العقار الفاخر في مراكش يعيش «أزمة تسويق».. والمقاولون يغرون المشترين بتخفيضات وحوافز

المغاربة يؤجلون الشراء أملا في انخفاض الأسعار

TT

أدى ركود سوق العقار في مراكش خلال الأشهر الأخيرة إلى ظهور نوع من التنافس بين المقاولين العقاريين والشركات العاملة في القطاع، لتقديم عروض تتضمن تخفيضات في الأسعار تصل في بعض الأحيان إلى 40 في المائة، أو ابتكار إغراءات غير مسبوقة في مجال التسويق العقاري، بينها المشاركة في «قرعة» تمكن الفائزين من القيام برحلة إلى الديار المقدسة لأداء مناسك العمرة.

والمثير في الأمر أن التخفيضات والإغراءات، التي تقترحها بعض شركات العقار، على زبائنها، لم تنعكس إيجابيا على عملية البيع، لأن الكثيرين ظلوا يؤجلون قرار اقتناء مساكن، فقط، لأنهم يتوقعون انخفاضا أكبر في الأثمان، وإغراءات أكثر.

الحسين آيت يحيى، وهو موظف حكومي، يتقاضى مرتبا شهريا في حدود 1000 دولار، متزوج وأب لطفلين، فضل خلال أشهر «الانتظار والترقب عسى أن تنخفض أسعار العقار أكثر»، خصوصا بعد الحديث الذي صار يسمعه صباح مساء عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على سوق العقار في المغرب، بشكل خاص. ورغم أن آيت يحيى يعمل موظفا على الدرجة الـ11 وهي أعلى درجات السلم الوظيفي في المغرب، فإنه عاش السنوات الأخيرة في قلق وحيرة، وهو يتابع أخبار الصعود الصاروخي لأسعار العقار. لكنه يشعر اليوم بالارتياح وهو يلاحظ هبوط أسعار العقارات وكل ما يرتبط بالمعيشة في المدينة الحمراء، الشيء الذي يعني، حسب رأيه «بداية عودة مراكش إلى رشدها».

وكان انتقال آيت يحيى للعمل في مراكش، قبل أكثر من ثمانية أعوام، قد صادف بداية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المدينة الحمراء، وهي تحولات رافقها انفجار عمراني ودينامية متسارعة على مستوى اختيار وتفضيل هذه المدينة بوصفها وجهة للسياحة أو للسكن والاستقرار والاستثمار، الشيء الذي جعل أسعار العقار ترتفع بشكل صاروخي لتصل إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة. وليس آيت يحيى إلا نموذجا لعدد كبير من السكان، الذين يرون اليوم في الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على مستوى سوق العقار في مراكش، ما يشبه «طوق نجاة» يمكن أن يسعفهم، في نهاية الأمر، في اقتناء شقق تنقلهم من خانة المكترين إلى خانة الملاك.

وكان ارتفاع أسعار العقار قد جعل من المستحيل على كثير من سكان مراكش أن يجدوا ما يلائم رواتبهم وقدراتهم المادية، لذلك ظلوا على حالهم مكتفين بالسكن العائلي، أو استئجار شقق ارتفع مقابلها حتى بات يلتهم نصف الراتب، أو تجريب ما يعرف في مراكش بظاهرة «الرهن».

وفي الوقت الذي يطرح فيه البعض سؤال: هل انتهى عهد الطفرة العقارية في مراكش؟ يرى آخرون أن تراجع أسعار العقار، ربما يكون في مصلحة السوق، ما دام سيدفع بهذه الأسعار لأن تأخذ حجمها الحقيقي، فيما يرى آخرون إيجابيات أخرى لمثل هذا الوضع تتمثل، أساسا، في إمكانية ابتعاد المضاربين عن قطاع العقار، الشيء الذي ستتمخض عنه شروط أفضل للتملك.

وعلى عكس آيت يحيى وأمثاله ممن تنفسوا الصعداء بعد العودة التدريجية لسوق العقار إلى حالتها الطبيعية، يرى عدد من المراقبين أن أكبر متضرر من «الأزمة» التي يشهدها سوق العقار في مراكش يبقى المنعش (المطور) العقاري الذي اضطر، في وقت سابق، إلى اقتناء الأراضي بأسعار خيالية، قبل أن يجد نفسه عرضة لتداعيات الأزمة الاقتصادية، وما تمخض عنها من ركود وتراجع في أسعار المنتج.

وكانت الطفرة العقارية التي شهدتها مراكش في السنوات الماضية قد أدت إلى بروز نوعين من المنعشين (المطورين) العقاريين: المنعشون (المطورون) المهنيون، والمنعشون الموسميون، الذين دخلوا سوق العقار طمعا في الربح السريع، وهو دخول تمخض عنه ارتفاع الأسعار وتدني جودة العرض، مما جعل عددا من الرساميل تجمد في مشاريع منجزة لم تجد طريقها إلى التسويق.

ورغم الحديث المتزايد عن حالة «الاختناق» و«الأزمة» التي يعيشها القطاع، فإن عددا من المهنيين يدعون إلى التدقيق والتمييز عند الحديث عن مصطلح «الأزمة»، والتشديد على أن سوق السكن الراقي، فقط، هي المتضرر الأكبر على مستوى التسويق ما دام موجها للأجانب الذين تأثروا من حدة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تشهدها بلدانهم، دون نسيان تأثير هذه الأزمة على مشاريع المهاجرين المغاربة الذين يشكلون زبونا أساسيا في معادلة العرض والطلب في مراكش، بشكل خاص، والمغرب، بشكل عام.

وكانت أسعار سوق العقار في مراكش قد وصلت، حتى تفجر الأزمة العالمية، إلى مستوى غير معقول، إلى درجة أن أحمد توفيق حجيرة، وزير الإسكان والتعمير وصف الحالة وقتها، في حوار مع «الشرق الأوسط»، بأنه «ضرب من ضروب الجنون»، متوقعا أن «تعيد الأزمة العالمية سوق العقار في المغرب إلى رشدها وإلى أشياء إنسانية وطبيعية ومعقولة». لكن، اليوم، وبعد أقل من ثلاث سنوات على ما قاله حجيرة، يؤكد عادل بوحاجة، رئيس جمعية المنعشين العقاريين بمراكش (المقاولون العقاريون) ونائب رئيس الفيدرالية المغربية للمنعشين العقاريين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن سوق العقار بمراكش تخفف من الوتيرة الجنونية غير الطبيعية، التي شهدتها في السنوات الأخيرة، مشددا على أن «سوق العقار في مراكش لا تعيش (أزمة)، بل تعرف رجوعا إلى وضعها الطبيعي»، غير أنه استدرك بالقول إن «الحديث عن (الأزمة)، إذا جاز التوصيف، يتعلق، بمشاريع السكن الفاخر جدا الموجه إلى الأجانب، بشكل خاص، الذي يشهد مشكلا على مستوى التسويق، ما دام أن المعنيين به تأثروا بالأزمة التي تشهدها بلدانهم».

ويؤكد بوحاجة أن سوق العقار في مراكش «بدأت تستعيد عافيتها»، ملاحظا أن «الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أوروبا خلفت لدى الأوروبيين مناخا من عدم الثقة جعلهم يميلون اليوم إلى الاستثمار في سوق العقار بمراكش، لأنها تبدو لهم أكثر أمانا وثقة مقارنة بتوظيف الأموال في أوروبا، دون الحديث عن الامتيازات التي توفرها الدولة المغربية».

ويميز بوحاجة بين ما قبل 2010 وما بعدها، مشيرا إلى أن «الفترة ما بين 2008 و2010 كانت فترة عدم استقرار على مستوى أسعار العقار، قبل أن تستقر السوق وتأخذ منحى طبيعيا بعد 2010».

ولاحظ بوحاجة أن «المعاملات العقارية، في الوقت الراهن، تتم بشكل طبيعي»، غير أنه توقف عند ما سماه «إشكالات تؤثر على القطاع، تهم بالأساس الإجراءات الإدارية التي يتم العمل بها»، والتي قال إن بعضها يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، فضلا عن «مدونة التعمير التي ما زالت إلى حدود الساعة تحت قبة البرلمان»، مشيرا إلى أن مثل هذه الإشكالات تؤثر على سوق العقار، على المستوى الوطني، بشكل عام.

وعلى عكس توقعات عدد من المراكشيين بمزيد من التراجع في الأسعار، يتوقع بوحاجة أن ترتفع أسعار العقار في المستقبل القريب، ويرى أن «الوقت الراهن يبقى فرصة ذهبية لاقتناء سكن، في ظل عودة الأثمان إلى طبيعتها، وأخذا بعين الاعتبار ضعف الوعاء العقاري المخصص للبناء وعدم وجود أراض صالحة للبناء، الشيء الذي سيخل، مستقبلا، بميزان العرض والطلب ويؤثر على طبيعة العرض، في ظل توقعات بازدياد الطلب، مما يدفع الأثمان إلى الارتفاع مجددا».