مكاتب «حي المال» والأحياء التجارية في لندن تتحول إلى شقق فاخرة

المالكون يستغلون الحاجة إلى السكن الفاخر والارتفاع الجنوني في أسعار إيجار الوحدات الحديثة

جانب من منطقة باربيكان التي يجري فيها تطوير وحدات سكنية فاخرة
TT

يستغل المطورون العقاريون وشركات العقارات في لندن الحاجة الماسة للسكن الراقي والحديث في قلب لندن وارتفاع أسعار الإيجارات في المواقع الاستراتيجية من الأحياء التجارية وتحول الكثير من المكاتب في حي المال وأحياء تجارية أخرى إلى شقق. وبالتالي سيزداد عدد الذين يقيمون بين المصارف وشركات التأمين في قلب لندن خلال السنوات المقبلة وسط احتمال تأجير مبانٍ لمالكين من أجل تحويل المكاتب إلى شقق فاخرة.

كذلك تعتزم شركات التنمية العقارية ومنها: «إكسا ريال ستيت إنفيستمينت ماندجيرز» و«بيركلي غروب هولدينغز» و«هيرون إنترناشيونال» بناء منازل في قلب منطقة حي المال البريطاني الذي يحوي مؤسسات الخدمات المالية في بريطانيا، التي تعرف باسم «سكوير مايل» بعد شراء مبانٍ تجارية في تلك المنطقة. ويقول أنتوني دوغان، رئيس أبحاث العقارات في «ديلويت إل إل بي»: «هناك صراع على المباني المستخدمة على أطراف المدينة. سيكون هناك عدد من التطورات بحثا عن بدائل».

وزاد الطلب في لندن على تقليص عدد المكاتب بعد أن قللت المصارف الوظائف في المملكة المتحدة أكثر من أي دولة أخرى العام الماضي. ومن المتوقع أن تنخفض الإيجارات في مدينة لندن بنسبة 4% خلال العام الحالي، بينما كان من المتوقع أن تزداد بنسبة 6.1% على حد تصريح مصرف «جي بي مورغان تشيس» في 11 يناير (كانون الثاني) الماضي. وستنخفض القيمة بمقدار 7.3% العام الحالي على حد قول المصرف. وتسعى «أكسا» إلى الحصول على مكاتب قديمة أو مواقع في منطقة «براونفيلد» الواقعة على أطراف هذه المنطقة التجارية لتحويلها إلى شقق سكنية. وحسب وكالة «بلومبيرغ» تعتزم شركة «بيركلي» تجديد مبنى مهجور للمكاتب بالقرب من مورغيت وتحويله إلى مبنى سكني يضم 90 شقة سكنية. وتعمل «هيرون» في بناء برج سكني مكون من 36 طابقا بالقرب من باربيكان، وتخطط شركة «هاميرسون» لبناء 253 شقة بالقرب من محطة ليفربول ستريت.

وتراجعت الوظائف في منطقة سكوير مايل بنسبة 8.5% العام الماضي، وسوف تبقى على مستويات عام 1988 حتى عام 2014، بحسب مركز أبحاث الأعمال والاقتصاد. ويمنح تقليص المساحة الطاعنة في السن المستأجرين في المدينة قوة أكبر على التفاوض على الإيجارات مع مالكي الوحدات التي تستخدم كمكاتب فارغة قديمة. ويعود إنشاء نحو 54% من مساحات المكاتب في مدينة لندن وأطرافها إلى أكثر من 15 عاما مضت، وهو ما يعني أنه لا يمكن تسويقها كـ«وحدات جديدة» بحسب بحث صادر عن «دي تي زد هولدينغز». وربما يختار بعض مالكي العقارات تأجير مساحة فقط من أجل تفادي الهجوم على المباني الشاغرة، على حد قول مايكل ماركس، الرئيس التنفيذي لشركة «ديفيلوبمينت سيكيورتيز» خلال مقابلة. وأضاف: «أشعر بقوة هذا التوقع مع مرور الوقت».

وتطالب حكومة المملكة المتحدة منذ أبريل (نيسان) 2008 مالكي المكاتب بدفع ضرائب عمل تعادل تلك التي عادة ما تكون مستحقة للمستأجرين، على المباني التي تظل شاغرة لمدة تزيد على الأشهر الثلاثة. وتعتزم شركة «أكسا» بناء منازل ومكاتب تقدر قيمتها بـ100 مليون جنيه إسترليني (158 مليون دولار)، على حد قول هاري بادهام، مدير التنمية العقارية في المملكة المتحدة، في مقابلة. وتستهدف الشركة، التي تدير عقارات تقدر قيمتها بـ40 مليار يورو (52.4 مليار دولار) مباني ومواقع في كليركنويل وفارينغدون وشورديتش. وأوضح بادهام: «قد يكون تحويل المباني القديمة إلى مبانٍ سكنية هو الطريق نحو القيمة». وستتم مشتريات الشركة بأموال صندوق «ديفيلوبمينت فينشير III» الذي تم الضخ فيه حتى هذه اللحظة 588.5 مليون يورو من أجل شراء عقارات في أنحاء أوروبا، على حد قوله. ويتولى صندوق «أكسا ريال ستيت» بناء مبنى إداري في فيرست سانت بول بالقرب من الكاتدرائية يتضمن منازل بمساحة 10 آلاف قدم مربع (929 مترا مربعا) وكذلك مكاتب بمساحة 60 ألف قدم مربع ووحدات منفصلة بمساحة 20 ألف قدم مربع، على حد قول شركة تأمين في بيان نقلته وكالة «بلومبيرغ».

وقال بادهام: «تزداد قيمة العقارات بفضل التوجه إلى بناء الوحدات السكنية». وأوضح أن قيمة المنازل في سانت بول ازدادت على المكاتب بنسبة تتراوح بين 10 و15%. وربما تحتفظ شركة «أكسا» بالشقق وتؤجرها إلى أصحاب الشقق المفروشة. وتتراوح أسعار المنازل في مدينة لندن بين 650 و1350 جنيها إسترلينيا للقدم المربع، على حد قول نيل تشيغويدين، مدير أبحاث الوحدات السكنية في شركة «جونز لانغ لا سال» في أكتوبر (تشرين الأول). ويعد سعر القدم المربع في نايتسبريدج هو الأعلى في لندن؛ حيث يصل إلى 2007 جنيهات إسترلينية ويليه سعر القدم المربع في بيلغرافيا الذي يبلغ 1982 جنيها إسترلينيا، ثم سعر القدم المربع في مايفير الذي يبلغ 1960 جنيها إسترلينيا على حد قول شركة السمسرة «سافيلز» في تقريرها عن شهر أكتوبر (تشرين الأول).

ويبلغ متوسط مساحة الشقة المكونة من غرفتين في المملكة المتحدة نحو 800 قدم مربع (74.3 متر مربع) بحسب بيانات عام 2008 الصادرة عن جمعية «ناشينوايد بيلدينغ». ويعني هذا أن سعر شقة بهذه المساحة في مدينة لندن يتراوح بين 520 ألف جنيه إسترليني و108 ملايين جنيه إسترليني، بحسب تقديرات شركة «جونز لانغ».

وارتفعت أسعار الشقق الفاخرة في وسط لندن للشهر الرابع عشر على التوالي كان من بينها شهر ديسمبر (كانون الأول)، على حد قول نايت فرانك في 9 يناير، وهو ما جعل تحويل الوحدات إلى منازل أكثر جذبا لمالكي المباني الشاغرة. وحصلت شركة «بيركلي»، التي تعد الأكبر في المملكة المتحدة بحسب القيمة السوقية، على موافقة بتجديد مبنى المكاتب «رومان هاوس» الذي يقع بالقرب من مورغيت ليصبح مبنى سكنيا يتكون من 90 شقة في ديسمبر. وتبحث الشركة عن المزيد من المباني الشاغرة أو الأراضي في براونفيلد لتحويلها إلى منازل، على حد قول بيرز كلانفورد، المدير التنفيذي لشركة «بيركلي غروب هولدينغز» في مقابلة. وقال كلانفورد: «تبحث المدينة عن موطئ قدم وعن مكان للإقامة خلال الأسبوع. يعمل الناس لساعات طويلة، وهذا هو الهدف الذي نسعى إليه في تسويقنا».

ووفر تجديد مبنى «رومان هاوس» الذي يتضمن جدارا رومانيا محميا بدلا من بناء مبنى جديد 6 أشهر على شركة «بيركلي». وترى شركات التنمية العقارية الأخرى أن المواقع بحاجة إلى هدم وإعادة بناء؛ لأن تخطيطها لا يناسب المنازل. وقال لين باركر، رئيس المكاتب الأوروبية في شركة «ديفيس لانغدون» التي تعمل في مجال استشارات العقارات: إنه عندما تصل تكاليف التجديد إلى نحو 160 جنيها إسترلينيا لكل قدم مربع، تكون مكافئة لتكلفة تنمية موقع. وأضاف: «البيئة ملائمة أكثر للتجديد. يبدو أن هناك توافقا بين التكاليف والأموال التي يتم توفيرها وجدول الاستمرار في العمل والتخطيط».

وهدمت شركة «هيرون» محطة إطفاء خلال هدمها مبنى «براربيكان سنتر» من أجل بناء البرج السكني «ذا هيرون» المكون من 36 طابقا. ويبعد المشروع أقل من كيلومتر (0.62 ميل) عن مشروع «بيركلي» وتستهدف «هيرون» تشييد مبنى تتوقع أن يكون سعر القدم المربع به نحو 1600 جنيه إسترليني. وستكون جودة المباني السكنية الجديدة أفضل من المكاتب القديمة التي ستتحول إلى منازل، على الرغم من صعوبة الحصول على ترخيص بناء، على حد قول بول تشيشير، أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في كلية لندن للاقتصاد. وقال تشيشير في مقابلة بالجامعة: «ينبغي أن تُبنى منازل في المقام الأول لتفادي وجود منازل أو شقق من الطبقة الثانية. ربما يجعل نظام التخطيط هذا الأمر صعبا».

أطراف سكوير مايل أكثر ملاءمة للسكن من وسط لندن؛ لأن المنازل سوف تعقم المنطقة المحيطة، على حد قول كين شاتل وورث، من «ميك أركيتيكتس». وسوف يحق للسكان منع أي بناء في المستقبل يحجب عنهم الشمس، وهذا سيقلل من قيمة المباني في الجوار. وتتطلع شركة «بروكفيلد أوفيس بروبيرتيز»، أكبر مالكة للمكاتب في لور مانهاتن، لشراء مباني مكاتب مهجورة في مدينة لندن من أجل تحويلها إلى شقق، على حد قول مارتن جيبسون، نائب الرئيس للتنمية العقارية والاستثمار في الشركة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها.

وقال إيان ماريس، أحد الشركاء في مشروع «نايت فرانك» السكني: «المكاتب المترددة هي التي ستوفر مساحات سكنية في المستقبل. هناك نقص حاد في عرض المنازل المبنية حديثا في وسط لندن». وبدأ أصحاب العقارات، منذ عام 2007 وحتى عام 2011، في تحويل 19 مبنى تجاريا في سكوير مايل إلى منازل بحسب بحث أجرته (سافيلز) و(لندن ريزيدنشال ريسيرش). وتم الانتهاء من 14 مبنى من تلك المباني وبيعت كل الشقق التي بها» على حد قول «سافيلز». ويتم بناء اثنين من خمسة مشاريع تحت الإنشاء. وقال لوشان كوك، مدير أبحاث الإسكان، في مقابلة الأسبوع الماضي: «لا يتضمن سجل الأراضي مؤشر الوحدات السكنية في المدينة لقلتها، وتعد الندرة من أهم العوامل التي تزيد الأسعار في منطقة وسط لندن».

وبلغ عدد المقيمين في مدينة لندن، التي حددت منطقة باربيكان فقط لتكون محلا للوحدات السكنية، حتى منتصف عام 2010، 11677 شخصا، بحسب المكتب القومي للإحصاءات. وقال، في مقابلة: «نرغب في أن يكون لدينا المزيد من الوحدات السكنية. إن الأمر يتعلق بالتوازن والتأكد من عدم إعاقة الوحدات السكنية الصغيرة لأماكن العمل».

وأجلت شركة «هاميرسون»، ثالث أكبر شركة تنمية عقارية مساهمة في المملكة المتحدة، خططها لبناء مبنى للمكاتب في برينسيبال بليس على أطراف المدينة بعد بحث تأجير جزء من المبنى إلى «سي إم إس كاميرون ماكينا» قبل أن تفشل عملية البناء، بحسب ما أوضح بيان في 16 يناير الماضي. وتم إلغاء المشروع حتى لا يتعرض حاملو الأسهم إلى «خطر كبير»، على حد قول الرئيس التنفيذي لشركة «هاميرسون»، ديفيد أتكينز، في بيان. ولا تزال الشركة تخطط لبناء برج سكني يتكون من 253 شقة بالقرب من محطة قطار ليفربول ستريت وتجري محادثات مع شركات من أجل الاشتراك في بناء البرج. من تلك الشركات: «مانهاتن لوفت كوربوريشن»، على حد قول رئيس مجلس إدارتها هاري هاندلسمان.

وأوضح هاندلسمان، الذي خطط لتحويل مبنى مهجور في كينغز كروس إلى فندق فخم ووحدات سكنية: «إنها فرصة رائعة؛ فالأبراج لا تزال جديدة على مدينة لندن. إنها طريقة للحفاظ على توسع المدينة التي بحاجة إلى تبني نموذج البنايات الشاهقة».