كيف أصبحت العقارات التي يفوق سعرها المليون دولار «عنوانا صغيرا»؟

المبلغ لم يعد يكفي لشراء شقة متواضعة في وسط الكثير من مدن العالم

جانب من هونغ كونغ التي تعتبر عقاراتها من بين الأغلى في العالم (رويترز)
TT

أصبحت العقارات التي يفوق سعرها مليون دولار «عنوانا صغيرا»، ولم يعد دفع مبلغ مليون دولار مقابل عقار صغير في الكثير من مناطق العالم مثيرا، بل إن مبلغ مليون دولار أصبح لا يكفي حتى لشراء شقة متواضعة في وسط الكثير من العواصم العالمية.

وفي لندن أكد بحث خاص ببنك «لويدز تي إس بي» في العاصمة البريطانية، أن عدد العقارات التي يصل سعرها إلى مليون جنيه إسترليني (1.5 مليون دولار تقريبا) التي بيعت في الأسواق خلال الربع الأول من العام الحالي (2011)، قد ارتفع إلى أقصى حد له منذ عام 2007 أي بداية أزمة الائتمان الدولية. وقد وصلت قيمة الصفقات في هذا القطاع العقاري الهام في النصف الأول إلى 3.375 مليار جنيه إسترليني (5 مليارات دولار تقريبا)، ووصل المعدل اليومي لعدد الصفقات خلال تلك الفترة إلى 19 صفقة، أي بزيادة قدرها 10 في المائة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي (2010). ولا يزال عدد العقارات البريطانية التي يصل سعرها إلى مليون جنيه إسترليني حتى الآن، أو هذا العام، 200 ألف عقار.

ويأتي ذلك التطور الجديد على صعيد العقارات الغالية الثمن التي يصل سعرها إلى مليون جنيه إسترليني، في الوقت الذي سجل فيه القطاع السكني تراجعا كبيرا على صعيد المبيعات (عدد الصفقات) وصلت نسبته إلى 9 في المائة عن النصف الأول من هذا العام.

ولا يعتبر هذا التطور مفاجئا، إذ كثرت التقارير العقارية خلال العام الحالي عن ارتفاع الطلب وعن النقص أو الندرة في العقارات الفاخرة والغالية الثمن، وخصوصا في العاصمة البريطانية، لندن. كما يتواصل الحديث عن الهجوم الكبير الذي يشنه المستثمرون والأغنياء الأجانب على هذا النوع من العقارات منذ أكثر من 3 سنوات.

ومع هذا، وعلى أهمية هذا القطاع العقاري ونشاطه، لا تزال نسبة القطاع من القطاع العقاري العام مجرد 1.1 في المائة، أي أنه لا يحرك الأسواق العقارية الكثيرة بل هو جزء بسيط من قطاع ضخم. ولم يشكل عدد الصفقات في العقارات الغالية الثمن أيضا سوى هذه النسبة من مجموع عدد الصفقات العقارية العامة التي حصلت في النصف الأول من العام الحالي.

ورغم أن العاصمة لندن أحصت ثلثي عدد الصفقات التي حصلت في هذا القطاع في النصف الأول، فإن عدد صفقات العاصمة لم تشكل سوى 5.7 في المائة من عدد الصفقات على الصعيد الوطني. ويأتي بعد العاصمة لندن كالعادة المناطق الجنوبية الشرقية القريبة من العاصمة، ثم شرق إنجلترا من منطقة سافوك إلى نيوكاسل، ثم الجنوب الغربي الذي يضم أهم المناطق السياحية في دافين وكورنويل.

وقد سجلت كل هذه المناطق ارتفاعا في عدد الصفقات في قطاع العقارات الغالية الثمن في النصف الأول من هذا العام إلى جانب المناطق الشمالية الشرقية وما بعدها شمالا باتجاه اسكوتلندا، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولهذا كانت أدنبرة عاصمة اسكوتلندا في المرتبة الثانية في عدد الصفقات العقارية الغالية الثمن بعد المناطق الجنوبية الشرقية في إنجلترا.

ومع تركز النمو في معظم القطاعات العقارية بشكل عام في العاصمة وجنوب إنجلترا، فإن المناطق الإنجليزية الأخرى التي نعمت ببعض الطفرات خلال السنوات الماضية، بدأت تشعر بالضغوط، إذ سجل عدد المبيعات في القطاع الغالية الثمن تراجعا خلال النصف الأول من العام الحالي. ومن هذه المناطق، المناطق الشرقية والغربية الوسطى «الميدلاندز» ومناطق يوركشاير وهامبيشار والمناطق الشمالية الغربية القريبة من مقاطعة ويلز. وفي بعض هذه المناطق الكثير من النقاط الساخنة عقاريا، وتشهد تطورات كثيرة على هذا الصعيد يؤهلها لتصبح مناطق عقارية للمستقبل.

وبالعودة إلى العاصمة لندن وأهميتها، يقول البحث الذي أجراه بنك «لويدز تي إس بي»، أن ربع الصفقات العقارية التي جرت في النصف الأول من العام الحالي في قطاع المنازل التي يصل سعرها إلى مليون جنيه إسترليني، تركزت في منطقتين من مناطق لندن المعروفة والغنية، وهما منطقتا كبنزينغتون - تشيلسي ووست مينيستر.

ومع هذا، فإن أكبر عدد من الصفقات في العاصمة حصل في منطقة فولهام في النصف الأول من العام الحالي، وجاء بعدها منطقتا هامبستيد المرتفعة وتشيلسي. أما خارج العاصمة فسجلت منطقتا صري وويبريدج أكبر عدد من المبيعات في قطاع المنازل الغالية الثمن في النصف الأول من العام الحالي. وبينما كانت منطقة تشيلسي المحطة الأولى لعدد الصفقات الخاصة بالبيوت أو المنازل التي يصل سعرها إلى مليون جنيه إسترليني، فقط سجلت منطقتا بلغريفيا ونايتس بريدج أكبر عدد من الصفقات في العاصمة لندن، التي تشمل الشقق الفاخرة الممتازة والبيوت وغيره من العقارات السكنية. ووصلت حصة هاتين المنطقتين نحو 67 في المائة من مجموع عدد الصفقات في العاصمة في النصف الأول من العام الحالي.

وبينما وصل عدد البيوت الغالية الثمن التي يصل سعرها إلى مليوني جنيه إسترليني (3 ملايين دولار تقريبا) التي بيعت في النصف الأول من العام الحالي إلى 739 بيتا، فإن صفقات البيوت لم تشكل سوى نسبة ضئيلة من مجموع الصفقات على الصعيد الوطني، أي 0.2 في المائة. وعلى هذا الأساس يكون عدد الصفقات الخاصة بالبيوت قد ارتفع بنسبة 29 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كما كانت العاصمة لندن مسرحا لـ78 في المائة من الصفقات الخاصة بهذا النوع من البيوت، 57 في المائة منها في كينزينغتون وتشيلسي ووست مينيستر.

ولا يختلف الأمر على قطاعات العقارات الغالية الثمن أو الفاخرة أو الممتازة سواء كانت بيوتا أم شققا أم قصورا، من ناحية النمو وارتفاع الأسعار وارتفاع عدد الصفقات، على خلفية الطلبين الأجنبي والمحلي الكبيرين.

وقد ارتفع عدد الصفقات الخاصة بالعقارات السكنية التي يصل سعرها إلى 5 ملايين جنيه إسترليني (7.5 مليون دولار تقريبا) في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 48 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وقد سجلت هيئة العقارات العامة 52 صفقة العام الماضي، أما هذا العام فقد وصل العدد إلى 77 صفقة، أي 77 عقارا فاخرا يصل سعره إلى 5 ملايين جنيه إسترليني. ومعظم هذه العقارات في مناطق هامة أيضا في العاصمة لندن مثل كينزينغتون - تشيلسي ووست مينيستر وكامدن.

وعلى الضفة الأخرى، أي على صعيد العقارات السكنية العادية التي يقل سعرها عن المليون جنيه إسترليني، فإن الأسعار تواصل تراجعها. وقد أظهر تقرير لمؤسسة «زوبلا» العقارية في العاصمة لندن، أن معدل سعر العقار في بريطانيا (219.2 ألف جنيه - 328.8 ألف دولار) قد تراجع هذا العام بقيمة 7.5 ألف جنيه (11.25 ألف دولار تقريبا) مقارنة بالعام الماضي، ووصلت نسبة التراجع على الأسعار بشكل عام إلى 3.2 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ولم يسلم من هذا التراجع إلا بعض المناطق الجنوبية الشرقية من إنجلترا ومنها العاصمة لندن ومدينة ابردين في اسكوتلندا، وكان أسوأ تراجع قد حصل في منطقة نورثامبتون.

أما في إنجلترا وحدها فقد وصلت نسبة التراجع على الأسعار في العقارات السكنية العادية هذا العام إلى 3.54 في المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، أي أن العقار الواحد قد خسر ما لا يقل عن 8.3 ألف جنيه (12.45 ألف دولار تقريبا) من سعره هذا العام، بعد أن كان معدل سعر العقار العام الماضي 226.7 ألف جنيه (340 ألف دولار تقريبا). وعلى هذا الأساس يكون العقار قد خسر هذه السنة 22 جنيها (31 دولارا تقريبا) في اليوم الواحد. أما في مقاطعة ويلز فقد وصلت نسبة التراجع إلى 1.7 في المائة فقط عن نفس السنة، أي أن العقار الواحد لم يخسر سوى 2.6 ألف جنيه (3.9 ألف دولار تقريبا). ويصل معدل سعر العقار في المقاطعة حاليا إلى 153 ألف جنيه (229.5 ألف دولار تقريبا). والأفضل على هذا الصعيد كانت اسكوتلندا التي لم تسجل نسبة تراجع عالية بل ضئيلة جدا لا تذكر، ويمكن القول إن الأسعار هذه السنة بقيت على حالها وكما كانت عليه العام الماضي. ولم تتعد نسبة التراجع الـ0.05 في المائة. ويصل معدل سعر العقار في اسكوتلندا حاليا إلى 162.3 ألف جنيه (234.4 ألف دولار تقريبا).

وفي إنجلترا أيضا، واصلت الكثير من مناطق العاصمة لندن والمناطق الجنوبية الشرقية، نموها على صعيد الأسعار، إذ ارتفعت هذا العام بنسبة 1.1 في المائة مقارنة بالعام الماضي. ويصل معدل سعر المنزل في العاصمة لندن حاليا إلى 410 آلاف جنيه (607 آلاف دولار تقريبا)، أي بزيادة قدرها 4 آلاف جنيه (6 آلاف جنيه) على كل عقار. أما في المناطق الجنوبية الشرقية فلم تتعد هذه القيمة الألف جنيه (1500 دولار تقريبا)، إذ لم ترتفع الأسعار إلا بنسبة ضئيلة قدرها 0.36 في المائة هذا العام نسبة إلى ما كانت عليه العام الماضي. ووصل معدل سعر العقار في هذه المناطق هذه السنة إلى 279.4 ألف جنيه (419 ألف دولار تقريبا).

لكن المناطق الشمالية الشرقية شهدت تراجعا أكبر هذه العام وعاكست المناطق الجانبية كالعادة وأسهمت في توسيع الفجوة بين العالمين، وهي الأكبر منذ سنوات طويلة على الصعيد العقاري السكني. ووصلت نسبة التراجع على أسعار العقارات في هذا المناطق التي تشمل نيوكاسل وميديلزبرة وساندرلاند وداراهم ومناطق نورثامبريا الأخرى، إلى 7.7 ففي المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي. أي أن العقار الواحد قد خسر ما لا يقل عن 13 ألف جنيه (19 ألف دولار تقريبا).

بأي حال فإن العاصمة لندن ومدينة ابردين في اسكوتلندا كانتا المدينتين الوحيدتين اللتين سجلتا ارتفاعا على أسعار العقار السكنية العادية خلال العام الحالي من بين كل المدن البريطانية. وعلى ضآلتها، فبينما سجلت لندن ارتفاعا بنسبة 1.1 في المائة على أسعار العقارات، سجلت ابردين نسبة قدرها 0.3 في المائة. وكما سبق وذكرنا فإن منطقة نورثامبتون كان الأسوأ أداء على الصعيد العقاري العام الحالي إلى جانب ليستير، حيث وصلت نسبة التراجع على أسعار العقارات الـ6 في المائة.