إيطاليا تأمل جني مليارات الدولارات من بيع عقارات استراتيجية

من بينها مبان تاريخية وسط ميلانو

TT

الأعشاب تغطي الأسفلت، وأشجار التين تتدلى على الطرق المتشققة بينما المباني الثمانية في حالة متردية وفي حاجة ماسة إلى الإصلاح والترميم، ومن ثم يحتاج المرء إلى قدر كبير من الخيال ليتصور شكل هذا المستودع السابق للقوات الجوية، والموجود على مشارف مدينة ميلانو، بعد أن يصبح موقعا يضم مجموعة من المباني السكنية الجديدة، والطرق الرئيسية والمتاجر وربما حتى متنزها صغيرا، ولكن إذا نجحت الحكومة الإيطالية في تحقيق ما تريده، فسوف يكون هذا الموقع واحدا من آلاف المواقع - التي تشمل منجما قديما في جزيرة إلبا توسكان، وثكنة للجيش في بحيرة غاردا، ومبنى تاريخيا في وسط ميلانو يمتد بطول كتلة سكنية كاملة من بين المباني التي ستباع في السنوات المقبلة في إطار قيام الدولة بجمع أموال لخفض ديونها.

وتتوقع الحكومة أنها ستتمكن من جمع مبلغ من المال تتراوح قيمته بين 25 إلى 30 مليار يورو (34 إلى 40 مليار دولار)، بحلول عام 2020 من خلال بيع هذه المواقع، والتي سيتم تحويل أكثر من نصفها إلى مبان سكنية. وقد تم عرض بعض المواقع للبيع بالفعل، والتي كان من ضمنها مستودع القوات الجوية الواقع في ميلانو، والذي تبلغ مساحته 721000 قدم مربع، على الرغم من أن الجزء الأكبر من هذه المواقع سوف يتم عرضه للبيع في السوق في النصف الأول من العام المقبل، إذا سارت الأمور وفقا للخطة الموضوعة. وقد أعاقت الخلافات السياسية والتغييرات في الحكومة القيام بمثل هذه المبيعات الكبيرة في الماضي، ولكن نظرا لمحاولة إيطاليا اليائسة للحد من ديونها الوطنية، فإن المقاولين، والوكلاء العقاريين، وغيرهم من العاملين في مجال العقارات يقولون إنهم يتوقعون أن تكون حكومة رئيس الوزراء، ماريو مونتي، الجديدة ملتزمة ببيع هذه المواقع كما كانت حكومة سيلفيو برلسكوني السابقة.

ومع ذلك يشعر الناس أنفسهم بالقلق إزاء الآثار المترتبة على طرح مثل هذه العروض الكبيرة ومدى تأثيرها على السوق العقارية الإيطالية المهتزة بالفعل وعلى التراجع في أسعار العقارات السكنية. وتبين الحالة المتردية لمستودع القوات الجوية في ميلانو مدى صعوبة تسويقه لبيعة بثمن مربح، حيث تتناثر قطع طويلة من الغلاف الخارجي الأزرق للأسلاك التي تركها اللصوص بعد أن جردوها من محتواها النحاسي على أرض المستودع، بينما المباني خاوية تماما، والعلامة الوحيدة على أنها كانت مستخدمه في السابق هي الصفوف الطويلة من الرفوف وقطع الورق الملصقة على الجدران، والتي كانت تستخدم لتحديد المواد المخزنة، من السراويل الصيفية، والشامبوهات، ومعاجين الأسنان، والمناديل الورقية.

وقال ستيفانو سكاليرا مدير «أجنسيا ديل ديمانو» (عقارات الدولة)، وهى الجهة الحكومية التي تملك معظم العقارات التي سيتم بيعها: «إننا في حاجة إلى إعداد المشاريع، وإجراء الإصلاحات اللازمة للممتلكات العقارية، قبل أن نقوم ببيعها، فنحن لا نريد إغراق السوق بممتلكات عقارية دون المستوى».

وتسعى الحكومة لإنشاء صندوق استثماري، سيتم تمويله جزئيا من قبل مستثمرين من القطاع الخاص، من أجل تجديد بعض المواقع قبل أن يتم عرضها للبيع. وقد قامت إيطاليا في وقت سابق بمحاولات غير ناجحة لبيع مجموعة كبيرة من العقارات في عهد رئيس الوزراء رومانو برودي، وقبل ذلك، في عهد برلسكوني عندما كان رئيسا للوزراء في فترة سابقة.

وفي الوقت الذي يقول فيه منتقدو سكاليرا إنه يواجه مهمة صعبة فإنهم يضيفون أن عملية البيع قد تتم أخيرا بنجاح هذه المرة. وربما كانت أصعب مهمة في هذا الأمر هي نقل ملكية العديد من المواقع المعروضة للبيع من الحكومة المركزية إلى الأقاليم أو المناطق أو البلدات التي توجد بها هذه المواقع، وسيكون هذا بمثابة جزء من تحول إيطاليا نحو هيكل مالي أكثر فيدرالية، حيث يتم التعامل مع الأمور المالية محليا، وهو الشيء الذي يحظى بتأييد مونتي.

وقال كلاوديو دي ألبرتس، رئيس جمعية «أسمبردل أنس»، وهي الجمعية التي تمثل شركات البناء في ميلانو وحولها: «هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تمنع بيع هذه الممتلكات العقارية، ولكن نظرا للحالة المالية الوخيمة لإيطاليا، فمن المحتم أن يتم تنفيذ عمليات البيع». ويشمل هذا الوضع المالي المزري بطء النمو الاقتصادي، والدين العام الذي يبلغ مقداره نحو 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل الفائدة على الديون السيادية التي تكاد تصل إلى 7 في المائة. ولكن المنتقدين يقولون إن المبيعات لن تتعدى كونها تدفقات نقدية لن تتكرر، وإنها ستقوم بتشتيت الانتباه بعيدا عن النمو الاقتصادي الهزيل في البلاد، وعدم قيام الحكومة باتخاذ أي إجراء لمعالجة المشكلات الهيكلية، مثل جمود سوق العمل. وإذا تمكنت الحكومة من عرض الجزء الأكبر من الممتلكات للبيع، فإنها سوف تجد سوقا للمشترين. وعلى الرغم من أن إيطاليا لم تشهد تراجعا في سوق العقارات مثل إسبانيا وآيرلندا، فإن سوق العقارات في إيطاليا تتجه نحو الانخفاض. حيث استمرت الأسعار في الانخفاض على مدى ثلاث سنوات متتالية في ميلانو، وفي إيطاليا ككل، وفقا لوكالة «تكينوكاسا» العقارية.

وقد انخفضت الأسعار في المنطقة المجاورة لمستودع القوات الجوية بمقدار 4.5 في المائة في النصف الأول من هذا العام، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط الوطني.

وقال سكاليرا: «لا يعد الوقت الحالي مناسبا على المدى القصير لتنفيذ عملية بيع العقارات في إيطاليا، ولكنه يعتبر مناسبا على المدى الطويل، وخاصة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وعلى الرغم من أننا لن نتمكن من بيعها بالأسعار التي كان من الممكن أن نبيعها بها قبل بضع سنوات، إلى أن هذا هو الحال في كل مكان، حيث إنه من المؤكد العثور على مشتر بسعر جيد، إذا كانت البضاعة المعروضة في السوق من نوعية جيدة». وقد تكون السوق العقارية في ميلانو صعبة على وجه الخصوص، حيث إن هناك العديد من المشاريع الكبيرة الجارية هناك الآن تحسبا لمعرض ميلانو الذي سيقام في عام 2015، والتي تشمل مشروعا جديدا للوحدات السكنية والتجارية يجري تنفيذه على مساحة 290000 متر مربع من أراضي السكك الحديدية السابقة.

ويشعر بعض العاملين في مجال العقارات بالقلق من العدد الكبير من الممتلكات الحكومية الذي سيتم عرضة للبيع في السوق خلال الفترة المقبلة، حيث قال دي ألبرتس: «هناك عدد كبير من العقارات التي يمكن أن يتم بيعها، والخوف هو أن يتم بيعها بأسعار تقل عن أسعار السوق، مما سيؤدي إلى تراجع قيمة العقارات القائمة والجديدة على حد سواء، حيث ستضطر الدولة على الأرجح للبيع بأسعار منخفضة لحاجاتها للحصول على المال، وبالنظر إلى عدد العقارات التي ستكون معروضة للبيع، فإنه من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يحدث ذلك من دون وقوع آثار مدمرة على السوق».

وقد يعطي بيع مجمعين عسكريين غير مستخدمين في مدينة بولونيا، على مسافة نحو 220 كيلومترا (135 كيلومترا) إلى الجنوب من ميلانو، بعض المؤشرات المبكرة عن مدى نجاح مثل هذه الجهود على المستوى الوطني، حيث تبلغ قيمة أعلى عطاء تم تقديمه في الوقت الحالي لواحد من الموقعين العسكريين، وهو موقع «كاسريما ماسني»، 9.8 مليون يورو، وهو عرض أقل من 13.4 مليون يورو التي وضعتها الحكومة كحد أدنى في مزاد سابق.

ويعد الموقعان الموجودان في بولونيا، خلافا للمستودع ميلانو، الذي يقع بعيدا عن مركز المدينة بالقرب من أحد المعسكرات المقامة بشكل غير قانوني، في حالة جيدة وعلى مقربة من وسط المدينة، وسيتم إغلاق باب تقديم العطاءات يوم الاثنين.

* خدمة «نيويورك تايمز»