الإيجارات تعود إلى الواقعية في أبوظبي

التدفقات النقدية على القطاع العقاري خففت من آثار الأزمة

TT

قد يكون القطاع العقاري في العاصمة الإماراتية أبوظبي لا يحظى بذات الاهتمام الذي يحظى به القطاع في إمارة دبي، فيما قد يعود السبب في ذلك إلى أن الصدمة التي أصيب بها القطاع في أبوظبي كانت أقل وطأة من تلك التي ضربت دبي لأسباب كثيرة سنأتي على ذكرها، لكن هذا لا يعني أن قطاع العقارات في أبوظبي تضرر كغيره، لكنه بدأ يتلمس الطريق إلى التعافي وتحديدا في قطاع التأجير حيث أصبحت نظرة أصحاب العقارات أكثر واقعية ومرونة، يأتي ذلك وسط الظروف الاقتصادية العالمية الطاحنة، والمخاوف المسيطرة على منطقة اليورو من جراء أزمة الديون، وتصاعد حدة التوتر السياسي في بعض دول الشرق الأوسط، لكن أبوظبي تعزز مجددا من وضعها كأحد الأجواء المستقرة للأعمال لما أضافته لرصيدها من عام مثمر حافظت فيه على نمو اقتصادي ثابت حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي في الإمارة لعام 2011 نحو 4.5%.

ومن المتوقع أن يصل معدل النمو في أبوظبي عام 2012 إلى 5% في ظل الانتعاش الاقتصادي السريع. كما برهنت الحكومة على التزامها برفع إسهام الناتج المحلي الإجمالي في القطاعات غير النفطية من خلال الاستثمار المستدام في قطاعات البنية التحتية والتعليم والصحة والسياحة مما ساعد على تحسين الأداء الاقتصادي على مدار العام الماضي وانعكس بالتالي على سوق العقارات فلجم جموح الأسعار وحافظ على حالة من الاستقرار المهيأة لكل الاحتمالات سواء انخفاضا أم ارتفاعا.

وأظهرت المشاريع الرئيسية في أبوظبي مثل جزيرة الصوة، جزيرة السعديات ومشاريع شاطئ الراحة ريادة من حيث القيمة، وبالتوقف عند جزيرة الصوة على وجه الخصوص، نجد أنها تحظى باهتمام من المطورين المحليين والدوليين، وذلك لموقعها كالقلب التجاري الجديد لسوق أبوظبي للأوراق المالية. وبالإضافة إلى ذلك، فبعض المواقع في جزيرة الريم (مثل مارينا سكوير، أبراج Sun and Sky) قد ولدت اهتماما كبيرا للمستثمرين والعملاء على حد سواء، ورغم أنه من الواضح أن مناطق أخرى لا تزال غير متطورة، مما يضع مزيدا من الضغط على القيم، أما فيما يتعلق بقطاع التأجير فما زالت الوحدات السكنية عالية الجودة التي تقع في مواقع رئيسية تواصل الاستمتاع بأسعار إيجار قوية وزيادة في الطلب من شريحة العملاء الراقين، يأتي ذلك وسط وجود طلب كامن قوي على الوحدات السكنية بأسعار معقولة، مما يوفر فرصة ممتازة للمستثمرين بحسب المتحدث الرسمي لـ«سي بي ريتشارد إيليس» فتلقى الدعم القوي الذي أبدته الحكومة لتطوير هذا القطاع غير المستغل.

ولكن هل تحسن الإقبال على المشاريع غير الجاهزة (على المخطط) في أبوظبي بعد مرور سنوات عدة على الركود الذي أصاب القطاع بفعل الأزمة المالية العالمية؟ يجيب المتحدث الرسمي لـ«سي بي ريتشارد إيليس»: «لا للأسف، مع فوائد عالية مصاحبة للمشاريع عند اكتمالها أو قرب إتمامها، إن الإحباط وخيبة الأمل التي يعاني منها عدد من المستثمرين في هذه المشاريع لعدم تسليم المنتجات في الموعد المقرر يقلل من جاذبيتها».

في مقابل ذلك يشهد قطاع الإيجارات حالة من الاستقرار، ويقول المتحدث الرسمي «لاحظنا بالفعل استقرار الإيجارات ولا سيما بالنسبة للعقارات ذات الجودة عالية، في حين أن الاتجاه العام هابط لإيجارات المكاتب والعقارات السكنية. ويعتمد معدل الانخفاض بشكل واضح على الجودة الشاملة للعقارات، مع توقع أن تعاني العقارات ذات الجودة المتدنية بشكل أكبر، لأن السوق لا تزال متأثرة بمبدأ (الكفاح من أجل الجودة)».

أما العقارات ذات الجودة العالية (تصنيف أ) والتي يتم إدارتها بشكل محترف فستتمكن من مقاومة التباطؤ في السوق. من خلال استمرار اكتمال المشاريع المتعددة وزيادة العرض، سيجد ملاك العقارات أنفسهم في وضع أكثر صعوبة في تأمين المستأجرين والحفاظ على نسبة إشغال معقولة. إن مواصفات البناء وتوفير المرافق من بين الاعتبارات المهمة للتغيرات في أسعار الإيجار. وهذا واضح مع العقارات الجديدة والتي تتمتع بإيجارات أعلى من المباني القديمة التي تقع على نفس الموقع.

وعلى الرغم مما يشهده قطاع المساكن من تواصل في الانخفاض الضئيل لمعدلات الإيجارات، تبدو السوق أكثر ثباتا عما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي. إلا أن تأخر تسليم الوحدات خلال عام 2011 ساعد على إثارة الجدل حول الحد من وطأة بداية ضغوط انكماشية أقوى، ومع وضع ذلك في الاعتبار تتجه التوقعات نحو حدوث انخفاض أكبر هذا العام.

ومع كم التطور الظاهر على صعيد تسليم العقارات خلال عام 2012، نتوقع استمرار انخفاض الإيجارات، رغم اعتدال مستوى الانخفاض مقارنة بالعام السابق، وبحسب أحدث تقرير لـ«سي بي ريتشارد إيليس» حول أداء القطاع في الربع الرابع فقد انخفض معدل إيجارات المساكن في أبوظبي بنسبة 4% عما حققه في الربع الثالث و16% مقارنة بعام 2010. وقد كان الانخفاض أوضح في جزيرة أبوظبي الرئيسية حيث انخفضت النسبة المسجلة في الربع الأخير من العام إلى 5% مقابل انخفاض 30% مقارنة بالعام الماضي. ويعزى ذلك إلى ضعف البنية التحتية لوسائل المواصلات والمرافق ووسائل الرفاهية المتاحة التي تعد من العوامل المساهمة في اتساع الفجوة بين الوحدات الواقعة في الجزيرة وتلك الموجودة بالضواحي.

ويسهم النقص الحاد في عرض الفيللات في أبوظبي في رفع إيجار الفيللات بالأماكن الرئيسية على الأقل على المدى القريب، وينحصر المطروح مستقبلا في الوحدات الصغيرة والمتوسطة، ومنها بلوم غاردنز وباتين بارك، علاوة على الوحدات الخاصة الجديدة المعروضة في محيط منطقة مدينة خليفة، أما عن الشقق، فلا يوجد كم كاف من الشقق المعروضة ذات المستوى الجيد في بنايات مركزية مدارة بصورة مناسبة، وخاصة تلك القريبة من المرافق ووسائل الراحة والمدارس. ويظهر ذلك جليا في قرب مناطق الأعمال المعروفة مثل الخالدية والمركزية.

وتتجه التوقعات إلى الجانب الإيجابي في إمارة أبوظبي، مدعومة بأسس اقتصادية شاملة راسخة، وموقف مالي قوي، وأجواء سياسية مستقرة. ورغم التوقعات الأكثر إيجابية للاقتصاد بصفة عامة، فإن مخاطر التراجع لا تزال قائمة من جراء التسليم الوشيك لعدد كبير من الوحدات العقارية الجديدة للقطاعين السكني والتجاري. وفيما يبدو ورغم تحقيق بعض التقدم، لا تزال أبوظبي تحتاج إلى جهود كبيرة لتوفير سياسات عقارية مهمة جدا. إن الغالبية العظمى من السكان الحاليين والمستثمرين المحتملين من الأجانب تصبح القضايا المتعلقة بقوانين الملكية وتأشيرات الإقامة وحماية الاستثمارات من الضروريات في من أجل تحقيق الاستقرار في السوق .

ويرى إلخبير في «سي بي ريتشارد إيليس» أنه و«لفترة طويلة، كان اللاعبون الرئيسيون في سوق العقارات في انتظار توفير تشريعات لضمان الأمن والاعتراف بحقوق الملكية ذات الصلة. وتعمل لوائح العقارات بمثابة أدوات أساسية للعمل بكفاءة، وتوفير أسس عادلة وآليات فعالة للمشترين والبائعين تساعدهم على الانخراط في صفقات طويلة الأمد». مع الوصول الوشيك لمزيد من مشاريع التملك الحر في السوق، تصبح الحاجة أكثر إلى وجود قوانين ملكية أساسية لتحفيز أنشطة السوق، وزيادة المشاركة من المستثمرين الدوليين.

ويبقى تأثر القطاع العقاري في أبوظبي بأزمة المال العالمية أقل مما شهدته إمارة دبي حيث تأثرت أبوظبي بشكل أقل من دبي بسبب قوة التدفقات النقدية في العاصمة وقدرتها على توفير الدعم المادي في جميع القطاعات العقارية. رغم ذلك، تباطأت الأنشطة والمعاملات العقارية بشكل ملحوظ في أبوظبي. وبالإضافة إلى ذلك، يلاحظ وجود نهج في الإمارة للتنمية أكثر نظاما بالمقارنة مع معدلات النمو التي شهدتها دبي. ساعد في تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي (الديون الخارجية خاصة والقروض المصرفية) عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في أن تكون أقل تأثرا بالأزمة.