هل حان وقت الاستثمار في العقارات الأميركية؟

بافيت: لو أتيحت الفرصة فسوف أشتري 200 ألف عقار

العقارات الأميركية ستشهد انتعاشا قريبا؟
TT

تزداد قناعة خبراء العقار في أن السوق الأميركية وصلت إلى قاع التراجع، وأن مؤشرات الاستقرار واستعادة النمو بدأت تظهر هذا العام مما يتيح فرصا مجزية للاستثمار في هذا القطاع قبل معاودة الأسعار ارتفاعها. وصرح المستثمر الأميركي المشهور وارين بافيت للإعلام الأميركي في الأسبوع الماضي أنه يفضل العقار في المرحلة الحالية عن الأسهم وأوصى بتوجيه نسبة كبيرة من استثمارات صندوق الاستثمار الذي يديره إلى قطاع العقار. وعندما سئل بافيت عن عدد العقارات التي ينوي شراءها في السوق الأميركية قال: «لو أتيحت الفرصة فسوف أشتري 200 ألف عقار!»، لأن السوق على وشك دخول مرحلة النمو.

وقد يشجع مثل هذا التصريح في حد ذاته على الإسراع بنمو سوق العقار الأميركية مع زيادة الطلب. وهناك الكثير من الخبراء الذين يشاركون بافيت الرأي، خصوصا أن أسعار العقار الأميركي تراجعت حتى الآن بنسبة 33% عما كانت عليه في ذروة انتعاشها في عام 2006، وبالمقارنة فإن العقار البريطاني تراجع بنسبة 11% خلال الفترة نفسها. وتقول المؤشرات الإحصائية الأميركية إن تراجع الأسعار في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بلغ 3.9%، وهي نسبة تدن قياسية. ولكن مؤشرات شهر يناير (كانون الثاني) الماضي تبدو مشجعة حيث ارتفع عدد الصفقات التي تمت بنسبة 4.3% بينما صعد عدد الصفقات التي تجري حاليا بنسبة 2%.

وتوافق هذا النمو مع تحسن مستويات أداء الاقتصاد ومعدل النمو الاقتصادي الأميركي في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 3% ارتفاعا من تقديرات بنحو 2.8%. كما ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي إلى مستوى 13000 نقطة للمرة الأولى منذ بداية الأزمة المالية.

ويؤكد هذه المؤشرات الاقتصادي المتخصص في السوق الأميركية بول ديلز من شركة «كابيتال إيكونوميكس»، فهو يعتقد أن حقائق السوق تشير إلى نهاية فترة انهيار قطاع العقار، بحيث تستعيد السوق نموها في غضون شهور من الآن. وبالمقارنة فإن خبراء العقار في بريطانيا يقدرون أن العقارات على هذا الجانب من المحيط سوف تتراجع بنسبة 5% هذا العام وبمثلها في العام المقبل. وتقول شركة «كابيتال إيكونوميكس» إن أسعار العقار الأميركي مسعرة بأقل من قيمتها بنسبة 23% بالعلاقة مع مستويات الدخل، وبنسبة 10% بالمقارنة مع مستويات الإيجار. وبالمقارنة، فإن أسعار العقار البريطاني تظل أعلى من قيمتها الحقيقية بنسبة 19% بالعلاقة مع مستويات الدخل، وأعلى بنسبة 25% بالمقارنة مع مستويات الإيجار.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة مرت سوق العقار الأميركية بأسوأ فتراتها على الإطلاق، وكان الجانب الأسوأ فيها هو مصادرة العقار التي تعثر أصحابها في دفع أقساط قروضها. وبلغ عدد هذه العقارات نحو 4 ملايين منزل أو نسبة 3% من إجمالي حجم السوق.

ويقول أوليفر غريغسون من بنك باركليز إن مؤشرات عودة النمو تبدو واضحة من عدة عوامل مثل إصدار تراخيص البناء ونشاط بناء العقارات الجديدة بالإضافة إلى عدد الصفقات المنجزة. ومع ذلك فهو يعترف أنه لا يرى أملا في انتعاشة قوية تحدث خلال العام الجاري. فهناك عدد مماثل، أي 3 ملايين عقار أخرى، مهددة بالسقوط في فخ المصادرة، كما أن الطلب العقاري ما زال خاملا بسبب وجود نحو 20% من المقترضين مكبلين بقروض أعلى قيمة من عقاراتهم، وهؤلاء بمثابة سجناء لقروضهم العقارية.

أيضا، أبدت بعض جهات البحث، مثل موقع إلكتروني اسمه «بروبرتي كرمبل»، الكثير من التشاؤم إزاء أسعار العقار الأميركي خلال عام 2012. ويقول باحث على الموقع إن السبب الوحيد الذي منع سقوط الأسواق في العامين الأخيرين هو بقاء أسعار الفائدة على معدلاتها المتدنية تاريخيا. ويعتقد الباحث أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يعيد النظر في أسعار الفائدة بهدف رفعها في الربع الأول من عام 2013. ولكنه لم يحاول أن يتكهن بأثر ذلك على أسعار العقار الأميركي حينذاك، نظرا لغياب الكثير من المؤشرات الأخرى مثل حالة الاقتصاد الأميركي ومستويات البطالة ومعدلات الأجور السائدة.

وهو يشير إلى أن بقاء أسعار الفائدة منخفضة إلى ذلك الحين هو لأسباب سياسية تتعلق بانتخابات الرئاسة في نهاية العام الجاري، وأيضا لمنح البنوك فرصة استعادة التوازن بعد إنقاذها من كارثة الإقراض اللامسؤول. ويستنتج الموقع أن الاستثمار الأفضل في عام 2012 ما زال هو إيداع النقد في حسابات توفير مصرفية أو الدخول في مشاريع استثمارية أخرى غير العقار.

ومع ذلك يقدم موقع «زيلو» العقاري صورة أكثر إيجابية وواقعية من التوقعات المتشائمة حيث يقول خبراء الموقع إن السوق الأميركية سوف تصل إلى قاع هبوط الأسعار خلال عام 2012، ولكن ليس معنى هذا عودة الصعود مرة أخرى بعد بلوغ القاع، وإنما البقاء لعدة سنوات بمستويات متدنية من النمو حتى يتم استيعاب كل جوانب الأزمة سواء من فوائض العقار أو من رواسب الديون المصرفية.

ولا ينفي الموقع واقع سوق العقار الأميركية الصعب حيث يعترف بأن القروض المتعثرة بلغت نسبة قياسية قدرها 28.4%، وأن مليوني عقار دخلت مرحلة المصادرة بينما 1.5 مليون عقار أخرى تعد في خطر لتأخر أقساطها بأكثر من 3 أشهر. ولم تعد مصادرة العقار تقتصر على الطبقات الفقيرة وإنما امتد إلى قطاع الإسكان المتوسط الذي تزيد فيه القروض عن ربع مليون دولار. وتعترف البنوك التي استعادت ملكية العقارات المصادرة أنها تحاول تعويض خسائرها في أسرع فرصة ممكنة، وهي تبيع نسبة 37% من العقارات بأسعار أقل من قيمة القروض.

ويقول تقرير من موقع «ريالتي تراك» الأميركي إن أسوأ الولايات التي تعاني من مشاكل الديون الرديئة هي أريزونا وكاليفورنيا وميتشيغان. ولكل منها أسبابه الخاصة، ففي ميتشيغان كان التأثير السلبي الأكبر هو من تراجع صناعة السيارات في الولاية. ويرى الزائر آثار الأزمة واضحة في عقارات مهجورة وأخرى معروضة للإيجار بأسعار زهيدة لا تتعدى 200 دولار في الشهر. ويشكو أهالي هذه الولايات بأن سقوط عقار واحد في براثن الديون والمصادرة يؤثر سلبيا على أسعار بقية العقارات القريبة منه. وينتج عن هذا التأثير حلقة مفرغة من عقارات تتراجع في قيمتها وسقوط المزيد من أصحاب هذه العقارات في فخ «القيمة السلبية» أي الديون التي تزيد عن قيمة عقاراتهم.

من الصعوبات الأخرى التي يفرضها هذا الواقع في الأسواق هو ما تقوله شركة «لونغ آند فوستر» العقارية في بلدة كيترينغ، القريبة من واشنطن، فالأسعار في المنطقة تتراوح بين 220 ألف دولار و299 ألف دولار لمنازل متطابقة بثلاث غرف نوم في منطقة لا يفصل بينها غير عدة شوارع فقط. والسبب أن هناك عقارات مصادرة وأخرى تباع بالمزاد وثالثة يريد أصحابها التخلص منها ثم أخيرا تلك التي تعرض للبيع العادي. وتجد شركات العقار صعوبة جمة في تقدير قيمة العقارات المعروضة للبيع في المنطقة مع أن تقدير القيمة هو من صميم عملها.

ويقول مدير شركة «فوستر» العقارية ألن ووكر إن أحد العملاء اشترى منزلا في المنطقة منذ عام واحد بمبلغ 245 ألف دولار ويريد بيعه حاليا بمبلغ 235 ألف دولار لكي يتخلص من القرض العقاري ويدفع المستحقات عليه ويخرج من العملية بلا أرباح. ولكن نصيحة الشركة العقارية له أن السوق في هذه الظروف لن تتيح له فرصة بيع منزله بالمبلغ المطلوب وأن عليه أن يتحمل الخسارة.

ويضيف ووكر أن بائع العقار غير مضطر لمجاراة أسعار العقارات المصادرة، ولكنه إذا كان في منطقة فيها الكثير من هذه العقارات المعروضة في السوق، فلن يكون أمامه خيار آخر سوى البيع بسعر مماثل أو أقل لما حوله. وشجع هذا المناخ المشترين في السوق على طلب حسومات كبيرة الحجم حتى في حالات البيع غير الاضطراري.

وكما هو الحال في بريطانيا، فإن العقبة هي في التمويل. فالبنوك تعلمت الدرس ولا تقرض الآن إلا بحساب. فمن يريد قرضا لعقار قيمته 275 ألف دولار عليه أن يثبت أن دخله لا يقل عن 100 ألف دولار سنويا. ولكن أسعار عقارات المدخل في السوق تزيد عن هذا الحد بينما معدلات الأجور لا تزيد عن 70 ألف دولار سنويا للأسرة في المدن الصغيرة. وهذه الفجوة تعني أن أزمة التمويل ما زالت مستمرة حتى تتعادل مستويات أسعار العقارات مع معدلات الدخل.

ويعتقد ووكر أن جانبا من المشكلة هو عناد أصحاب العقارات الذين يرفضون البيع بأسعار مخفضة، ويضيف: «هؤلاء ما زالوا يعيشون في عام 2005!». أما الجانب الآخر فهو أن المشترين أيضا يعيشون في الماضي، فبعضهم يريد الشراء من دون أن يتكبد عناء توفير نسبة 10% من ثمن العقار. والبنوك من ناحيتها ترفض أيضا بعض العروض التي تأتيها على عقارات معروضة للبيع لتجنب المصادرة، وتصر على أسعار قريبة من قيمة القروض. وهذا الإصرار يدفع العقارات أحيانا نحو المصادرة وفي تلك الحالات تقل أسعارها عما كان معروضا فيها قبل المصادرة.

ولكن هذه الأوضاع لم تؤثر على بوادر الانتعاش العقاري الذي ترصده أيضا عدة جهات من بينها مواقع إلكترونية تحاول اكتشاف أفضل مواقع النمو العقاري الأميركي هذا العام. ومن بين النتائج التي توصلت إليها بعض المواقع ونشرته مطبوعات أخرى من بينها «بزنس ويك» أن أفضل المواقع العقارية نموا في الوقت الحاضر هي مواقع المدن الصغيرة التي لم تتأثر بالفقاعة العقارية. ويقارن الموقع أسعار المواقع المختارة خلال الربع الثاني من هذا العام مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي.

وعلى رأس القائمة كانت مدينة بولدر في ولاية كولورادو التي يقول عنها التقرير إنها تحتوي على أكثر أسواق العقار ضمانا في الوقت الحاضر بتوقعات نمو مطردة. وتشير الإحصاءات من مدينة بولدر إلى أن نسبة 53.4 في العقارات السكنية فيها زادت قيمتها خلال العام الأخير، وبمتوسط ارتفاع بلغ نحو 2.1% سنويا. وتضم المدينة جامعة كولورادو التي يدرس فيها عدة آلاف من الطلبة الأميركيين والأجانب.

ومن العوامل التي تساهم في تعزيز قيمة مساكن بولدر أن الجامعة توفر الكثير من الفرص الاستثمارية لتأجير المساكن، كما أن الجامعة نفسها توفر بعض الوظائف المضمونة. وتطبق المدينة شروطا قاسية في تطوير العقار كما تحيط نفسها بشريط أخضر ممنوع البناء عليه. وتتمتع المدينة بجمال طبيعي يزيد من الإقبال السياحي عليها. وتقول مصادر جامعية إن كل عام أكاديمي يقبل على الجامعة نحو 5 آلاف طالب، ولكنهم في نهاية العام الدراسي لا يرغبون في الرحيل! من الغريب أن مدينة نيو أورلينز التي دمرها إعصار كاترينا منذ عدة سنوات تقع في المركز الثالث على لائحة أفضل أسواق العقار الأميركية. والسبب كما يقول تقرير «بزنس ويك» هو نشاط البناء الذي يجري فيها بدعم حكومي، ويزداد أيضا الطلب العقاري في المدينة مع عودة المرحلين من مناطق كانت تغمرها مياه الفيضان في عام 2005. وفي الوقت الذي تعاني فيه مدن أميركية أخرى من ارتفاع شديد في معدلات البطالة، فإن البطالة في نيو أورلينز لم ترتفع إلا بمعدل 0.2% خلال العام الماضي، بينما زادت في بعض القطاعات مثل قطاع البناء.

من المدن الأخرى التي سجلت نتائج جيدة كانت مدن تضم أكاديميات عسكرية مثل فايتفيل، نورث كارولينا، ومدن جامعية وصغيرة أخرى. وتشترك كل المدن الواعدة في أنها تتمتع باقتصادات قوية ومتنوعة ومعظمها يضم جامعات، كما أنها لم تستفد كثيرا من فقاعة العقار السابقة. وقد تكون المؤشرات الإيجابية غير كافية في الدلالة على انتعاش اقتصادي حقيقي في الولايات المتحدة، ولكنها على الأقل تشير إلى أن فرص الاستثمار والنمو أضحت سانحة الآن وأن الوقت المناسب لدخول السوق قد يكون وصل بالفعل.