ارتفاع جنوني في أسعار إيجار المكاتب والمساحات التجارية بمانهاتن

إيجار المتر يتراوح بين 88 و115 دولارا

مستأجرو مانهاتن يدفعون إيجارات عالية مقابل مساحات مكتبية في «ميدتاون ساوث»
TT

يكره معظم ملاك العقارات المؤجرين الذين يعرضون مساحات مكتبية فاخرة في مانهاتن أن يكونوا محددين في قيمة الإيجارات التي يطلبونها. وحسب مسح «كوشمان آند ويكفيلد»، تتراوح الإيجارات للقدم المربعة بين 88 و115 دولارا للقدم. وتصل الأسعار إلى أعلى من ذلك في البنايات الحديثة مثل بناية المكاتب التي صممها المهندس المعماري فوميهيكو ماكي في إيست فيلدج.

وتقارب تلك الأسعار أعلى الإيجارات للمساحات عالية الجودة في وسط مدينة مانهاتن، أغلى سوق مساحات مكتبية في أميركا، حيث تحفز سوق تكنولوجيا مزدهرة الطلب على مناطق ذات طراز أحدث. وقال اد مينسكوف احد خبراء الغقارات في نيويورك: «نتلقى طلبا هائلا» من جانب «العديد من الشركات المهمة».

ويتحول الطلب على المساحات المكتبية في نيويورك من ناطحات السحاب البراقة في ميدتاون التي تفضلها المصارف إلى المزيج الأكثر غرابة من الضواحي الواقعة جنوبها والتي تضم مخازن تشيلسي ومعارض سوهو والمتاجر الموجودة في سان مارك بليس، حيث قام كل من جوي رامون ومادونا بتغيير مفهومهما في الموضة. واستحوذت شركات التكنولوجيا والإعلام والمعلومات التي تنجذب إلى المنطقة على مساحات مكتبية أكبر في مانهاتن من الشركات المالية هذا العام لأول مرة، بحسب شركة الوساطة «كوشمان آند ويكفيلد» المحدودة. وكانت الشركة قامت بتأجير نسبة تقدر بنحو 44 في المائة من مساحة 959.000 قدم مربع (89.000 متر مربع) في الفترة حتى 15 مايو (أيار) كائنة في ميدتاون ساوث، مثلما تعرف السوق ما بين شارع «30» وشوارع القناة.

وتراوحت قيم الإيجارات المطلوبة لأكثر المساحات المكتبية المرغوب فيها في «ميدتاون ساوث» حول 66.47 دولار للقدم المربعة في 30 أبريل (نيسان) الماضي، وهو ما يمثل ارتفاعا نسبته 16 في المائة عن نهاية عام 2011 وانخفاضا قيمته 5.22 دولار عن متوسط سعر المساحات المكتبية عالية الجودة في ميدتاون في سنوات الذروة، حيث ارتفعت إيجارات العقارات الممتازة بنسبة 1 في المائة فقط، بحسب «كوشمان». ويعزى ارتفاع الأسعار بشكل جزئي إلى أن الشركات تبحث عن مكاتب في مساحة تضم أقل من عشر المساحات المكتبية الممتازة في ميدتاون.

وقال ديفيد فالك، الرئيس الإقليمي لشركة الوساطة التجارية «نايت فرانك» في مانهاتن في تصريحات نقلتها وكالة «بلومبيرغ»: «دائما ما كانت هناك فجوة كبيرة بين الوضع الاقتصادي لكل من ميدتاون وميدتاون ساوث». وأضاف قائلا: «ما حدث هو أنه بسرعة فائقة، وأمام أعيننا، ترتفع قيمة الإيجارات في ميدتاون ساوث بنسبة أعلى منها بالنسبة للعديد من البنايات في ميدتاون. المباني التي ربما كنت ستدفع إيجارا لها قيمته 50 دولارا للقدم، أصبحت قيمة تأجيرها الآن تقارب 60 دولارا». وتضيق الفجوة بين قيم الإيجارات، حيث إن قطاع الخدمات المالية في نيويورك «في حالة تذبذب تام»، بحسب روث كولب هابر، الشريك المؤسس لشركة «وارتون بروبرتي أدفيزورز» المحدودة، وهي شركة وساطة تمثل مستأجري المساحات المكتبية في مانهاتن.

وتتنوع سوق ميدتاون ساوث بين «غراميرسي بارك» الثرية تاريخيا والمناطق التي كانت في السابق عبارة عن مخازن ومصانع على طول نهر «هودسون ريفر». لقد ساهم تحول «هاي لاين» من خط سكة حديدية مهمل إلى منتجع عالي المستوى، في جعل حي «تعليب اللحوم» و«ويست تشيلسي» اثنين من أكثر الأحياء جاذبية في المدينة بالنسبة للشركات الكائنة خارج القاعدة المالية التقليدية لمانهاتن.

من جانبها، قالت ماري آن تيغ، الرئيسة التنفيذية الإقليمية بنيويورك لشركة «سي بي آر إي» العقارية في مقابلة أجريت معها: «إنهم لا يريدون المباني ذات الحوائط الستارية الزجاجية، بل يريدون المباني الصناعية السابقة التي تم تجديدها بالكامل، أو المباني التي لها طابع خاص».

وفي منطقة «فلاتيرون»، حيث يصطف الناس يوميا لابتياع شطائر الهامبورغر من «شيك شيك» في ماديسون سكوير بارك، تفرض شركتا «سي آي إم غروب» و«سابير» إيجارا قيمته 80 دولارا للقدم المربعة لمساحة 296.000 قدم مربعة في البرج الكائن في «11 ماديسون أفينيو». وعبر المنتجع، ذكر المطور العقاري روبرت لابيدوس أنه على وشك إبرام اتفاق بقيمة نحو 90 دولارا للقدم المربع للطابق الأخير المتاح في 200 فيفث أفينيو، وهو عقار مكون من 14 طابقا يقع على ناصية شارع 23 شرق، حيث تجذب سوق الوجبات الراقية جموعا من المتسوقين. ورفض ذكر اسم المستأجر في تصريحاته لوكالة «بلومبيرغ».

واستحوذت شركة «إل آند إل هولدينغ»، التي تمثل شراكة بين «لابيدوس» و«ديفيد ليفنسون»، على مبنى مساحته 852.000 قدم مربعة كان في السابق عبارة عن معرض للعب الأطفال عام 2007، وقامت بتجديده. ووافق أول مستأجر، والممثل في شركة الإعلانات «غري غروب»، على دفع نحو 75 دولارا للقدم المربعة في ذلك العام، حسب ما أشار لابيدوس في مقابلة أجريت معه. وبإمكان المؤجرين تحمل تجاوز أسعار الإيجارات بسبب العرض المحدود من المساحات السكنية في المنطقة، على حد ذكره.

وقال لابيدوس: «لدي صديق يعمل في شركة أسهم خاصة، ومعظم عمله مرتبط بمجال التكنولوجيا». وأضاف: «إنه مقيم في ميدتاون الآن. وهو يقوم بتوقيع عقد إيجار في حي تغليف اللحوم، بسعر 80 دولارا للقدم، في مبنى عادي. إنه مبنى جيد، لكن لا يتوفر كثير من الخيارات هناك». وسجلت ميدتاون ساوث أدنى معدل للعقارات الشاغرة في أي منطقة تجارية أميركية في الربع الأول، بنسبة 5.9 في المائة، بحسب شركة «كوشمان». وتضم السوق 27 مبنى فقط بها مكاتب فاخرة يبلغ إجمالي مساحتها 14.4 مليون قدم مربعة، مقارنة بـ320 مبنى و181 مليون قدم مربعة لميدتاون، حسب ما أشارت شركة الوساطة الكائنة في نيويورك. وجاء الطلب على تلك المساحة بناء على مناقصة من شركة «جيميستاون بروبرتز»، التي تتخذ من أتلانتا مقرا لها، لبناء 240.000 قدم مربعة من المكاتب في مصنع الفحم السابق «تشيلسي ماركت»، الذي يضم شركات إعلامية وشركات بث، علاوة على محل مشهور لبيع المواد الغذائية. وتعكس أسعار العقارات الارتفاع الكبير للأسعار في المنطقة، حيث قامت شركة «إبيك يوك كيه ليمتيد» التي تتخذ من نيويورك وواشنطن مقرا لها والتي يديرها الأخوان مايكل وستيفين إلغانايان، بشراء مبنى إداري تبلغ مساحته 155.000 قدم مربعة في شارع 148 لافاييت في منطقة سوهو مقابل 132 مليون دولار، أي ما يعادل 850 دولار للقدم المربعة، وهو ما يفوق سعر القدم المربعة خلال شهر يناير (كانون الثاني) في برج 530 فيفث أفينيو المكون من 26 طابقا، بالقرب من محطة «غراند سنترال» في ميدتاون، وفقا لمؤسسة «ريال كابيتال أناليتكس إنك» للأبحاث.

وكان شركة «بروبرتي غروب بارتنرز» التي تريد بيع منزل في منطقة سوهو قد اشترت المصنع السابق الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1913، في عام 2007 مقابل نحو 390 دولار للقدم المربعة، ثم قامت بتجديده وإضافة مصعد جديد له وتغيير خشب الأرضيات وإقامة بناء إضافي من الزجاج. وأصبحت شركة «دولتشي آند غابانا» للأزياء هي المستأجر الرئيسي للمكان. وأصبحت زيادة الإيجارات مصدر قلق كبير لإريك أشمان، وهو المدير المالي لشركة «ثريليست ميديا غروب» الإلكترونية التي تم إنشاؤها عام 2005. وتسعى تلك الشركة، التي تملك عدة مواقع من بينها شركة «ثريليست»، والتي تتقدم للشباب بمقترحات لإقامة متاجر ومطاعم، تسعى للتوسع خارج مكاتبها في 568 برودواي. وقال أشمان إن قيام أصحاب العقارات بتجديد منازلهم هو في الواقع نذير شؤم، وأضاف في مقابلة شخصية معه: «إنهم يخبرون الناس بأنهم بحاجة إلى حجرات جديدة، ثم يطلبون ما يتراوح بين 60 و65 دولارا للقدم المربعة، ولكننا لن نقوم بدفع هذه الأسعار».

وتشمل قائمة مستأجري مبنى «ثريليست» شركة «فورسكوير لابس إنك»، وهي شركة متخصصة في تطبيقات الهواتف الذكية التي تسمح لمستخدمي تلك الخدمة بإخبار أصدقائهم بمكان تناولهم الطعام أو المشروبات أو التسوق. ومن المحتمل أن تصبح السوق أكثر إحكاما وصعوبة، حيث تنمو المشروعات الناشئة بصورة أكبر من المواقع والشركات «الحاضنة» في بروكلين وغيرها من الأسواق الأقل تكلفة، وفقا لتقرير صادر عن «مركز مستقبل الحضر». وعلاوة على ذلك، قد تزيد الضغوط الملقاة على عاتق شركات التكنولوجيا نتيجة لتعافي الشركات المالية. وقال المركز: «جاء النمو الهائل لقطاع التكنولوجيا في نيويورك بينما كانت الصناعات الرئيسية الأخرى في نيويورك لا تنمو ولا تستوعب كثيرا من العقارات»، وأضاف: «عندما تبدأ المؤسسات القانونية وشركات الإعلام والمؤسسات الهندسية والمصارف الاستثمارية وغيرها من القطاعات الكبرى في النمو مرة أخرى، فإن المشروعات الناشئة في مجال التكنولوجيا ستجد صعوبة كبيرة في إيجاد مساحة لها بالأسعار نفسها التي اعتادت عليها».

وقد شهدت منطقة «ميدتاون ساوث» ازدهارا من قبل، ثم سرعان ما تلا ذلك إخفاق كبير، في بداية التسعينات من القرن الماضي عندما أصبحت معروفة باسم «وادي السليكون» عقب تدفق شركات الإنترنت إليها. وتم التخلي عن عدد كبير من المكاتب في عامي 2002 و2003 عندما عانت شركات الإنترنت من مشكلات اقتصادية طاحنة. وبعد ذلك، أدت الأزمة الاقتصادية إلى رفع معدل العقارات الشاغرة إلى 10 في المائة في نهاية عام 2009. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010، قامت شركة «غوغل» بشراء مبنى «111 إيتس أفينيو» مقابل 1.8 مليار دولار، في واحدة من أعلى الصفقات لشراء مبنى إداري واحد في الولايات المتحدة. وقامت شركة «ذي مونتين فيو»، التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقرا لها وتملك أكبر محرك بحث في العالم، بتأجير نحو 550.000 قدم مربعة في محطة الشحن السابقة التي يوجد بها مصاعد قادرة على رفع شاحنات.

وتستحوذ شركة «غوغل» على المبنى الذي تبلغ مساحته 3 ملايين قدم مربع، في الوقت الذي تنتهي فيه عقود الإيجار، وهو ما يضطر بعض المستأجرين إلى البحث عن مكان آخر. وتعد شركة «سبوتيفي ليميتد»، التي تقدم خدمة موسيقية وتتخذ من واشنطن مقرا لها، من بين الشركات التي تبحث عن مقر جديد، حسب تصريحات كريغ تاوبين، وهو المدير التنفيذي لشركة «ستودلي إنك» للسمسرة والتي تتخذ من نيويورك مقرا لها.

ويدرس العديد من المستأجرين في مبنى «غوغل» الانتقال إلى مانهاتن السفلى، التي تكون بها معدلات العقارات الشاغرة أكبر، بديلا عن البقاء في تشيلسي، حسب تصريحات تيغ، المسؤولة بشركة «سي بي آر إي».