عائدات تأجير العقارات في الإمارات تضاهي 3 أضعاف أرباح الودائع المصرفية

رغم أن التفاؤل الحذر يغلف القطاع العقاري في دبي

جانب من مدينة دبي
TT

المراقب للقطاع العقاري في إمارة دبي عن قرب يلاحظ أن القطاع لم يعد على الأقل ضمن المعطيات الحالية يشهد مزيدا من الانخفاضات التي أوصلته إلى القاع السعري، لا بل إن القطاع بدا يشهد في بعض المناطق الجاهزة والأخرى الراقية ارتفاعا طفيفا في المستويات السعرية بلغت في بعض الأحيان 5 في المائة، وفق خبراء. ولكن رغم ذلك لا تزال التقديرات تتسم بتفاؤل حذر حول المستقبل. وهو ما يمكن أن يوصف بأول مؤشرات التعافي لهذا القطاع المحوري في اقتصاد الإمارة منذ انتكاسة عام 2008 التي استمرت تداعياتها حتى الربع الثالث تقريبا من عام 2011 الذي انقضى معطيا إشارات متضاربة حول السوق العقارية في دبي.

فعلى الرغم من حدوث حالات من الاستقرار وحتى النمو في بعض المناطق، فإن ذلك لا يزال يعد استثناء وليس القاعدة. ولا يزال فائض العرض سائدا مع تجاوزه الدائم للطلب الأساسي من خلال استكمال المشاريع العقارية.

أما التطور الأكثر بروزا فكان حيوية القطاع السكني في الإمارة وزيادة نشاطه خلال الربع الرابع، كما هو مبين في بيانات دائرة الأراضي والأملاك في دبي. فقد وصل إجمالي مبيعات الوحدات السكنية خلال الربع الرابع من عام 2011 إلى 2605 وحدات، مقارنة بـ1589 فقط في معاملات الربع الثالث، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 64 في المائة بين الربعين. وبيع خلال الفترة نفسها في دبي نحو 300.000 متر مربع من الشقق السكنية بمتوسط 9500 درهم للمتر المربع الواحد. وهو ما يمثل زيادة بنسبة 5 في المائة عن السنة السابقة.

أما من حيث القيمة فكانت الزيادة الشاملة أقل وضوحا، بنمو نسبته 6 في المائة فقط، مع ارتفاع إجمالي المعاملات من 2.7 مليار درهم في الربع الثالث إلى 2.85 مليار في الربع الرابع. ويعتبر الارتفاع في قيمة المعاملات كبيرا مقارنة بالربع الرابع من عام 2010، حيث ارتفع من 1.7 مليار درهم إلى 2.85 مليار درهم بنسبة بلغت 67 في المائة.

ويرى تقرير لـ«سي بي آر إي» للبحوث والاستشارات العالمية أن دولة الإمارات العربية المتحدة تسير في خطى صحيحة نحو التعافي الاقتصادي الذي شهد نموا نسبته 4 في المائة في 2011، وهو بذلك يتبع نموا نسبته 1.4 في المائة في عام 2010 وتقلصا بنسبة 1.6 في المائة في عام 2009، ومن المتوقع أن يصل معدل النمو في الإمارات خلال عام 2012 إلى 4 في المائة مرة أخرى، مع أداء مماثل من دبي.

في حين يشير التقرير إلى أن مؤشر ثقة المستهلك من دائرة التنمية الاقتصادية عكس موقفا أكثر إيجابية، حيث ارتفع المؤشر 15 نقطة ليصل إلى 125 خلال الربع الأخير. وأظهر المشاركون في الاستطلاع تفاؤلهم بشأن الانتعاش الاقتصادي والشؤون المالية الشخصية وفرص العمل، مع الإبقاء على ارتفاع أسعار المواد الغذائية كمصدر قلق بارز.

ويتوقع مؤشر ثقة الأعمال من دائرة التنمية الاقتصادية أيضا حدوث استرداد في الثروات هذا العام. وقد ارتفع المؤشر بنسبة 16 في المائة خلال الأشهر الـ3 الأخيرة من العام الماضي، حيث ساعدت النظرة الإيجابية للوضع التجاري ووضع الشركات الصغيرة والمتوسطة في رفع توقعات الأداء المستقبلية.

ويبدو أن قطاع التأجير هو الأكثر عائدية في القطاع العقاري في الإمارة وفقا لما تراه شركة «داماك العقارية»، التي تعد من أكبر شركات تطوير العقارات الراقية في منطقة الشرق الأوسط، التي أشارت إلى أن قيمة عائدات تأجير العقارات الفاخرة في الإمارات توازي 3 أضعاف عائدات إيداع النقد في البنوك على الأقل. ووفقا لشركة الاستشارات العقارية «سي بي ريتشارد إيليس» فإن سعر الفائدة على الودائع ثابتة الأجل لمدة 6 أشهر يبلغ 2.1 في المائة في بنك «إتش إس بي سي»، مقارنة مع عائدات التأجير التي تتراوح بين 7 و12 في المائة في الإمارات العربية المتحدة.

ويقول نيال مكلوغلين، النائب الأول لرئيس شركة «داماك العقارية»: «إن السوق العقارية الإماراتية تتميز بارتفاع مذهل في عائدات التأجير بالمقارنة مع غالبية دول العالم، ومع استقرار أسعار العقارات في المواقع الراقية في الإمارات، فإن تلك العائدات المرتفعة تجعل من الاستثمار في السوق العقارية الإماراتية خيارا جذابا لكل المستثمرين العالميين».

معتبرا أن من العوامل الأخرى التي ينبغي على المستثمرين أخذها في الاعتبار الظروف الضريبية المواتية في الإمارات، إذ لا تفرض ضرائب على الإيجارات كما لا تفرض ضرائب على المكاسب المتحققة على رأس المال في حال بيع العقارات. وأضاف مكلوغلين: «إن عائدات التأجير تمثل في حد ذاتها عامل جذب للمستثمرين، وتسهم إلى جانب إعفاء الاستثمارات من الضرائب في جعل القطاع العقاري في الإمارات أحد أكثر الأصول جذبا للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم». وقد شهدت «داماك العقارية» ارتفاعا ملحوظا في المبيعات منذ بداية العام، في الوقت الذي ازدادت فيه بشكل خاص الاستفسارات الواردة من المستثمرين الأجانب.

وفي هذا الجانب قال مكلوغلين: «كان النشاط العقاري في العامين الماضيين مقتصرا في الغالب على المستفيدين بشكل مباشر من العقار، ولكننا نشهد الآن عودة المستثمرين إلى الساحة. وبعكس الذروة التي شهدتها السوق في عام 2008، فإن المستثمرين الآن لا يسعون إلى تحقيق النمو في رأس المال، بل يركزون على عائدات التأجير، مما يمنح السوق بعدا مختلفا كليا». وتشترك في تلك النظرة الإيجابية شركة الاستشارات العقارية «كلاتونز»، التي تتوقع أن تستمر العقارات ذات الجودة والمكانة المميزة في تحقيق عائدات جيدة على حساب المناطق السكنية الأحدث. كما تتوقع الشركة أن «تواصل سوق العقارات السكنية تحقيق الأرباح مع توافر المزيد من خيارات تمويل الرهن بأسعار منافسة».

وأشار مكلوغلين: «بدأ المستثمرون بالعودة إلى قطاع العقارات، ليس لمجرد اعتقادهم بأن أسعار عقاراتهم ستتضاعف خلال أشهر معدودة، بل لأنهم مكتفون بعائدات التأجير الثابتة والمنافسة على المستوى العالمي». وتقول «داماك العقارية» إنها تشهد أكبر مستوى للطلب خلال 3 سنوات، وذلك ضمن مجموعة من مشاريعها العقارية الراقية في مرسى دبي، وداون تاون دبي، ومركز دبي المالي العالمي. فهناك اهتمام ملحوظ بالعقارات ذات الجودة العالية في كل من دبي وأبوظبي، بينما يسعى المقيمون إلى الانتقال إلى منازل أفضل، ويتطلع المشترون الجدد إلى الاستفادة من الأوضاع الحالية التي تمنحهم قيمة استثنائية مقابل النقود.

وأضاف مكلوغلين: «أصبحت سوق العقارات الإماراتية موزعة على فئات مختلفة، مما يعني عدم جدوى النظر إليها كوحدة متكاملة. نشهد حاليا ارتفاع الطلب والأسعار بشكل معقول في المواقع الراقية في دبي، ولكن المكاسب المتحققة من تلك الأسعار يقابلها انخفاض الأسعار في الكثير من المواقع التي تشهد طلبا أقل في الإمارات، كالمدينة العالمية، على سبيل المثال».

كما أن الشركة متفائلة للغاية حيال عائدات التأجير المرتفعة في قطاع الضيافة، إذ تركز «داماك العقارية» على نماذج تطوير الشقق الفندقية في الوقت الذي تتابع فيه أعمال البناء في مشروعها «برج سايد بوليفارد» في داون تاون دبي، والمطل على مول دبي وبرج خليفة.

واختتم مكلوغلين حديثه قائلا: «لاقى هذا المشروع على وجه الخصوص اهتماما منقطع النظير في عام 2011، ونتوقع أن يستمر ذلك الاهتمام خلال العام الحالي. كما تشير التوقعات إلى أن تفوق عائدات تأجير الشقق الفندقية في (برج سايد بوليفارد) 15 في المائة بعد تسليمها إلى العملاء».

وتقول «داماك العقارية» إنها تمتلك سجلا مرموقا من النجاحات يتضمن تسليم عدد من أفخم المشاريع السكنية في منطقة الشرق الأوسط، كما تمتلك الشركة رأسمالا جيدا ورؤية مستقبلية وزخما يمكنها من إتاحة الفرص الاستثمارية المميزة للعملاء في كل الأسواق التي تعمل بها.

واستمر القطاع السكني بإظهار بوادر الاستقرار، على الرغم من انخفاض متوسط الإيجار خلال الربع بمعدل 2 في المائة بسبب الشقق. واستمرت معدلات الفيلات على حالها مما يعكس القوة النسبية لهذا القطاع، ويرجع الانخفاض الذي نسبته 2 في المائة في معدل إيجار الشقق بشكل رئيسي إلى الضغوطات على المناطق الثانوية مثل المدينة العالمية وواحة دبي للسيليكون والمناطق السكنية في دبي لاند. أما معظم المواقع الأخرى فشهدت حركة قليلة، على الرغم من تسجيل بعض المواقع الرئيسية نموا متوسطا.

أما في ما يتعلق بسوق المكاتب في إمارة دبي لـ«سي بي آر إي» للبحوث والاستشارات العالمية، فقد بقيت معدلات تأجير المكاتب في المناطق الرئيسية دون تغيير للربع الرابع على التوالي. وتراوحت معدلات تأجير المكاتب في الربع الرابع بين 1080 درهما إلى 1940 درهما لكل متر مربع - سنويا؛ شاملة رسوم الخدمات (تتراوح رسوم خدمات المكاتب بين 160 إلى 270 درهما لكل متر مربع سنويا، اعتمادا على التطوير) في وقت يتم فيه السعي نحو الجودة، مما أدى إلى تفوق المكاتب في المناطق التجارية المركزية خلال العام الماضي على باقي نطاق السوق.

وتمثل المكاتب الواقعة في المنطقة التجارية المركزية نحو 13 في المائة من مجمل موجودات دبي، وتبلغ معدلات الشواغر فيها نحو 15 في المائة، وهو رقم أقل بكثير من متوسط السوق. ودخلت خلال العام وحدات مكتبية جديدة تمثل نحو 58000 متر مربع إلى المنطقة التجارية المركزية، لتضيف بذلك بعض الضغط على معدلات الشواغر، ولكن ليس بما فيه الكفاية لإحداث تأثير على الإيجارات.