السعودية: «الربيع العربي» يخفض إيرادات قطاع الإيواء 20% في مكة المكرمة

46% من الحجاج القادمين من الخارج لا يعرفون شيئا مسبقا عن أماكن سكنهم فيها

توقع محللون أن تنجح ضوابط الهيئة العامة للسياحة والآثار في كبح جماح الأسعار في فنادق مكة المكرمة وجعلها واقعية (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

توقع عقاريون في مكة المكرمة، أن قطاع الإيواء في العاصمة المقدسة سيشهد تراجعا قدر بنحو عشرين في المائة عن الأعوام التي مضت، بسبب التغيرات السياسية والصراعات التي تشهدها دول مجاورة كان لغيابها تأثير مباشر في إشغال قطاع الإيواء. وقللت مصادر عقارية في العاصمة المقدسة، الوصول إلى نسبة إشغال مرتفع نتيجة ما وصف بالأحداث السياسية التي تعصف بكثير من الدول العربية، والتي ما زالت أوراقها مبعثرة، مما تسبب في تأثيرات مباشرة على قطاع الإيواء في السعودية.

وباستثناء فنادق الـ5 نجوم، والتي توقعت مصادر عقارية أن تصل التكلفة في أحد الفنادق الكبرى إلى عشرة آلاف دولار لليلة الواحدة، حيث أكدت بعض تلك الفنادق اكتمال حجوزاتها، والتي وصلت إلى نسب مرتفعة، فإن كثيرا من الفنادق لم تصل للإشغال الكامل تأثرا بأعداد سياسية تقع على تماس مباشر بقطاع الإيواء.

وأكد محمد الحسيني، مسؤول في الحجوزات لفندق 5 نجوم بالمنطقة المركزية، أن الحجوزات ارتفعت بشكل واضح منذ انتصاف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فقط في المناطق المركزية، والمحيطة بالحرم المكي الشريف، عدا بعض المناطق التي ابتعدت كثيرا، حيث سجلت معظم الأجنحة الفندقية الراقية حجوزات مؤكدة لفئات الفنادق المرتفعة التصنيف، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من هذه الحجوزات تعود إلى مسؤولين ورجال أعمال من داخل وخارج المملكة، بينما بلغت أسعار بعض الغرف في أحد الفنادق إلى عشرة آلاف دولار لليلة الواحدة.

وزاد الحسيني بالقول: «لا يقتصر الأمر على الفنادق الكبيرة وذات الـ5 أو 3 نجوم، بل يمتد الأمر إلى الوحدات السكنية الراقية والشقق المفروشة، نظرا لتدفق أعداد كبيرة من الحجاج على المنطقة المركزية، في وقت سجلت فيه انخفاضات كبيرة في بعض المناطق من الحجاج والمعتمرين خلال موسم الحج هذا، وتعتبر المنطقة المركزية من أغلى الأسعار في مكة المكرمة.

وتشهد بعض المواقع في المركزية دون غيرها، ارتفاعا واضحا في نسبة الإشغال مثل حي العزيزية ومخطط البنك ومحبس الجن والمناطق القريبة من الحرم المكي. وذكرت مصادر أن الفنادق والشقق المفروشة ستشهد ارتفاعا واضحا في نسبة الإشغال مع تدفق الحجاج من الداخل والخارج. وتوقعت مصادر أن تستعين بعض مؤسسات الحج وشركات خدمات الحج بالوحدات السكنية والعمارات في منطقة كدي بحكم مركزيتها، كما أوضحت أن منطقتي العزيزية والششة ستكون المنطقة الأولى لحجاج مجلس التعاون الخليجي، بينما سيتوزع حجاج بقية الدول الإسلامية على أنحاء مختلفة في مكة المكرمة.

من جانبه، قال سعد الشريف، خبير المنطقة المركزية لـ«الشرق الأوسط»: «يسعى المقيمون من أهل مكة المكرمة من خلال تأجير مساكنهم للقادمين من خارج مكة، إلى تحقيق معادلة بين ارتفاع حجم إيجار مسكنهم السنوي، وبين رغبتهم في تحقيق ولو جزء بسيط من الأرباح على أقل تقدير، حيث إن سعر الشقة المكونة من خمس غرف في بعض الأحياء القريبة من الحرم المكي الشريف يصل فيها سعر الإيجار للعشر الأواخر من شهر رمضان نحو 35 ألف ريال (9333 دولارا)، وهو الرقم الذي يعادل تقريبا قيمة الإيجار السنوي للشقة، التي بالمعتاد يجبر ساكنها من قبل المالك الأساسي على إخلائها في موسم الحج».

وأضاف خبير المنطقة المركزية: «كثير من أصحاب المساكن ليس لهم دخل مادي سوى إيجار مساكنهم، سواء بالإيجار الشهري أو من خلال الاستفادة من موسم الحج، وهذا الأمر يعد دخلا إضافيا لأهل مكة من سكان منطقة الحرم والمناطق القريبة من المشاعر المقدسة، فالكثير من السكان يؤجرون مساكنهم لحجاج بيت الله الحرام، وذلك لزيادة دخلهم المادي، حيث إن سعر الإيجار للحاج الواحد في اليوم بقيمة إيجار شقة في شهر كامل، فيتراوح سعر إيجار الحاج الواحد بين 500 دولار و1800 دولار، وأمام ذلك نتفق مع المستأجرين على الخروج منتصف أو أواخر شهر ذي القعدة لنتمكن من تأجيرها لبعثات وحملات الحج».

وأشار في الوقت ذاته إلى أن بعضا من أصحاب الشقق يؤجرونها للحجاج هربا من زحمة الحجيج والحافلات والانعزال عن الناس في ظل صعوبة التنقل من مكان إلى آخر في هذا الموسم الكبير.

وأضاف الشريف: «قد لا ألوم مستثمري وملاك الدور السكنية، من توجههم إلى الاستثمار في موسم الحج، وذلك لضمان العائد المادي، بالإضافة إلى ابتعادهم عن المشكلات التي قد تنشأ بينهم وبين المستأجرين، لكن في المقابل يجب أن نعترف بأن هناك معضلة تتمحور حول أزمة سكن قائمة في الوقت الراهن، مما يؤثر على التركيبة السكانية في مكة المكرمة، فلو افترضنا أن 60 إلى 70 في المائة من الدور السكنية قد تحولت إلى مساكن موسمية للحجاج فهذا يعني أنه ستكون هناك هجرة من مكة إلى خارجها، ويكون هناك إخلال في المنظومة الاقتصادية التي تعتمد على الاستمرارية في الإقبال طوال العام، فكيف يتحقق مطلب الاستمرارية في الإقبال في عدم وجود سكان في الأصل، وبالتالي لا بد أن تكون هناك حلول مستعجلة من شأنها أن تنهي هذه الأزمة قبل تفاقمها».

وأضاف الشريف: «من الحلول التي من رأيي أنها بين متناول اليد قيام مخططات بعد فسحها من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية، والسماح بتعدد الأدوار السكنية، مما يسمح بتوسيع الرقعة السكانية في محيط مكة وبجوارها، الأمر الذي سيسهم في إيجاد دور سكنية دائمة للراغبين من المواطنين والمقيمين».

إلى ذلك، قال وليد أبو سبعة، رئيس لجنة الفنادق والسياحة بالغرفة التجارية الصناعية بالعاصمة المقدسة، حول نسبة الإشغال في موسم الحج لهذا العام، إنها «قد انخفضت وبشكل ملحوظ عن الأعوام الأخرى، وذلك يعود لعدة اعتبارات من أهمها أن عدد الحجاج لهذا العام قد أنخفض نتيجة الأوضاع السياسية التي تمر بها عدد من الدول المجاورة، بالإضافة إلى أن عدد الدور السكنية من فنادق وعمائر شقق سكنية قد ازداد وبشكل كبير، خصوصا في المناطق المجاورة للمنطقة المركزية للحرم، مما أوجد عرضا كبيرا وطلبا منخفضا، وهي المناطق الأكثر تضررا في حجم الإشغال، أما المنطقة المركزية فنسبة الإشغال قد تكون طبيعية ولا ترتقي إلى الإشغال الكامل».

وعن ارتفاع الأسعار التي تشهدها فنادق المنطقة المركزية قال أبو سبعة، إن «هناك ضوابط من الهيئة العامة للسياحة والآثار، سوف تكبح جماح الأسعار، وتجعلها واقعية، وأسعار الفنادق والدور السكنية من الطبيعي أن يكون هناك ارتفاع في مجملها، ولكن بحدود وبشرط ألا تتجاوز الضوابط والأنظمة التي وضعت أسعارا معينة للفئات الفندقية، وسوف يكون ارتفاع الأسعار لا يتجاوز 10 إلى 15 في المائة في الفترة الراهنة».

من جهته، أبان هاني مولوي، أحد أصحاب فنادق قريبة من المسجد الحرام، أن الفنادق تغلق حجوزاتها منذ وقت مبكر، ولكن النسبة الأكبر من المكاتب السياحية الخارجية، والتي تعنى بقدوم الحجيج من الدول الإسلامية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن موسم الحج لهذا العام، والذي يتواءم مع عدة تغيرات سياسية تشهدها الدول العربية من حولنا، مؤكدا أنها أحداث ساخنة ولها تداعيات كبيرة على نسب إشغال قطاع الإيواء، رافضا أن يكون هناك استغلال من قبل أصحاب الفنادق والدور السكنية في رفع أسعار الغرف والشقق، معللا أن هناك ضوابط من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار لن يستطيع أحد أن يتجاوزها ومن يتجاوز في موضوع الأسعار سيعرض نفسه للعقوبة.

وقال ناصر البكيري، مدير الحجوزات في أحد فنادق الـ5 نجوم في مكة المكرمة، أن الحجوزات في فندقه قد تراجعت هذا العام عن السنوات الماضية، باستثناء موسم إنفلونزا الخنازير، أما في الفترة التي تلتها فالحجوزات تتراوح ما بين 30 إلى 45 في المائة، في أيام الأسبوع وترتفع في يومي الخميس والجمعة لتصل إلى أكثر من 80 في المائة من استيعاب الفندق.

وأكدا أن الحجوزات في الفنادق خصوصا المحيطة بالمسجد الحرام مقفلة منذ وقت مبكر لموسم حج هذا العام، نظرا للإقبال الكبير من قبل الحجاج والزوار من داخل المملكة، خصوصا أن هناك مؤشرات على أن التوجه في هذه السنة لدى المواطنين أن تكون سياحتهم داخلية، نظرا للظروف التي تمر بها الكثير من البلدان العربية.

وقال البكيري إن الأحداث السياسية ألقت بظلالها بشكل كبير على قطاع الإيواء لهذا العام في وقت لم تسجل فيه فنادق مكة المكرمة مستويات إشغال عالية خلال موسم العمرة والحج، خصوصا تلك التي تقبع داخل محيط المسجد الحرام أي المنطقة المركزية، والتي تصل في غالب الأيام نسبة الأشغال فيها إلى نسبة 100 في المائة.

وأظهرت دراسة علمية أجراها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج أن 83 في المائة من الحجاج كانوا يسكنون في المنطقة المركزية التي كانت تستوعب أغلب الحجاج، وفي ظل المشاريع التطويرية الكبيرة التي استدعت نزع ملكية الكثير من العقارات اتجه الحجاج إلى السكن في أحياء أخرى خارج المنطقة المركزية.

وبينت الدراسة أن 24 في المائة من حجاج الداخل تحديدا اتجهوا إلى السكن في مخططات الشرائع، و13 في المائة في العوالي، و8 في المائة يسكنون في مخططات الشوقية لانخفاض الإيجارات مقارنة بالأحياء الأخرى، و59 في المائة من الحجاج قدموا من خلال بعثات الحج، و41 في المائة قدموا من خلال الشركات السياحية، و27 في المائة يؤدون الفريضة للمرة الأولى، و26 في المائة أدوا الفريضة مرتين، و12 في المائة أدوا الفريضة ثلاث مرات.

وذكر الباحثون في دراستهم، أن 46 في المائة من الحجاج الذين يقدمون من خارج المملكة لا يعلمون عن موقع السكن الذي يتم استئجاره من قبل بعثات الحج في العاصمة المقدسة أو المدينة المنورة، وأن 60 في المائة منهم لا يدركون المسافة بين السكن الذي سيسكنون فيه والحرم الشريف مما يؤدي إلى الكثير من المشكلات ومنها رفض السكن من قبل الحجاج وبقاؤهم في الشوارع لفترات زمنية طويلة.

وأكدت الدراسة أن 62 في المائة من الحجاج يفضلون البقاء في السكن الذي تم استئجاره لهم خارج المنطقة المركزية بعد موسم الحج، وأن 37 في المائة يفضلون السكن في المنطقة المركزية مما يتطلب من الجهات الحكومية تكثيف الجهود لتوفير الخدمات الأساسية، مشيرة إلى رضا الحجاج عن مستوى نظافة السكن والأحياء التي يسكنون فيها، إضافة إلى توفير الصرف الصحي وتوفير مياه الشرب وتوفير وسائل السلامة والحراسات الأمنية، ووجود الدوريات الأمنية على مدار الساعة وتوفر الحافلات لنقل الحجاج من السكن إلى الحرم الشريف وتوفر الخدمات الطبية والمحال التجارية.

فهد الحامدي، أحد ملاك الفنادق العقارية، قال: «لا بد أن يكون لأحداث السياسية تأثير سلبي في القطاع خاصة في مكة المكرمة»، مردفا أن الأحداث السياسية التي تشهدها بعض البلدان العربية، ومنها مصر التي تأتي في الترتيب الثاني من حيث عدد المعتمرين بعد إيران، ستتسبب في إلحاق خسائر بقطاع الحج والعمرة بشكل عام، وعلى وجه التحديد دور الإيواء، خاصة في فترة موسم الربيع الذي يستمر لنحو 55 - 60 يوما مقبلة، مؤكدا انخفاض نسبة الإشغال 20 في المائة عن العام الماضي.

وزاد بالقول: «الجميع في القطاع يشعرون بالضرر إلا أنه لم تتم ملامسته بعد، حيث إن السوق ما زالت تعد متزنة إلى حدا ما، داعيا وزارة الحج إلى سرعة فتح باب العمرة الذي ما زال مغلقا حتى يوم أمس، وذلك حتى يتم تلافي وقع الخسائر أو الأضرار على المشغلين والمستثمرين في قطاع العمرة على وجه العموم»، مردفا «هناك فروق بين نسب الأرباح بين العام الحالي والماضي للفترة نفسها، حيث كانت العام الماضي أفضل مما عليه الأمر الآن، كما أن في هذا العام ما زالت الضبابية تغطي على ملامح توجهات السوق التي لا يمكن التنبؤ بها، حتى تتضح الرؤية بشكل كامل».