قطاع تأجير المحال التجارية الأكثر نشاطا في السعودية.. وارتفاعاته تصل إلى 100%

عدم وجود قانون يقيد الأسعار ساهم بشكل كبير في التضخم

يشير عقاريون إلى أن المتضرر الأكبر من رفع الإيجارات على المحال التجارية هو المستهلك النهائي (تصوير: خالد الخميس)
TT

تشهد السوق العقارية السعودية ارتفاعات غير مسبوقة وغير مبررة في الأسعار، الأمر الذي انعكس سلبا على إيجار المحال التجارية بشكل عام، ووصلت إلى مستويات كبيرة ومهولة خلال السنوات الماضية، خصوصا السنوات الثلاث الأخيرة، التي بلغت فيها الارتفاعات أكثر من 100 في المائة؛ الأمر الذي اضطر على أثره بعض المستأجرين إلى رفع قيمة معروضاتهم لتعويض الفرق، أو إغلاق محالهم، وذلك لعدم قدرتهم على الاستمرار في دفع الإيجار، على الرغم من تحقيقهم مكاسب سابقة قبل أن يتم رفع الأسعار.

وعلى الرغم من أن بعض المحال والمنشآت المؤجرة مضى على إنشائها أكثر من 3 عقود، أي إنها لم تتأثر بما يحدث في السوق العقارية، ولم يكن هناك أي سبب حقيقي لرفع السعر، فإن ركوب موجة الغلاء الحاصل هو الدافع الأول لرفع الأسعار، ودفعها إلى مستويات قياسية من دون مبرر حقيقي.

وقال بندر التويم، مدير أحد المحال التجارية في العاصمة الرياض، إن من أكثر المشكلات التي يعانون منها في تجارتهم هي في عدم قدرتهم على توقعات تحقيق الأرباح نتيجة ارتفاع الإيجار من دون أي سبب واضح، مضيفا أنه ومنذ 4 سنوات والإيجار يرتفع بشكل سنوي لأكثر من 20 في المائة، وزاد أنه على الرغم من وجودهم في الموقع نفسه منذ فتره طويلة تزيد على 15 سنه، فإن الإيجار لم يرتفع منذ أن استأجروا الموقع إلا خلال السنوات الماضية، وأن العذر الوحيد لمالك العقار هو الارتفاع الكامل في أسعار السوق العقارية، وأن بإمكانه الخروج في حال رفض الزيادة الحاصلة، مبينا أنهم مضطرون إلى رفع أسعار البضائع لتسديد الإيجار، وأن المتضرر الرئيسي من ذلك هو المستهلك الذي يدفعها بشكل غير مباشر.

ولم تشهد السوق العقارية السعودية منذ نشأتها أي انخفاض في الأسعار، ونظرا لكونها دولة تنمو في هذا المجال، فإنها تحتاج إلى المزيد من المنشآت العقارية لتلبية الطلب المتنامي على العقارات، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله سلبا على أسعار المنشآت العقارية بما فيها المحال التجارية، التي تأثرت من هذا الارتفاع. وشمل التضخم المباني القديمة التي أنشئت قبل حدوث الأزمة العقارية التي دفعت بالأسعار إلى مستويات قياسية.

وفي الاتجاه نفسه، بين عبد الله العبيد الذي كان يمتلك أسواقا تموينية، أنه اضطر إلى إغلاقها بعد أن أصبح صاحب المنشأة يحاسبه على أرباحه عن طريق رفع الإيجار إلى مستويات مهولة وغير مقبولة، مبينا أن الإيجار ارتفع لأكثر من 100 في المائة مقسمه على 3 سنوات، وهي نسبه كبيرة لم يستطع تحملها وبالتالي أغلق محله على الرغم من أنه وقبل إغلاق المحل كان يحصد المزيد من الأرباح.

ويضيف العبيد أن الإيجار السنوي الذي كان يدفعه عند استئجاره المحل، لم يتجاوز 80 ألف ريال (21.3 ألف دولار) في محل تبلغ فتحاته 4، بمقدار 20 ألف ريال (5.3 ألف دولار) للفتحة، إلا أن مالك المنشأة زاد عليه الإيجار إلى الضعف ليصل إلى 160 ألف ريال (42.6 ألف دولار)، وهو المبلغ الذي لم يستطع تسديده، مبينا أن المحل مغلق منذ أكثر من سنة ولم يستأجره أحد حتى هذه اللحظة.

يشار إلى أن التضخم في السوق العقارية السعودية يبلغ أوجه بعد أن أصبح العقار بمثابة السوق الآمنة والمثالية للمستثمرين، وهو الأمر الذي جعل القطاع العقاري من أكثر القطاعات تضخما وارتفاعا، ووصلت الأسعار إلى مستويات مهوة تجاوزت نطاق العرض والطلب.

وفي الاتجاه المعاكس، برر إبراهيم العلي الذي يمتلك العديد من المنشآت العقارية، سبب رفع إيجارات المحلات إلى ضغوط السوق بشكل عام، وأن من يضع الأسعار هو الطلب الكبير على المحال التجارية، خصوصا الواقعة في المناطق التجارية والاقتصادية، موضحا أن المحال الواقعة على شوارع بعرض 30 مترا فما فوقه، ترتفع فيها الأسعار أكثر من غيرها، ويرتفع السعر كلما ارتفع عرض الشارع، الأمر الذي يبرز عمق الحركة النشطة لتلك المحلات.

وأوضح العلي أن الحركة الاقتصادية في الرياض بشكل عام تختلف عنها قبل 5 سنوات، بمعنى أن هناك قوة شرائية كبيرة وحركة نشطة من تلك المحلات، تفرض عليهم مجاراتها ورفع أسعار المحال، كاشفا أن بعض التجار يعرضون على بعض الملاك عزمهم استئجار المحل المؤجر بسعر أعلى، مما يجعل المالك يخير المستأجر بين رفع قيمة الإيجار أو الخروج الفوري لتسليمه لتاجر آخر.

ويتبين أن الحركة الاقتصادية الكبيرة للسعودية التي تعتبر أكبر اقتصاد عربي، قد أثرت وبشكل مباشر على قيمة تأجير المحال التجارية فيها، خصوصا في ظل الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، الأمر الذي دفع بملاك العقارات في المملكة إلى الاستفادة القصوى من محالهم التي تعتبر واجهة عرض تلك التجارات، برفع الأسعار لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه السعودية.

وفي صلب الموضوع، أوضح ياسر المريشد، وهو وسيط عقاري، أن تأجير المحال التجارية في السعودية يعد من أكثر القطاعات التي تشهد زيادة في الأسعار، إذا ما قورن بالقطاعات العقارية الأخرى، وأن الوضع فيها يخضع وبشكل مباشر لميزان العرض والطلب، خصوصا المحلات الواقعة في أماكن الازدحام والنشاط العقاري، فتجد أن بعض ملاك العقارات يقومون برفع الإيجار على المستأجرين بشكل سنوي، دون أن يرفضه المستأجرون الذين يحصدون أرباحا عالية ولا تضرهم الزيادة التي يفرضها مالك المنشأة. وأضاف المريشد أن قبول الأغلبية الزيادة هو السبب الرئيسي في دفع ملاك العقار إلى الزيادة الدورية، موضحا أن أصحاب المحال يفسد بعضهم على بعض بعرضهم استئجار بعض المحلات المؤجرة بسعر أعلى، أو قبولهم الزيادة دون مناقشة صاحب المنشأة، وهو الأمر الذي حول عملية رفع الأسعار إلى عملية مزاجية من قبل مالك المنشأة العقارية.

يذكر أنه لا يوجد في السعودية نظام يقيد عملية وضع أسعار العقار، مما يعني أن عملية وضع السعر أصبحت تخضع لرؤية صاحب المنشأة، وأن بعض الملاك يستغلون الفراغ القانوني برفع الأسعار وإلهاب السوق العقارية، وهي خطوة عدها المراقبون رئيسية في دفع التضخم الحاصل في القطاع العقاري السعودي.