عقارات ماربيا تحتفظ بسحرها.. غير آبهة بأزمة إسبانيا المالية

مدينة ساحرة تجمع بين التراثين العربي والإسباني

الطبيعة والبحر وعبق التاريخ.. عوامل تجذب الأثرياء لمنتجع ماربيا
TT

بين الشواطئ والقمم الوعرة لجبال «سييرا بلانكا»، تقع بلدة ماربيا القديمة، التي أنشأها الفاتحون المغاربة، وهي مدينة تجمع بين سحر الطبيعة وعبق التاريخ العربي - الإسباني وسط المزيج العصري من حياة العمال المحليين والمعالم السياحية التي تتسم بها البلدة التي تعد أحد المنتجعات السياحية المهمة في جنوب إسبانيا.

ويتدفق معظم المشترين في هذا الجزء من كوستا ديل سول (أو ساحل الشمس) على مجمعات سكنية أنشئت خصيصا لقضاء الإجازات بالقرب من الشاطئ، أو الفيلات الواقعة فوق التلال، وهي تتكون من منازل بها حمامات سباحة ومروج خضراء ومساحات لانتظار السيارات. غير أن مركز ماربيا التاريخي وهو عبارة عن منطقة متوسطة من المنازل المطلية باللون الأبيض، والساحات الظليلة، ومطاعم العائلات تمنحك شيئا لا يمكن لأي مظهر حديث من مظاهر التقدم أن يمنحك إياه.

هذا هو المكان الذي تقصده لما يتمتع به من شخصية وصخب الحياة الإسبانية على عتبة الباب، من مقاهي الأرصفة والحانات المغطاة بقماش «التابا» المزخرف المحشور داخل أزقة ضيقة إلى درجة أنه يمكنك أن تميل خارج نافذتك وتصافح جارك في الجهة المقابلة، كما تضج المدينة بالمهرجانات المحلية التي تحتل شوارع البلدة بأكملها.

وقد جذبت البلدة على الفور ديان لانغفورد (64 عاما) ورفيقها جوني تايلور (69 عاما)، وهما من بلدة بينغام، التي تقع بالقرب من مدينة نوتنغهام الإنجليزية، حيث لم يعثرا فيها على مكان رائع لقضاء عطلتهما في منزل عمره 150 عاما يقع في شارع «لوباتاس» فحسب، بل عثرا كذلك على طريقة لتحقيق دخل، من إيجار المنزل طوال العام، لا يحلم به كثيرون ممن يملكون منزلا ثانيا في المنطقة.

وحسب صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية تقول ديان، التي تدير متجرا للهدايا في بينغام: «حينما بدأنا البحث عن منزل في ماربيا في عام 2005، ظل الوكلاء العقاريون يخدعوننا بعقارات ما زالت تحت الإنشاء. كنا نريد عقارا أقدم يمكننا تجديده بأنفسنا في ذلك الحي التاريخي، الذي يتمتع بجو رائع». وأثناء إقامتهما في أحد الفنادق الصغيرة في البلدة القديمة، وقعا على منزل أبيض مجاور معروض للبيع، به ثلاث غرف نوم ويزدهي بالأزهار الملونة أسفل واجهته الأمامية. وتابعت ديان: «كان يحتاج إلى ترميم، ولكن حالته كانت تسمح بالمعيشة فيه، وقد أحببناه على الفور. أنا أعمل أيضا مهندسة ديكور، لذا كان هذا شيئا أتوق إلى فعله. كل ما كان علينا أن نتدبر أمره هو كيفية توفير النقود المطلوبة».

وكان صاحب الفندق يتطلع إلى التوسع في فندقه ذي الغرف الأربع، لكنه لم يكن يجد المساحة لذلك. فاقترح على ديان، إذا قامت بتجديد منزلها على نفس الطراز المعماري الذي بني به الفندق والمتأثر بمباني جزيرة بالي الإندونيسية، أن يقوم بتأجير المنزل كجزء من الفندق، وأن يقتسما عائد الإيجار سويا.

وبهذه الطريقة، أصبح الفندق يضم حاليا 21 غرفة تمتد لمسافة خمسة عقارات من الجهة المقابلة. واستطردت ديان، التي جمعت ما بين الطابع الآسيوي للفندق والسحر الأندلسي العتيق، من خلال الاحتفاظ بالدعامات والمدافئ والأرضيات القديمة: «أعجبنا طراز الفندق، لذا قررنا أن نفعلها. كانت مغامرة في التعامل مع المهندسين وعمال البناء والاستعانة بمترجم. غيرنا أنابيب المياه والأجهزة الكهربائية، وأضفنا فناء بالأعلى عن طريق إزالة جزء من السطح». وقد تحمل جوني وديان تكلفة تجديد المنزل. ونظرا لأن العقار ملك حر لهما، فبإمكانهما استعماله وقتما يشاءان. أما باقي الوقت، فإنه يتم تأجير المنزل عن طريق الفندق، مع اقتسام العائد ما بين ديان وصاحب الفندق، بحسب مستوى الخدمة الذي يختاره النزلاء. وتربح ديان من وراء هذا الاتفاق نحو 17 ألف جنيه إسترليني سنويا بعد خصم الضريبة، علاوة على امتلاكها منزلا لقضاء الإجازات فيه «مجانا»، مع تغطية تكاليف الرهن العقاري والمصروفات الأخرى.

وتقول ديان في تقرير لصحيفة «الديلي تلغراف» عن ماربيا: «كنا نستخدم المنزل كثيرا في البداية، ولكن منذ أن توسعت في متجر الهدايا الذي أملكه، لم نعد نجد وقتا. لدي أيضا سبعة أحفاد ما بين الرابعة والحادية والعشرين من العمر، وهذا المنزل لا يناسبنا جميعا». وقد قرر جوني وديان بيع كوخ «لا فيلا ماربيا» مفروشا بالكامل مقابل 475 ألف يورو (402 ألف جنيه إسترليني) لشراء مكان آخر في ماربيا.

ويمكن للمالكين الجديدين أن يستفيدا من الترتيب القائم، من خلال تولي الفندق إدارة عمليات الإيجار، أو يمكنهما الاحتفاظ به بالكامل لنفسيهما كملكية خاصة، أو الجمع بين هذا وذاك. ومع أن هناك فنادق صغيرة أخرى في البلدات الإسبانية القديمة، مثل فندق «لاس كاساس دو لا خوديريا» في مدينة أشبيلية، قد توسعت عن طريق ضم منازل محلية، فهي عادة ما تشتري العقارات مباشرة. غير أن وضع جوني وديان يتيح لهما أفضل ما في الطريقتين: الدخل المنتظم والمتعة.

وتعلق باربارا وود، مديرة شركة «بروبرتي فايندرز أندلوسيا»، التي تقوم بتسويق العقار: «هذا العقار يتيح مرونة تكاد تكون فريدة من نوعها. بل إن تصميمه يسمح للملاك بتأجير بعض الغرف مع استمرار إقامتهم به. مساحة بلدة ماربيا القديمة لا تغطي سوى بضعة شوارع، لذا لا يوجد على الإطلاق أكثر من حفنة من المنازل المعروضة للبيع». ومن الأمثلة الحالية منزل ريفي أعيد ترميمه مؤخرا، به ثلاث غرف نوم مزودة بحمام خاص وشرفة، وثمنه 276 ألف يورو، وشقة «دوبلكس» بها غرفة نوم واحدة، تطل على ساحة ساحرة في شارع «أنشأ»، ويصل ثمنها إلى 192 ألف يورو، وكلاهما معروض للبيع.

إلا أن الشراء في البلدة القديمة ربما يحتاج إلى حذر وعناية بالغين من غير الناطقين باللغة الإسبانية، حيث إن معظم العقارات لا يعلن عنها سوى بلافتة صغيرة مكتوب فيها باللغة الإسبانية «للبيع»، إضافة إلى رقم الهاتف الجوال الخاص بالمالك. وتقول وود، التي تتفاوض نيابة عن المشترين: «للعثور على عقارات تم تجديدها، عليك أن تجوب الشوارع سيرا على قدميك وأن تسأل في كل مكان. وبعد ذلك، تجد أن البائعين يطلبون أسعارا تذهب بالعقل»، مشيرة إلى أن الأسعار ينبغي أن تنخفض عن ذلك المستوى القياسي الذي وصلت إليه بنسبة 30 - 40 في المائة، وأن تنخفض تكاليف البناء إلى نصف ما هي عليه الآن. ورغم أن وود ترى أن هذا العقار مثالي كمنزل ثان، فهي تنبه إلى أن البلدة القديمة تروق لسوق محدودة للغاية، موضحة: «حينما يصل الناس إلى مرحلة البيع، فإنهم يستهدفون قطاعا صغيرا جدا من السوق».

ويعمل مجلس بلدة ماربيا على تشجيع مشاريع الترميم، ولكن باعتبارها منطقة ذات أهمية تاريخية، فإن التغييرات تخضع لرقابة دقيقة. كذلك، فإن الشوارع لا تتميز كلها بالهدوء، كما أن معظمها ضيق جدا بالنسبة للسيارات. إلا أن كل أنشطة الاستجمام تحت أشعة الشمس تقع على بعد خطوات، وتوضح وود: «حينما يفتح مرسى (لا باخاديا) بعد تجديده، في عام 2015، بحيث يسمح لسفن الرحلات بالوصول مباشرة إلى قلب ماربيا، سيكون على بعد خطوات من البلدة القديمة».

وقد أصبحت مشكلات تخطيط ماربيا جزءا من الماضي هي الأخرى، حيث توضح وود: «ربما يكون هذا آمن مكان للشراء في إسبانيا حاليا، حيث إن مجلس المدينة طاهر اليد».

وتضيف: «لقد أريت البلدة القديمة في ماربيا لعشرات المشترين الذين يشاهدونها لأول مرة، وفي كل مرة، كان الجميع ينبهرون بها. إذا أزهرت أشجار جاكرندا، فلا يوجد مكان آخر أروع من هذا. إنه آمن وأنيق، وقد اختفت السوق الشعبية تماما. لقد بدأ يعود إلى الجو الساحر المريح الذي كان عليه منذ 20 عاما».