كيف غير ارتفاع أسعار الأراضي المشهد العقاري في السعودية؟

شهدت زيادات قياسية خلال السنوات القليلة الماضية

تصميم المنازل الحديثة تخلى عن بعض أجزاء المنزل التي كانت من أولويات التصميم عند السعوديين كالمساحة الواسعة في مقدمة المنزل (تصوير: خالد الخميس)
TT

غير ارتفاع أسعار الأراضي في السعودية، الطريقة النمطية في البناء التي اعتاد المواطنون، عليها طيلة فترة دخول البناء المسلح إلى الخارطة السعودية، وتوديعها البناء بالطين، حيث أجبر هذا الارتفاع المقاولين على إعادة صياغة مخططات البناء بشكل عام، واعتمادهم مخططات جديدة تركز بقدر المستطاع، على الاستفادة من أي متر داخل الأرض المراد إعمارها، والاهتمام بالمرفقات الأساسية التي يجب توفرها عند بناء المنازل، بحسب تأكيدات متعاملون عقاريون.

وبحسب التصميم الحديث فإن وجود المقدمات الكبيرة التي تكون عادة في صدر المنزل اختفت، حيث كان السعوديون يحرصون على وجودها بشكل رئيسي، كما اختفت الملاحق الخارجية التي كانت تعد من أساسيات مخططات البناء، إضافة إلى اختفاء الحدائق الصغيرة التي كانت تزين منازلهم، وإنقاص مساحات الغرف لتوفير أمتار إضافية يتم الاستفادة منها في بناء مرفق آخر بقدر المستطاع.

وجاء ذلك نتيجة لارتفاع أسعار الأراضي الذي أجبر على شراء الأراضي بمساحات صغيرة، وبنائها بطريقه تراعى فيها الأساسيات، دون النظر إلى الأشياء السابقة التي تحولت إلى كماليات تأخذ حيزا كبيرا من المساحة، كما أن لارتفاع أسعار مواد البناء أثرا كبيرا في اختصار منازلهم، إلى بيوت ذات مرافق أساسية بعيدة عن الكماليات، وذلك لتوفير تكاليف البناء بقدر المستطاع.

وقال تركي الخريع، المقاول المعماري، إن مخططات البناء خلال السنوات الأخيرة الماضية تغيرت بشكل كبير، نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي بشكل كبير يفوق إمكانيات الكثير من الراغبين في البناء، الذي ينتمي معظمهم إلى الطبقة الوسطى، حيث يعد امتلاك المنزل لديهم أحد أهم أهدافهم ونجاحاتهم، مما أجبر المقاولين على إعادة التفكير في إيجاد مخططات اقتصادية، تتميز بالاستفادة الكاملة من كل شبر في المنزل، نظرا إلى تقليص مساحات الأراضي لمواجهة ارتفاع الأسعار.

وتشهد أسعار الأراضي ارتفاعا في الأسعار خلال السنوات الماضية، نتيجة زيادة الاستثمارات العقارية وزيادة الطلب على الأراضي التي تشكل أحد أهم القنوات الاستثمارية عند السعوديين.

وأضاف الخريع، بأن من أهم ما أزاله هذا الارتفاع هو اختفاء المقدمات الكبيرة، التي توجد عادة في صدر المنزل، والتي يحرص السعوديون على وجودها بشكل كبير وبأكبر مساحة ممكنة، إلا أن المخططات الجديدة التي أخذت على عاتقها تقليص مساحات البناء، لمراعاة ارتفاع أسعار الأراضي، أزالت وبشكل كبير هذا العرف الذي بأنه أحد أهم ملامح البناء خلال الفترة الماضية.

يذكر أنه وعلى الرغم من اتساع رقعة البناء في المدن الرئيسية في السعودية، مثل الرياض وجدة والدمام، فإن تصاعد أسعار الأراضي بات سمة من سمات القطاع العقاري في المنطقة، كما أن محاولات الحكومة في إيجاد مخططات جديدة، لتوفير أكبر عرض ممكن من الأراضي، لمواجهة الطلب المطرد، لم تسهم بشكل ملحوظ، في وضع حد للتصاعد المستمر في الأسعار.

إلى ذلك أكد صالح القحطاني مستثمر عقاري، بأن ارتفاع أسعار مواد البناء انعكس بشكل مباشر على طلب المشترين، على الأراضي ذات المساحات الصغيرة التي لا تتجاوز الـ 450 مترا، بعد أن كانت المنازل تبنى بمساحة لا تقل عن 800 متر، وذلك للحد بقدر الإمكان من هذا الارتفاع الذي يسيطر على مواد البناء، مما أجبر المقاولين على توفير المرافق الأساسية مثل غرف النوم، والتغاضي عن بناء الأشياء التكميلية، نظرا لعدم توفر مساحة كافية لها.

واستطرد القحطاني القول، بأنه ومنذ أن دخل مجال الاستثمار العقاري قبل أكثر من 20 سنة، والمخططات عادة ما تكون متشابهة إلى حد كبير، إلا أنه وخلال الفترة القريبة الماضية، تغيرت عقلية الفرد المقبل على بناء منزله، الأمر الذي ألقى بظلاله على مخططات المقاولين، والذين اضطروا إلى ابتكار مخططات نموذجية جديدة، تحاكي التطورات الحاصلة في السوق العقاري، الذي بدأ فيه الاختصار في كل شيء من أجل التوفير صفة تميزه عن القطاعات الأخرى.

وكانت «كابيتاس غروب الدولية»، قد ذكرت في وقت سابق أن معدل الأسعار المطلوبة للأراضي ارتفع في عام 2010، عن العام الذي سبقه بنسبة 18.3 في المائة في جدة، و20.2 في المائة في الخبر، وفي شمال الرياض قفزت أسعار الأراضي بمعدل 29.3 في المائة عن العام السابق، على أساس سنوي، وارتفعت أسعار الأراضي شرق الرياض بمعدل 14.3 في المائة، وتستهدف 70 في المائة من المنازل القائمة فئة 10 في المائة العليا من الأسر بحسب الدخل.

وذكر التقرير أن مزيج أسعار الأراضي المرتفعة، والنقص في الوحدات الأصغر حجما فاقم مشكلة الإسكان، حيث أظهرت البحوث أن أسعار الفيلات الأصغر ترتفع أسرع من أسعار الفيلات الأكبر، كما أكد المطورون في جدة مثلا، أن الفيلات ذات الأسعار المعقولة والتي تبلغ مساحتها 350 مترا مربعا، والمباعة بـ900 ألف ريال (240 ألف دولار) منذ 6 أشهر، تباع عموما اليوم بما يزيد عن 1.2 مليون ريال (320 ألف دولار).

من جانبه أوضح سعد السعيدان صاحب شركة إنشاءات عقارية، أن المنازل السعودية شهدت تغييرا كبيرا في طرق بنائها، واختفاء بعض الأقسام التي كانت معلما من معالم البيت السعودي التقليدي، مثل الحديقة الصغيرة التي كان السعوديون سابقا، يتفننون في تزيينها واعتبارها المتنفس الرئيسي للمنزل، إلا أن صغر المساحة نتج عنها اختفائها بشكل كبير، من المخططات الجديدة التي تشرف عليها شركته.

وأضاف السعيدان بأن الحديقة المنزلية أصبحت من ضروب الماضي، وذلك عندما كانت أسعار الأراضي منخفضة، وتمكن الجميع من التوسع في بناء منزله إلا أن الأسعار الحالية، أجبرت الجميع على الاكتفاء بالغرف الرئيسية، كما لوحظ اختفاء الملاحق الخارجية من بيوت الطبقة الوسطى، واختصر وجودها على المنازل الكبيرة، ناهيك عن تكاليف بنائها التي ارتفعت تبعا لارتفاع أسعار البناء.

وتواجه السعودية مشكلة إسكان كبيرة، نظرا لتسارع النمو السكاني حيث تنفذ خطة إنفاق على البنية التحتية بقيمة 400 مليار دولار، وكان تقرير للبنك السعودي الفرنسي قال، إن المملكة تحتاج لبناء 1.65 مليون مسكن جديد بحلول 2015 لتلبية الطلب المتزايد على المساكن، وقال إنه من المتوقع أن تحتاج شركات التطوير العقاري الخاصة والحكومية، لبناء نحو 275 ألف وحدة سنويا حتى عام 2015.

وفي صلب الموضوع بين فهد المحمودي خبير عقاري، أن المخططات الجديدة التي اعتمدت مؤخرا، تكشف وبشكل جلي التوجه الجديد الذي ينتهجه القطاع العقاري في الفترة الحالية، الذي اتخذ قراره في تصغير مساحة الأراضي، بناء على تحديد رغبات المشترين التي انصبت معظمها على شراء الأراضي الصغيرة، التي لا تتجاوز مساحتها الـ 500 متر، التي ستمكن من يريد البناء من التصرف بمحدودية في تكييف بناء منزله، حيث سيعتمد في اتخاذ قراراته على الأساسيات في بناء المنزل، بعيدا عن بناء الحدائق الصغيرة أو الملاحق الخارجية، التي لا تسمح بها مساحة أرضه الصغيرة، التي روعي عند تخطيطها بأن تكون سكنا ذا مرافق محدودة، بعيدا عن الرفاهية لمواجهة حمى ارتفاع أسعار الأراضي، التي أجبرت الجميع على إعادة حساباتهم عند عزمهم بناء منزل العمر.