بعد غزو لندن.. أنظار الأثرياء الأجانب تتجه إلى الريف البريطاني

يبحثون في الريف عن العزلة والهدوء وتجذبهم الطبيعة

جنوب إنجلترا بطبيعته الساحرة ومجتمعه الأرستقراطي يجذب أثرياء العالم لشراء عقاراته
TT

لا تعد مدينة بورموث مكانا قادرا على النظر إليه. صحيح أنه تم في شهر مارس (آذار) الماضي وضع كرسي شاطئ ضخم يصل طوله إلى 28 قدما، أو 8.5 متر، على أحد الشواطئ هناك كنوع من الدعاية لإحدى شركات إنتاج المشروبات، إلا أن المنتجع الواقع على سواحل إنجلترا الجنوبية يظل مائلا إلى العزلة، حيث يفضل سكان المدينة الاختفاء بعيدا وراء الأسوار العالية والشجيرات الكثيفة داخل منازل تتجاوز قيمتها حاجز 4 ملايين جنيه إسترليني، أو نحو 6.3 مليون دولار.

وقد بدأ نجم مدينة بورموث يعلو مؤخرا، إلى جانب أماكن مثل منتجع هاروغيت الساحر في يوركشاير ومدينة أوكسفورد وبلدة ستراتفورد أبون إيفون، كأحد الأماكن الواقعة خارج لندن التي يسعى الوكلاء العقاريون وراءها باعتبارها من أرقى البقاع التي تجتذب عملاءهم الأجانب. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، قامت وكالة «سوذبي الدولية للعقارات» بافتتاح مكتب لها في مدينة بورموث، وهي تنوي افتتاح مزيد من المكاتب لها في أنحاء بريطانيا، وبذلك يصل عدد مكاتبها في مختلف أنحاء العالم إلى 550 مكتبا في 46 دولة. وكما أوضح الرئيس الإقليمي للشركة، غلين إيفانز: «هناك تدفق للأموال الأجنبية على المملكة المتحدة لم يتأثر بالوضع الاقتصادي العالمي. ما نقوله هو أنه يمكنك أن تشتري حلمك إذا كان يمكنك إنفاق 5 ملايين جنيه إسترليني. نحن نريد أن ندفع الناس إلى شراء شيء مثير للانبهار».

والشيء المؤكد هو أنه يوجد كثيرون ممن يستطيعون أن يدفعوا ثمن ذلك الحلم. فقد أظهر تقرير الثروات الصادر عن مؤسسة «نايت فرنك» لعام 2012، ونشر في شهر مارس الماضي، أن من يملكون أصولا بقيمة 25 مليون دولار أو أكثر زادوا من حجم إنفاقهم على العقارات خلال عام 2011 بنسبة 19 في المائة، مع الاحتفاظ بالرصيد في صورة سندات وإيداعات نقدية.

وطبقا لما جاء في التقرير، فإن أسلوب الحياة والاستثمار هما الدافعان الرئيسيان لشراء منزل ثان، حيث يمتلك 16 في المائة من الأثرياء الأفراد شاليها للتزلج على الجليد، ويمتلك 40 في المائة منهم عقارا مطلا على الشاطئ. وقد صنفت الولايات المتحدة وبريطانيا كأكثر الأماكن التي يفضل الأثرياء شراء منزل ثان بها.

وعلى هذا، فإن ما يشير إليه إيفانز على أنه «منازل فاخرة» في أحياء بورموث المرموقة مثل «برانكسوم بارك» و«كانفورد كليفز» و«ساند بانكس» (وهو لسان ملاصق للبحر يعد سعر الفدان به من أغلى الأسعار في البلاد) قد يسيل لعاب نفس نوعية المشترين الأجانب التي تحافظ على قوة ونشاط السوق في منطقة وسط لندن.

ويضيف إيفانز: «لقد قام ثريان روسيان بالشراء في المنطقة بالفعل. من يأتون إلى لندن للعمل أو الاستثمار في العقارات ربما يفكرون أيضا في امتلاك منزل بالقرب من أحد الشواطئ كي تقضي فيه الأسرة وقتها بينما يتابع رب الأسرة عمله في المدينة. ومن المزايا الإيجابية وجود العديد من المدارس الخاصة الراقية في الجوار، مثل مدرسة شيربورن ومدرسة كانفورد».

ومن اختيارات السكن المناسبة لمثل هذه النوعية من الترتيبات الأسرية مدينة «ذي غلين» السكنية، التي تتمتع بتصميم معاصر يقول عنه صاحب المركز، جيفري ويستون إدواردز، إنه يذكره بأعمال المهندس العالمي فرنك لويد رايت. وتبلغ مساحة المنزل هناك 7 آلاف قدم، أو 650 مترا مربعا، وهو محاط بمنطقة غابات تمتلئ بنباتات الأزاليا والوردية، ومن نوافذه الكبيرة وشرفته الخراسانية التي تتخذ شكل زاوية، يوجد منظر واسع مطل على ملعب الغولف، كما يمكن رؤية البحر على مرمى البصر.

وقد قامت شركة «بوفيرك»، التي تقع في فرانكفورت، في عام 2009، ببناء المنزل، المكون من خمسة أجنحة نوم ومساحة معيشة كبيرة وغرفة ترفيه وحمام سباحة داخلي وصالة ألعاب رياضية وحمام بخار، ثم تم شحنه إلى بريطانيا في صورة آلاف من القطع الخراسانية والفولاذية والزجاجية. ويرى ويستون إدواردز، الذي اعتاد شراء الملاهي الليلية، أن العمل قد انتهى بصورة أسرع وبجودة أعلى بكثير مما كانت تستطيع أي شركة بناء محلية أن تنجزه.

وقد وصلت قيمة هذا العقار في السوق إلى 3.9 مليون جنيه إسترليني، وهو أقل من سعر الطلب الأصلي وهو 5.5 مليون جنيه إسترليني، وكنوع من التشجيع، يضاف إلى صفقة البيع يخت ومرسى تصل قيمتهما إلى 50 ألف جنيه إسترليني.

وتمثل وكالة «سوذبي»، المسؤولة عن إدارة عملية البيع، عددا من المنازل الأخرى التي تتراوح أسعارها حول 4 ملايين جنيه إسترليني، إلا أن العقار الذي يسرق الأضواء حقا هو منزل يحمل اسم «ثندر بيرد» (أي طائر الرعد)، على غرار السيارة الكلاسيكية الشهيرة. ويقع هذا العقار، الذي يضم خمس غرف نوم ويتميز بشكل مقوس ولافت للنظر بسقفه ذي اللون النحاسي، على مسافة كبيرة داخل منطقة «برانكسوم بارك» المشجرة.

وبينما تباشر الشركة خططها للتوسع في هاروغيت وباث وإدنبرة وغيرها، تأتي الأنباء مشجعة من مدينة أوكسفورد، حيث تشير مؤسسة «نايت فرنك» إلى أن نسبة 40 في المائة من العقارات الراقية في أوكسفورد تباع لمشترين دوليين، لا تجتذبهم الفرص الاستثمارية هناك بقدر ما تشدهم الحياة وسط قمم المنازل المستدقة التي تملأ المدينة وما يتوافر بها من مدارس متميزة.

ويقول مكتب «فرنك نايت» في أوكسفورد إنه أتم، خلال 12 شهرا الماضية، عمليات بيع إلى مشترين من 13 دولة، وخصوصا من روسيا والدول الآسيوية. ويذكر داميان غراي، الشريك المحلي للوكالة، أن أعلى مستوى للطلب ينصب على المنازل التي تتجاوز قيمتها 2.5 مليون جنيه إسترليني.

ومن العقارات التي تخطف الأنظار منزل أقيم على الطراز الفيكتوري وسط مروج «بورز هيل»، وتحيط به حديقة تصل مساحتها إلى 3.4 فدان، أو 1.4 هكتار، كما توجد به دفيئة لزراعة البرتقال وقبو وخمس غرف نوم، ويصل سعره إلى 3.95 مليون جنيه إسترليني. وفي وسط المدينة يوجد منزل ريفي حديث به خمس غرف نوم وثلاثة حمامات وحديقة خلفية جميلة ذات أسوار زجاجية تطل على مساحات المعيشة، ويبلغ سعره 895 ألف جنيه إسترليني.

وطبقا لمؤشر المنازل الريفية الراقية الذي وضعته وكالة «نايت فرنك»، فقد تراجع متوسط الأسعار في بريطانيا بنسبة 3 في المائة خلال الربع الأخير من عام 2011، ثم انخفض بمقدار نصف في المائة خلال الربع الأول من عام 2012. إلا أن قيمة العقارات الفاخرة التي تساوي 5 ملايين جنيه إسترليني أو أكثر ما زالت ترتفع باطراد، حيث زادت بنسبة 2.1 في المائة خلال الربع الأول، و2.8 في المائة مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي.

ويتخصص تيم هوبارد من شركة «بروبرتي فيجن»، وهي شركة تقدم استشارات للمشترين المحتملين، في المناطق التقليدية المحيطة بلندن شمال مقاطعة ساري، مثل بلدة كوبهام وقريتي سانينغدال ووينتوورث، غرب لندن مباشرة. ويقول هوبارد: «ليس لدينا أي مؤشر على تراجع الطلب هنا، فالمنطقة ما زالت تعتبر استثمارا آمنا، والمشترون يرتاحون إلى قربها من لندن ومن مطار هيثرو، كما توجد مدارس دولية ممتازة هنا لمن لديهم أسرة».

ويرى الرجل أن مدينة «سانت جورج هيل» السكنية الخاصة، التي تقع بالقرب من بلدة وايبريدج، بما تشهده من تزايد في عدد القصور الريفية الضخمة، وكلها تتمتع بمداخل ذات أعمدة وحمامات سباحة تحت الأرض، تروق المشترين من روسيا وكازاخستان وأذربيجان على وجه الخصوص. ونوعية العقارات التي قد يوصي بها عملاءه الأثرياء هي مشروع «هانوفر هاوس»، الذي يقع إلى جانب «ملعب غولف وينتوورث» ذي الشهرة العالمية، حيث يستطيع مبلغ يتجاوز 14 مليون جنيه إسترليني بقليل شراء قصر ريفي حديث البناء به 6 غرف نوم و4 أعمدة عند الباب الأمامي ودرجان كبيران مؤديان إلى الحديقة.

وكما يقول تشارلز سميث، العضو المنتدب لوكالة «سوذبي» في بريطانيا: «السوق يتسم بالطابع الدولي، حيث يأتي المشترون المحتملون من أي مكان ومن كل مكان». ويضيف أن التسويق العقاري لا بد أن يحذو حذو هذا الاتجاه العالمي، موضحا: «قد تكون في هونغ كونغ وتشاهد على شاشة التلفزيون أن هناك عقارا للبيع في ستراتفورد أبون إيفون، أو تجلس في مكتبك في بورموث ويستهويك منزل مزرعة في ولاية وايومنغ الأميركية».

* خدمة «نيويورك تايمز»