الاستثمارات الأجنبية تتدفق على شقق باريس ذات المواقع الاستراتيجية

بعض الأثرياء يدفعون 20 ألف يورو للمتر المربع في سان لوي وسان جيرمان

TT

في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا التعافي من مصاعبها المالية بعد خسارتها تصنيفها الائتماني الممتاز، لم تتوقف الأموال عن التدفق بشكل كلي إلى الاقتصاد الفرنسي وأغلبها في مجال العقارات. فلا تزال العقارات تثبت أنها الاستثمار الآمن والدائم، خاصة في العاصمة الفرنسية، حيث ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 2.7 في المائة خلال الربع الثالث من عام 2011 ضمن زيادة بلغت 19 في المائة خلال العام الماضي، وهو ما يجعل الشقق في وسط المدينة من بين أغلى الشقق في العالم.

لكن على الرغم من مواصلة الأثرياء دفع مبالغ ضخمة من الأموال (تزيد على 20.000 يورو للمتر المربع) في المناطق الرئيسية مثل إيل سان لوي وسان جيرمان، فإن الطلب يتزايد في مدينة تضيق التشريعات على المباني الجديدة، حيث يضج وسط المدينة بالسكان، بحسب توماس إليسيان، بشركة «باريس أتتيود فنت»، في تقرير عن العقارات نشر في صحيفة «ذا ديلي تلغراف» البريطانية. ويدفع هذا التزايد على الطلب في النهاية المصالح باتجاه الأحياء التي لم تستغل بشكل كثيف، ويقول توماس «الإيجارات العالية، والرهن العقاري الذي يصل إلى 30 عاما، والفائدة المنخفضة إلى حد، عوامل بعيد تدعم مصلحة المستثمر. لكن المشترين الأجانب الذين يبحثون عن شيء أكبر وأفضل يرغبون بشدة في البحث عن أحياء أحدث إذا ما تمكنوا من التوصل إلى اتفاق تمييزي».

وتشير سارة فرانسيس، المديرة الإدارية لوكالة «سيفكس»، ومقرها لندن، إلى أن بعض المناطق في الأحياء الواعدة دائما ما تقدم عائدات أعلى «فقد ارتفعت الأسعار في الدائرة العاشرة الأكثر رواجا بنسبة 10 في المائة العام الماضي، حيث وصل سعر المتر المربع لنحو 7.200 يورو. وكان أغلب الطلب على الشقق ذات الغرفتين أو الثلاث غرف في المباني التي أعيد تجديدها في وسط المدينة أو الضاحية التي يسهل الوصول منها إلى محطة قطارات باريس».

ويضيف مستشار العقارات فيليب ميناجير، في التقرير الذي نشرته صحيفة «ذا ديلي تلغراف»: «منطقة بوت أو كاي في الدائرة الثالثة عشرة ومنطقة كايومونت بدأتا في الدخول ضمن الأحياء الأكثر جذبا، والتي تحظى بعدد وافر من المتاجر الباريسية الأصيلة والمقاهي والمطاعم. وتصل الأسعار في الدائرة 13 لنحو 6.960 يورو للمتر المربع. وتأتي الشقق في المنطقة التاسعة عشرة بأسعار تنافسية أيضا، تصل إلى 5.780 يورو للمتر المربع».

بيد أن المستثمرين الذين يشترون هذه الشقق بهدف طرحها للإيجار، قد يعيدون التفكير في هذه الخطط أيضا، إذا ما تم تطبيق القانون الخاص بالشقق السكنية قصيرة المدى. فيقول ماثيو كاني، من وكالة «سيكستانت بروبريتيز»: «منذ عام 2005 كان من غير القانوني تأجير شقة سكنية في أي مدينة فرنسية يزيد عدد سكانها على 200.000 نسمة من دون عقد إيجار تجاري لمدة عام. وكان عدد قليل من الأفراد يدركون ذلك حتى العام الماضي، عندما قرر المسؤولون في باريس اتخاذ إجراءات صارمة إزاء تزايد المخاوف بعدم توافر المنازل، ورخص أسعارها في العاصمة. ولا يعلم أحد طبيعة النتائج، لكن بعض مالكي المنازل يحاولون التصرف بحذر عبر التحول إلى الإيجارات طويلة الأجل التي تزيد على عام. فيما يخوض آخرون معارك قانونية من تغيير الوضعية القانونية للشقق إلى تجارية، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى لا شيء».

وفي ما يتعلق بأداء السوق خلال الشهور القادمة، يرى فيليب ميناغير أنه «لن يحدث تغيير كبير، مقارنة بالعام الماضي. وعلى عكس الكثير من المدن المنافسة، تعتبر باريس الأكثر رواجا، حيث تحظى العقارات الفاخرة بالعديد من العروض والطلبات، وربما تظل كذلك لبعض الوقت». ويتقدم المناطق التي تشهد إعادة تجديدها حي شمال غراند بوليفارد الذي يحيط بمحطة غار دو نورد ومحطة باريس الأولى، في الدائرة العاشرة، وحي الطبقة العاملة حتى الثلاثينات، حيث تستقبل بعض النوادي الليلية مطربين مشاهير من أمثال إيديث بياف، وماوريسي شيفاليه. والآن يتدافع القطاع الخاص لاقتناص قطع الأراضي الصالحة للتنمية المزدوجة الإيجارية والسكنية. ويشير فرانك غرانو، من شركة «جون تايلور» للعقارات، إلى تحول منطقة محطة باريس الأولى التي يقطنها ما يزيد على مليون شخص إلى منطقة جاذبة على نحو متزايد للأثرياء.

ويأتي على رأس قائمة المواقع الجاذبة للاستثمار في باريس منطقة كانال سان مارتين ذات المناظر الخلابة، والمناطق الواقعة على أطراف هذه الواجهة الممتدة بطول أربعة كيلومترات التي ظلت لعقود مكانا للمستودعات البحرية، والشقق الفاخرة التي يصل سعر المتر المربع فيها إلى 8.000 يورو. وتقول سيلفي تيسو، من شركة «بويسون إيموبيلي»: «يحب الوافدون الجدد الإحساس المجتمعي والإضافات الحديثة إلى مزيج المدارس القديمة». في الوقت ذاته أعيد تجديد المنطقة المتجهة إلى الغرب وشارع ماغنتا الذي يصطف بالأشجار بممرات لراكبي الدراجات، ويصل سعر المتر المربع فيه إلى 7.463 يورو، ليصل سعر الشقة الاستوديو إلى 150.000 يورو، أما الشقة ذات الغرفتين والصالة فتصل إلى 350.000 يورو، فيما تصل الشقة المكونة من ثلاث غرف نوم إلى 700.000 يورو.

* الدائرة السابعة عشرة

* وقد وضعت الحكومة المحلية خططا لتطوير الدائرة السابعة عشرة حول منطقة باتينولي إبينت والمناطق المحيطة بها، وتُعد لإحداث طفرة في تطوير القطاع الصحي خلال السنوات الخمس القادمة. أما المنطقة الصناعية السابقة التي غلبت عليها مناظر المصانع والمخازن، فتم تحويل الجزء الأول منها إلى متنزه حافل بالمناظر الطبيعية، وجرت إعادة تجديد العديد من المناطق السكنية، وعززت ذلك روابط المواصلات إلى وسط باريس.

ويقول ماثيو كاني «المباني التي صممها المهندس المعماري هويسمان والعديد من المربعات السكنية ومباني السفارات والساحات الخضراء تجعل المنطقة أكثر جذبا للإقامة فيها. والمناطق التي يصل سعر المتر المربع فيها إلى نحو 7.700 يورو هي جزء من تلك الأحياء الراقية في الدائرة السادسة عشرة، لكن تأثيرها آخذ في الزوال، خاصة في المنطقة المحيطة بقصر تيرني بشققها ومقاهيها الأكثر عصرية. ومن بين أكثر الأماكن طلبا Place Monceaux القريبة من مونسيو بارك للعائلات والمهنيين الشباب».

وفي الدائرة الخامسة عشرة التي كانت حي الطبقة العاملة حتى أواخر الستينات، يسكن جيل الحرفيين والشباب الذي أعطى هذه المنطقة إحساسا بالثراء. وتقع المنطقة بين برج إيفل ومونتبارنس، وتعطي التجديدات الطموحة لهذا الحي السكني على الأغلب ديناميكية جديدة. ويقول مصطفى غوميز، من شركة «توينتي فرست سنشري ريال ستيت»: «العقارات على الأغلب أغلى في الشمال، في المنطقة القريبة من الدائرة السادسة والسابعة الراقية. لكن المنطقة رهان حكيم للسكن الذي لا يحمل أسعارا فلكية على الرغم من أنها تقف على قدم المساواة مع الأسعار في الدائرة الرابعة بنحو 7.650 يورو للمتر المربع.

وأثارت المنطقة اهتمام المشترين مع معظم الاتجاهات - العائلات والمستثمرين، وعدد متزايد من البريطانيين والشرق أوسطيين والأميركيين الساعين إلى الإقامة هنا بشكل أطول. وفي المناطق الشمالية حول لاموتي بيكوي، يمكنك دفع ما يصل إلى 12.000 يورو للمتر المربع لشقة استثنائية. وإلى الجنوب الشرقي يمكنك اختيار شقة متوسطة الحجم في بورت دي فيرساي ما بين 7.000 و7.500 يورو للمتر المربع.