السعودية: فنادق مكة المكرمة تحقق أعلى الإيرادات مقارنة بكبرى العواصم الفندقية

عقاريون: ارتفاع القيمة السوقية حدا بالمستثمرين نحو تقديم خدمات بديلة إضافية

ضيق مساحات الفنادق حول الحرم لم يمنعها من تحقيق إيرادات مرتفعة (تصوير: أحمد حشاد)
TT

حققت فنادق مكة المكرمة أعلى نسبة إيرادات سنوية من حيث القيمة السوقية والعائدات بالمقارنة مع كبرى الفنادق العالمية، على الرغم من محدودية المساحات، إلا أن ذلك لم يخرجها من تبوؤ تصنيفات متقدمة على اختلاف أوقات السنة.

واعتبر مراقبون أن العاصمة المقدسة تمكنت من تحقيق نسب ثابتة ومؤكدة في الإيرادات نظير خصوصية الموقع الذي يعتبر من أغلى الأمتار عقاريا على مستوى العالم، حيث يتراوح سعر المتر ما بين 300 ألف دولار و400 ألف دولار وسط تنافس قوي من كل الفنادق المطلة وغير المطلة على الحرم المكي الشريف.

وعلق سعد الشريف، خبير المنطقة المركزية والفنادق في العاصمة المقدسة، لـ«الشرق الأوسط»، أن مكة المكرمة بحكم طبوغرافيتها المعقدة استطاعت إحكام عملية التعاملات المالية الفندقية، وباتت في مرحلة تعاقب لمواسم الإشغال الفندقية، وهي تضم أفضل الفنادق العالمية التي باتت على تماس مع كيفية التعامل مع كثافة الأعداد والكتل البشرية، حيث تحرص فنادقها على تقديم خدمات مميزة ترتقي إلى اسم العاصمة المقدسة وقدسيتها.

وأوضح الشريف أن تقديم خدمات فندقية متميزة هو أمر اعتادت عليه معظم قطاعات الإيواء في مكة المكرمة نظرا لما سماه تراكم الخبرات العريض والطويل لتلك الفنادق التي تمتلك أذرعا استثمارية قوية تمتلك فن التعامل مع الارتفاعات في نسب الإشغال المتواصلة، وعلى الرغم من المساحات الضيقة فإنها استطاعت استغلالها بشكل متميز ووفرت جميع الخدمات من بهو ومواقف للسيارات.

واعترف الشريف بصعوبة إيجاد خدمات متميزة في نطاقات جغرافية ضيقة، حيث إن هذا يعتبر من أصعب المحالك الخدمية التي تواجهها شركات الفنادق العالمية، بالإضافة إلى وقوع فنادق مكة في دائرة الارتفاع لمعدلات الإشغال، وهو تفرد لا تحظى به إلا مكة المكرمة بسبب المواسم وتهافت المسلمين على تلك الأماكن المقدسة وبأعداد مليونية قلما تصل إليها أي مدينة في العالم، حيث تفرض خصوصية العاصمة المقدسة نفسها بشكل متفرد على جميع قطاعات الإيواء من دون استثناء.

وبدوره، توقع رجا الله الخالدي، الشريك التنفيذي العقاري، لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون لعمليات الإزالة في المناطق المحيطة بالحرم المكي أبلغ الأثر في الوصول إلى خدمات متميزة مستقبلا، على الرغم من ارتفاع حدة المنافسة وارتفاع المبالغ الباهظة للأمتار هناك، حيث شهدت أسواق ومحيط المنطقة المركزية ازدحاما ملموسا من زوار بيت الله الحرام، خاصة بعد أوقات ومواعيد فروض الصلاة الخمسة، بينما شهدت فنادق أخرى نسبة إشغال مرتفعة من حجم الغرف والأجنحة الفندقية في محيط المنطقة المركزية وبقية أحياء مكة المكرمة القريبة من محيط الحرم المكي الشريف، كأحياء الروضة والعزيزية.

وزاد الخالدي بالقول «استطاعت فنادق العاصمة المقدسة حجز مواقع متقدمة في حجم الحجوزات والإيرادات»، مؤكدا أن الموقع لم يكن عنصر الجذب الوحيد، بل نوعية الخدمات التي غطت على محدودية الجغرافيا، حيث تعتمد الفنادق على برامجها وعروضها الترويجية منذ فترة ليست بالقصيرة في ظل الإقبال الكبير على موسم العمرة، لا سيما في العشر الأواخر، حيث يتنافس أكثر من 500 فندق في العاصمة المقدسة على تقديم خدمات بديلة تغني عن النطاقات الضيقة».

وأشار الخالدي إلى أن الكثير من فنادق المنطقة المركزية لا تحتاج إلى مساحات بهو وخدمات تعتبر ثانوية، وما يهم المعتمر أو الحاج هو مدى قدرة الفندق على تعويض المساحة الجغرافية الضيقة بخدمة ترتبط بالمواسم الدينية وإيجاد مواصلات لقربها من الحرم المكي الشريف، كما أن بعض الفنادق الضخمة ذات الـ5 نجوم، التي تبعد مسافة كيلو تقريبا عن الحرم، قضت على مشكلة المواصلات بتوفير حافلات نقل من الفندق للحرم والعكس وعلى مدار الساعة وذلك لتوفير سبل الراحة للمعتمرين.

بينما قال رئيس لجنة السياحة والفنادق بالغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة وليد أبو سبعة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «أكثر من 450 فندقا تقدم خدماتها للمعتمرين من خلال أكثر من مائة ألف غرفة؛ تتنافس فيما بينها لتقديم الخدمة للمعتمرين الذين يتزايد عددهم في كل موسم»، مشيرا إلى أن «تضاؤل جغرافية الفنادق ليس عيبا ولا نقصا في حد ذاته متى ما اعتبرنا أن هناك خدمات بديلة تستطيع انتزاع رغبات الزائرين بتوفير جملة خدمات استراتيجية، حيث تم عقد الكثير من اللقاءات التنسيقية مع الهيئة العامة للسياحة والآثار وأصحاب الفنادق بمكة المكرمة لتذليل بعض العقبات التي تواجه قطاع السياحة، لا سيما في ما يتعلق بتصاريح الأمن والسلامة».

وأضاف «إنه تم تصنيف عدد كبير من الفنادق في العاصمة المقدسة، من فئة الـ5 نجوم إلى فئة النجمتين، وهو ما عكس ارتفاعا في مستوى الخدمة، وباتت لكل فئة من الفئات تصنيفاتها الخاصة بها في شكل متميز، وبدأ المؤشر التشغيلي في الارتفاع المتزايد نظير ما سماه التغيير الجذري للتصنيفات التي أقرت من هيئة السياحة في الآونة الأخيرة».

وأفاد أبو سبعة بأن «فنادق مكة المكرمة اكتسبت شعبية قوية وجبارة في السنوات العشر الأخيرة بفضل تكامل الخدمات، ولم يعد التصنيف يحتكم للجغرافيا والمساحات بل بالخدمات والتصنيفات التي أقرت ورفعت مستوى الخدمات الفندقية، بحجة أن كل مواصفات تتطلب خدمات معينة؛ ففئة الأربع نجوم تتطلب وجود مركز الخدمات وخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، وأصبحت المنافسة بين قطاعات الإيواء نفسها واضحة جدا، بعد أن وضحت الصورة بشكل كبير لكل فندق ما هو وما الذي ينبغي أن يتحرك من خلاله».

وأبان رئيس لجنة الفنادق بأنه منذ فتح باب العمرة والدخول الفعلي لشهر رمضان المبارك، وقطاع الفندقة في العاصمة المقدسة عليه طلب جيد، من جميع الأسواق، وفي كل عام يتحسن الوضع بشكل أفضل عن ذي قبل في كمية الطلب من الخارج، متوقعا عدم اختلال الأعداد المعتادة من المقبلين للعمرة خاصة في الدول التي تشهد نزاعات سياسية، وأن الطلب لهذا العام سجل أرقاما مميزة وسيتحسن بدوره في الأشهر المقبلة.

إلى ذلك، علق خالد المالكي، صاحب أحد فنادق العزيزية، بأن كثرة أعداد المقبلين لمواسم العمرة دفعت بكثير من مالكي قطاع الإيواء للنظر مرة أخرى في إعطاء تشغيل حقيقي وفاعل، والسبب يكمن في أن تكوين سمعة حقيقية وريادية لتلك الفنادق أصبح أمرا حتميا ولا رجعة فيه على الرغم من المساحات التي تعطى ومحدوديتها، والسبب الأرجح في ذلك هو صيرورة موسمي الحج والعمرة؛ فالفنادق التي تخل بالتزاماتها ستخسر بضاعتها في السوق، ولن تجد عليها طلبا من قبل شركات الحج والعمرة الخارجية والداخلية.

وحول وجود أكثر من ثلثي فنادق السعودية في مكة، ذهب المالكي للقول «أمر محفز بشكل كبير، لا سيما أن أرقام التشغيل المرتفعة واضحة وجلية، وهذا التشغيل المرتفع يدخل مكة حالة تقييم حقيقية تتوثب فيها لتقديم خدماتها بأسلوب عصري واحترافي، والزائر لمكة لا يحتاج لخدمة فندقية فقط، بل لخدمات أخرى، وبالتالي فوجود الأسواق والمطاعم يجعل من الخدمة الفندقية خدمة متميزة جدا».

وقال المالكي «قوة الاستثمار الفندقي تتمركز في مكة المكرمة من بين جميع مدن العالم، وهو عائد ممتاز لأي مستثمر يرغب في الاستثمار الفندقي، بحكم الاستمرارية والطلب المستمر على العمرة والحج من جميع مسلمي العالم، وهي قضية لا تحتاج إلى تسويق»، بحكم أنها صناعة ثابتة بمنأى عن التوقعات، والعوامل الجوية، وما إلى ذلك، فهي صناعة ثابتة إلى أمد بعيد وهي دائما في تزايد من ناحية عدد الفنادق ومن حيث قيمة العقارات والمستثمرين في مكة المكرمة، وبزيادة ملحوظة دائما.

وقد امتدت نسبة الإشغال العالية إلى الشقق المفروشة الراقية والوحدات السكنية البعيدة نظرا للإقبال المتزايد من قبل المعتمرين والزوار، حيث لم يقتصر الأمر على الفنادق فقط. وأشار مسؤول الحجوزات في أحد الفنادق الكبرى إلى أن نسبة الحجوزات وصلت إلى 100 في المائة، ووصل سعر الغرفة الواحدة إلى معدلات مرتفعة، ونسبة كبيرة من الحجوزات تعود للمسؤولين ورجال الأعمال من داخل وخارج المملكة.

وقد أرجع أصحاب الفنادق والشقق المفروشة ارتفاع نسبة الإشغال في مواسم العمرة إلى تدفق أعداد كبيرة من المواطنين والخليجيين إلى مكة المكرمة، ولم تنحصر نسبة الإشغال المرتفعة على الفنادق ذات النجوم الخمس والأربع والثلاث، إذ شهدت الشقق المفروشة الراقية هي الأخرى ارتفاعا واضحا في نسبة الإشغال، خاصة الواقعة منها بحي العزيزية ومخطط البنك الأهلي ومنطقة محبس الجن والمناطق القريبة من الحرم المكي الشريف.

وشهدت الحجوزات إقبالا كبيرا حول المنطقة المركزية كأفضل المناطق التي ينشدها المعتمر، ثم بعد ذلك تقل نسبة الإشغال في بقية الفنادق والشقق المفروشة المحيطة بمنطقة العزيزية والعتيبية والمناطق، التي تبعد قليلا عن المنطقة المركزية. وأرجع متعاملون الارتفاع إلى إزالة بعض الفنادق من أجل توسعة الساحات المحيطة بالحرم المكي الشريف، ووصل سعر الليلة الواحدة لحجوزات المواسم الدينية لأكثر من ثلاثة آلاف ريال للفنادق ذات الـ5 نجوم، في حين وصلت نسبة الإشغال أيضا في الفنادق من الفئة البعيدة نفسها نسبيا عن الحرم بمسافة نصف كيلومتر إلى نسب مرتفعة أيضا.