بريطانيا تشدد قوانين محاربة «احتلال المساكن»

تسعى لـ«تجريم» الممارسة المثيرة للجدل

دجاجة تقفز على رأس فتاة ضمن مجموعة لحماية البيئة «احتلت» مبنى واتخذته مسكنا لها قرب مطار هيثرو بلندن (نيويورك تايمز)
TT

عندما وصل سام شيما، وهو محام متخصص في قضايا الإسكان، إلى عقاره المعروض للإيجار والذي يفترض أنه خال خارج لندن شعر بالفزع، لأنه وجد في الباب الأمامي قفلا جديدا، كما وجد شخصا غريبا يحدق فيه من إحدى النوافذ.

تساءل شيما: «مَن أنت؟».. ورد الرجل: «أنا أعيش هنا، ومعي عقد إيجار من صاحب العقار». ولم يكن ذلك صحيحا، حيث إن شيما هو صاحب العقار. وتبعت ذلك دقائق من التلاسن استخدمت فيها بعض الألفاظ البذيئة. ورفض الغريب، الذي تسلل إلى العقار بعد أن رحل آخر المستأجرين المتعاقدين مع شيما عن المبنى، فتح الباب، ولذا لم يكن مسموحا قانونا لشيما الدخول إلى عقاره. وكان عليه أن يتوجه إلى المحكمة لطلب استعادة المنزل.

لا يوجد في بريطانيا إحصاء عن عدد المباني التي يعيش فيها أشخاص بصورة غير قانونية. ولكن على ضوء عدد القضايا البارزة داخل لندن الواردة في الأخبار خلال الفترة الأخيرة - مثل حكاية ممرضتين عادتا من فترة الإجازة «لتكتشفا أن منزلهما في نيو ساوثجيت استحوذ عليه رومانيون»، على حد تعبير «ذي إفينينغ ستاندرد» - تعهدت الحكومة بتشديد قوانين مكافحة السكن غير القانوني للتسهيل على أصحاب العقار بشأن ترحيل المستأجرين غير المتعاقدين معهم.

وقال وزير العدل كريسبين بلانت أخيرا: «يضطر عدد كبير من المواطنين إلى تحمل هذا النزاع الكئيب المكلف من أجل التخلص من السكان غير القانونيين. ويحتاج ملاك المنازل إلى نظام قضائي يجعل حقوقهم في المرتبة الأولى». ويعيش بعض السكان غير القانونيين بلا مأوى بالفعل، ويبدو أن هناك آخرين مناوئين للحكومة أو ضد فكرة الاضطرار لدفع الإيجار. وفي مارس (آذار)، استولت مجموعة أطلقت على نفسها «أطيحوا بالطغاة» على منزل في شمال لندن قيمته 17 مليون دولار لسيف الإسلام القذافي، ابن العقيد الليبي المطاح به. وفي فبراير (شباط)، سيطر أشخاص على منزل للمخرج غاي ريتشي بوسط لندن، وقالوا إنهم يخططون لبناء مدرسة مجانية، وفق ما جاء في «ديلي ميل».

ومن المحتمل أن تجرم اللوائح الجديدة التعدي على ملكية الآخرين، وبالتبعية الإقامة في منازل من دون وجه حق، كما يتوقع أن تسرع من الوسائل التي من خلالها يمكن إخلاء السكان غير القانونيين.

وفي الوقت الحالي، يجرم الإقامة في منزل يعيش فيه شخص آخر أو التخطيط للانتقال إليه في وقت قريب. ولكن الإقامة غير القانونية في عقار تجاري شاغر تعد مخالفة مدنية، ولا يمكن التخلص من مثل هؤلاء المقيمين بصورة غير قانونية إلا بحكم من المحكمة.

ويسمح لأصحاب المنازل باستخدام «قوة معقولة» للتخلص من السكان بغير حق، ولكن لا يوجد ما يحدد معنى هذه العبارة. ويقول غيلز بيكر، وهو محام متخصص في قضايا الإسكان، إنه لا يوجد مَن يرغب في القيام بشيء قد يؤدي إلى دعاوى مضادة واتهام بالاعتداء. ويوضح شيما: «إذا تمكنت من إخراجهم بطريقة سلمية فهذا شيء حسن، ولكن إذا أمسكت بسكين وقلت لهم: (اخرجوا من هنا وإلا سأقتلكم)، فيمكن أن توجه تهمة جنائية إليك».

وبالنسبة إلى الملاك التجاريين، فهم لا يستطيعون استخدام أي نوع من القوة أو حتى الدخول إلى عقارهم الخاص أو شق طريقهم بالقوة رغم أنف المقيمين. ويقول أصحاب العقارات إن الشرطة غير راغبة في التدخل من دون أوامر صادرة من المحكمة، باستثناء الحالات الفاضحة. وفي هذه الأثناء تعد مجموعة داخل لندن تطلق على نفسها اسم «الخدمة الاستشارية للسكان بغير حق» قائمة بالعقارات التي يحتمل أن تكون متاحة للسكن بغير حق، وتقوم بنشر «دليل الإقامة بغير حق» للمساعدة عند مواجهة مشاكل قانونية، كما تنشر مجموعة من «حقوق السكان بغير حق» على موقعها الإلكتروني. ويشعر الكثير من أصحاب المنازل بالضيق بشكل خاص وذلك لفكرة حقوق «السكان بغير حق».

ويقول إندر سينغ، وهو رجل أعمال اقتحم عقاره الذي يؤجره في شرق لندن مجموعة من السكان غير القانونيين على معرفة باللوائح لدرجة أنهم لم يتركوا شخصا يعمل معه في الداخل خشية خسارة العقار: «من الواضح أن هذه القوانين لم تكن معدة لتناسب القرن الحادي والعشرين». واحتاج سينغ إلى شهرين حتى يتمكن من إخراج هؤلاء المقيمين بغير حق.

ولكن يوجد جانب آخر في النقاش، ويقول البعض إنه يوجد ما يقدر بـ762.000 عقار شاغر أو مهجور في بريطانيا كان يمكن الاستفادة منها من خلال تأجيرها. ومع احتمالية ارتفاع عدد مَن لا مأوى لهم خلال الأعوام القليلة المقبلة، وذلك على ضوء الخصومات الكبيرة في علاوات الإسكان للمستفيدين من الخدمات الاجتماعية، يقول نشطاء إنه من المفيد تمكين المستأجرين الذين لا مأوى لهم من المنازل غير المؤجرة. ويقول بيكر: «معظم السكان بغير حق الذين يبحثون بالفعل عن مكان للعيش فيه يقومون بذلك على أسس عقلانية ولا يبحثون عن مكان يحتمل أن يظهر فيه أصحاب المنزل في أي لحظة». ويضيف: «يبحثون عن شيء غير شاغر لفترة طويلة».

ويقول كيثي روبن، وهو فنان تطوع لدى «الخدمة الاستشارية للسكان بغير حق»، إن تجريم السكن بغير حق قد يسمح لأصحاب العقارات عديمي الضمير بإخلاء المستأجرين الضعفاء – ممن لا يملكون عقود إيجار على سبيل المثال – بزعم أنهم سكان غير قانونيين. ويقول روبن (55 عاما): «بصورة شخصية لا أشعر بأنه من الخطأ أن يعيش شخص فقير في منزل شاغر». ويعيش روبن نفسه بصورة غير قانونية، فقبل 18 شهرا استحوذ مع مجموعة من النشطاء البيئيين على موقع مساحته فدان مهجور في سيبسون، وهي قريبة بالقرب من مطار هيثرو، وكان الموقع مخصصا للاستخدام الزراعي، ولكن يستخدم بصورة قانونية كموقع لتفكيك السيارات.

وأخرجت المجموعة 30 طنا من أجزاء السيارات وتربة ملوثة وبدأت تزرع خضراوات يعطونها لسكان المنطقة. وقاموا بترميم دفيئات وإنتاج الكهرباء من خلال منصات شمسية ركبت أخيرا، وأنشأوا فصولا تقدم دروسا فنية، وقاموا بحملة ضد الطريق السريع الثالث المقترح في هيثرو الذي يحتمل أن يضر سيبسون. وقام روبن بنصب خيمة وانتقل للعيش فيها.

وقام الملاك، الذين فرضت بحقهم غرامات أكثر من مرة لإخلالهم باستخدام الأرض في الغرض المخصصة له، برفع دعوى قضائية لاستعادة العقار. ولكن يقول سكان في هذه المنطقة إنهم يفضلون هؤلاء السكان غير القانونيين. وتقول الشرطة إن معدلات الجريمة في المنطقة تراجعت بمقدار 50 في المائة منذ أن انتقلت إليها هذه المجموعة الناشطة بيئيا.

وتقول ليندا ماك كوتشون، رئيسة مجموعة السكان المحليين التي كتبت خطابا أخيرا داعما لقضية السكان بغير حق: «في الوقت الحالي البيئة هناك نظيفة، ويشعر الجيران، ومن بينهم حضانة للأطفال الصغار، بالامتنان لهم».

ولكن لا تظهر مثل هذه الحالات في غمرة المقالات الصحافية عن عمليات الاستيلاء على المنازل. ويعرف شيما القليل من مثل هذه الحالات: امرأة في شرق لندن أنهى عامل طلاء الشقة لها وبعد ذلك قال إنه «لن يرحل»؛ ووكيل عقاري كان يعرض شقة على مستأجرين محتملين وخرج منها على عجل عندما سمع شخصا يصرخ قائلا إن سيارته يجري سرقتها، ولما عاد وجد أن المستأجرين المحتملين (الزائفين) استحوذوا على المكان.

ويقول شيما إنه على الجانب الآخر ساعد عائلة عاشت في منزل مهجور داخل وايت تشابل بشرق لندن منذ التسعينات للاستفادة من قوانين الإسكان الحالية والزعم بأحقيتهم في المنزل. ويقول: «قاموا بتغير النوافذ وإصلاح السقف وكانوا يدفعون فواتير الكهرباء، ولم يلحظ الملاك ذلك لـ13 عاما».

* خدمة «نيويورك تايمز»