«العقدة التي لا حل لها».. تملك مسكن أصبح حلما بعيد المنال للشباب البريطاني

حلول «مبتكرة» مطروحة أمامهم لمساعدتهم على دخول أسواق العقار من «أضيق أبوابها»

مساكن معروضة للإيجار في لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يعاني الجيل الجديد في بريطانيا من أزمة العقار أكثر من أي جيل سابق لعدة أسباب؛ أهمها ارتفاع أسعار العقار نسبيا بالمقارنة مع مستوى الأجور، وطلب البنوك نسبة مقدم عالية تبلغ في المتوسط 25 في المائة من ثمن العقار، واستنزاف موارد الادخار بسبب الإيجارات الباهظة. ويطلق بعض الخبراء على هذه الأزمة «العقدة التي لا حل لها» أو «كاتش 22». ومع ذلك، تسعى الحكومة البريطانية ببرنامج أعلنته قبل أيام بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني (626 مليون دولار) لمساعدة جيل الشباب على تخطي عقبة دخول سوق العقار للمرة الأولى وتحريك أسواق العقار المجمدة، وهناك بعض الحلول المبتكرة أيضا في هذا الإطار، ويؤثر قطاع المدخل على بقية القطاعات صعودا، ويجعل التحرك فيها صعبا نظرا لعدم وجود طلب عند بيع العقارات الصغيرة من أجل الانتقال إلى عقارات أكبر لمن دخلوا السوق فعلا.

وهناك عشرات الحالات التي ظهرت إعلاميا في الآونة الأخيرة لمستثمرين صغار شرحوا متاعبهم بالتفصيل وبحثوا عن الحل بلا جدوى. من هذه الحالات:

* حالة فنانة وكاتبة اسمها إيمي سيمسون عمرها 33 عاما تبحث منذ سنوات عن شقة مكونة من غرفة واحدة لكي تسكن فيها مع خطيبها، ولكن حتى هذا الهدف المتواضع أثبت أنه شبه مستحيل. وعندما سنحت الفرصة لشراء شقة صغيرة يملكها قريب لها في مدينة أدنبره الأسكوتلندية الرخيصة نسبيا بمبلغ 75 ألف جنيه إسترليني، فكرت في شرائها على أمل تأجيرها كخطوة أولى نحو دخول سوق العقار في لندن. ولكن البنوك البريطانية اشترطت دفع مبلغ نسبته 25 في المائة من الثمن مع نسبة فائدة عالية لأن الشقة مخصصة للاستثمار الإيجاري. وهي ترفض فكرة خداع البنوك بالقول إنها تعتزم السكن في الشقة الأسكوتلندية. ولذلك وجدت إيمي نفسها في وضع لا يسمح لها بشراء أي عقار لأن نصف أجرها مستنزف في الإيجار الشهري الباهظ الذي تدفعه في الشقة الصغيرة التي تسكن فيها حاليا.

* حالة أخرى يمثلها ريتشارد غرينوود، وعمره 30 عاما، ويعمل مع جمعية خيرية، قال إنه كان محظوظا في العثور على قرض مصرفي بنسبة 90 في المائة من قيمة العقار الذي اشتراه، وذلك لأنه تمكن من السكن بلا إيجار لمدة عام كامل مع أقارب زوجته استطاع خلاله أن يجمع مقدم القرض المطلوب بشق الأنفس. كما ساهم والداه في تكوين المبلغ المطلوب للبنوك لكي تقرضه من أجل شراء العقار الصغير. وهو لا يوفر الآن الكثير من المال بالانتقال من الإيجار إلى تملك العقار بقرض مصرفين، ولكنه يشعر بكثير من الاستقرار. وهو يحكي عن حالات كثير من أصدقائه الذين لا تتاح لهم الفرصة لدخول سوق العقار بسبب عقدة المقدم المطلوب وارتفاع أسعار العقار.

وتعترف البنوك أن الجيل الجديد يعاني أكثر من الأجيال السابقة. ويقول تقرير من معهد الدراسات الاقتصادية البريطاني إن معدل الأجور في الجيل الجديد يقل بنسبة سبعة في المائة عما كان عليه قبل بداية الأزمة المالية في عام 2008. ولكن هذا التراجع كان طفيفا بين العائلات التي يصل فيها عمر الجيل العامل فيها إلى ستين عاما أو أكثر. كما أثبت التقرير أن معدل الانخفاض في القدرة الشرائية بين الجيل الجديد كان أسوأ في الكساد الحالي عما كان في حالات الكساد السابقة. ففي كساد عام 2008 - 2009 تراجع مستوى الدخل بين الشباب بنسبة خمسة في المائة مقارنة مع نسبة ثلاثة في المائة فقط في الكساد الذي وقع أثناء نهاية الثمانينات.

ويقترح الخبراء عدة وسائل جديدة لمساعدة الشباب في التغلب على هذا الوضع. ومن أهم الأفكار التي ظهرت في هذا المجال:

- الاقتراض من الوالدين: فيما يعترف الخبراء بأن معظم الآباء ليسوا في وضع مالي يسمح لهم بتقديم عشرات الآلاف من الجنيهات اللازمة لمقدم القرض العقاري الذي يحتاجه الأبناء، إلا إنهم يستطيعون ضمان الأبناء لدى البنوك. ولكنه قرار صعب على الآباء ويجب التفكير فيه جيدا لأنهم يكونون مسؤولين عن كل القرض في الحالات التي يتخلف فيها الأبناء عن الوفاء بالتزاماتهم المالية. ويمكن للآباء التفاهم مع البنك أو جمعية الإقراض العقاري بوضع وديعة مالية في حساب ادخار كضمان للقرض العقاري المقدم للأبناء. وتقبل البنوك في هذه الحالات برفع نسبة القرض العقاري أحيانا إلى نسبة 95 في المائة من قيمة العقار.

- الشراء مع الأصدقاء: بدأت البنوك البريطانية تتقبل فكرة الشراء الجماعي من أصدقاء يشتركون معا في دفع أقساط العقار مع السكن المشترك في عقار واحد. وتشترط البنوك أن يدفع كل مساهم حصة من مقدم القرض وأن يلتزم مع الآخرين في سداد أقساط العقار. وتعتمد بعض البنوك على مستوى الدخل من فردين فقط عند اتخاذ قرار الإقراض. وهناك بعض الجوانب العملية التي يتعين النظر إليها عند اتخاذ مثل هذا القرار مثل المساهمة في صيانة العقار، فلا بد من التأكد أن من يساهم في مثل هذا المشروع يتحمل مسؤولية الصيانة بالإضافة إلى دفع أقساط العقار. ويتعين أيضا التفكير في الموقف حينما يقرر أحد الشركاء إنهاء التعاقد ومغادرة العقار، وهو ما يحدث بين الحين والآخر، ولذلك فمن الضروري إجراء تعاقد يغطي كل الاحتمالات ومن بينها كيفية التصرف في حالة مغادرة أحد الشركاء العقار والتخلي عن دفع التزاماته.

- الملكية المشتركة: وهو ابتكار تقدمه شركات العقار من أجل بيع وحداتها الجديدة بتقديم نسبة منها للملكية مع عرض النسبة الباقية للإيجار. وتبدأ الملكية بنسبة الربع من العقار مع دفع إيجار النسبة الباقية. ويتاح هذا الأسلوب مرحليا حتى يتمكن المشتري من اقتناء النسبة الباقية فيما بعد. وتدعم الحكومة البريطانية هذا التوجه وتقصره على الأسر التي يقل دخلها السنوي عن 60 ألف جنيه إسترليني والتي لا تستطيع شراء العقارات في بعض مناطق العاصمة. ويتاح هذا الابتكار للمشترين الجدد والمستأجرين من المجالس المحلية وأيضا للعاملين في بعض القطاعات الحيوية، ويتاح حتى لهؤلاء الذين اشتروا عقارات في الماضي ولكنهم لا يستطيعون تحمل الأعباء المالية في الوقت الحاضر. وفي مناخ تراجع أسعار العقار يمكن لهذا الأسلوب أن يكون لفائدة المشتري لأنه سوف يقتني النسبة المتبقية من العقار بأسعار السوق في وقت الشراء، والتي قد تكون أرخص في المستقبل عما هي عليه في الوقت الحاضر. ولا توجد تكاليف إضافية لمثل هذا القرض ولكن الأطراف التي لها حصة في ملكية العقار يجب أن تتلقى حصتها كاملة عند البيع.

- الإيجار من أجل البيع: وهو حل توفره جمعيات الإسكان ويمنح المستأجر حق تملك العقار أو نسبة فيه بعد خمس سنوات من دفع الإيجار. ويدفع المستأجر نسبة 80 من الإيجار خلال السنوات الخمس مع التعهد بادخار النسبة الباقية لشراء حصة من العقار تبدأ من نحو 25 في المائة. وإذا كان العقار قيمته مائة ألف جنيه إسترليني فعلى المستأجر توفير مبلغ 25 ألف جنيه إسترليني على خمس سنوات من أجل شراء حصته.

- حق الشراء: وهو متاح لسكان المساكن الشعبية في إنجلترا وويلز، ولم يعد متاحا في أسكوتلندا. ويعطي المشروع هؤلاء السكان حق شراء المساكن التي يؤجرونها مع الحصول على خصم خاص وفقا للفترة التي أقاموا خلالها في العقار ودفعوا إيجاره، وبحد إقامة أدنى يبلغ خمس سنوات. وتختلف نسبة الخصم من منطقة لأخرى وتبلغ في بعض المناطق المنتعشة عقاريا 38 ألف جنيه إسترليني. ويحصل الراغب في تملك عقاره على قرض مصرفي عادي، وهو ليس بالأمر الشاق نظرا لنسبة الخصم وحصة الساكن في عقاره. ولكن هذا التوجه لملكية العقار له أيضا شروطه، فالمشتري لا يجب أن يبيع العقار خلال فترة خمس سنوات بعد الشراء وإلا اضطر لإعادة الحصة إلى جمعية الإسكان أو على الأقل نسبة منها وفقا لطول الفترة التي أقام خلالها في العقار بعد الشراء.

- فرص وحوافز من شركات العقار: تتطلع شركات البناء والعقار التجاري إلى زيادة مبيعاتها في الأسواق، ولذلك تقدم العديد من الحوافز للمشترين الجدد من أجل تسهيل الحصول على القروض. وتعقد الشركات اتفاقات مع البنوك من أجل توفير نسبة تمويل على العقارات الجديدة تصل إلى 95 في المائة من قيمة العقار للتغلب على عقبة مقدم القرض. كما تقدم شركة «بارات» العقارية قرضا قيمته 50 ألف جنيه إسترليني للآباء من أجل توفير المقدم المطلوب لبيع العقارات لأبنائهم.

- الشراء من المزادات: هناك العديد من الفرص الجيدة للشراء من المزادات العقارية، وتعتمد هذه الفرص على القيام ببعض الإصلاحات في العقارات واستعادة رونقها. وهو مشروع يمكن أن يقوم به الصغار على شرط معرفة حجم الإصلاحات المطلوبة وإمكاناتهم المالية والتقنية للقيام بالإصلاحات المطلوبة أو تكليف مقاول بها. ومعظم هذه العقارات تكون منزوعة الملكية من أصحابها الذين عجزوا عن سداد القروض المستحقة عليهم، ولذلك فهناك أيضا البعد النفسي لمثل هذه العقارات من الناحية الأخلاقية التي يجد فيها المشتري نفسه مستفيدا من شقاء الآخرين. ولكن هذه العوامل قلما تؤثر في نهم الشراء لدى القادمين للمرة الأولى إلى أسواق العقار في ظل المنافسة الشرسة والعوائق الجمة التي تعترض سبيلهم في بداية محاولات دخول أسواق العقار للمرة الأولى.

وتشير الإحصاءات إلى أن الشراء أفضل من الإيجار في معظم الأحوال نظرا لأن المستأجر يدفع في المتوسط إيجارا أعلى من قيمة القسط العقاري شهريا، وبمعدل يصل إلى ستة آلاف جنيه إسترليني سنويا. ومن بين 50 مدينة بريطانية، أثبتت أبحاث اقتصادية أن الشراء أرخص في 45 مدينة منها عن الإيجار. ولا يعني هذا تراجع الطلب على العقارات المؤجرة؛ فهناك 25 طلبا للإيجار على كل عقار معروض للإيجار، وفقا لشركة العقارات «لادلو تومسون».

وتحاول البنوك من جانبها توفير المزيد من فرص التمويل العقاري للمشترين الجدد، ويوجد في السوق البريطانية حاليا نحو 268 عرض تمويل عقاري بنسبة تصل إلى 90 في المائة من قيمة العقار، مقارنة بنحو 199 عرضا في بداية العام. ويقدم بنك «يوركشير» عرضا نسبته 95 في المائة من قيمة العقار بسعر فائدة ثابت لمدة ثلاث سنوات قيمته 5.67 في المائة. كما يقدم بنك «إتش إس بي سي» فرصة تمويل بنسبة 90 في المائة من قيمة العقار بسعر فائدة ثابت لمدة سنتين يبلغ 4.49 في المائة، ومن دون فرض أي تكاليف إضافية على القرض.

وهناك العديد من معدلات الإيجار في أنحاء لندن، بعضها يرتفع دوما، بينما يتجه البعض الآخر للانخفاض. وفي حين يصل إيجار شقة مكونة من غرفة واحدة في منطقة مثل كريستال بالاس إلى 700 جنيه إسترليني شهريا في المتوسط، فهو يصل إلى 2000 جنيه إسترليني في المتوسط في منطقة مثل نوتنغ هيل الأرستقراطية. ودعا هذا عمدة لندن إلى نشر خريطة لمعدلات الإيجار في مناطق لندن المختلفة لمساعدة هؤلاء الباحثين عن أرخص مناطق للإيجار أو الشراء في أنحاء لندن.

والنصيحة التي يرددها خبراء العقار في الوقت الحاضر هي أهمية توفير أكبر نسبة ممكنة من مقدم القرض العقاري لتسهيل الحصول على القرض ولإظهار الجدية في الالتزام بالمسؤوليات المترتبة على ملكية العقار. وعلى المشترين الجدد عدم وضع شروط مثالية في العقار الذي يريدون شراءه لأن العقار الأول يباع مرة أخرى في غضون خمس سنوات مع تغير الظروف، مثل تكوين أسرة تحتاج إلى مساحة أكبر، أو الارتقاء الوظيفي الذي يتيح فرص تمويل أفضل أو شراء عقارات أكبر حجما.