أزمة منطقة اليورو تنعكس إيجابا على عقارات لندن

مصلحة الضرائب تبحث عن مستثمري العقار بالقرب من ويمبلدون

لندن تمثل الملجأ الآمن من متاعب منطقة اليورو
TT

كشفت أبحاث شركة «نايت فرانك» عن عدة حقائق مثيرة عن قطاع العقار الفاخر في لندن الذي يواصل زيادة القيمة والأسعار بغض النظر عما يحدث في أرجاء السوق البريطانية الأخرى، فقد كشفت الشركة أن أزمة منطقة اليورو أسهمت في تعزيز القيمة في لندن نظرا لهروب المستثمرين الأوروبيين إليها كملاذ آمن. وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي زادت أسعار العقار بصفة عامة في لندن بنسبة 0.6 في المائة، بما يوازي نسبة زيادة سنوية تبلغ 11.4 في المائة. ولكن في القطاع الفاخر بلغ متوسط سعر العقار الفاخر 3.9 مليون إسترليني في وسط لندن، بزيادة أكثر من ألف جنيه إسترليني يوميا خلال العام الأخير.

وتشير إحصاءات الشركة إلى أن أسعار العقار الفاخر في لندن تزيد بنسبة 37.2 في المائة عما كانت عليه في أسوأ مرحلة لها بعد الأزمة المالية في شهر مارس (آذار) عام 2009. كما أنها زادت بنسبة 4.5 في المائة عن ذروتها السابقة في مارس عام 2008. وكانت أعلى المناطق ارتفاعا منطقتا تشيلسي وكنزنغتون، وكلتاهما شهدت ارتفاعا بنسبة 14 في المائة في العام الأخير. وفيما لم يتغير حجم طلبات البيع، زادت طلبات الشراء بنسبة سبعة في المائة، كما زاد حجم صفقات العقار بنسبة 38 في المائة.

ولا يبدو أن الأسعار المتفجرة في وسط لندن تثني المشترين الجدد عن المغامرة بدخول السوق توقعا لمزيد من الارتفاع. وتمتص الزيادة الكبيرة في طلب العقار أي فوائض عقارية متاحة في السوق أولا بأول. وما زالت عقارات لندن تستفيد من أسعار الفائدة المنخفضة ومن تراجع قيمة الجنيه الإسترليني كحوافز للمشترين من الشرق الأوسط والأقصى، لأن العاملين معا يمثلان انخفاضا في قيم عقارات لندن بالمقارنة مع أسعار عام 2008 بنحو 25 في المائة. ويعتقد ليام بيلي، كبير الخبراء الباحثين في الشركة، أن أزمة اليورو بالإضافة إلى الأزمات المالية والاقتصادية حول العالم أسهمت في تعزيز قيمة عقارات لندن.

ويدعم هذا الاعتقاد أن معظم الطلب الجديد على عقارات لندن، خصوصا في القطاع الفاخر، يأتي من خارج بريطانيا. ولا يزيد عدد المشترين المحليين في لندن حاليا على نسبة 45 في المائة من السوق، بالمقارنة مع 51 في المائة منذ 12 شهرا.

وراقبت شركات العقار المحلية تعامل المشترين مع الأسعار المرتفعة، لكنها توصلت إلى قناعة بأن ارتفاع الأسعار لا يخيف المشترين الجدد الذين يعتقدون أن مخاطر الاقتصاد الأوروبي ما زالت أكبر من أي زيادة في أسعار عقارات لندن.

وقال نويل فلينت، رئيس القطاع السكني في شركة «نايت فرانك»، إن هذه الأسعار تمثل حال السوق في الوقت الراهن. وهو يؤكد أن تركيز المشتري الدولي ما زال على منطقة وسط لندن وعلى القطاع الفاخر. ويؤكد كذلك أن المظاهرات التخريبية التي جرت في شهر أغسطس (آب) الماضي وتلك التي تجري حاليا في الحي المالي، لم تؤثر على سمعة لندن كمدينة مفضلة للمعيشة والعمل. وهو يشير إلى أن المشترين المحليين أيضا ينافسون على العقارات المتميزة التي ما زالت تمثل نسبة صغيرة في السوق وتجذب إليها الكثير من المنافسة من جميع أنحاء العالم. وهو يتوقع أن تستمر أسعار الفائدة المنخفضة في السوق لفترة عام مقبل على الأقل، كما يعتقد أن مستويات الطلب سوف تستمر على ما هي عليه خلال العام الجديد، بينما تقل إمدادات العقارات تدريجيا مما يضغط على الأسعار صعودا.

من ناحية أخرى، حذرت شركة «بليك روزنبرغ» القانونية، مستثمري العقار غير المقيمين من أن مصلحة الضرائب التي تعاني من عجز في مداخيلها ترصد العقارات المؤجرة في العاصمة، خصوصا تلك القريبة من المعالم الرياضية مثل ويمبلدون والتي تعرض للإيجار، من أجل التأكد من دفع الضرائب المستحقة عليها. وتقول مصادر الشركة إن بعض المستثمرين في منطقة ويبلدون يؤجرون عقاراتهم أثناء انعقاد بطولة التنس في شهر يونيو (حزيران) من كل عام بإيجارات تصل إلى 15 ألف إسترليني في الأسبوع.

وتقول أنجيلا بيتش، المستشارة في الشركة، إن مخبري مصلحة الضرائب البريطانية يشنون هجوما في الوقت الحاضر بعد أوامر صدرت لهم بتعقب الاقتصاد الرمادي. ويتعين على من يؤجر عقارات أن يعلن لمصلحة الضرائب عن دخله منها لخصم نسبة الضريبة وإلا تعرض لغرامات فادحة.

من ناحيتها، أكدت شركة «نايت فرانك» أن بعض العقارات الفاخرة في منطقة ويمبلدون تؤجر بمبالغ تتراوح بين ثمانية آلاف و15 ألف إسترليني أسبوعيا. ويقوم العديد من سكان المنطقة بتأجير عقاراتهم خلال فترة الصيف، ومنهم من يعرض مكانا أمام المنزل لصف السيارات مقابل إيجار يومي. وتقوم شركات العقار بتنبيه هؤلاء إلى التزاماتهم القانونية، خصوصا من النواحي الضريبية، لكنها لا تستطيع أن تجبرهم على الدفع.

وينص القانون البريطاني على أن إيجار غرفة واحدة في المنزل بمبلغ لا يزيد على 4250 جنيها سنويا يكون معفيا من الضرائب. أما إذا زادت القيمة على ذلك فتحصل عليها ضرائب يمكن أن تصل في حدها الأقصى إلى 50 في المائة من الدخل الصافي. ولا يعفي القانون أحدا من الضرائب على الإيجارات، حتى هؤلاء المحالين إلى المعاش ما دام الدخل العقاري يزيد على الحد الأدنى المعفي من الضرائب.

ويبدو أن مصلحة الضرائب تابعت نمو الإيجارات غير العادي في لندن، حيث بلغ الطلب على إيجار العقارات الفاخرة معدلات غير مسبوقة، مما أدى إلى تحقيق أرقام قياسية في حجم الإيجارات، وبلغ أحد العقارات رقم 55 ألف إسترليني للإيجار لمدة أسبوع واحد فقط. وأعلنت شركة عقارات «هارودز» التابعة لمحلات «هارودز» الشهيرة أن معدلات الإيجارات في العاصمة بلغت نسبا قياسية لم تعهدها من قبل.

وقالت الشركة إن قطاع العقار الفاخر في لندن هو أكثر القطاعات نموا في الوقت الحاضر بين جميع قطاعات بريطانيا التجارية والصناعية. وقالت مديرة الشركة شيرلي همفري إن سباق أسعار العقارات الفاخرة انعكس أيضا على حجم الإيجارات، وإن رقم 55 ألف إسترليني، كإيجار أسبوعي، كان رقما قياسيا حتى بمقاييس «هارودز». ومنذ الربيع الماضي حققت شركة «هارودز» معدلات إيجارية تصل في المتوسط إلى نحو أربعة آلاف إسترليني في الأسبوع، ارتفاعا من نحو ألفي إسترليني خلال العام الماضي.

وأكدت همفري أن نسبة 89 في المائة من مبيعات الشركة تأتي من الأثرياء الأجانب، خصوصا من روسيا والشرق الأوسط وآسيا. وهي لا تعتقد أن الطلب المتزايد على العقار الفاخر مع ندرة العقارات الفاخرة المتاحة من الأمور التي سوف تتغير في المستقبل المنظور. ويعزز اعتقادها أن الإيجارات والأسعار تتجه للزيادة فعلا في عام 2012. وتشير إلى أن الإيجارات تضاعفت في العام الأخير وكانت أغلى منطقة في لندن هي منطقة نايتسبريدج (التي تقع فيها محلات «هارودز») ويقبل عليها بكثافة العديد من المستثمرين والزائرين الأجانب. وبلغ متوسط الإيجار في المنطقة خلال العام الجاري نحو 4900 إسترليني أسبوعيا. وبالإضافة إلى خبراء العقار في مكتب الشركة، فإنها تستطيع أيضا الاستعانة بمترجمين يعملون في «هارودز» ويتحدثون 27 لغة مختلفة. وتتخصص الشركة في المبيعات والإيجار وإدارة العقارات. وهي تعمل من مكتبين، أحدهما مقابل لمحلات «هارودز» ويغطي مناطق نايتسبريدج وتشيلسي وبلغرافيا وساوث كنسنغتون، والآخر في منطقة مايفير ويغطي مناطق ريجنت بارك وسان جونز وود ومايفير.

وتؤكد أبحاث شركة «سافيلز» أن قطاع العقار الفاخر في لندن بدأ يتباعد سعريا عن المعدل العام حتى لعقارات لندن نفسها. فخلال السنوات الست الأخيرة ارتفع مؤشر أسعار عقارات لندن الفاخرة بنسبة 87 في المائة، مقابل متوسط لا يتعدى 25 في المائة لبقية عقارات العاصمة البريطانية. ولكن البحث الدقيق في القطاع الفاخر يكشف أن الفئة السوبر التي تمثل نسبة 10 في المائة من مجمل القطاع الفاخر زادت قيمتها خلال الفترة نفسها بنسبة 151 في المائة. ولا تصل نسبة الزيادة في قاع القطاع الفاخر خلال الفترة نفسها عن 42 في المائة.

ويعني هذا أن على المستثمرين في هذا القطاع البحث أكثر في تركيبة أسعار القطاع بدلا من النظر إلى العموميات فيه. وكانت أكبر الزيادات وفقا لأبحاث شركة «سافيلز» هي في منطقة مايفير التي ارتفعت بنسبة 117 في المائة، تتبعها منطقة نايتسبريدج. ويقول مدير عقارات وسط لندن في الشركة، جوناثان هيوليت، إن منطقة مايفير أصبحت تمثل قيمة حقيقية لأثرياء المستثمرين في لندن بفضل المزايا التي تتمتع بها من حيث الموقع والخدمات، سواء للمقيمين بصفة دائمة أو المستثمرين الزائرين بين الحين والآخر.

ولاحظ هيوليت أن منطقة نايتسبريدج التي كانت تجارية قبل عشر سنوات أضحت الآن جاذبة للأثرياء الأجانب، وحطمت فيها بعض المشروعات الجديدة كل الأرقام القياسية للأسعار والإيجارات. وهو يعتقد أن هذا الارتفاع قد ينعكس على مناطق أخرى ما زالت أسعارها معقولة في لندن، مثل منطقة سان جونز وودز شمال العاصمة التي زادت بمعدل 69 في المائة خلال السنوات الست الماضية، وهو ما يعادل متوسط الزيادة في عقارات لندن بوجه عام.

كما لاحظ هيوليت زيادة الإقبال بصفة خاصة على منطقة ريجنت بارك التي يقع فيها مسجد لندن الرئيسي، فقد زادت أسعار المنطقة بنسبة 16 في المائة في العام الأخير، مقابل نسبة 13.6 في المائة في القطاع الفاخر بوسط المدينة. ويحلل البحث من شركة «سافيلز» أنواع العقار وانعكاس ذلك على الأسعار، ويخلص إلى أن العقارات الفاخرة التي تزيد مساحتها على عشرة آلاف قدم مربع، وتقع في منطقة مايفير، تتفوق على جميع أنواع العقار الأخرى في وسط العاصمة في نسبة النمو، حيث حققت زيادة في قيمتها خلال السنوات الست الأخيرة بلغت 150 في المائة. ويصل سعر القدم المربع في هذه العقارات إلى ما بين 2500 و3500 إسترليني مقبل 1800 إلى 2100 إسترليني للقدم المربع في أفضل المناطق الأخرى.

وبينما يفضل الإنجليز المنازل في لندن، يقبل المستثمرون العرب والروس على الشقق الفاخرة. ولذلك جرى في هذه المناطق تطوير أنواع من الشقق تلبي رغبات كبار الأثرياء الدوليين. وبلغ سعر القدم المربع الواحد في بعض هذه الشقق نحو خمسة آلاف أسترليني. ورفعت الأسعار الخيالية التي تم تحقيقها في عقارات مثل «وان هايد بارك» أسعار العقارات في المناطق المحيطة بها خصوصا في البقع الارستقراطية مثل «ايتون سكوير».

وتعتقد الشركة أن المستقبل يحمل الكثير من الاختلاف في الإنجاز بين أنواع العقار في وسط لندن، وسوف تحافظ على القيمة أفضل العقارات موقعا ونوعية. وأكدت الشركة أن الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على عقارات لندن في آخر 18 شهرا بلغ حجمها ستة مليارات إسترليني، معظمها من مستثمرين ينظرون إلى لندن كملجأ آمن بعيدا عن متاعب منطقة اليورو والمتاعب السياسية في شمال أفريقيا. ولأن هؤلاء يستثمرون للمدى البعيد ولا يبيعون عقاراتهم أثناء فترات الأزمة، فإن أي تحول اقتصادي سلبي لن يؤثر على قيمة هذه العقارات الفاخرة التي ستكون في مأمن من أي صدمات مقبلة.

* طفرة في استثمار العقار اللندني من الشرق الأوسط

* قال أحدث تقرير إحصائي من مؤسسة «آي بي غلوبال»، إن مستثمري العقار من الشرق الأوسط زادوا بنسبة الضعف منذ عام 2010، وهم يمثلون الآن نسبة 20 في المائة من جملة الاستثمار العقاري في لندن. ويمثل المستثمرون الأجانب نحو نصف مستثمري العقار في لندن بوجه عام، ويتركزون في القطاع الفاخر. وتنظر أوساط العقار البريطانية إلى هذا التحول كأمر إيجابي للسوق المحلية في لندن. وتوفر لندن، وفقا للتقرير، حصن أمان للاستثمار العقاري في وقت تسوده متاعب وأخطار سياسية وأيضا نوع من «البرستيج» الذي يبحث عنه المستثمر الأجنبي في لندن.