العقارات التونسية تعود إلى «ربيع الارتفاع».. بعد تأثرها بـ«ربيع الثورة»

سعر المتر المربع بالمناطق الراقية وصل إلى 700 دولار

TT

تخضع سوق العقارات في تونس إلى العرض والطلب مثلها مثل باقي الأسواق، إلا أن الثورة التي شهدتها البلاد منذ نحو السنة قلبت الكثير من المعادلات؛ فالكثير من التونسيين والأجانب أصبحت تغريهم العقارات التونسية خاصة من خلال تمتع البلاد بالمناخ المعتدل وموقعها القريب من مختلف الأسواق الأوروبية، إلى جانب الاعتدال النسبي لأسعار المتر المربع، وكذلك العقارات السكنية الجاهزة. وتتجه أسعار العقارات بصفة عامة نحو الارتفاع نتيجة ارتفاع الطلب من قبل من أكثر من طرف.

وتؤكد أحدث الإحصاءات التي قدمها المعهد الوطني للإحصاء، ارتفاع أسعار المساكن التونسية المخصصة للكراء، وشهدت أسعارها نسبة ارتفاع لا تقل عن 4.6 في المائة حتى شهر أغسطس (آب) الماضي. ويبدو أن تدفق التونسيين من مختلف الجهات إلى العاصمة للعمل أو الدراسة قد رفع أكثر تلك الأسعار.

وأشار فوزي العيادي المختص في المجال العقاري، إلى أن أسعار العقارات والمساكن متجهة نحو الارتفاع، إلا أن المساكن ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي التي تباع للطبقات الفقيرة والمتوسطة ستحافظ على أسعارها في إطار سياسة الحكومة، في حين أن أسعار بقية العقارات، خاصة ذات الطابع المميز في المناطق السياسية وفي الأحياء الراقية المحيطة بالعاصمة والمدن الكبرى، قد تشهد بعض المصاعب نتيجة عدم توفر رصيد عقاري كاف لتلبية كل الطلبات.

وكانت أسعار المنازل السكنية قد بلغت في العاصمة التونسية وضواحيها ما بين 120 و180 ألف دينار تونسي (ما بين 90 و130 ألف دولار أميركي) وهو ثمن يدفع لشقة لا تتجاوز مساحتها 85 مترا مربعا. ووصل سعر المتر المربع الواحد من العقارات وسط العاصمة وبعض المناطق الراقية مثل ضفاف البحيرة وأحياء النصر، إلى نحو ألف دينار تونسي (قرابة 700 دولار أميركي)، بينما في الضاحية الشمالية والجنوبية الواقعة على البحر، فإن سعر المتر بلغ ما بين 300 و450 دينارا تونسيا (أي ما بين 200 و300 دولار أميركي).

ويشهد الفائض الوطني من المساكن بصفة عامة نموا سنويا لا يقل عن 22 في المائة. وتوجد نسبة 93 في المائة من أنشطة المطورين العقاريين في تونس العاصمة ونابل وسوسة وصفاقس. وتواصل المؤسسات الحكومية المعنية بالسكن الاجتماعي توفير منازل سكنية للفئات ضعيفة الحال، حيث أظهرت إحصاءات خاصة بالوكالة العقارية للسكن أن نحو 167 ألف وحدة سكنية تم تشييدها منذ عشرين عاما لصالح 800 ألف تونسي معظمهم في أحياء شعبية في العاصمة وبعض الولايات الكبرى.

وفي هذا الصدد، يقول طارق الشعبوني، صاحب وكالة عقارية، إن سوق العقارات في تونس قد استعادت انتعاشتها بعد ثورة «14 يناير (كانون الثاني)» وذلك بسبب ارتفاع طلب التونسيين بالخارج على العقارات. وعدد الشعبوني مجموعة من العقبات قال إنها لا تزال تعوق سوق العقارات؛ من بينها على وجه الخصوص نقص الأراضي المعدة لبناء العقارات، وتراجع رصيد الأراضي المحيطة بالعاصمة وبقية المدن الكبرى، إلى جانب عدم وجود أمثلة للتهيئة العقارية، وطول المدة التي يقضيها المالك للحصول على تراخيص البناء. ويرى الشعبوني أن تراجع أسعار العقارات غير ممكن في الوقت الحاضر، وذلك نظرا لارتفاع طلبات البناء في مناطق عدة من تونس، ونمو طبقة اجتماعية متوسطة تطمح بوسائل عدة للحصول على «قبر الحياة»، على حد تعبيره.

وتفيد إحصاءات وزارة التجهيز والإسكان أن قطاع العقارات في تونس شهد تطورا من حيث عدد المساكن، وبلغ عددها نحو 2.889 مليون مسكن حتى نهاية السنة الماضية. ويفيد المعهد الوطني للإحصاء أن نحو 80 في المائة من التونسيين يملكون منازل، وتؤكد تلك المعطيات أن التونسيين لا يعانون من وجود أزمة في السكن، بل من غلاء أسعار العقارات السكنية والأراضي.

وفي تعليقه على سوق العقارات، قال المنصف الكعلي، رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين، وهو أحد الخبراء بسوق العقارات، إن 7 في المائة فقط من التونسيين لهم القدرة المالية على شراء مسكن ودفع المبلغ نقدا، وذلك بالنسبة للمساكن التي قد يقدر ثمنها بنحو 200 ألف دينار تونسي (نحو 140 ألف دولار أميركي)، في حين أن 15 في المائة فحسب من التونسيين بإمكانهم التوصل لامتلاك المساكن المتراوحة تكلفتها بين 100 و150 ألف دينار تونسي (ما بين 70 و100 ألف دولار أميركي) وذلك بالاعتماد على القروض البنكية.

وقال فيصل المسعدي، الخبير في الشؤون العقارية، إنه في الوقت الراهن هناك انتعاشة كبرى على مستوى سوق العقارات في تونس، وإنها قد تشهد مستقبلا زاهرا وذلك خلافا لما كان في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي؛ حيث كانت أغلبية العقارات اجتماعية تشيدها الدولة وتعرضها بأسعار مخفضة للطبقات متوسطة المداخيل. ويضيف أن العقارات في تونس تتجه نحو البناء على الطراز الحديث، عبر تحسين البناء الهندسي للمنازل السكنية والاعتماد على الهندسة المعمارية المتطورة، وهو ما ينعكس على أسعار المساكن والعقارات.

وكان صندوق النهوض بالمساكن لفائدة المؤجرين الذي أنشئ سنة 1977 ويخضع لإشراف وزارة التجهيز، قد ساهم في تمويل 10 آلاف مسكن اجتماعي بيع منها نحو 98 في المائة. وتتراوح أسعار المساكن الاجتماعية التي يعرضها الصندوق بين 35 و50 ألف دينار (ما بين 25 و35 ألف دولار أميركي).