بريطانيا تطور «لندن بريدج» .. منطقة ناطحة السحاب «شارد»

أكثر من مليار دولار رصدت للتطوير.. وشروط صارمة على المؤجرين «قبل الأولمبياد»

برج شارد يحدث ثورة معمارية في منطقة «لندن بريدج»
TT

تحاول مجالس لندن المحلية جاهدة نفي ما يعتقده بعض سكان لندن من أن الأولمبياد سوف تكون فرصة للربح السريع عبر تأجير العقارات لعدة أسابيع بمبالغ طائلة تعود عليهم بالربح الوفير أثناء فترة انعقاد الدورة الأولمبية في لندن هذا الصيف. وتعترف بلديات لندن بوجود الطلب الأجنبي المتصاعد على تأجير عقارات في لندن أثناء فترة الدورة الأولمبية، إلا أنها ترى أن الزائرين غير مستعدين لدفع آلاف الجنيهات في استئجار مساكن دون المستوى. وحتى إذا استطاع أصحاب العقارات العثور على مستأجرين، فعليهم أولا الحصول على تراخيص محلية، وإلا تعرضوا لغرامات باهظة.

وبخلاف هذا السباق المحموم على إيجار العقارات في لندن أثناء فترة الأولمبياد، فقد شهدت السنوات الأخيرة فترة استثمارات عقارية موجهة إلى استقبال المهرجان الرياضي المتوقع، وهي استثمارات يشارك فيها الاستثمار الأجنبي أيضا بقوة. وتشمل هذه المشاريع ناطحة سحاب جديدة في شرق العاصمة البريطانية.

وسوف يكتمل البناء في أكبر ناطحة سحاب في أوروبا قبل بداية الدورة الأولمبية هذا الصيف. هذه الناطحة تسمى «شارد» وتقع في منطقة «لندن بريدج»، شرق لندن، القريبة من موقع الأولمبياد. ومن المتوقع أن تكون إيجارات وأسعار شقق هذه الناطحة من أغلى العقارات على الإطلاق في المنطقة، خصوصا أثناء فترة انعقاد الدورة الأولمبية في لندن هذا العام. ويتركز الاهتمام حاليا على المنطقة المحيطة بناطحة السحاب؛ حيث يتم تطوير محطة «لندن بريدج» باستثمار حجمه 700 مليون جنيه إسترليني لكي تكون أكبر مركز تجاري في شرق لندن.

ويعتبر البعض أن مجالس لندن المحلية تفرض شروطا تعجيزية لتأجير العقارات للزائرين، وذلك بعد انتشار موجة عرض عقارات رديئة المستوى للإيجار بأسعار باهظة خلال فترة الأولمبياد بغرض الربح السريع. وسوف يتعين على من يرغب تأجير عقاره خلال فترة الصيف لفترة تقل عن 90 يوما الحصول على تصريح خاص، بشرط أن يكون ملحقا بكل غرفة نوم حمام خاص بها.

ومن المتوقع أن تغير الناطحة «شارد»، التي تلقب بأنها «مدينة رأسية»، من معالم لندن، خصوصا المنطقة المحيطة بها والقريبة من مواقع مسابقات الأولمبياد. وهي تفتتح حقبة جديدة في تاريخ التصميم العقاري في لندن على نحو ما فعله مبنى «كناري وارف» في أقصى شرق العاصمة منذ 20 عاما. وسوف تكون محطة «لندن بريدج» واحدة من كبريات محطات المواصلات في لندن؛ لأنها تربط خط «جوبيلي» الذي يتوجه مباشرة نحو القرية الأولمبية بكافة شبكات مترو الأنفاق في لندن وأيضا بشبكات السكك الحديدية، كما أنها تقع أسفل الناطحة «شارد» وتطل على منطقة مفتوحة (بلازا) بها الكثير من المنافذ التجارية وتسمى «لندن بريدج كوارتر». وهي منطقة سوف تتمدد باتجاه شرق لندن، لكي تضم الكثير من القاعات والاستوديوهات الفنية. وسوف يكون للناطحة تأثير إيجابي على قطاعات العقار في المناطق القريبة وحتى مسافة 10 أميال حولها. وتقع منطقة «برموندسي» المتوسطة ومنطقة «إليفانت أند كاسل» الفقيرة ضمن هذا الإطار التعميري الجديد.

ويسكن المنطقة بالفعل الكثير من الفنانين المعاصرين وصغار الطامحين إلى الشهرة الفنية، وتبلغ القيمة العقارية في المنطقة نحو 900 جنيه إسترليني للقدم المربع الواحد؛ بحيث يصل ثمن الشقة الصغيرة إلى 350 ألف جنيه إسترليني. وتوجد بعض المشاريع الحديثة التي تقدم شققا متكاملة الخدمات الجديدة التي تشمل مخازن مبردة للمواد الغذائية التي يتم تسليمها إلى العقار بعد طلبها بالإنترنت من شركات السوبر ماركت، وقاعة سينما لعرض الأفلام أو الأحداث الرياضية، وحديقة يابانية للاسترخاء.

وتستفيد المنطقة من زيادة الطلب من سكان بقية أنحاء لندن ممن يبحثون عن قيمة عقارية أفضل في مناطق جديدة وواعدة من العاصمة. ويعتقد هؤلاء أن تأثير «شارد» على المنطقة سوف يرفع الأسعار فيها بنسب أعلى من مناطق لندن الأخرى الباهظة أصلا. ويمكن للباحث عن عقارات رخيصة في لندن أن يجد عقارات جيدة النوعية بأقل من 200 ألف جنيه إسترليني في مناطق جنوب شرقي لندن، مثل منطقة «هيثر غرين» التي تبدأ الأسعار فيها من 189 ألف جنيه إسترليني.

ويقول جيمس سيلر، الرئيس التنفيذي لمجموعة «سيلر» التي تبني الناطحة: إن التأثير الجانبي للمبنى العملاق سوف ينعكس على المنطقة بأسرها. وهو يؤكد أن الجهود التي تبذلها مجموعة «سيلر» الآن تنصب على الحفاظ على الشخصية الاعتبارية للموقع والحفاظ على تراث المنطقة.

ويعتقد مشجعو المشروع من السكان المحليين أن المنطقة مقبلة على مرحلة تحول هائلة خلال السنوات الخمس المقبلة. من معالم هذا التغير ارتفاع قيمة العقار وزيادة موارد الدخل المحلي من العاملين في الناطحة وزوارها وزيادة الخدمات المتاحة لهم من المشاريع الجديدة التي تفتتح قرب الموقع، كما أن توسيع محطة القطارات سوف يشجع على الحضور إلى المنطقة إن لم يكن بغرض العمل أو المعيشة فسوف يكون كنقطة سياحية للاطلاع على معالم لندن من أعلى ناطحة سحاب فيها.

وسوف تتوافر مساحة 100 ألف قدم مربع من مساحات مخصصة للمنافذ التجارية على عدة طوابق ترتبط بمحطة القطارات. كما تظهر في الشوارع المحيطة عدة بنايات للاستخدام المختلط بين مكاتب ومساكن، بعضها حصل بالفعل على تراخيص بناء والآخر ينتظر دوره.

لكن هناك أيضا من يعترض على المشروع. من هؤلاء الكثير من هيئات الدعم الاجتماعي والجمعيات الفنية والثقافية التي اضطرت للرحيل من مواقعها القديمة بالقرب من محطة القطارات والتوجه لمواقع بعيدة تناسب إمكاناتها المحدودة. وتثير هذه الجمعيات المخاوف من أن أهل المنطقة الأصليين لن يستفيدوا من عمليات التطوير الجارية وقد يضطرون لمغادرة المكان إلى أحياء أخرى.

ومنذ بداية عمليات البناء حققت «شارد» الكثير من الأرقام القياسية بالفعل؛ فهي مثلا أول مشروع للمصمم الإيطالي رينزو بيانو في بريطانيا، وهو أول بناء يتم العمل فيه بالتوازي بين قلب المبنى وقشرته الزجاجية الخارجية في الوقت نفسه. وهو المبنى الوحيد الذي استمر فيه صب الإسمنت المسلح بلا توقف لمدة 36 ساعة ثم خلالها صب 5500 متر مكعب من الإسمنت الجاهز. وتقف على قمة المبنى حاليا أعلى رافعة في بريطانيا على ارتفاع 255 مترا.

يدخل الاستثمار الأجنبي بقوة في قطاع عقارات لندن، ويؤكد هذا التوجه خبير العقار في شركة «نايت فرانك» جون كيندي الذي أشار إلى أن نصف الاستفسارات الأجنبية عن الاستثمار في شرق لندن يأتي من الصين. والسبب هو أن هؤلاء المستثمرين يعرفون بالخبرة كيفية تحول السوق العقارية بفضل الدورة الأولمبية السابقة في بكين، وهم يعتمدون على خبرتهم من استضافة الصين للدورة الأولمبية السابقة.

وتؤكد تقارير أخرى من شركة «سافيل» أن 35% من المستثمرين في المشاريع العقارية الجديدة في لندن، سواء في شرق المدينة أو في مناطق أخرى، هم من الصينيين. ويأتي الصينيون إلى لندن لعدة أسباب، أهمها: توقع ارتفاع الأسعار مع الدورة الأولمبية، ولأن العملة الصينية (اليوان) تتمتع بسعر صرف جيد إزاء العملات الحرة الغربية، وأيضا بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لتضييق مجال المضاربات على العقارات الصينية، الأمر الذي دفع بالاستثمار العقاري الصيني للخروج عبر الحدود. ويركز الصينيون في استثماراتهم على كل من بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وهونغ كونغ.

وفي شرق لندن المتاخمة لمنشآت الدورة الأولمبية، ما زالت المنطقة تعاني في الوقت الحاضر فجوة أسعار تبلغ نحو 20% بالمقارنة مع متوسط أسعار غرب لندن. وينصح الباحث في شركة «سافيل»، لوسيان كوك، بأن الاستراتيجية المضمونة هي في اختيار التوقيت الجيد للبيع. فالبيع قبيل انعقاد الدورة هذا الصيف وقبل وصول دفعات العقار الجديد إلى المنطقة، يمكن أن يحقق أرباحا. والبديل هو الشراء والانتظار حتى يتم استيعاب جميع العقارات والمشاريع الجديدة التي يجري العمل فيها حاليا. لكن لا يجب الانتظار طويلا بعد الدورة الأولمبية؛ لأن التأثير بعيد المدى غير معروف بعد.

وتشير أبحاث قامت بها شركة «نايت فرانك» أيضا إلى أن 42% من جميع العقارات الجديدة في لندن تقام في منطقة شرق لندن ولها علاقة بالدورة الأولمبية؛ حيث تراهن شركات العقار على تأثير هذه الدورة في تشجيع الأسعار والمبيعات. وتترجم هذه النسبة إلى عدة آلاف من العقارات السكنية التي يجري العمل فيها، بالإضافة إلى آلاف التراخيص العقارية بالبناء التي صدرت في المنطقة حتى الآن. وقد لا يتم بناء بعض هذه الوحدات نظرا للوضع المالي المتدهور وصعوبة الحصول على التمويل اللازم.

وتقول كيت إيلز، مديرة قطاع التأجير في شركة «هامتونز»: إن الشائع عن تحقيق ثروات أثناء فترة الأولمبياد ليس حقيقة وإن الواقع مختلف تماما. كانت الشركة قد افتتحت مؤخرا قسما للإيجار الرياضي الخاص بالأولمبياد لخدمة الطلب المتنامي على هذا القطاع في لندن. وهي تعتقد أن الطلب الأولمبي سوف يتركز على العقارات التي لا تبعد أكثر من 20 دقيقة بالمواصلات العامة عن موقع الأولمبياد. وهي تفضل المواقع القريبة التي تقع على خطوط المترو المباشرة المتصلة بالقرية الأولمبية. وسوف تكون الشقق هي الخيار العقاري المفضل.

وتتوقع إيلز أن تتضاعف أسعار الإيجار في لندن ثلاث مرات أثناء فترة الدورة الأولمبية، لكن هناك بعض التكاليف المصاحبة لتأجير العقار والتي يجب أن تؤخذ في الحسبان.

وعبرت بعض المجالس المحلية في أحياء لندن عن مخاوفها من ظهور «فنادق مؤقتة» لتأجير الغرف بالأسبوع أثناء الأولمبياد، ولذلك أصرت على تقدم السكان بطلب ترخيص لتأجير العقارات لفترات أقل من 90 يوما. ويتكلف الحصول على الترخيص نحو 400 جنيه إسترليني، وهو أمر صعب.

وتتعقب المجالس المحلية مؤجري العقارات دون الحصول على تراخيص لفرض غرامات باهظة عليهم تصل إلى 20 ألف جنيه إسترليني مع سجل «سوابق» إجرامي. ويؤكد مجلس ويستمنستر أنه سوف يمنع، بقدر المستطاع، نشاط تأجير العقارات المؤقت بأسعار باهظة لاستغلال زوار لندن وتحقيق مكاسب سريعة على حساب سمعة العاصمة.

وحتى استخدام شركات تأجير محترفة للتغلب على هذه العقبات القانونية سوف يكون مكلفا؛ لأن الشركات رفعت نسبة عمولتها خلال الأولمبياد إلى 25% من قيمة الإيجار مقابل إدارة العقار طوال فترة التأجير. وعلى صاحب العقار تحمل استخراج وثيقة سلامة للأدوات المنزلية التي تعمل بالغاز الطبيعي، مع إجراء اختبارات سلامة للأدوات الكهربائية أيضا. ولا بد من الحصول على موافقة من البنك إذا كان العقار يخضع لقرض عقاري.

ومن أجل الحصول على إيجارات عالية لا بد أن يكون العقار من الدرجة الأولى بتجهيزات حديثة ومعلومات عن المنطقة المحيطة بالعقار. وبعد دفع جميع التكاليف قد يجد المستثمر أن إيراده الصافي قد انخفض إلى النصف، وأن عليه أن يدفع ضرائب على هذا النصف من الإيجار وأن يجد لنفسه مأوى خلال فترة تأجير العقار. وقد يصل في النهاية إلى قرار أن البقاء في العقار أسهل وأوفر.

ومع ذلك بدأت بوادر موجة جديدة من الوكالات العقارية التي تعد أصحاب العقارات بإيجاد مستأجرين يدفعون نقدا للبقاء لعدة أيام في العقارات، لكن هذه الشركات لا تقدم أي دعم في حالات الوقوع في مخالفات قانونية. ويمكن لهذه المخالفات أن تقع في حالات مثل شكوى السكان من الضوضاء، وعندها سوف يواجه المستثمر القانون والعقوبات وحده.

وتتيح الحكومة إمكانية إيجار غرفة في منزل عائلي مع إعفاء ضريبي يصل إلى حدود 4250 جنيها سنويا. ولا يحتاج المؤجر في هذه الحالة إلى أي من الشروط المطلوبة لتأجير عقار كامل. ويمكن لصاحب العقار في هذه الحالة أن يفرض الشروط ومعدل الإيجار الذي يراه مناسبا بلا عقوبات ما دام يسكن في العقار نفسه طوال الوقت.