فكرة عمدة لندن «المجنونة» المغرية لمستثمرين عرب تعود إلى الواجهة

«الجزيرة - المطار» توفر فرصا عقارية

جانب من نهر التيمس وتظهر مباني حي «كاناري وورف» المالي بشرق لندن
TT

عاد مشروع عمدة لندن بوريس جونسون لبناء مطار جديد للندن بمدرجين على جزيرتين اصطناعيتين في نهر التيمس إلى الواجهة هذه الأيام مع تردد تقارير في الصحافة البريطانية عن حصوله على دعم من قبل رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، ووزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن، ووزيرة النقل الجديدة في الحكومة البريطانية جوستين غرينينغ، التي يتردد أنها من المتحمسات لمشروع بوريس حتى قبل توليها حقيبة وزارة النقل خلافا للوزير السابق فيليب هاموند، الذي انتقل لشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة، والذي كان معارضا صريحا للمشروع.

وجدد بوريس دفاعه عن مشروعه المثير للجدل الذي يطلق عليه خصومه «وهم بوريس!» وحتى «فكرة بوريس المجنونة»، وشدد على الفوائد الكبيرة التي يجنيها ليس للندن فقط إنما لكل الاقتصاد البريطاني.

ويبدو أن بوريس استغل عودة الحديث عن مشروعه وتصدره حتى الصحف البريطانية، التي خصصت مساحات معتبرة له مؤخرا، ليعدد فوائد مشروعه، الذي سيجد حلا لمشكلة «تشبع» مطار هيثرو، بل كل المطارات القريبة من لندن في جنوب شرقي بريطانيا، التي من المنتظر أن تصل إلى 100% من نسبة طاقة تشغيلها، مما يجعلها غير قادرة على تلبية الطلب عليها مما يؤثر على الاقتصاد البريطاني وعلى تنافسيته.

وأمام مجموعة من قادة قطاع الطيران حاول بوريس تقديم حجج اقتصادية مدعمة بالأرقام لدعم المشروع وفوائده الاقتصادية على بريطانيا، حيث ذكر عمدة لندن أن عدد المسافرين المستعملين لمطارات لندن سيرتفع من 140 مليون شخص في 2010 إلى 400 مليون بحلول 2050، مشددا على أن مطارات لندن المتشبعة تقريبا لن تستطيع تحمل هذه الزيادة مما يؤثر على تنافسية العاصمة البريطانية. وحدد بوريس الصين كإحدى المناطق التي يجب التحسب لها وللمنافع التي سيجلبها النمو الاقتصادي الصيني على بريطانيا، وذكر أنه خلال الـ15 سنة المقبلة سيدخل 75 مليونا من الصينيين الطبقة الوسطى مما يعني زيادة قدرتهم الشرائية وقدرتهم على السفر. وتعتبر بريطانيا عموما وعاصمتها لندن خصوصا من المناطق المفضلة تاريخيا بالنسبة للصينيين، وتتواجد بها جالية صينية قديمة معتبرة.

ومن الخطوط العريضة لمشروع بوريس ربط الجزيرتين الاصطناعيتين بالبر الرئيسي عبر نفق، أو جسر، وخط قطار سريع يربط المطار بوسط لندن، يمكن أن يختصر المسافة بين المطار ووسط لندن التي تمتد على 50 ميلا، إلى نحو 35 دقيقة فقط.

ومن العقبات الكثيرة التي تواجه مشروع «الجزيرة - المطار» عقبة التكلفة المالية، حيث تتراوح تكلفة المشروع بين 40 و70 مليار جنيه إسترليني، ومع الأزمة المالية التي تعيشها بريطانيا، فإنه من الصعب، بل من المستحيل ربما أن توفر الحكومة تمويلا له، غير أن عمدة لندن يعتقد أن تمويل المشروع لن يطرح مشكلة كبيرة، فهناك اهتمام كبير بالمشروع من قبل مستثمرين عرب وصينيين، مثلما صرح سابقا، وإن كان أضاف مؤخرا البرازيل، ذات الاقتصاد الصاعد، كإحدى الوجهات المهتمة. ويشدد بوريس على أن الفائدة الاقتصادية، التي يعود بها المشروع على بريطانيا يتطلب مساهمة من الدولة، حيث بإمكان المشروع أن يوفر مئات، إن لم يكن آلافا من فرص العمل، ويرى أن مشروع المطار - الجزيرة سيكمل مشروع تطوير شرق لندن، المعروف بأنه من أفقر المناطق في لندن.

وكان بوريس طرح مشروعه أثناء حملته الانتخابية ليصبح عمدة لندن في 2008، الذي شكل لجنة لدراسته، بعد انتخابه عمدة للندن، وحدد حتى مكانا لإقامته. وقد استوحى بوريس مشروعه من تجربتين مماثلتين في اليابان وهونغ كونغ. غير أن حكومة حزب العمال آنذاك رفضت مشروع بوريس، ومضت قدما في مشروعها المثير للجدل لتخفيف الضغط على مطار هيثرو (بغرب لندن) عبر إضافة مدرج ثالث له. وقد تم تمرير المشروع في البرلمان البريطاني رغم الجدل الصاخب، الذي أثاره، والمظاهرات والاحتجاجات الكبيرة التي رافقته بسبب تكلفته البيئية الكبيرة، حيث كان يتطلب مسحا من الخريطة للكثير من المناطق السكنية المجاورة، ومن بينها مدن صغيرة بحالها! وبعد خسارة حزب العمال للانتخابات في 2010، ألغي المشروع من قبل حكومة التحالف الجديدة بين حزب المحافظين والديمقراطيين الأحرار. لكن الجدل استمر حول الضغط والتشبع الكبير، الذي يعيشه مطار هيثرو، والذي يعتبر من أكثر مطارات العالم ازدحاما. ويعمل مطار هيثرو بما يقارب 100% من طاقته، ويتردد أن 60% من الطائرات، التي تحط في مدرجاته الخمسة، مضطرة للانتظار في السماء حتى يتم إيجاد مكان لها للهبوط، مما يعني خسائر بملايين الجنيهات، وتأثيرا على تنافسية مطار هيثرو أمام مطارات أخرى في أوروبا. ويخشى الكثير من قادة قطاعات الأعمال في لندن أن يؤثر هذا الوضع، ليس على تنافسية مطار هيثرو فقط، بل على تنافسية لندن والاقتصاد البريطاني بشكل عام. وهناك من يرى أن مشروع بوريس ليس بإمكانه تقديم أفضل حل لأزمة تشبع حركة الطيران فوق لندن فقط، إنما بإمكانه أيضا إيجاد حل لزحمة الطيران والضجيج العالي عبر استعمال «المطار - الجزيرة» على مدار الأربع والعشرين ساعة.

ورغم التحديات الهندسية الكبيرة، التي يطرحها المشروع، فإن الكثير من الخبراء يعتقدون أنه بالإمكان تحقيقه وإن تطلب الأمر وقتا طويلا، قد يصل إلى 30 سنة.

ولكن هناك مخاوف من التكلفة البيئية لهذا المشروع، فتنفيذ المشروع يهدد البيئة الطبيعية لنحو 250 ألف طائر من مختلف الأنواع. غير أن مشروع بوريس به أيضا منافع بيئية، حيث سيكون مكتفيا من حيث توليد الطاقة، عبر توليد الطاقة من تدفق مياه مد وجزر نهر التيمس، ومن طاقة الرياح.

ونظريا، يوفر المشروع الكثير من الفرص الاستثمارية والعقارية، لكن يجب على المستثمر فيه أن يكون صاحب نفس طويل، لأنه استثمار طويل المدى.