العقارات الفاخرة في وسط لندن تقفز بمعدلات أعلى من الذهب

ارتفعت بنسبة 81% خلال عامين

تواصل عقارات لندن إغراء المستثمرين الأجانب (تصوير: حاتم عويضة)
TT

رغم التقلبات في أسواق المال حول العالم، وأوروبا بشكل خاص، تبقى بعض نواحي سوق العقار السكني البريطاني، تعاكس التيار، لا تقاوم التراجع فحسب، بل تشهد طفرة لم تشهدها من قبل. فقد أشارت تقارير أخيرة إلى أن أسعار الشقق الكبيرة والفاخرة في المناطق الغنية في العاصمة لندن، أو في العناوين المهمة، بنسبة 81 في المائة بين أبريل (نيسان) عام 2009 ويونيو (حزيران) هذا عام 2011، أي منذ سنتين تقريبا. وهذا بالطبع نسبة نمو أعلى بكثير من نسبة نمو أسعار الذهب، والتي سجلت نموا بنسبة 67 في المائة عن نفس الفترة رغم الارتفاعات الأخيرة. وعلى هذا الأساس يكون أداء قطاع الشقق الفاخرة والكبيرة في العاصمة البريطانية، الأفضل بين جميع القطاعات السكنية خلال السنوات القليلة الماضية. كما أصبحت هذه الشقق أيضا مفضلة على المنازل الكبيرة في العاصمة، كما كان يحصل تقليديا، ويبدو أن تحولا ما يحصل على هذه السوق، متناغما مع التطورات الكثيرة. ويعزز الطلب الكبير على هذا النوع من الشقق، ويؤججه أغنياء الكثير من الدول الباحثين عن بيت مريح وآمن والذين يملكون سيولة كبيرة بالطبع. ويأتي الكثير منهم من الدول الإسكندنافية وأوروبا الشرقية وروسيا والهند وتايلاند والصين وسنغافورة وأستراليا وإيطاليا واليونان ودول الخليج العربي وأميركا. ومعظم أغنياء هذه البلدان الذين تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والستين عاما، يبحثون عن منزل إضافي يمكن لهم أن يستخدموه عندما يحلو لهم ذلك، كمحطة في العاصمة، وهو ليس منزلا دائما، لكنه يمكن حل مشكلة الأبناء الذين يريدون متابعة تحصيلهم العلمي العالي في بريطانيا. وعادة ما يطلب هؤلاء أن تكون الشقق آمنة على مدار الساعة مع مرأب للسيارات ومكيف للهواء، بالإضافة إلى غرف الترفيه كصالة السينما، وبركة سباحة وغرفة للتمارين وغيره من كل متطلبات الشقق الفاخرة والشاسعة في العناوين المهمة في العاصمة التي تعتبر أهم المراكز المالية العالمية. وذكرت التقارير الأخيرة أن عائلة غنية من شرق أوروبا اشترت شقة من هذا النوع الشهر الماضي بـ22.5 مليون جنيه (33.7 مليون دولار)، وهذه العائلة أيضا من العائلة الباحثة عن شقة لأحد أبنائها الذين ينوون إنهاء تعليمهم في لندن. ولا يتوقع الخبراء في هذه السوق أن يتباطأ النمو الكبير على أسعار هذه الشقق، بل تقول التوقعات إن الأسعار ستواصل ارتفاعها إلى ما لا نهاية ما دام الطلب أكبر بكثير من العرض.

لا بد من الذكر هنا أن هذا النمو الكبير على أسعار الشقق وبنسبة 81 في المائة خلال سنتين، هو جزء من الصورة في القطاع العقاري السكني في بريطانيا، إذ إن الأرقام تبدو وكأنها تناقض بعضها البعض، ففي بعض المناطق ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 60 في المائة وفي بعض المناطق الأخرى تراجعت الأسعار بنسبة 20 في المائة منذ العام الماضي. ولكن هذه التناقضات ليست إلا إثباتا صارخا على الفجوة في النوعية بين مختلف القطاعات العقارية، وعلى عوامل أخرى كثيرة على رأسها الهجوم الأجنبي على أي عقار يتوفر في الأسواق اللندنية. فالكثير من المؤسسات العقارية المعروفة دوليا، تواجه أحيانا بعض العجز في تلبية طلبات جميع زبائنها بسبب قلة المتوفر من هذه الشقق والعقارات في العاصمة هذه الأيام.

وعلى سبيل المثال في تعقد الصورة أي صورة الأرقام، قال بنك «هاليفاكس» في تقريره الأخير إن أسعار العقارات السكنية في إنجلترا وويلز تراجعت بنسبة واحد في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أي بين يونيو ويوليو (تموز) وأغسطس (آب) هذا العام، ووصلت نسبة التراجع في أغسطس وحده كانت 1.2 في المائة، لكن هذه الأرقام مبنية على أساس عدد القروض الممنوحة خلال تلك الفترة، وليس كل ما يحصل في الأسواق.

بأي حال فإن التناقضات والتقلبات في الأسواق كثيرة، ولا تتوقف على قلة المنازل والعقارات الجديدة المتوفرة في الأسواق، والتي لا يتعدى سعرها الـ300 ألف جنيه (450 ألف دولار)، بل على قدرة الكثير من الناس الدخول إلى الأسواق لأول مرة بسبب الشروط التي تفرضها المؤسسات المالية والبنوك منذ عدة سنوات، أي منذ الأزمة المالية العالمية الأولى منتصف عام 2007، وبالتحديد الدفعة الأولى التي تتطلبها هذه المؤسسات كشرط لمنح القرض العقاري.

ولهذا السبب بالذات تعمل الكثير من شركات البناء والمؤسسات العقارية على تقديم عروض في تجمعاتها السكنية الجديدة، يمكن أن تخفف من هذه الشروط وتمكن الكثير من الشباب تسلق سوق العقار لأول مرة. وتشير المعلومات المتوفرة في هذا الإطار أن معدل سعر المنزل أو العقار الجديد في لندن الكبرى يصل حاليا إلى 315 ألف جنيه (472 ألف دولار تقريبا) أي أقل بنسبة 21 في المائة مما كان عليه العام الماضي. وأن أسعار هذه العقارات تتعرض للتراجع بوتيرة أسرع من وتيرة تراجع بقية القطاعات والمناطق باستثناء المناطق الشمالية الغربية. وفي حين تراجعت أسعار هذه العقارات الجديدة في لندن بنسبة 3.4 في المائة في يوليو الماضي، لم يتعد التراجع في بقية المناطق البريطانية الـ2 في المائة.

وبناء على الكثير من هذه المعطيات يجري التنافس بين مؤسسات البناء وشركات التطوير العقاري السكني في البلاد لتقديم العروض المغرية للمشترين للمرة الأولى. وحسب مؤسسة «زوبالا» العقارية المعروفة، فإن نسبة العقارات الجديدة المعروضة للبيع مع تخفيضات على الأسعار بلغت 37 في المائة تقريبا، بعدما كانت العام الماضي 32 في المائة. وقد ارتفعت قيمة التخفيضات من 6.1 في المائة من سعر العقار العام الماضي إلى 7.1 في المائة هذا العام، أي ما يساوي تقريبا 20 ألف جنيه (35 ألف دولار تقريبا). وتقول مؤسسة «زوبالا» في هذا الإطار أن هذا الوقت هو الوقت الأفضل لدخول سوق العقار، وأن القدرة على دخول الأسواق للأفراد هي الأفضل منذ 12 سنة حسب دراسة قام بها مؤخرا بنك «هاليفاكس». ويؤكد «هاليفاكس» أن المدفوعات على القروض العقارية في الوقت الحالي تصل إلى 28 في المائة من نسبة معدل دخل الفرد العام، وقد كانت هذه النسبة نحو 48 في المائة في عام 2007 ووصل معدلها إلى 37 في المائة خلال السنوات السبع والثلاثين الماضية.

وبسبب تدني معدل الفائدة العام إلى مستويات تاريخية والكير من عروض التخفيض على الأسعار من الكثير من المؤسسات التطويرية، صار بإمكان البعض شراء عقار بقيمة 200 ألف جنيه (350 ألف دولار) في منطقة لندن الكبرى أي في المناطق المحاذية والضواحي. ومن المؤسسات العقارية التي قدمت هذا النوع من التخفيضات مؤسسة «بيرسيمون» وفي موقعها التطويري في هينبيري بارك في منطقة أوكسبريدج. وهي منطقة موصولة بالوسط التجاري بالمترو ولا تبعد سوى أربعين دقيقة عنه. وقد قدمت المؤسسة تخفيضات على الأسعار بنسبة ثلاثين في المائة، مما أوصل سعر العقار (شقة من غرفتي نوم) إلى 167 ألف جنيه (251 ألف دولار تقريبا).

وفي موقع ويير غرين في جنوب شرقي العاصمة لندن (يبعد 20 دقيقة في القطار عن وسط العاصمة) تقدم مؤسسة «هيغينز هومز» عرضا من نوع آخر، وهو الشراكة في الملكية على الشقق المعروضة للبيع. وما على المشتري للمرة الأولى إلا دفع 5 في المائة من سعر العقار أو الشقة الذي يبلغ 145 ألف جنيه (217 ألف دولار تقريبا)، لامتلاك ما نسبته ثمانون في المائة من العقار المؤلف من غرفة نوم واحدة. ومن الشروط التي تفرضها المؤسسة هو أن يستقرض المشتري العشرين في المائة الأخرى من قيمة العقار من المؤسسة وبمعدل فائدة صفر لمدة عشر سنوات.

وحسب عرض مؤسسة «تيلورويمبي»، يمكن للمشترين للمرة الأولى استقراض ما قيمته عشرون في المائة من سعر العقار في موقع ييزلي في الجنوب الذي لا يبعد كثيرا عن أوكسبريدج، من ويمبي نفسها، لكن على العقار أن يكون جديدا وفي إنجلترا وبسعر أقل من 280 ألف جنيه (420 ألف دولار تقريبا)، مع دفع مبلغ مقدما أو دفعة أولى على الـ80 في المائة المتبقية من سعر العقار. وبالطبع فإن قرض العشرين في المائة قرض من دون فائدة لمدة خمس سنوات. ويصل معدل سعر الشقة في هذا الموقع إلى 168 ألف جنيه (252 ألف دولار تقريبا). وهناك الكثير من الشقق الحديثة والجديدة في منطقة كرويدون بأسعار معقول لا تتعدى الـ170 ألف جنيه (254 ألف دولار تقريبا) ولا تتطلب أكثر من 8 آلاف جنيه كدفعة أولى، وذلك بغية تشجيع المشترين للمرة الأولى وتصريف العقارات المعروض للبيع والالتفاف على الشروط الصعبة لمنح القروض وبالتالي تحريك الأسواق.

كما أن هناك مواقع تطويرية حديثة تعرض الشقق بأسعار أقل من ذلك بكثير، وخصوصا في نيو سنترال قرب ووبينغ (30 دقيقة عن وسط العاصمة بالقطار)، حيث تعرض الشقق بسعر 135 ألف جنيه (202 ألف دولار تقريبا) ومع دفعة أولى لا تتعدى الـ5 آلاف جنيه (7.5 ألف دولار تقريبا). وفي منطقة هييز، غرب العاصمة لندن، يمكن شراء الشقة الجديدة المؤلفة من غرفة نوم واحدة بـ150 ألف جنيه (225 ألف دولار تقريبا)، والشقة المؤلفة من ثلاث غرف نوم بـ283 ألف جنيه (424 ألف دولار تقريبا).

وهذه العروض نماذج بسيطة من الكثير من العروض التي تقدمها الكثير من شركات التطوير العقاري السكني في العاصمة وحولها أو المناطق المحيطة وما يعرف بلندن الكبرى. ولهذا يعتبر بعض الخبراء الوضع العقاري آيلا إلى التحسن، وخصوصا بالنسبة للراغبين في دخول الأسواق للمرة الأولى.