كاسترو يتخلى عن القبعة الحمراء ويفتح سوق العقارات للتملك الحر

لأول مرة منذ الخمسينات من القرن الماضي

TT

أعلنت كوبا عن قانون عقارات جديد يوم الخميس والذي يعد بالسماح للمواطنين والسكان الدائمين بشراء وبيع عقارات - فيما يعد أكبر تغيير موجه نحو السوق، والذي لم يتم التصديق عليه بعد من قبل حكومة راؤول كاسترو، والذي ربما يغير شكل المدن ومفاهيم الطبقات الاجتماعية في كوبا.

وقد دخلت تلك القواعد الجديدة حيز التنفيذ بدءا من 10 نوفمبر (تشرين الثاني) بحسب صحيفة تابعة للحكومة الكوبية، وفيما ما زالت تتم صياغة بعض الشروط والأحكام، إلا أن القانون المعلن عنه يوم الخميس يرقى إلى مستوى تحول ملحوظ عن عقود من الإسكان الاشتراكي. فللمرة الأولى منذ الأيام الأولى للثورة، سيسمح للمشترين والبائعين بتحديد أسعار المنازل والانتقال إليها وقتما يريدون.

ولن يكون لزاما بعد الآن أن تخضع الصفقات بأنواعها المختلفة، ومن بينها صفقات البيع والصفقات التجارية والهدايا الممنوحة إلى أقارب من قبل كوبيين مهاجرين، لتصديق الحكومة، بحسب القانون الجديد.

«القول إن هذا إنجاز ضخم قول مقتضب»، هكذا تحدث بيدرو فرير، خبير في العلاقات القانونية الكوبية - الأميركية والأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا. واستطرد قائلا: «هذا هو الأساس، هكذا يقوم النظام الرأسمالي، بإتاحة التجارة الحرة للعقارات».

من المنتظر أن يبدي المسؤولون الكوبيون رفضهم؛ فهم يقولون إنهم يحمون الاشتراكية بحذر، مع اتجاههم نحو الإصلاحات الاقتصادية، ويضم القانون الجديد بعض الفقرات التي يبدو أنها تستهدف التحكم في كل من التوقعات وتركيز الثروة. لن يمتلك أصحاب المنازل إلا منزلين فقط (منزلا للإقامة وآخر لقضاء الإجازات) ويجب أن يمر التمويل عبر البنك المركزي في كوبا، والذي سيفرض رسوما، لم يتم تحديدها بعد. وستقسم ضريبة نسبتها 8 في المائة بين كل من المشتري والبائع.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الخبراء والسكان الكوبيين - الذين كانوا يتوقعون صدور هذا القانون منذ عدة أشهر - يقولون إن تأثيرات القانون من المرجح أن تكون واسعة النطاق. ففي دولة تعرف بمحدودية التغيير والمطالب المكبوتة بالحريات بجميع أنواعها، على حد قولهم، ربما يفتح هذا القانون صندوق باندورا من الأرباح والمخاطر.

من جانب آخر، ستكون مليارات الدولارات الممثلة في صورة أصول عقارية لم يتم تثمينها أو تم تقييمها بأقل من قيمتها الحقيقية وظلت مجمدة لعقود متاحة للبيع بموجب هذا القانون الجديد.

يفضل الاقتصاديون على الجزيرة التحرر الاقتصادي، بإفساح المجال للشركات الصغيرة والزراعة الخاصة - التي كانت محدودة بسبب انعدام الطلب الداخلي. ويقول بعض الخبراء إن مبيعات المنازل يمكن أن توفر رأس المال المطلوب لدفع اقتصاد الجزيرة. ويرون أن هذا القانون على الأقل ربما يؤدي إلى طفرة في مجال الإصلاحات. «في ظل وجود سوق إسكان، أصبح لدى الناس فجأة قدر من الثروة ممثل في حصة في الاقتصاد الذي يولد أنشطة عمل»، هكذا تحدث تيد هينكين أستاذ بجامعة باروخ في نيويورك.

إلا أنه من جانب آخر، ثمة مخاوف اجتماعية ضخمة. فقد ذكر ماريو كويولا، مدير العمران والهندسة المعمارية في هافانا في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، أن عمليات الشراء والبيع واسعة النطاق سوف تؤدي إلى «عملية إعادة ترتيب ضخمة» داخل هافانا ومدن أخرى، إذ سينتقل الأثرياء إلى مناطق أفضل. وقال هو وآخرون إن هذا من شأنه أن يؤدي حتما إلى تفاقم مشكلة الصراع الطبقي.

ونظرا لأن الجزيرة تعاني من عجز في الإسكان - مع استمرار كثير من الأسر، بل وحتى كثير من الأزواج المطلقين، في العيش معا بسبب عدم وجود خيار أفضل - يقول النقاد إن أي عمليات طرد يمكن أن تزيد من احتمالية وجود أفراد بلا مأوى. على سبيل المثال، إذا كانت هناك أسرتان تتشاركان منزلا واحدا، وإحداهما تمتلك ما يرقى في الوقت الحالي إلى مستوى سند ملكية بحقوق محدودة، ينص القانون الجديد على أن حامل سند الملكية يمكنه بيع الملكية وحينها تكون الأسرة المستأجرة ملزمة بالرحيل.

ويشير الكثير من الكوبيين إلى خشيتهم من أن يضعهم نظام السوق في موقف حرج، فيقول فليكس مينديز، 47 عاما، ويعمل تقنيا في مستشفى ويبحث عن إشارات استبدال العقارات المعلقة إلى الأشجار في شارع هافانا: «ماذا سيحدث إذا بعت منزلي ولم أستطع العثور على منزل آخر؟ أين سأنام؟» وأشار إلى أنه يفضل الالتزام بنظام المقايضة القائم حاليا. (سيخضع ذلك أيضا بموجب القانون الجديد للضريبة والتي تقدر بنحو 4 في المائة من قيمة الصفقة). وينطوي أحد الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها على دور الأجانب والمنفيين الكوبيين. ويتطلب القانون بشكل عام إقامة دائمة، لكن فرير، قال إن هذا القسم من القانون الذي يطبق عن مناطق - أماكن العطلات والإجازات الصيفية - تترك المجال مفتوحا أمام تطبيق الإيجار في مناطق مختارة، ربما على المناطق الساحلية وهافانا القديمة ومجتمعات الغولف التي تخضع حاليا للتطوير باستثمارات أجنبية. بيد أن القانون الجديد لا يتطرق إلى قضية الممتلكات التي صادرتها الحكومة خلال السنوات الأولى للثورة، ويرى محامون وخبراء أن هذه المطالبات، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، لا تزال أمرا بعيد المنال. والمعروف أن قانون الملكية في جميع أنحاء العالم عادة ما يفضل التعويض، لا حق العودة، ولم تظهر كوبا رغبة جادة في معالجة هذه المسألة، فيما يصر المسؤولون على أن الولايات المتحدة يجب أن تدفع أولا تعويضات عن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحظر التجاري الذي فرضته على الجزيرة عام 1962.

رغم ذلك، سواء أفرضت عقوبات أم لم تفرض، سيتوصل الأميركيون ذوو الأصول الكوبية دون شك إلى حل في العقارات الكوبية. ومن خلال قرار الرئيس باراك أوباما عام 2009 السماح دون قيد للحوالات من الأميركيين ذوي الأصول الكوبية، بات التدفق الدائم للمال والزيارات إلى الجزيرة هو السائد. وفي مجتمعات المنفى مثل ميامي، هناك بالفعل جهود تجري حاليا لإرسال الأموال إلى الأقارب حتى يتمكنوا من شراء منازل جديدة أو منازل العائلة القديمة التي تم تأميمها.

ويتوقع غالبية الخبراء والكوبيون على الجزيرة أن تتسارع هذه الجهود فربما يكون العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) نقطة البداية في سباق استثمارات غير مباشر.

ويقول فيليب بيترز، الخبير في معهد ليكسنغتون في واشنطن، عن الكوبيين ذوي الأصول الأميركية: «لا أعلم إذا ما كانوا سيسيطرون على السوق، لكن المؤكد أن السوق ستستقر متأثرة إلى حد كبير بالطلب من خارج كوبا والقادم من الأقارب».

بطبيعة الحال، إذا فتحت السوق فربما لا تكون شفافة، فثقافة إخفاء الثروة عن الحكومة والجيران متأصلة في كوبا، وعلى الرغم من تضمن القانون الجديد تهديدا بالسجن للأفراد الذين يثبت عليهم الكذب بشأن أسعار المنازل، يتوقع الكوبيون الذين يعملون في سوق العقارات اليوم أن يخفي المشترون والبائعون القيمة الحقيقية لتعاملاتهم.

ويقول غيراردو، سمسار عقارات في هافانا والذي طلب عدم نشر اسمه الكامل لأن عمله غير قانوني: «ألم يكن باستطاعة أحد ممن يعمل بأمانة في وظيفة في كوبا خلال الخمسين عاما الأخيرة أن يستطيع شراء منزل ثان. يجب أن يأتي هذا المال من الأقارب في الخارج». وأضاف أن الرأسمالية الناشئة ربما تشمل سوقا سوداء يصعب اكتشافها واقتلاعها تماما كما حدث مع الاقتصاد غير الرسمي الذي نشأ خلال عقود من الاشتراكية.

* شاركت فيكتوريا بورنت في إعداد التقرير من هافانا

* خدمة «نيويورك تايمز»