«مراهنة خطرة» على عقارات التجزئة في مانهاتن تنتهي بنجاح

بعد ثماني سنوات من الركود.. الحيوية تعود لمركز «تايم وارنر»

جانب من الحي التجاري وسط مانهاتن
TT

بعد ثماني سنوات من افتتاح مركز التسوق البراق في مركز «تايم وارنر»، ومظاهر الإحباط التي كانت تحيط بقطاع العقارات التجارية في نيويورك، تعود عجلة الانتعاش للدوران من جديد في هذا القطاع. ويبدو من الواضح أنه لن نكون مبالغين لو قلنا إن المراهنة على الاستثمار في مركز التسوق الضخم المؤلف من خمسة طوابق في نيويورك، ستحقق أرباحا ضخمة وكانت صحيحة على الرغم من المخاطر والمحاذير.

ويلاحظ أن مكتبة «بوردرز»، التي تبلغ مساحتها 26.000 قدم مربع، استأجرت المتر المربع بقيمة 1.600 دولار للقدم المربع، وهو ما يمثل زيادة في الإيجار عن مبلغ الـ1000 دولار للقدم المربع الذي تحقق بعد وقت قصير من افتتاح المركز التجاري، بحسب مجموعة «ريليتيد كومبانيز»، التي تولت مهمة إنشاء مركز التسوق والشريك في ملكية شركة «إيه آر إي إيه بروبرتي بارتنرز». وقد قامت شركة «ريليتيد» بالفعل بشغل جزء من مساحة «بوردرز».

وقد تم تصميم المطعم الممتد تحت الأرض «هول فودز» ومطاعم مشاهير الطهاة أمثال توماس كيلر، وجون جورجز فونجوريكتون، وماسا تاكاياما، بالطابق العلوي، بشكل متراص لجذب المتسوقين بالأعلى وبالأسفل عبر أرجاء مركز التسوق. ويعرف هذا الصف من المطاعم باسم «شوبس آت كولومبوس سيركل». غير أن متخصصي تجارة التجزئة تساءلوا عما إذا كان المركز سيجذب سكانا أو سائحين اعتادوا على التسوق في الشارعين الرئيسيين: فيفث أفينيو وماديسون أفينيو، وهالة الأناقة الشديدة المميزة لضاحية تغليف اللحوم.

ويعتبر حجم المبيعات لكل قدم مربع في تلك الطرق أكبر بكثير، وكذلك الإيجارات، بحسب ريتشارد بي هودوس من «سي بي آر إي» الذي وصف مركز تسوق «تايم وارنر» بأنه «أحد أكثر مراكز التسوق ربحا في الولايات المتحدة». وفي العام الماضي تفقد نحو 16 مليون زائر المركز، بواقع 40.000 زائر يوميا في المتوسط. ويصنف أكثر من نصف المتسوقين أنفسهم بوصفهم سكانا محليين، كما تعمل نسبة 24 في المائة إضافية في العقار أو بالقرب منه. أما بقية المتسوقين فهم سائحون، ومعظمهم من الخارج.

وفي الوقت الذي قد يروق فيه لشركة «ريليتيد» أن تشهد عددا أكبر من السائحين، فإن نسبة المقيمين الذين يتسوقون بهذا المركز التجاري قد خالفت التوقعات. وقال جوش بوديل، مسؤول تنفيذي سابق في شركة «جونز نيويورك» التي تدير شركة الاستشارات «بوديل ريال ستيت أدفيزورز»، إنه قد «اندهش بشكل كبير» من حجم النشاط بالطوابق العليا من المركز. وقال: «تاريخيا، لا يجدي هذا الشكل نفعا» في نيويورك.

وذكر مايكل لوموناكو، المالك الرئيسي لـ«بورت هاوس نيويورك»، مطعم لحوم الاستيك الذي يضم 250 مقعدا، والذي تم افتتاحه بالطابق العلوي من المركز في عام 2006 بعد إغلاق «مستر فونجيريكتون الخامس»، وهو مطعم فرنسي متخصص في لحوم الاستيك، أنه كان منبهرا بتأثير القطاع التجاري المعتمد على جذب عملاء جدد من بين الزائرين الذين يتفقدون المتاجر، لدرجة أنه سيفتتح حانة تضم 50 مقعدا في وسط الردهة الموجودة في الطابق الرابع في بداية الخريف.

«لقد أثبت مركز (تايم وارنر) خطأ المقولة القديمة القائلة بأن سكان نيويورك لن يصعدوا للطوابق العلوية للتسوق»، هذا ما قاله لوموناكو، الذي أدار متجر «ويندوز أون ذي وورلد» في مركز التجارة العالمي لمدة أربع سنوات قبل إنشاء المبنى، وأمضى تسع سنوات في «كلاب 21». ويضيف: «جزء كبير من ضيوفنا يأتي بشكل مباشر دون وسيط». لقد بذلت شركة «ريليتد» جهدا تسويقيا مصحوبا باتجاه متعمد للتأجير. وتنظم مجموعة التسويق نحو 200 حدث في متاجر ومطاعم المركز سنويا، كما تجري ترتيبات لإقامة معارض فنية ومعارض للصور الفوتوغرافية تجذب بدورها أيضا الزائرين. غير أن جوهر العمل (جذب مجموعة ثابتة ومتزايدة من المتسوقين) يعتمد على إصلاح بيئة تجارة التجزئة.

وقال باكو أندرهيل، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيروسيل»، شركة استشارات التجزئة ومؤلف كتاب «نداء مركز التسوق» (The Call of the Mall) وغيره من الكتب الأخرى الشهيرة عن تجارة التجزئة، إن ثمة فارقا كبيرا بين تشغيل مركز تجاري وبين الأسلوب «الشمولي»، فعلى عكس الأسلوب «الشمولي»، الذي تكون فيه شركات التنمية العقارية أقل تقيدا بالانتقائية في اختيار مستأجريها، يوضح أندرهيل أن «المركز التجاري يتطلب كثيرا من قرارات التأجير».

ويلعب أسلوب المحاولة والخطأ دورا حتميا، فإلى جانب متجر «هول فودز»، الذي حقق رواجا فوريا، تركزت الجهود الأولى للمركز على شركات تجارة التجزئة الراقية، مثل شركة تصميم الأحذية «ستيوارت فايتسمان» ومتجر الساعات والإكسسوارات «جي دبليو كوبر» في تورنيو.

وفي حين قد أثبتت مثل تلك الشركات نجاحها، فإن «ريليتد» اكتشفت أنه من خلال مواكبة الاتجاهات السائدة بصورة أكبر، مع كونها عملية مكلفة نسبيا، استطاعت علامات تجارية مثل «جيه كرو» و«سيفورا» و«سبيريت» أيضا إحداث نوع من الرواج. ومن بين الأسماء الأخرى لشركات التجزئة الفاخرة المسايرة للاتجاهات العصرية «هوغو بوس» و«كول هان» و«إيلين فيشر»، إضافة إلى «كوتش» و«ويليامز سونوما».

بالطبع، كانت هناك أخطاء. كانت هناك مكتبة «بوردرز»، و«سامسونغ إكسبرينس» الممتدة على مساحة 10.000 قدم مربع، وهي عبارة عن صالة عرض لمحبي الإلكترونيات تقدم منتجات للعرض ولكنها ليست للبيع، فضلا عن العلامتين التجاريتين الأوروبيتين «يونايتد كولورز أوف بنيتون» و«سيسلي». وقد غادرت شركات التجزئة الأربع المذكورة، بالإضافة إلى شركات أخرى، مواقعها. وتقول شركة «ريليتد» إن لديها مساحة 28.000 قدم مربع بحوزتها، إلى جانب 20.000 قدم تعتزم الاستحواذ عليها بعد إخلائها من قبل شركات أخرى. وتقول إنه ستتاح لها مساحة 20.000 قدم إضافية خلال عامين. ربما يكون إفلاس «بوردرز»، الذي خلف لشركة «ريليتد» عقد إيجار لن يصبح ساري المفعول قبل خمس سنوات، فجوة سوداء طويلة الأجل في قطاع تجارة التجزئة، في الوقت الذي قامت فيه شركة «ريليتد» وغيرها من الدائنين الآخرين بمقاضاتها في محكمة إفلاس.

وقال آر ويبر هودسون، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «ريليتد إربان»، ومدير قسم تطوير العقارات متعددة الاستخدامات بالشركة: «حينما رأينا إشارات دالة على أن مكتبة (بوردرز) تخرج من نطاق التجارة، تمكنا من السيطرة على المساحة قبل أن نقع في شرك إجراءات دعوى الإفلاس، حيث فقد ملاك الأراضي السيطرة». وأضاف: «وقت نظر الدعوى أمام المحكمة، كنا قد أبرمنا اتفاقنا بالفعل». ورفضت شركة «ريليتد» الخوض في مزيد من التفاصيل. وقالت كينيث هيميل، الرئيس التنفيذي لشركة «ريليتد إربان»، إن عمليات افتتاح المتاجر الجديدة تسمح لشركة «ريليتد» أيضا بإعادة النظر في سجل تجارة التجزئة الخاص بها. وقد تعاقدت شركة التنمية العقارية بالفعل مع «سي ووندر»، متجر الملابس والأثاث، من خلال «جيه كريستوفر بورش»، الزوج السابق للمصممة توري بورش، للحصول على ثلث مساحة «بوردرز». وقال هيميل، الذي أسس شركة «ريليتد إربان» في عام 1997 مع ستيفن إم روس، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «ريليتد»، إنه يتوقع إنشاء بعض المتاجر متعددة المستويات بمزج بقية مساحة متجر «بوردرز» بمساحة «سامسونغ» الشاغرة أعلاه.

ورفضت شركة «ريليتد» التعليق على تقرير يفيد بأن متجر التجزئة السويدي المتخصص في الأزياء «إتش آند إم» قد وافق على تأجير نحو نصف مساحة «بوردرز». وتضم المساحات الشاغرة مساحة 4.500 قدم مربع تعتزم شركة «سيفورا» تركها للانتقال إلى المتجر الذي تبلغ مساحته 8.700 قدم مربع، والذي أخلته للتو شركة «سبيريت» يوم الاثنين، بعد أن أغلقت تلك الشركة منافذ البيع بالتجزئة التابعة لها بمختلف أنحاء العالم.

وفي أوائل أبريل (نيسان)، سيفتتح «إل كيه بينيت»، متجر ملابس النساء الكائن في لندن، أول فروعه في نيويورك على مساحة 2.100 قدم مربع. ونقل «جي كرو» مؤخرا خط ملابس الرجال إلى متجر منفصل في المركز لتوفير مساحة لمتجر «كرو كتس»، الممتد لمساحة 3.300 قدم مربع، الذي يقدم ملابس للأطفال كجزء من المتجر الأصلي الكائن في الطابق الثالث.

وقال بوديل، المتخصص في تقديم الاستشارات، إن النجاح سيأتي بتحدياته الخاصة. على سبيل المثال، يمكن أن تقل المساحة المتاحة. وقال: «نحن نلاحظ هذا طوال الوقت». وأضاف: «إذا رغب المستأجرون في توسيع المساحة، فسوف ينتقلون لمناطق أخرى». غير أنه أضاف أن الخيارات المتاحة في إطار البعد المذهل لمركز «تايم وارنر» محدودة. وقال: «المنطقة الأخرى الوحيدة المتاحة هي ماديسون أفينيو وفيفث أفينيو». وأضاف: «إنهما بعيدان جدا، إنها ليست منافسة حقيقية».

* خدمة «نيويورك تايمز»