العقارات المتوافقة مع البيئة «عنوان المستقبل»

إقبال كبير عليها في الغرب رغم ارتفاع أسعارها

الدول الغربية تشجع على تطوير المنازل الحديثة الصديقة للبيئة
TT

تزداد الإثارة في عالم العقار اليوم حول نماذج جديدة من العقار تراعي البيئة في بنائها وتخفض من إفرازات الكربون من سكانها على المدى البعيد. ويعتبر البعض أن هذه العقارات هي عنوان المستقبل، ولذلك يزداد الإقبال عليها، وأحيانا بأسعار أعلى من العقارات العادية. ولكن حتى في الدول الصناعية فإن 70 في المائة من العقارات القائمة في عام 2050 قد تم بناؤها بالفعل. ولذلك فإن تأثير العقارات البيئية في مجملها لن يكون كبيرا حتى بعد ثلاثة عقود.

أحد هذه المشروعات في بريطانيا يتم تنفيذه في سان أوستيل، وهي منطقة مناجم مهجورة بالقرب من الساحل الجنوبي الشرقي في مقاطعة كورنوول، لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية لا تفرز أي كربون وتوفر خمسة آلاف وظيفة محلية. ويمتد المشروع على مساحة 700 هكتار، ويبدو مثالا للتجديد في منطقة محرومة اقتصاديا من أي فرصة. وترى الشركة المنفذة أن هذا المشروع هو نموذج لما يجب أن تكون عليه مشروعات العقار في المستقبل.

ويتوجه ثلث العقارات إلى محدودي الدخل من المنطقة، كما تبقى مساحات كبيرة من الأرض مفتوحة على هيئة حدائق. ويطل المشروع على البحر عبر مارينا بها زوارق شراعية، بينما ينتفع المشروع من شبكة مواصلات خضراء منخفضة الانبعاث الكربوني. وهو يوفر الفرص للمقيمين في المشروع بالتوجه إلى أعمالهم باستخدام الدراجات أو المشي على الأقدام.

ويجري تخطيط مشروع «تلفريك» لربط المنطقة بالمعالم السياحية المحيطة. وتنفذ المشروع شركة اسمها «ايكوبوس» تقول إنها سوف تستخدم المواد والأيدي العاملة المحلية. ولكن بعض الخبراء البريطانيين يشككون في استمرارية المواصفات البيئية لهذا المشروع بالاستناد إلى بيانات مكتب الإحصاءات البريطاني الذي يؤكد أن نسبة 76 في المائة من العاملين خارج لندن يستخدمون سياراتهم في الذهاب إلى مقار أعمالهم والعودة منها إلى منازلهم. وفي مقاطعة كورنوول المعزولة نسبيا سوف تكون هذه النسبة أعلى نظرا لأن شبكة المواصلات العامة ضعيفة وبعضها لا يصل إلى كل القرى. ويتساءل الخبراء عما إذا كان سكان المشروع البيئي الجديد سوف يخالفون التيار السائد ويستخدمون وسائل المواصلات العامة أم سياراتهم الخاصة مثل بقية السكان.

هناك أيضا إحصاءات تؤكد أن نسبة ستة في المائة من إجمالي منازل المقاطعة الجنوبية الغربية هي في الواقع منازل عطلات لا يقيم فيها أصحابها إلا أسابيع قليلة من كل عام. ويشكو السكان المحليون من هذه الظاهرة التي تجعل من بعض أفضل المواقع البحرية في المقاطعة ما يشبه مدن الأشباح. وسوف يكون مشروع سان أوستيل البيئي جذابا لهذه الفئة أيضا، وقد يلقى مصير غيره من العقارات العادية ويتحول إلى مدينة لا يسكنها أصحابها إلا خلال فترات الصيف.

أيضا المشاريع السياحية التي سوف تقام في المنطقة ويأتي إليها السياح، كيف سيصلون إليها بأعداد كبيرة لكي تكون مثل هذه المشاريع رابحة؟ في مشروع «إيدن» البيئي السياحي الذي لا يبعد عن المنطقة بأكثر من كيلومترين، يأتي للزيارة سنويا نحو 1.2 مليون زائر لا يصل منهم من دون سيارة إلا نسبة تقل عن 15 في المائة، أما البقية فتأتي بسيارات من مسافات بعيدة.

ويخضع الآن مشروع سان أوستيل للدراسة والفحص من المجلس المحلي قبل الموافقة عليه أو رفضه، وتوجد مظاهرات متعددة من الأهالي تهاجم المشروع على أساس أن أعمال البناء فيه سوف تستغرق 30 عاما، بما ينفي الادعاء بأنه مشروع بيئي في المقام الأول.

وهناك مناقشات في مجال العقار في العديد من دول العالم الأخرى حول هذه النقطة: هل المشروعات البيئية تحافظ فعلا على البيئة وتستحق عناء البحث عنها ودفع مبالغ أعلى فيها، أم أن المسألة تتعلق بالتسويق الذكي للعقارات الجديدة في أسواق متخمة، أسعارها منهارة؟ ويزداد الخلاف واللغط خصوصا في مجال المنتجعات السوبر فاخرة التي تعلن عن مزايا بيئية متعددة سواء لمشتري الوحدات فيها أو للمقيم فيها لعدة أيام أو أسابيع.

إحدى الحالات هي لمنتجع في منطقة واتامو في نيجيريا اسمه «مدينة بالمز»، وهو يوفر مدينة سياحية ساحلية وينتهي العمل منه خلال هذا العام. وتقول مواصفات المشروع إنه يحتوي على مواقع لإعادة تكرير المياه واستخدام المواد العضوية وشبكة مواصلات بيئية تعتمد على السيارات الكهربائية داخل نطاق المشروع. ولكن الوصول إلى المشروع نفسه يستغرق رحلات طيران طويلة المدى إلى العاصمة الكينية ثم استخدام السيارات للوصول إليه في رحلة تستغرق قرابة الساعتين.

مشروع آخر في مصر في شرم الشيخ يتكلف ملياري دولار لإقامة 600 وحدة سياحية و4 فنادق ومارينا تتسع إلى ألف يخت، وهو مشروع يلتزم بالعديد من المواصفات البيئية، مثل توليد الطاقة من موارد نظيفة، لكنه يفتح طريق رحلات الطيران المباشر من كل العواصم الأوروبية والعربية.

وحتى في تايلاند، فاز مشروع «سونيفا كيري» على جزيرة اسمها «كوه هود» بالعديد من الجوائز البيئية على إنجازاته، لكن الوصول إليه يتطلب الطيران إلى بانكوك ثم رحلة طيران أخرى داخلية لمدة ساعة، وأخيرا رحلة عبر كيلومترين من مياه البحر بالزوارق السريعة. وهذا يعني أن بلوغ المنتجع يعني حرق كل المؤهلات والمزايا الكربونية التي يوفرها الموقع.

ويتفهم أستاذ البيئة البريطاني ديفيد سترونغ هذه المفارقات، ويقول إن المشكلة البيئية ليست لها حلول سهلة، لأنها «مشكلة خبيثة» ليست لها حدود معينة وعواملها تتغير باستمرار. وهو يشير إلى أن معنى البيئة الجيدة يتغير من مكان لآخر، فهي في العالم الثالث تعني ضمان الحصول على مياه الشرب النظيفة، لكنها في الغرب تعني أشياء أخرى قد تختلف من بلد لآخر، أو حتى من منطقة لأخرى. وهو يؤكد أن معظم العقارات القائمة في منتصف القرن قد تم بناؤها بالفعل الآن. ولذلك فإن تحويل كل العقارات الجديدة إلى عقارات محافظة على البيئة هو شيء نبيل، لكنه غير مؤثر حتى بعد ثلاثين عاما. ولكن مع ذلك يشير إلى أن محاولة فض التناقضات في المسألة البيئية شيء مشجع وأفضل من عدم المحاولة على الإطلاق.

وأدت المنافع التسويقية للعقارات البيئية إلى إنشاء هيئة خاصة تضع المعايير التي يتعين الالتزام بها لكي يمكن أن تسمى العقارات محافظة على البيئة مهما كان موقعها في العالم.

ويقول رئيس هذه الهيئة واسمه أنور خان إنها سوف تحفز مطوري العقار والمشترين على التركيز على العقارات البيئية. وهو يطور منتجعا في المغرب بالمواصفات البيئية التي وضعتها الهيئة، ويشير إلى أن الأعضاء المؤسسين يمثلون 11 شركة تطوير عالمية بمجموع استثمار يصل إلى 3.5 مليار إسترليني (5.25 مليار دولار) وأيد عاملة تشغل 35 ألف وظيفة في أعمال الإنشاءات والإدارة.

ويعتقد البعض أن بعض أنجح المشروعات المعمارية البيئية جرت في هدوء ومن دون الضوضاء التي صاحبت بعض المشروعات الكبرى. من هذه المشروعات مشروع حي أوريستاد في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن. فهو مشروع مغمور، لكنه في رأي خبراء التنمية البيئية المستدامة أحد أكثر المشاريع نجاحا. وهو مشروع يتضمن مظاهر بيئية جديدة، مثل استيعاب مياه الأمطار واستخدامها، والاعتماد على وسيلة مواصلات كهربائية على شكل قطارات محلية تسمى «مونوريل» تربط بين الأحياء المختلفة. ومع ذلك حتى هذا المشروع يشمل منافذ تجارية عادية مثل «سوني» و«برغر كينغ»، تذكر المقيمين فيه بأنهم ليسو بمعزل عن العالم الأقل اهتماما بالبيئة.

وفي ألمانيا يوجد مجتمع مماثل يضم خمسة آلاف شخص يعيشون في حي فوبان الذي بني على مطار ألماني مهجور في مدينة فرايبورغ. وبنيت المدينة على قواعد بيئية صارمة بحيث لا يملك 70 في المائة من السكان، أي وسائل مواصلات خاصة بخلاف الدراجات الهوائية. أما هؤلاء الذين يملكون سيارات فيدفعون ضرائب باهظة على صفها في مبنى مخصص لتخزين الطاقة الشمسية. لكن حتى في هذا المجتمع المثالي توجد بعض المشاكل، مثل معاناة بعض الأسر التي لا تملك سيارات من إضراب عمال المترو، أو قيام بعض مطوري العقار ببناء عقارات غير بيئية على مقربة من الحي.

ويبدو أن مسألة العناية المستدامة بالبيئة مسألة نسبية فعلا، والأهم في النظر إلى هذه القضية هو الأخذ بعين الاعتبار بعض المشاكل المعقدة التي ينبغي التعامل معها وعدم وجود حلول مثالية لكل المشاكل دفعة واحدة. لكن المحاولة لتحسين الإنجاز البيئية أفضل بالتأكيد من عدمها.

* المبادئ العشرة المؤثرة في المحافظة المستدامة على البيئة

* هناك العديد من الهيئات القومية لوضع معايير المحافظة على البيئة في الدول المختلفة، وهي وإن اختلفت في توجهاتها قليلا فإنها تتفق على عشرة مبادئ عامة يمكن اعتبارها أسس المحافظة على البيئة المستدامة. وتلتزم الهيئات في الدول الغربية بالعوامل التالية:

• العناية بالبيئة المحلية وتشجيعها.

• تحسين صحة هؤلاء الذين يستخدمون العقارات البيئية.

• خفض معدلات التلوث إلى أدنى مستويات ممكنة.

• إدارة ذكية ومعالجة للمخلفات.

• جمع المياه من مصادر طبيعية مثل الأمطار ومعالجتها.

• استخدام المواد المحلية في البناء وعدم الإخلال بالبيئة الطبيعية.

• الاستخدام الأمثل للموارد المائية.

• الاستخدام المحسوب للطاقة والتحكم في الإفرازات الكربونية.

• الاعتماد الأدنى على مصادر الطاقة الخارجية والتوجه نحو المصادر المتجددة.

• تطويع طبيعة الموقع لخدمة الأغراض البيئية مثل تيارات الهواء الطبيعية للتكييف.

من ناحية التكاليف، تقول مؤسسة الأبحاث العقارية، وهي مؤسسة حكومية استشارية، إن تكلفة بناء عقار على مساحة 1200 قدم مربع يلتزم بقواعد البيئة في بريطانيا تصل لنحو 75 ألف جنيه إسترليني (115 ألف دولار)، بالإضافة إلى ثمن الأرض. أما عملية تجهيز منزل لكي يتوافق مع أحدث المعايير البيئية فإن تكلفتها تصل إلى 38 ألف إسترليني (58 ألف دولار)، وتشمل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح واستخراج الطاقة الحرارية من باطن الأرض وأنظمة تكييف وتسخين حديثة. وتوفر هذه الوسائل نحو 70 في المائة من تكلفة واستهلاك الطاقة في مناخ بارد مثل بريطانيا، لكن في بلدان أخرى حارة تختلف المعايير وتتحول إلى أهداف أخرى مثل المحافظة على مصادر المياه وتوفير تكلفة التبريد والتكييف.

وتقول المؤسسة إنه على الرغم من التقدم التقني المستمر في أساليب تخفيف انعكاسات العقار الضارة على البيئة فإن الأهداف ثابتة ومعروفة، وهي زيادة كفاءة استخدام الطاقة واستهلاك المياه والموارد الأخرى، والمحافظة على صحة ورفاهية سكان العقار وزيادة إنتاجيتهم إذا كان العقار من النوع التجاري، ثم خفض المخلفات والتلوث الناتج عن العقارات.

وبينما يتركز الاهتمام البيئي الآن على وسائل المواصلات، خصوصا السيارات، فإن هيئة الطاقة الدولية تشير إلى أن المنازل تستهلك 40 في المائة من مصادر الطاقة في العالم، وتفرز من العوادم الكربونية نسبة 24 في المائة. وسوف تكون العقارات البيئية هي الموجة الثانية من الاهتمام العالمي بتنظيف البيئة المعيشية في العالم.