رئيس شركة عقارية بريطانية: أزمة العقار الأوروبية تحتاج إلى 5 سنوات لحلها

مديرة الشركة للإسكان الفاخر لـ«الشرق الأوسط»: أكثر من نصف صفقاتنا تجري «خارج السوق»

مشروع هنري مور كورت في تشيلسي (خاصة بـ«الشرق الأوسط») واندرو لانغتون ولويز هيوليت
TT

من مكتبه في حي تشيلسي الفاخر بلندن، أكد اندرو لانغتون، رئيس مجلس إدارة شركة «أيلزفورد» الدولية للعقار لـ«الشرق الأوسط» أن أزمة العقار الأوروبية سوف تحتاج لوقت طويل، أو 5 سنوات على الأقل، لحلها، وأنها سوف تحل من قطاع القمة أولا، حيث بدأت بعض الصفقات الكبرى تعقد في بلدانها. وأضاف أن سوق المغرب العقارية، الذي تعمل فيه الشركة أيضا، لم يبالغ في تطوير العقار مثلما فعلت بعض الدول الأوروبية، ولكن الأزمة انعكست عليه أيضا في صيغة تراجع في نشاط بيع العقار على رغم نشاط السياحة الملحوظ، حيث معظم الطائرات الذاهبة إلى المدن المغربية من بريطانيا محجوزة بالكامل.

من ناحيتها قالت لويز هيوليت، مديرة الشركة لقطاع الإسكان الفاخر في لندن، إن «أيلزفورد» تعمل كشركة عقارية متخصصة «بوتيك» في العقار الفاخر، سواء في بريطانيا أو في أرجاء العالم الأخرى، وإن أكثر من نصف صفقات الشركة التي تجري في لندن تكون خارج نطاق الصفقات المعلنة في السوق.

وقال لانغتون إن أسواق العقار في أوروبا ظلت منهارة منذ عام 2008. وبعض الدول تعاني الأزمة أسوأ من غيرها، مثل إسبانيا التي ترزح تحت مليون و200 ألف وحدة عقارية غير مبيعة في السوق الآن. وإذا افترضنا أن كل عقار عليه قرض بمائة ألف يورو، يمكننا تصور حجم المشكلة. إضافة إلى ذلك فإن بعض مناطق جنوب إسبانيا تعاني من نسب بطالة تصل إلى 50% من الجيل الجديد. وهذا وضع خطير لأن أحد أسباب الأزمة أن معظم الوظائف كانت في تطوير العقار. وقد توقف البريطانيون عن شراء العقار الإسباني بعد تراجع الإسترليني إزاء اليورو كما أن الاقتصاد البريطاني تدهور منذ عام 2008. وأضاف أن تصريف أكثر من مليون عقار سوف يستغرق وقتا طويلا. وهناك مشاكل هيكلية على مستويات أقل في فرنسا وإيطاليا، كما أن مشاكل اليونان معروفة. ولكن «الحياة تأخذ مجراها» وسوف تتحسن الأمور تدريجيا في أوروبا، من قطاع القمة أولا.

وأضاف لانغتون أنه كان على الهاتف لمتابعة عملية بيع في جزيرة سردينيا لمنزل صغير في موقع خلاب. وكانت الصفقة بمبلغ مائة مليون يورو من إيطالي لمشتر من شرق أوروبا. كما اشترى القطريون مؤخرا فندق بورتوتشيرو في سردينيا. ووصلت إلى الشركة معلومات من جنوب فرنسا عن تحقيق بعض الصفقات في منطقة كاب فيرات بمبالغ 30 إلى 80 مليون يورو لعقارات كانت تباع بنحو 80 إلى 120 مليون يورو في عام 2007. أما في قطاعات السوق الأخرى «فتحوم الذئاب حول صفقات البيع الاضطراري، بأسعار بخسة». وهذه هي الصورة الأوروبية حاليا.

أما فيما يتعلق بالسوق المغربية، يقول لانغتون إن المغرب لم يبالغ في تطوير العقار كما فعلت إسبانيا وإن كانت هناك بعض المشروعات الطموحة التي تعرضت لسحب الائتمانات المصرفية قبل اكتمالها أو حتى من قبل بدايتها. من ضمن هذه المشروعات كان مشروع اسمه «الصوفي» لبناء 80 منزلا فاخرا وهو مجمد الآن بعد سحب اعتماداته المصرفية. هناك بعض الاستثمارات من الخليج ولكن الأسعار بدأت في التراجع بسبب ظروف السوق. وما زال نشاط السياحة إلى المغرب نشيطا حيث معظم الطائرات من بريطانيا محجوزة بالكامل، ولكن هذا النشاط لا ينعكس على شراء العقارات.

ويؤكد لانغتون أن «مطوري العقار في كل مكان يحتاجون إلى نحو 5 سنوات من الآن لاستعادة التوازن». وقد استغرق الأمر 10 سنوات لاستعادة النشاط بعد انهيار عام 1989. والبنوك الآن أكثر حرصا ولا تمول مشروعات الآن إلا إذا كانت لها فيها حصة كبيرة. ولندن ليست استثناء من هذه القاعدة.

* تقول شركتكم إن الصفقات التي حققتموها في عام 2010 بلغت قيمتها 400 مليون إسترليني، فما هي نسبة الصفقات التي جرت لصالح مشترين أجانب؟

- كان هذا الرقم تقريبيا، بالمناسبة فقد تخطيناه بهوامش كبيرة. حيث بعنا منزلين فقط بمبلغ مائة مليون إسترليني لكل منهما وآخرين بنحو 50 مليون لكل منهما. وهذا تحقق من 4 صفقات فقط. عام 2011 كان عاما مرموقا وكانت معظم الصفقات لمشترين من خارج بريطانيا، خصوصا من شرق أوروبا. وكان إجمالي الصفقات في حدود 700 مليون إسترليني. وكان الأنشط شراء في السوق هم مشترون من شرق أوروبا. أما العرب فهم في لندن منذ بداية السبعينات. وقد كنت في دبي في تلك الأيام واشترينا لعائلة واحدة 415 شقة ولم يبيعوا ولا واحدة منها. وكانت التكلفة الإجمالية حينذاك 8.5 مليون إسترليني. والآن سعر شقة واحدة منها يوازي ضعف هذا المبلغ. ومعظم عقارات المناطق الفاخرة في لندن خارج السوق لأنها مشتراة من عرب منذ السبعينات وهم لا يبيعون العقارات. والأنشط في القطاع الفاخر حاليا هم القطريون الذين اشتروا هارودز والكثير من الصفقات الكبرى الأخرى. وسبب ارتفاع الأسعار المتواصل هو أن أحدا لا يبيع، وهو يعتبرون لندن بمثابة وثيقة تأمين ضد أخطار في منطقة متقلبة.

* تتعاون شركتكم مع شركات أخرى في مجالات البنوك الخاصة وصناعة اليخوت وغيرها، فما هي طبيعة هذا التعاون؟

- معظم هذه الشركات لديها قواعد معلومات عن زبائنها ونحن نجد أن زبائننا مماثلون لزبائن هذه المؤسسات ومعظم هذه الشركات تقدم زبائنها للشركات المماثلة من أجل تعزيز الخدمات التي يحتاجها الزبائن في هذا القطاع. ونحن نعتقد أن العامل الأهم بين كل هذه الخدمات هو العقار. والذي يدفع الطلب على العقار هو الرغبة في تعليم الأبناء في بريطانيا خصوصا في الدول التي تعاني من متاعب سياسية أو نظم متشددة، ويشمل هذا أيضا دولا مثل روسيا والصين. فالجيل الجديد يعرف عبر التكنولوجيا ما يحدث في الدول الأخرى ويريد أن يشارك في هذه النوعية من الحياة التي يراها فقط في أفلام السينما.

* في رأيك، ما الذي يميز «أيلزفورد إنترناشيونال» عن وكلاء العقار الآخرين؟

- الفارق هو أننا نتخصص في مجال واحد ولسنا «سوبر ماركت»، فنحن وكالة «بوتيك». ونحن نحو 35 شخصا نرى بعضنا البعض يوميا. وأنا هنا منذ 50 عاما ولويز (مديرة القطاع الإسكاني الفاخر) منذ أكثر من 30 عاما. ونحن نعرف أن بعض الزبائن، خصوصا في قمة القطاع في لندن، يريدون خدمة مختلفة. فهم يريدون إنجاز صفقاتهم في سرية تامة. ونحن نطبق نفس المبادئ في قمة الأسواق الدولية التي نتعامل معها أيضا. ونحن مثلا نصطحب عميلا إلى جزيرة كاريبية هذا الأسبوع لإتمام صفقة قيمتها 20 مليون إسترليني، وعميلا آخر إلى سان تروبيه وثالثا إلى روما، وهو من الشرق الأوسط. كما نبيع عقارا سويسريا بنحو 70 مليون فرنك سويسري. ومعظم هؤلاء من زبائننا الذين اشتروا منا عقارات في لندن في الماضي.

وفي لقاء مع لويز هيوليت المسؤولة عن القطاع الإسكاني الفاخر في لندن قالت: إن عمل الشركة في قمة القطاع يعني التعامل بالكثير من السرية واللباقة مع زبائن هذا القطاع وأضافت أن الشركة لا تتحدث عادة عن الصفقات التي أجرتها ولا عن هوية الزبائن.

* كيف ترين حال قمة قطاع العقار في لندن في 2012؟

- نشعر أن هذا العام يختلف قليلا عما كان عليه السوق في العام الماضي. في عام 2011 كانت السوق قياسية بأي مقياس. وسبب هذا في المقام الأول أن الكثير من العقارات الفاخرة وصلت إلى السوق للبيع وأصبحت متاحة للبيع. فالكثير من عقارات لندن السوبر تباع ولا تعود للسوق بعد ذلك أبدا. وهناك بعض فترات القحط في قمة سوق العقار ليس بسبب ضعف الطلب وإنما لعدم وجود العقارات المناسبة. وقد بدأنا هذا الربيع أكثر فترات العام ازدحاما في سوق العقار اللندنية. ونعتقد أنه خلال 6 أسابيع سوف تباع الكثير من عقارات القمة في لندن. وفي المستقبل المنظور نرى سوق العقار في لندن تتوجه نحو المزيد من القوة، وسبب ذلك هو أن القطاع الفاخر في لندن محدود للغاية في المناطق التي يريدها المستثمر مثل مايفير وبلغرافيا وكنسنغتون وتشيلسي وهولاند بارك. ولأن أسعار الفائدة متدنية فإن المشترين يقترضون الحد الأقصى لكي يحصلوا على العقارات التي يريدونها.

* ما هو سبب شهرة لندن ومع أي مدن تتنافس؟

- مهما كانت مشاكلنا في هذا البلد فهي ما زالت المكان الذي يريد الناس أن ينتقلوا للمعيشة والعمل فيه. وهي ليست مسألة تتعلق بأن لندن هي مكان به الكثير من المطاعم الجيدة، وإنما المدارس بالدرجة الأولى. والكثير من الأجانب يريدون تعليم أبنائهم في بريطانيا. والطلب على لندن من الشرق الأوسط مستقر منذ فترة طويلة ولكن الطلب المتزايد حاليا هو من شرق أوروبا ومن روسيا ومؤخرا من الصين. والعرب هنا منذ فترة طويلة ولديهم بعض أجمل عقارات العاصمة وهم لن يبيعوها أبدا. وبدأنا الآن نرى الجيل الثاني من العرب القادمين إلى لندن. وبالإضافة إلى عقارات السكن، هناك أيضا عقارات الاستثمار مثل «وان هايد بارك». ولا أعتقد أن لندن تتنافس مع أي مدينة أخرى، فلندن فريدة في نوعها.

* ما هو توجه الأسعار في القطاع الفاخر في لندن في الوقت الحاضر؟

- نعتقد أن الأسعار استقرت بعد فترة ارتفاع مطرد، ونرى أنها سوف تتوجه إلى موجة ارتفاع جديدة خلال فترة الصيف قبل أن تستقر مرة أخرى على نهاية العام. ونحن لا نجري أي أبحاث عقارية في الشركة، ولكن كبار الباحثين في شركات مثل «نايت فرانك» وغيرها يعتقدون أن السوق تتجه لزيادة قدرها 11 - 13% خلال السنوات الثلاث المقبلة.

* كيف يختلف التعامل في قمة السوق عنه في بقية قطاعات السوق؟

- تختلف طلبات الأثرياء عن المشترين العاديين. فالمشتري العادي يحتاج إلى الاقتراض في القطاع الذي يصل إلى 10 ملايين إسترليني، وعليه أن يحسب تكلفة الاقتراض وربما الانتقال من عقار لآخر. أما في قطاع القمة، فلا حاجة للتمويل ولكن التمويل يكون بغرض تحرير رأس المال لاستثمارات أخرى. وفي القطاع الفاخر يتم الاهتمام بكافة التفاصيل. وفي معظم الحالات يكون العقار خارج نطاق السوق. فنحن نبدأ أولا بالبحث عن العقار المطلوب والتفاوض بشأنه ومتابعة عملية الشراء حتى نهايتها. ووجود الثقة بين الأطراف هي العامل الأهم في كل الأحوال.

* ما هي نسبة التعامل في الشركة في العقارات التي لم تصل إلى السوق بعد؟

- أعتقد أن نسبة العقارات التي لم تصل إلى السوق أعلى قليلا من تلك المعروضة للتسويق. ونحن أحيانا نتعاقد على بيع عقار من دون تسويقه على نطاق واسع وإنما إلى زبائن محدودين. وهناك حالات للبيع خارج نطاق السوق حتى في القطاع المتوسط لأسباب أخرى مثل الطلاق وعدم الرغبة في إذاعة سبب البيع على الملأ. ونحن نتعامل مع وكلاء الشراء أحيانا وكأننا نتعامل مع المشترين أنفسهم. وفي قمة السوق تكون الصفقات خارج نطاق السوق أعلى من المعلن للتسويق. ونحن نسوق الكثير من المشروعات الجديدة أيضا من بينها مشروع هنري مور كورت في تشيلسي المكون من شقق ومنازل فاخرة.

* أين يفضل العرب المعيشة في لندن؟

- إذا كان لديهم عائلات فهم يريدون منازل منفصلة ولها حدائق. وهناك الكثير من المناطق التي توفر لهم ذلك مثل تشيلسي وريجنت بارك وسان جيمس وود. أما الجيل الجديد فهو يفضل وسط المدينة مثل نايتسبردغ ومايفير.

* هل ستؤثر الدورة الأولمبية على قطاع العقار الفاخر في لندن؟

- لا أعتقد ذلك. فالمهتمون بالأولمبياد اتخذوا قراراتهم منذ فترة وخلال الدورة الأولمبية لندن سوف تكون مزدحمة ومعظم ساكنيها سوف يفضلون الذهاب بعيدا عنها حتى انتهاء الدورة! لويز هيوليت: الميزانية البريطانية تضمنت صدمة لأسواق العقار هذا العام

* أشارت لويز هيوليت إلى معضلة جديدة في قمة سوق العقار البريطانية بسبب الميزانية الجديدة التي أعلنت منذ أسابيع وتضمنت بندا جديدا يلغي إعفاء الشركات الأوفشور من دفع ضريبة التمغة ويلزم هذه الشركات بدفع 15% على العقارات مقابل 7% يدفعها الأفراد في هذا القطاع، ارتفاعا من 5% في السنوات الماضية. وتؤكد هيوليت أن الشراء باسم شركات أوفشور لم يكن أصلا بغرض التهرب من دفع الضرائب البريطانية وإنما للحفاظ على سرية هوية المشتري للكثير من الأسباب، والحماية من ضرائب الميراث. ويعني الوضع الجديد إضافة عبء ضريبي بلا استثناءات للمشتري في هذا القطاع. وينظر المحامون حاليا في مسألة عما إذا كانت صناديق الوصاية (Trusts) تخضع أيضا للضرائب المفروضة على الشركات أم لا. وسوف يتضح هذا الوضع خلال هذا الصيف بعد انتهاء الدراسات القانونية وإصدار التوصيات. وهي ترى أن عدم وضوح هذه النقطة القانونية كان بمثابة الصدمة لأسواق العقار وأدى إلى فترة من عدم وضوح الرؤية سوف تستمر حتى تتضح الصورة القانونية الكاملة أمام المستثمر الأجنبي في العقار البريطاني. فهل يؤدي هذا الوضع إلى ردع المستثمرين عن الشراء في لندن؟ تجيب هيوليت بالقول: إن هذا صحيح ولكن في المدى القصير خلال أسابيع وربما شهور إلى أن تتضح الصورة القانونية.

وهي تذكر حالة لعقار في ضاحية ريتشموند على النهر بمساحة حدائق تبلغ 3 أفدنة اشتراها مستثمر من شركة تأسست بغض شراء العقار. واشترى المستثمر كل أسهم الشركة وتملك العقار. وإذا أراد البيع، فالمشتري لديه خيار شراء العقار ودفع 7% ضرائب تمغة أو شراء الشركة ودفع رسوم لا تزيد عن نصف أو 1%، وهو إجراء قانوني تماما. وفي حالة شراء الشركة يمكن للمشتري أن يبقي على هويته سرية. وقد يكون بيع العقار ضمن أسهم شركات وسيلة للخروج من مأزق الميزانية الجديدة.