سان فرانسيسكو تطرح جزيرة على مشارف بوابة «غولدن غيت» للاستثمار

كان يملكها الأسطول الأميركي

جانب من مشروع الجزيرة الأميركي
TT

اتخذت هذه الجزيرة اسمها (جزيرة الكنز) من اسم رواية مشهورة ظهرت في القرن التاسع عشر، كتبها روبرت ستيفنسون للأطفال. وهي جزيرة صناعية بنيت عام 1936 لتخزين لوازم بناء جسر «غولدن غيت» الشهير في المدينة ولا يربطها بمدينة سان فرانسيسكو إلا امتداد أرضي ضيق أشبه بالجسر. وهي تقدم الآن فرصا استثمارية جيدة في موقع رائع بعد أن ظلت سنوات طويلة تستخدم كمخازن صناعية ويملكها الأسطول الأميركي.

وتنظر إدارة المدينة إلى هذه الجزيرة على أنها مفتاح تطوير وتوسيع سان فرانسيسكو في المستقبل. ويسكن الجزيرة حاليا نحو 1400 نسمة، وهي ما زالت تحوي الكثير من المنشآت العسكرية المهجورة ومخازن الوقود، لكنها لا تنتمي بصلة إلى الكتاب الذي تحمل اسمه. وبعد أن هجرت البحرية الأميركية هذه الجزيرة عام 1996، تقدم عمدتها بمشروع لشرائها بمبلغ 55 مليون دولار تدفع على 10 سنوات، بالإضافة إلى 50 مليون دولار أخرى تدفع في حالة حصول استثمارات القطاع الخاص في الجزيرة على عوائد تزيد على 18% من قيمة الاستثمار.

ويشعر عمدة المدينة، غافن نيوسم، بالكثير من الثقة في أن المشروع سوف يكون استثمارا نموذجيا في العقار، وسوف يولد الآلاف من الوظائف في المدينة، خصوصا أن الأموال التي تمول المشروع وتم دفعها إلى البحرية الأميركية كانت من شركات تطوير العقار وليس من أموال المدينة نفسها. وتأمل بلدية المدينة أن تسهم مشاريع الجزيرة في سد عجزها المالي البالغ حجمه 522 مليون دولار.

وتشرف شركة معمارية اسمها «سكيدمور» على الإطار العام لتطوير الجزيرة على أساس بيئي سليم يشمل ناطحات سحاب تعتمد على الطاقة الشمسية، و8 آلاف منزل جديد ثلثها يخصص لذوي الأجور المحدودة، و3 فنادق ومزرعة نموذجية، بالإضافة إلى 300 فدان من الأراضي الخضراء المخصصة للرياضات والأنشطة الترفيهية. وتبلغ تكلفة المشروع نحو 1.4 مليار دولار، وتدخل فيه عدة شركات عقارية عملاقة لتطويره.

وتبني هذه الشركات شوارع الجزيرة لكي تقاوم الرياح وذلك بتصميم زوايا الشوارع تمتد من الشمال إلى الجنوب بزاوية تبلغ 68 درجة. وتستخدم الشركات عنابر عسكرية مهجورة لكي تحولها إلى مراكز رياضية وترفيهية ومنافذ بيع، كما يتحول مبنى «ترمينال 1» الذي ظهر في أحد أفلام إنديانا جونز إلى مرفأ لاستقبال السفن والعبارات.

على الصعيد البيئي، سوف تستفيد الشركات من تيارات الرياح في المنطقة بتركيب توربينات هوائية على المباني لتوليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى استخدام الطاقة الشمسية للتدفئة وتسخين المياه. وحددت بلدية سان فرانسيسكو عام 2020 لكي تلغي الجزيرة بالمرة فكرة إرسال النفايات خارجها، وأن تكتفي ذاتيا في إعادة تدوير نفاياتها. وفي حال إعادة تدوير المياه سوف تعيد الجزيرة استخدام ثلث مواردها المائية في الزراعة وأغراض الصرف الصحي وغسيل الزوارق، بينما تتبنى وسائل للمحافظة على استهلاك المياه التي تحصل عليها بالكامل من سان فرانسيسكو. وتصل احتياجات الجزيرة من الماء إلى 218 مليون غالون سنويا. وأخيرا تعتمد الجزيرة على توربينات هواء على نطاق واسع في المناطق غير المأهولة من أجل إنتاج الطاقة.

وحصلت تصميمات المدينة، التي جاءت بعد سنوات طويلة من التخطيط والدراسة، على الكثير من الجوائز المعمارية والبيئية.

ويتضمن المشروع 8 آلاف وحدة سكنية تشمل أحياء منخفضة الارتفاع، بالإضافة إلى 4 أبراج بارتفاع 40 طابقا وبرج «صن تاور» وارتفاعه 60 طابقا. ويهدف المشروع إلى إلغاء الاعتماد على السيارات، بحيث تتوافر الخدمات والمواصلات العامة على مقربة 10 دقائق مشيا على الأقدام من جميع الوحدات السكنية في الجزيرة. وتفرض الجزيرة رسوما تبلغ 5 دولارات لكل سيارة تأتي إليها من سان فرانسيسكو لخفض عدد السيارات الزائرة إلى الحد الأدنى. جاءت هذه التغييرات خلال السنوات الأخيرة، وهي تختلف عن المشروع الأصلي الذي اعتمد على السيارات لربط الجزيرة بسواحل سان فرانسيسكو. وتبدأ إنشاءات المشروع في عام 2012.

ومع ذلك يتعرض المشروع لبعض الانتقادات من خبراء الزلازل الذين يعتقدون أن البناء على أرض الجزيرة الصناعية المكونة أساسا من الرمل والحصى لا يوفر السلامة المطلوبة، خصوصا في منطقة غير مستقرة جيولوجيا مثل كاليفورنيا، بالإضافة إلى ذلك يعتقد عدد من خبراء البيئة أن مستويات البحار سوف ترتفع بمعدل 4.5 قدم عام 2100، مما يثير بعض الشكوك في جدوى تطوير هذه الجزيرة والجزر المشابهة حول العالم.

لكن القائمين على المشروع يعتقدون أن المشروع يعد مثالا يحتذى للكثير من مناطق سان فرانسيسكو الأخرى التي يجب تطويرها لكي تتماشى مع روح العصر من الناحية البيئية. وهم يضيفون أن منطقة خليج سان فرانسيسكو كلها لا تصلح للبناء من الناحية الجيولوجية، ومع ذلك تبنى فيها المباني الحديثة المضادة للزلازل. وتستفيد جزيرة الكنز من فرصة البناء الجديد الذي يعتمد على أحدث تقنيات البناء المعروفة لكي تقاوم أخطار الزلازل.

أما الانتقاد الثالث للجزيرة فهو ارتباطها بمدينة سان فرانسيسكو عبر مضيق مكتظ بالمرور حاليا، وسوف يضيف تطوير الجزيرة المزيد من الاختناقات المرورية، لكن إدارة المدينة تجيب بأن المشروع يهدف لبناء مجتمع مستقر في الجزيرة لا يعتمد على السيارات، كما أن المشروع يتضمن باصات دورية إلى سان فرانسيسكو وعبارات بحرية من ميناء الجزيرة. وتجرى الآن عملية صناعة هذه العبارات لكي تكون جاهزة للخدمة قريبا.

وتقول الخبيرة البيئية روث غرافانيس، التي واكبت المشروع منذ عام 1996، إنها تدعم المشروع بقوة؛ لأنه تطور عبر السنوات وفقا للتقنيات الحديثة؛ فبينما استحدثت الكثير من المدن تقنيات بيئية خضراء، التزمت جزيرة الكنز بأن تكون في مقدمة الجهود البيئية. وهي تفضل فكرة تقديم العقارات من دون أماكن لصف السيارات، مع توفير المواصلات العامة وأماكن للدراجات الهوائية، لكنها تعتقد أن المشروع الذي يريد تخفيض بصمته الكربونية ما زال يتيح الكثير من مواقف السيارات العامة، لكنها راضية، بصفة عامة، عن المشروع، خصوصا فيما يتعلق بتغيير موقع الميناء المقترح من شرق الجزيرة إلى غربها.

ويعد المشروع نموذجا للمدن الأخرى التي تتطلع لتطور بيئي في المستقبل، يقلل من استهلاك الموارد وإفراز النفايات. وتستهلك مدن العالم حاليا 75% من الموارد، ويمكن لمشروع مثل جزيرة الكنز يقام على أسس عصرية أن يوفر لها دفعة جديدة في توجهاتها البيئية.

ويقول موقع الجزيرة الإلكتروني إن سكانها الآن يبلغ تعدادهم نحو ألفي نسمة ويعيشون في منازل مستأجرة. وتعرض معظم المنازل الجديدة في الجزيرة للإيجار، ولا توجد فرص للشراء فيها في الوقت الحاضر، كما تتيح الجزيرة الكثير من فرص التأجير التجاري للمنافذ والمخازن والمكاتب، كما تقدم فرصا لاستوديوهات التصوير السينمائي والتلفزيوني؛ نظرا لموقعها الفريد الذي يوفر مشاهد بانورامية لمدينة سان فرانسيسكو وجسرها الشهير.

ومع ذلك تعاني الجزيرة الأزمة التي تشمل كل قطاعات العقار الأميركي، والتي تبدو أهم سماتها في صعوبة التمويل وفي تراجع قيمة العقار. والوضع الحالي لا يشجع مستثمري العقار المحليين على دخول مجال الاستثمار العقاري، كما أن المستثمر الدولي لا يرى الضوء في نهاية النفق بعدُ لكي يتخذ قرار الاستثمار في العقار الأميركي؛ لذا فمهما كانت مغريات جزيرة الكنز أو غيرها من المناطق الجديدة سوف يظل مناخ عدم الثقة سائدا في الأسواق الأميركية إلى نهاية فترة عجز التمويل العقاري واستعادة السوق نشاطها مرة أخرى، ربما في نهاية عام 2012 على أحسن تقدير.

وقال المستثمر وارين بافيت، وهو أحد كبار المستثمرين في سوق العقار الأميركية، إنه لا يتوقع أن تعاود السوق الأميركية نموها حتى العام المقبل. وهو يعتقد أن السوق ما زالت تعاني موجة الإفلاسات الجماعية في القطاعين التجاري والإسكاني وأن التخلص من أعباء هذه الإفلاسات سوف يستغرق بعض الوقت. ويضيف بافيت أن الأسعار سوف تستمر على معدلات أقل مما كانت عليه أثناء الفقاعة الأخيرة.

وإذا كانت هذه التوقعات صحيحة فهي قد تبرر اهتمام المزيد من المستثمرين الأجانب بالسوق الأميركية في العام الحالي على أساس أن الأسعار السائدة الآن تمثل قاع السوق. ويقبل الأثرياء على الاستثمار العقاري في أوقات عدم الثقة في الأسواق المالية؛ لأنها توفر المزيد من الاستقرار وتحافظ على القيمة. ويحتفظ الكثير من المستثمرين حول العالم بنسب كبيرة من السيولة استعدادا لظهور فرص استثمار جيدة، ويتركز بحثهم في الوقت الحاضر على الأسواق الأميركية كموضع آمن للاستثمار طويل المدى.

ويقول ليام بيلي، مدير الاستثمار في القطاع الإسكاني في شركة «نايت فرانك» العقارية: إن توقيت الاستثمار العقاري حاليا له جدوى كبيرة؛ لأن الكثير من المواقع الجغرافية، ومنها السوق الأميركية، لم تشهد استثمارات كبيرة في الإمدادات العقارية، بينما يزداد الطلب فيها على العقار باطراد. وهو يلاحظ أن الكثير من المدن الرئيسية، مثل لندن ونيويورك، زادت في قيمتها العقارية في الشهور الأخيرة مخالفة تيار استقرار الأسعار السائد في الأسواق الدولية حاليا.

وهو يضيف أن معدلات الإيجارات في المدن الكبرى أخذت أيضا في الارتفاع التدريجي هذا العام. ومع ذلك فهو لا يؤكد أن التحولات الواقعة في المدن العالمية الآن تشير إلى بداية انتعاش عقاري مستدام فيها، لكن الجوانب البيئية الحازمة في جزيرة الكنز تعد من أهم مميزاتها وربما تؤهلها لكي تكون في طليعة المواقع المستفيدة عند عودة الانتعاش.

* مشاريع أخرى على جزر صناعية

* مشروع جزيرة الكنز ليس المشروع الوحيد في العالم الذي يبنى على جزيرة صناعية؛ فهناك الكثير من المشاريع والمطارات التي وجدت أن الامتداد إلى البحر هو الحل الأمثل لتوفير البيئة المناسبة، أحيانا بالاختيار، كما هو الحال في كندا ودبي، وأحيانا أخرى اضطرارا؛ نظرا لضيق المساحة كما هو الحال في اليابان وهونغ كونغ. وفي كندا بُنيت جزيرة نوتردام في 10 أشهر لاستضافة المعرض العالمي «إكسبو 67» الذي أقيم للاحتفال بالمئوية الثانية لكندا. وهو يعد من أنجع المعارض التي أقيمت في القرن الماضي؛ حيث حضره 50 مليون زائر وشاركت فيه 62 دولة. أما الآن فتستضيف الجزيرة سباق «فورميولا 1» الكندي للسيارات، وتتاح مساحات خضراء فيها للتريض صيفا والتزلج على الجليد شتاء.

أما أشهر الجزر الصناعية في العالم فهي في دبي مثل جزر العالم وجزر «بالم». وهي تبدو رائعة لدى رؤيتها من الجو، لكن فترة الكساد الاقتصادي أوقفت بناء المزيد من هذه المشاريع. وتعد جزيرة «بالم جميرة» هي الجزيرة المأهولة الوحيدة حتى الآن بين مشاريع دبي. ويشاع أن بعض المشاهير في العالم، مثل براد بيت وديفيد بيكام، اشتروا عقارات في هذه الجزيرة.

وهناك الكثير من مطارات العالم التي بنيت على جزر صناعية، كما أن هناك مشروعا يروجه عمدة لندن لإنشاء مطار لندني جديد على أرض مستصلحة من مصب نهر التيمس شرق لندن. ولم يحصل المشروع البديل لتوسيع مطار هيثرو على الموافقات المطلوبة حتى الآن.

أما أكبر مشروع لمطار يمتد إلى جزيرة صناعية فهو مطار كنساي في مدينة أوساكا اليابانية. وقام بتصميم المطار المصمم رينزو بيانو وافتتح عام 1994. وهو من أغلى المشاريع المعمارية في العالم؛ حيث تكلف 20 مليار دولار. وكان أهم سبب لارتفاع التكاليف اكتشاف أن الأرض المستصلحة غرقت لمسافة 8 أمتار بسبب ثقل المواد المستخدمة في ردم البحر.

وهناك 3 مطارات أخرى في اليابان مبنية على أراضٍ بحرية مستصلحة، بالإضافة إلى مطار هونغ كونغ الذي صممته شركة «فوستر» على أراضٍ مستصلحة من جزيرتين قريبتين من المطار.