هل ستنتهي أسطورة «مسكن الإنجليزي قلعته»؟

«هوس» تملك البريطانيين لمنازلهم في مهب الريح.. ونصفهم يتوقع أن يكون الإيجار هو السائد

TT

يعترف البريطانيون أن الاهتمام بالعقارات أصبح أشبه بهوس يتحكم بالشعور الجمعي في المملكة المتحدة، وأن مقولة أن «مسكن الإنجليزي هو قلعته» أخذت أبعادا أكبر. ولا يكاد يمر يوم تقريبا حتى يصدر في بريطانيا تقرير، بل تقارير، عن قطاع العقار في المملكة المتحدة. وأصبح الاطلاع على أوضاع العقارات في بريطانيا يتصدر الأولويات بالنسبة للغالبية العظمى للمواطنين البريطانيين، كما أنه يتصدر مواضيع النقاش بينهم، وأصبح حتى يفوق الحديث والاهتمام بتوقعات الأحوال الجوية، التي وبسبب تقلباتها الكثيرة في الجزر البريطانية تدفع المقيم فيها دائما ليكون على اطلاع على توقعاتها.

ويعتبر تملك المساكن من الأشياء المقدسة في بريطانيا على خلاف الجيران في أوروبا مثلا، وخصوصا في دولتين كبيرتين مثل فرنسا وألمانيا، حيث السائد هو التأجير، وليس هناك «هوس» كبير بالتملك. غير أن الأزمة المالية العالمية، التي تفجرت في 2008 وفجرت الفقاعة العقارية في بريطانيا، خلطت الكثير من الأرقام في معادلة سوق العقار البريطاني وفي مقدمتها مسألة تملك المساكن.

وفي هذا السياق أكد استطلاع أجراه بنك «هاليفاكس»، الذي يعتبر من أبرز البنوك العقارية في بريطانيا، أن نصف السكان في بريطانيا يعتقدون أن الأسواق العقارية في الملكة المتحدة ستكون أسواقا للإيجار، وأن جيلا من الشباب لن يكون بمقدوره تملك العقار.. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن 77 في المائة من الذين لم يشتروا عقارهم حتى الآن لا يزالون يتمنون شراء عقارهم الخاص بهم، ولكن 64 في المائة قالوا إنهم لا يعتقدون أنهم سيتمكنون من ذلك أبدا. وكشف الاستطلاع أن 46 في المائة من الشباب في المملكة المتحدة، الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والأربعين، يعتقدون أن بريطانيا أصبحت مشابهة عقاريا لأوروبا أو البلدان الأوروبية الأخرى، حيث الإيجار هو الشيء الطبيعي الذي يلجئ الناس إلى السكن، وأن بريطانيا ستصبح بلدا للإيجار خلال العقد المقبل.

ولا تزال نسبة كبيرة من الشباب أو المشترين للمرة الأولى، وبنسب لا تقل عن 85 في المائة، يعتقدون أن إحجام البنوك عن منح القروض وفرض شروط تعجيزية، وخصوصا ضرورة الدفعة الأولى التي لا تقل في المتوسط عن 30 ألف جنيه إسترليني (45 ألف دولار تقريبا)، عقبة رئيسية، إن لم يكن من المستحيل، تجاوزها.

وبحسب الاستطلاع يسلم نحو 61 في المائة من الشباب البريطاني بأنهم لن يحاولوا الحصول على قرض أو توفير المبلغ المطلوب لدخول سوق العقار، بسبب تشدد البنوك في منح قروض.

يواجه قطاع المشترين لأول مرة، وهو عربة دفع مهمة لسوق العقارات، صعوبات كبيرة، خصوصا مع تشديد البنوك معايير الإقراض العقاري بعد أزمة الائتمان في عامي 2007 و2008 التي بدأت عندما بدأ التخلف عن سداد قروض منحت للأكثر فقرا في الولايات المتحدة لشراء مساكن. ورغم بعض الانفراج في هذا الجانب مع تخفيف البنوك لتشددها وتخفيض قسط الرهن العقاري المطلوب من المشترين الأولين إلى حتى 5% من قيمة البت في بعض الأحيان بدلا من الـ25% المطلوبة من قبل، فإن الوضع ما زال صعبا بالنسبة للمشترين لأول مرة.

وأظهرت تقارير أخيرة أن السوق العقارية في بريطانيا تظهر بعض الانتعاش مؤخرا مع تحسن إقراض البنوك للقروض العقارية، خصوصا للمشترين لأول مرة، الذين سارع الكثير منهم إلى شراء منازل قبل نهاية فترة ما سمي بـ«العطلة الضريبية» الحكومية بحلول شهر مارس (آذار) المقبل على العقارات التي يقل سعرها عن 250 ألف جنيه إسترليني، وهي الضريبة التي تبلغ قيمتها 1% على العقارات التي تفوق قيمتها 125 ألف جنيه إسترليني وتصل قيمتها إلى 250 ألف جنيه إسترليني.

غير أن هذا الارتفاع اعتبر مؤقتا فقط، وأن مخاطر التباطؤ ما زالت تخيم على سوق العقار البريطاني، خاصة مع تعثر الاقتصاد البريطاني، الذي سجل في الربع الأخير من العام الماضي 2011 انكماشا.

وفي مسعى لتجنب هذا التباطؤ وربما لتعويض إلغاء «العطلة الضريبية»، كانت الحكومة البريطانية قبل ذلك برنامجا لمساعدة المشترين لأول مرة، خصوصا في قطاع المساكن الجديدة التي لا تجد مشترين. وتركز المساعدة، خصوصا في الدفعات الأولى، على تقديم قروض منخفضة الفائدة، ودون فائدة لفترة معينة تمتد لسنوات.