نهاية العام توفر فرصا للفوز بالصفقات العقارية الكبرى في لندن

ديسمبر هو شهر المزادات

الشراء بالمزاد قد يوفر فرصا استثمارية جيدة
TT

يقام في لندن هذا الشهر الكثير من مزادات العقار التي تعتقد مصادر السوق أنها توفر أفضل الفرص للمشتري. ويقول بول موني من شركة «سافيلز» للمزادات إن هناك الكثير من العوامل التي تجعل من نهاية العام التوقيت الأفضل للحصول على صفقة عقارية جيدة، فمن ناحيةٍ يخفض الباعة أسعار عقاراتهم المعروضة بالمزاد، خصوصا مع تراجع الطلب العقاري في وقت الأزمة الاقتصادية والتوقعات السلبية للاقتصاد البريطاني. ومن ناحية أخرى يسحب الكثير من بائعي العقار غير المتعجلين في البيع عقاراتهم من السوق أثناء الشتاء انتظارا لموسم البيع التقليدي بداية من الربيع، ولا يبقى في السوق سوى هؤلاء المضطرين إلى البيع.

ويمكن لبعض المشترين الحصول على عقارات ذات مزايا كامنة في المزادات على شرط ترتيب أوضاعهم المالية قبل دخول المزاد. وهناك الكثير من العقارات الجدية والتقليدية التي تبيعها مؤسسات عامة ومجالس محلية وجمعيات خيرية من أجل تدبير الأموال اللازمة لتخطي مرحلة التقشف الصعبة التي أعلنتها الحكومة. كما يتاح الكثير من العقارات التي تبيعها البنوك تسديدا للديون المتراكمة على أصحابها.

وهناك الكثير من العقارات التي تقدم فرصا تجارية مثل المنازل المقسمة إلى شقق، حيث يمكن شراؤها كوحدة واحدة مع السكن في جزء منها وتأجير الجزء الآخر. وتبيع شركة «ألسوب» منزلا شرق لندن مقسوما إلى شقتين، إحداهما مكونة من غرفتين والثانية من ثلاث غرف. ويصل السعر المتوسط للعقار كله نحو 600 ألف جنيه إسترليني.

ويدخل السوق كذلك الكثير من المستثمرين الذين يبحثون عن عقارات توفر إيجارات جيدة أو قطع أراضٍ توفر فرص بناء عقارات ذات تصميم حديث. وتعرض شركة «سافيلز» هذا الشهر قطعة أرض شاغرة في منطقة هولاند بارك الراقية في لندن يبلغ سعرها المتوسط نحو 650 ألف جنيه إسترليني.

كما تعرض شركة مزاد اسمها «أندروز أند روبرتسون» منزلا من أربع غرف في منطقة كامبرويل يملكه المجلس المحلي في المنطقة بسعر لا يزيد عن 475 ألف جنيه إسترليني. وقد تزيد أو تقل هذه الأسعار أثناء المزاد الفعلي.

ولا تقتصر العقارات المعروضة في بيوت المزاد في لندن هذا الشهر على عقارات لندن، وإنما تشمل ريفية تشرف عليها شركات متخصصة مثل شركة «كلايف إيمسون» التي تتخصص في مناطق كنت وساسكس وهامشير، وشركة «هيب» في منطقة ميدلاند، والأخيرة تعرض فيلا في مدينة نوتنغهام لا يزيد سعرها عن 75 ألف جنيه إسترليني. وهي بالتأكيد فرصة استثمارية جيدة وإن كانت بعيدة عن العاصمة.

ويباع بيت تاريخي في مدينة نورفولك يعود زمن بنائه إلى عام 1902 بنحو 125 ألف جنيه إسترليني، وتقول الشركة المشرفة على بيعه إنها تعقد أكثر من مائة مزاد سنويا في أنحاء بريطانيا.

وفي عالم المزاد يعد الوقت حيويا في كل الظروف، فالمزاد يعقد بعد أسبوعين أو ثلاثة من إرسال كتيبات المعلومات للمشترين. وخلال هذا الوقت يتعين على المشتري أن يعاين العقار ويفحص نوعية البناء عن طريق مهندس مختص، وأن يستعين بمحامٍ لتناول إجراءات الشراء بالإضافة إلى ترتيب التمويل أو القرض العقاري اللازم للشراء. ويتحمل المشتري هذه التكاليف من دون ضمان أن المزاد سوف يرسو عليه. ولكن في حالة الشراء الفعلي من المزاد يتعين على المشتري أن يدفع نسبة 10 في المائة من السعر فورا وأن يلتزم بإتمام الصفقة قانونيا في غضون فترة قصيرة لا تزيد في الغالب عن أربعة أسابيع.

وهناك الكثير من العقارات المتنوعة والمنافذ التجارية والأراضي الشاغرة التي تبدأ أسعارها أحيانا بنحو 50 ألف جنيه إسترليني، بينما قد تزيد أسعار بعض العقارات الأخرى في وسط لندن عن مليون جنيه إسترليني. وبعض هذه العقارات المعروضة تحتاج إلى إصلاحات جذرية، بينما بعضها الآخر في حالة جيدة ولا يحتاج إلا إلى بعض الديكورات الشكلية.

وتوضح نشرات المزادات حالة كل عقار على حدة، كما تنصح المشتري بضرورة المعاينة الميدانية للعقار وإجراء مسح عقاري عليه قبل التقدم للشراء عبر المزاد. وينصح موني المشترين بالاستعداد ماليا لدخول المزاد لأن تبادل الوثائق يتم فوريا ويعد ملزما قانونيا.

وهو يقول إن المزادات تناسب المشترين الذين باعوا عقاراتهم للتوّ ويبحثون عن عقارات بديلة أو هؤلاء الذين رتبوا حجم قروضهم قبل خوض المزاد. وفور رسوّ المزاد على المشتري تعتبر الصفقة نافذة قانونيا، ويمكن أن يتعرض المشتري الذي لا يستطيع الوفاء بالتزاماته إلى المساءلة القانونية والغرامة، علاوة على فقدان المقدم الذي دفعه بعد المزايدة على العقار.

هناك أيضا بعض العقارات التي تباع أثناء وجود مستأجرين فيها. وعلى المشتري أن بعرف نوعية التعاقد الذي حصل عليه المستأجر، لأن هناك تعاقدات قصيرة المدى تنتهي بعد 12 شهرا، وأخرى مضمونة وطويلة المدى وتشبه الملكية ولا حدود زمنية لها ما دام الساكن ملتزما بدفع إيجاره الشهري الذي لا يتغير إلا وفق ضوابط معينة.

وهناك عشرات العقارات التي تعرض للبيع هذا الشهر بالمزاد، كان من بينها بيت في منطقة كامبريول في وسط لندن بسعر 385 ألف جنيه إسترليني، وهو رخيص بمعايير هذا الموقع. كما بيع الكثير من العقارات الساحلية بأسعار تراوحت بين 250 وحتى 620 ألف جنيه إسترليني. وشاركت في المزادات عدة بيوت مزاد منها «سافيل» و«أندروز أند روبرتسون» و«ويلموت» و«ألسوب» و«كلايف إيمسون». وسوف تعود دورة مزادات العقار في العام الجديد وتجرى على نحو شهري دوريا وتنشط خلال فترتي الربيع والصيف.

ولا توجد مقاييس دقيقة لأسعار العقار النهائية، فبعض العقارات يباع بأكثر من تقديراته بينما يتم سحب البعض الآخر من المزاد لعدم وجود الطلب الكافي ولفشل العقارات في تحقيق معدلاتها الدنيا. ويؤكد خبراء العقار أن تسعير المزادات للعقارات المعروضة فيها يكون في الغالب بأسعار أقل من مستوى السوق من أجل تشجيع الجمهور على الحضور والمشاركة في المزادات. والنصيحة التي يوجهونها هي أن يبحث المشتري عن القيمة الحقيقية لكل عقار قبل الشراء، وأن يضع لنفسه حدا أقصى للسعر الذي يرغب في دفعه، ولا يتخطاه.

وفي بريطانيا ارتفع في العام الأخير عدد العقارات التي بيعت بالمزاد بنسبة 20 في المائة، إلى نحو 36 ألف عقار. وكان هذا المعدل لا يزيد عن 15 ألف عقار قبل عدة سنوات.

وبلغ من جاذبية المزادات أنها تشمل الآن العقارات الصعبة التي كانت تستبعد منها في الماضي. وكانت هذه العقارات الصعبة تعرض على قطاعات متخصصة في السوق، تقبل عليها بأسلوب المظاريف المغلقة التي يقدم المضاربون فيها أسعارا نهائية لا تقبل النقاش بحيث يقبل بها البائع أو يرفضها. وينظر هؤلاء المقاولون إلى العقارات الصعبة، مثل محطة إطارات مهجورة أو أطلال قديمة، كنوع من الاستثمار بحيث يجري إزالتها واستثمار الأرض في مشروعات أخرى.

ولعل أحد أبرز مزايا استخدام المزاد في عمليات البيع العقاري أن كلا من البائع والمشتري يتأكد فورا من بيع العقار وشرائه في يوم المزاد نفسه، إذا ما تخطى السعر الحد الأدنى المطلوب في العقار. وهذا يختلف جذريا عن أسلوب البيع العادي في السوق الذي يستغرق في بريطانيا عدة أسابيع يسودها القلق من الطرفين بسبب احتمال انسحاب أحد طرفي الصفقة في اللحظة الأخيرة قبل تبادل التعاقد القانوني. في حالات البيع بالمزاد تتم الصفقات فورا وبلا شروط، فحينما تدق مطرقة مندوب المزاد إيذانا بإتمام الصفقة تصبح نافذة قانونيا.

وتقول مؤسسات المزاد البريطانية إن الأسعار المعلنة في الكتيبات ليست إلا مؤشرات للأسعار التي يمكن أن تباع بها العقارات. وهي تؤكد أن المزادات لم تعد الحل الأخير للتخلص من العقارات الصعبة وبيعها بأي ثمن، بل إن المزادات الآن تعتبر الاختيار الأول لتحقيق معدلات أسعار تفوق أحيانا المتوسط السائد في السوق. وهي تحقق للبائع عملية بيع فورية تتيح له اتخاذ قراراته الاستثمارية الأخرى بسرعة وتوفر له أيضا سيولة سريعة من العقار لا يتيحها أي مصدر آخر.

مما يذكر أن المزادات أصبحت الآن وجهة الكثير من المستثمرين في العقار الذين يشترون بغرض البيع. وهم يسعون لإصلاح العقارات ثم بيعها بالمزاد أيضا أو بوسائل أخرى، ويحققون أحيانا معدلات ربح جيدة. ويعتمد هؤلاء على خبرتهم في اختيار العقارات ذات المواقع الجيدة التي يمكن إعادة بيعها بسهولة. ولكن البيع بالربح ليس مضمونا في ظروف السوق المتردية حاليا.

أحد هؤلاء المستثمرين اشترى منزلا بالمزاد في قلب لندن بسعر نصف مليون جنيه إسترليني، وأجرى على العقار بعد ذلك بعض التحسينات للديكور الداخلي والحديقة. وبعد هذه التعديلات التجميلية التي لم تكلفه كثيرا أعاد عرض العقار للبيع في مزاد آخر بعد الشراء بعدة أشهر وحقق صفقة بيع بمبلغ 570 ألف جنيه إسترليني. ويمكن للمستثمر العقاري تعقب العقارات التي لم تحقق الحد الأدنى لأسعارها في المزاد، وهي قليلة، لكي يعرض على أصحابها عروض شراء قريبة من المبلغ المطلوب فيها بعد انتهاء المزاد. وتنجح أحيانا هذه الوسيلة في الفوز بعقار رخيص على هامش المزاد وليس داخل قاعته.

وتشير عدة بنوك بريطانية الآن إلى أنها توافق على تمويل العقارات التي تباع في المزاد ما دام المشتري يتمتع بالملاءة المالية المطلوبة. ويقول اتحاد مقترضي العقار البريطاني إن تمويل الشراء من المزادات يمكن أن يكون أساسا لتطور جذري في سوق التمويل العقاري أثناء حالة الجمود الحالية. كذلك يفتح المجال فرصة للبنوك العالمية للمنافسة على تمويل صفقات العقار البريطانية، الأمر الذي يلغي عمليا الحدود الجغرافية من عمليات التمويل العقاري.

ولكن البعض يعترض على هذه الفكرة، فقد قال أحد مستشاري العقار المتخصصين في لندن إن تمويل الاستثمار العقاري عبر المزادات يفتح الباب مرة أخرى للمضاربة على العقار، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى بداية فقاعة لا تحتاج إليها الأسواق. وهو ينصح بضرورة الاستشارة المالية ومناقشة كل قرض على حدة من خلال الوسطاء الماليين. وهو يرى أن المشتري يحتاج أحيانا إلى النصيحة المالية لكي يختار القرض المناسب له من بين عشرات الاختيارات المتاحة في السوق، ولذلك فإن نسبة 60 في المائة من عمليات التمويل العقاري في بريطانيا ما زالت تجري عبر وسطاء ماليين. ولا يتكلف المقترض رسوما أعلى لأن الوسيط يحصل على عمولته من البنوك.