عقارات تونس تعود للانتعاش.. وضاحية قرطاج الأكثر ارتفاعا

أكثر من 20 ألف ليبي استقروا في العاصمة التونسية في الفترة الأخيرة

فيلات وشقق فاخرة على البحر في تونس
TT

بعد أكثر من سنة على اندلاع الثورة التونسية، لم تهدأ حركة الأسعار المتعلقة بالعقارات والمضاربة في الأراضي الموجهة للسكن الفردي أو الجماعي. بل عرفت الأسعار ارتفاعا غير مسبوق في عدة مناطق تونسية، وخاصة المناطق الساحلية ذات الصيت العالمي على غرار الضاحية الشمالية للعاصمة (سيدي بوسعيد والمرسى وشواطئ قمرت) ومدينة الحمامات (60 كلم شمال شرقي تونس) وجزيرة جربة (نحو 500 كلم جنوب شرقي تونس). وأشارت تقارير الخبراء في ميدان العقارات إلى ارتفاع الطلب على العقارات المبنية، خاصة في مدن تونس الكبرى (تونس وبن عروس ومنوبة وأريانة)، ويقف وراء هذا الارتفاع النقص الفادح في الأراضي المخصصة للبناء، والطلب الكبير للأشقاء الليبيين على العقارات التونسية وتوجه الكثير منهم إلى الاستقرار في تونس بعد الإطاحة بنظامي البلدين من خلال ثورة تونسية وأخرى ليبية.

وعلى الرغم من التطورات المهمة التي عرفها القطاع العقاري، فإن عبد العزيز نبيبة، رئيس الجمعية التونسية للمهندسين الخبراء في المسح العقاري والطوبوغرافي، انتقد الوضع العقاري التونسي بصفة عامة وأكد في تصريحات سابقة وجود وضعيات عقارية «متدهورة» و«تشريعات متخلفة» مثل إشكاليات السكن العمودي وتوجه التونسيين نحو السكن الفردي الذي يستنزف الكثير من العقارات، إلى جانب تنبيهه إلى ما سماها «متاهة العمليات العقارية» وصعوبة الحصول على رسم عقاري أو تصفية وضعيته، بالإضافة إلى دعوته إلى مراجعة قانون الحقوق العينية الذي أصبح في نظره لا يفي بالحاجة مقارنة بالتطورات الحديثة، مما وجب مراجعته من جذوره.

وتشير تقارير الخبراء إلى أن أكثر من عشرين ألف ليبي قد استقروا في المدن التونسية الكبرى وخاصة العاصمة وفي أحيائها السكنية الراقية وشواطئها الممتدة، مما رفع كثيرا في الطلب على العقارات بصفة عامة. وتؤكد أطراف متدخلة في سوق العقارات أن سعر المتر المربع من العقارات المبنية قد ارتفع في المعدل بنحو 400 دينار تونسي (نحو 270 دولارا أميركيا) بين 2008 و2011.

ومن ناحية الأسعار المتداولة في هذا المجال حسب المناطق والجهات في تونس الكبرى، فإن ضاحية قرطاج، حيث يوجد قصر الرئاسة التونسية، هي الأرفع سعرا بين مختلف جهات تونس الكبرى وفي كامل تونس، وتأتي مناطق سيدي بوسعيد والمرسى وقمرت، وكلها مناطق ساحلية مطلة على البحر، على رأس قائمة المناطق التونسية الأعلى سعرا. ويبقى الطلب مرتفعا على العقارات في مناطق أخرى على غرار الحمامات ومرسى القنطاوي في سوسة (140 كلم عن العاصمة)، كما تحظى المناطق السياحية في نابل وقليبية (60 كلم شمال شرقي تونس) وبنزرت (60 كلم شمال تونس العاصمة) بطلب مرتفع على العقارات الجاهزة.

وبمقارنة الأسعار بين سنوات 2008 و2011، لاحظ تقرير صدر مؤخرا أن سعر المتر المربع من العقارات المبنية قد ارتفع في ضواحي قرطاج من 2500 دينار تونسي إلى قرابة ثلاثة آلاف دينار (نحو ألفي دولار أميركي)، وفي سيدي بوسعيد ارتفعت الأسعار من 2200 دينار تونسي إلى 2500 دينار تونسي، وفي ضاحيتي المرسى وقمرت استقرت أسعار العقارات المبنية في حدود 2500 دينار تونسي للمتر المربع الواحد بعد أن كانت لا تزيد على 1800 دينار تونسي. ولم يسلم شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة التونسية، بدوره من موجة الارتفاع، حيث زادت الأسعار من 1400 دينار إلى 2500 دينار تونسي.

وفي الأحياء الراقية المحيطة بالعاصمة وضواحيها، عرفت الأسعار كذلك ارتفاعا ملحوظا بعد الثورة، ففي أحياء المنزه المعروفة بالطبقة الاجتماعية المرفهة، ارتفعت الأسعار من ألف دينار إلى قرابة 1400 دينار تونسي. وفي عين زغوان، القريبة من العاصمة، ارتفعت أسعار العقارات المبنية من 1600 دينار إلى 1900 دينار تونسي.

ويرى المهندس المعماري زكريا بن عامر، أن ارتفاع الأسعار وراءه عوامل كثيرة، من بينها ضعف أو محدودية تدخل الوكالة العقارية للسكنى في مجال توفير السكن بأشكاله المتعددة، مما أعطى المطورين العقاريين فرصة كبيرة للتدخل كقطاع خاص في توفير المساكن بمختلف أحجامها، والباعث العقاري يسعى إلى الربح وإلى المضاربة في الأراضي والحصول عليها بأسعار غير قابلة للمنافسة وبمساحات مهمة ثم تقسيمها واستغلالها عقاريا وهذا يتطلب تكلفة عالية لإعداد الأراضي وتهيئتها للاستغلال. كما أن ساكن اليوم أصبح يبحث أكثر من ذي قبل عن الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وغالبا ما يتدخل المطور العقاري لتوفير مجموعة من الخدمات الإضافية التي كانت في السابق من المسائل الثانوية على غرار الاستغلال الجماعي لعيدي المرافق بدء بـ«القراج» وربما المسبح، انتهاء بنوعيات فاخرة من الرخام والديكورات غالية التكلفة.

وأضاف بن عامر في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «أسعار كل المواد الأولية الموجهة للبناء وتهيئة العقارات قد ارتفعت بصفة (صاروخية)، فالإسمنت كان سعر الـ50 كلغ في حدود 6 دنانير تونسية وأصبح في حدود 12 دينارا، وقس على ذلك مختلف المواد، وهذا الأمر له انعكاس واضح على أسعار العقارات المبنية»، على حد تعبيره.

من ناحية أخرى، تشير تقارير خبراء العقارات في تونس إلى أن المؤشرات العقارية قد تشهد ارتفاعا خلال الفترة المقبلة بمختلف مناطق تونس. ويغذي هذا الارتفاع ندرة الأراضي المخصصة للبناء وارتفاع الطلب على الشراء من جهات دولية ومحلية وليس الطلب التونسي فحسب، بل عن عدة أطراف من بينها طلبات عربية وأجنبية تود الاستقرار والاستثمار في تونس بعد العودة التدريجية إلى الاستقرار الأمني والاجتماعي. خاصة أن الحركة السياحية بدأت تنتظم في تونس، إلى جانب توجه مختلف أسعار البناء إلى الارتفاع، وكذلك تقلص تدخلات الدولة في توفير السكن، و«هجوم» المطورين العقاريين واكتساحهم للسوق وسيطرتهم على معظم المشاريع السكنية الجديدة ومشاريع البنايات ذات الطابع التجاري والإداري واحتمالات تزايد هذا التوجه في المستقبل.