبلغ 130 مليار إسترليني إلى بنك إنجلترا والخزانة العامة هذا العام، وهي مبالغ اقترضتها أثناء فترة الطفرة.

ويعتقد سايمون روبنسون من معهد مهندسي العقار البريطاني أن الأسعار سوف تتأرجح خلال عام 2011 بين الصعود الطفيف والهبوط الطفيف لكي تنهي العام بنسبة اثنين في المائة تقريبا أقل مما كانت عليه في بداية العام. ويوافقه في الرأي مارتن غابور كبير الاقتصاديين في أكبر جمعية عقار اسمها «نيشن وايد» الذي يشير إلى تراجع تدريجي في أسعار العقار البريطاني خلال النصف الأول من العام الحالي.

ويضيف غابور أن دورة الانتعاش سوف تعود ولكنها قد تستغرق وقتا طويلا. ويشير إلى أن الطفرة السابقة استغرقت وقتا طويلا ولذلك يجب أن نتوقع فترة تصحيح قد تستغرق بعض الوقت حتى تعود الأمور إلى نصابها وتستعيد الأسواق توازنها.

وكان من الممكن أن تسقط الأسعار في بريطانيا بنسب أكبر لولا أن بنك إنجلترا (البنك المركزي) ما زال يحافظ على أسعار الفائدة في أدنى معدلاتها (نصف في المائة). وما زال الرأي السائد بين الاقتصاديين أن أسعار الفائدة على الإسترليني سوف تستمر على نفس معدلاتها المتدنية حتى عام 2012.

ويعتقد راي بولغر من شركة «تشاركول» العقارية أن أسعار العقار في بريطانيا سوف تواصل صعودها على نهاية هذا العام لأن المتاح منها للبيع في الأسواق يتناقص وهذا سوف يزيل الضغوط على الأسعار. ويشير إلى قطاع الشراء الاستثماري من أجل التأجير وهو مجال لم يتراجع وما زال من أنشط قطاعات السوق. ويعوض هذا القطاع نقص المشترين الجدد في السوق الذين يعانون من مخاوف فقدان الوظيفة وصعوبة الحصول على التمويل وانعدام السيولة لتوفير مقدم الثمن، ويلجأ هؤلاء حاليا إلى الإيجار.