خبراء: قطاع إيجار العقارات البحريني وصل إلى القاع السعري

وسط ضعف في الطلب

TT

خلص تقرير وكالة «سي بي ريتشارد أليس» الدولية للعقارات عن السوق العقارية البحرينية إلى أن جميع قطاعات السوق الرئيسية المبينة على مخطط دورة الإيجار تعيش فترة من التباطؤ؛ وهو ما يشير إلى أن قطاع العقارات البحريني يقع عند «قاع السوق» أو بالقرب منه، بينما يعرب أصحاب العقارات بازدياد عن أنهم يفضلون ترك العقارات خالية على قبول إيجارات بأسعار متدنية رغم أن هذا السلوك غير شائع في السوق وأن اعتماده بدرجة كبيرة على ما إذا كانت العقارات مملوكة أو غير محملة بأعباء قروض من عدمه.

ويلحظ التقرير أن الطلب الجديد على المساحات التجارية المحلية من الفئة «أ» يظل ضعيفا بصورة غير طبيعية أمام الطلب المتزايد، وأن جزءا كبيرا من الوحدات الجديدة المطروحة يكون في صورة أبراج تجارية جديدة في المنطقة الدبلوماسية وحي السيف، التي بدأ التشييد فيها بالتزامن مع دخول السوق البحرينية فترة تراجع فيها الطلب مدفوعا بظروف السوق العالمية.

ومن المرجح أن تواجه المساحات التجارية الجديدة في المنطقة الدبلوماسية على وجه الخصوص مشكلات في ضوء أن المنطقة غير مأهولة تماما بالمستأجرين الذين يتعذر عليهم الوصول إلى المنطقة أو التجول أو الانتظار فيها، فيما يبدو أن إخفاق الجهاز المسؤول عن التخطيط في تنظيم طريقة عمل المنطقة الدبلوماسية أو ترشيد هذه الطريقة كان العامل الأساسي في تخلف هذه المنطقة عن أن تكون الحي التجاري المركزي للبحرين.. الأمر ذاته ينطبق أيضا على «حي السيف» الذي ربما ينتهي به الأمر إلى السير على هذا المنوال، حيث إن كثافة البناء حتى الآن تختلف بعض الشيء عن الخطط الموضوعة لهذه المنطقة في الأصل، أما الأبنية التجارية الحالية، فإنها تشهد مستوى إشغال متوسطا، كما أن قطع الأراضي البيضاء توفر أماكن لانتظار السيارات وتلبي احتياجات القسم الأكبر من العاملين فيها وزائريها. ويشير فريق أبحاث «سي بي ريتشارد أليس للبحوث والاستشارات العالمية» إلى أن المساحات التجارية من الفئة «ب» التي كانت من قبل تتألف من عقارات أقدم أو عقارات في أماكن أقل في المستوى أو من شقق في أماكن تجارية متميزة أو بالقرب منها، تباين وضعها تبعا لمجموعة من العوامل؛ حيث انتقلت العقارات القديمة التي تخضع لأعمال صيانة ضعيفة إلى إيجارات العقارات من الفئة «ج»، بينما ظلت الأبنية التجارية الموجودة في أماكن أقل تميزا تتمتع بقبول عام مع استمرار وفائها باحتياجات الأسواق المحلية الموجودة بها، أما الشقق المستخدمة مكاتب تجارية فيجري إعادتها إلى الأغراض السكنية بصفة عامة، فلطالما كانت بدائل سيئة من حيث كفاءة المساحة والحصة المخصصة للانتظار.

كل هذه المعطيات في السوق البحرينية تشير إلى أن الكم من المساحات التجارية المتاحة من الفئة «أ» التي تمت إعادة تهيئتها كليا أو جزئيا يعني أن مستخدمي الشقق السابقين أصبحوا قادرين الآن على الانتقال للعيش في أماكن أكثر كفاءة وعملية بالمقابل نفسه الذي كانوا يسددونه من قبل تقريبا في وقت أصبحت فيه الحركة المرورية أسهل بصفة عامة في الأحياء التجارية رغم أن حالات عرقلة المرور التي يحدثها بعض المتظاهرين تعني تكدس السيارات في طوابير طويلة على الطرق السريعة الرئيسية أثناء فترات الذروة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه يسهل وقوع مثل هذا الارتباك المروري في البحرين بسبب التركز الشديد للمكاتب في أماكن معينة، ولو أن الجهاز المسؤول عن التخطيط تحديدا قد تعامل مع هذه المشكلة من خلال التشجيع على توزيع المراكز التجارية على نطاق أوسع في مختلف أنحاء مملكة البحرين، لربما كانت الاختناقات المرورية أقل وطأة وكانت حدتها قد بدأت تخف بحسب الخبراء.

وفي ما يتعلق بقطاع التجزئة، يشير تقرير «سي بي ريتشارد أليس» إلى أن قطاع المراكز التجارية للبيع بالتجزئة في البحرين أصبح غير متجانس بعض الشيء في ظل وجود تباين شاسع في الأداء بين المراكز التي تبدي أداء جيدا وتلك التي لا تبدي هذا الأداء، فمن جهة، يتمتع مركز «بحرين سيتي سنتر» و«مجمع السيف» بنسبة إشغال مرتفعة وأسعار تأجير قوية، ويليهما مباشرة «مودا مول».

وبالنظر إلى القطاع العقاري السكني، فإن ثمة تحركات واهية اتخذها القطاع الخاص للتعامل مع مشكلة مساكن ذوي الدخل المحدود، والسبب الرئيسي على ما يبدو هو «وجود مشكلات ارتفاع أسعار الأراضي وعدم وجود بنية تحتية في المناطق النائية وارتفاع تكاليف البناء مما يعني صعوبة الوفاء بحاجات السوق».

ويعد الإسكان الاجتماعي من الوحدات التي تسكنها الفئات منخفضة الدخل مشكلة في البحرين في الوقت الذي يظل فيه نموذج الشقق السكنية المتاحة للإيجار لمستويات الدخل المتوسطة هو نموذج الإسكان الأكثر نجاحا للقطاع الخاص في الوقت الحالي.

ومن الملاحظ أنه بدأت تنتشر في مختلف أحياء البحرين بعض الأبنية التي تتألف من شقق سكنية صغيرة نسبيا وبارتفاع طابق أرضي زائد أربعة طوابق إلى ستة وهو ما يتم أحيانا بصورة عشوائية، ويتمثل مستأجروها في مزيج من مؤسسات تسعى لإيجاد سكن للعاملين لديها، أو أزواج بحرينيين من الطبقات المنخفضة إلى المتوسطة الدخل الذين عادة ما يشرعون في تأسيس منزلهما الأول، وتحتوي هذه الشقق على التشطيبات الرئيسية للمسكن وبإيجارات شهرية تبدأ من 150 إلى 180 دينارا بحرينيا للشقة مؤلفة من غرفتي نوم تبعا للموقع.

وأُطلقت في البحرين في الأشهر الثلاثة الماضية العديد من مشروعات الإسكان لمتوسطي الدخل، وتقول التقارير إن بعضا من تلك المشروعات يتم بيعها بخسارة أو على أفضل تقدير بسعر التكلفة من أجل تحفيز السوق والترويج للمشروعات الرئيسية التي تمثل هذه المشاريع مراحل مبكرة لها.

وفي سياق الأحوال الحالية للسوق والرغبة في دفع عجلة المشروعات الكبرى، يعد هذا المنهج منطقي تماما، إلا أنه غير مستدام، وفي ظل المناخ السياسي والاجتماعي الحالي، تضاءلت المبيعات للوافدين بطبيعة الحال إلى أقل مستوياتها؛ فالمخاطر المرتبطة بتوافر الوظائف ومستقبل البحرين على المدى البعيد تظل إلى حد ما أمورا غير مؤكدة. على الرغم من ذلك، فإن المبيعات في المشروعات أو العقارات البعيدة عن المناطق المضطربة ما زالت مستمرة، ولكن بمعدلات وأسعار أقل مما كانت عليه منذ أربعة أعوام أو خمسة بحسب تقرير «سي بي ريتشارد أليس».

أسعار التأجير في المناطق الأكثر تأثرا بالاضطرابات المحلية تراجعت إلى مستوياتها في سنة 2005 أو 2006، بينما واصلت الأسعار في المناطق الناشئة مثل الهملة ارتفاعاتها التي خفف من حدتها كم الوحدات الجديدة المطروحة في المنطقة، وتباينت مستويات الإشغال أيضا تباينا شاسعا، حيث تراجعت في بعض مجمعات سار والبديع لتصل إلى 30%، بينما قاربت مستويات الإشغال في مجمعات الهملة 80% أو 90%. وإيجازا، يمكن القول إن سوق المجمعات السكنية تجتاز فترة من التغيرات مع ظهور ديناميات الموقع على السطح وتحول الطلب من منطقة إلى أخرى.

إلى ذلك يشير تحليل «ستاندارد آند بورز» للاقتصاد البحريني إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2011 بنسبة 2.2%، ويتوقع النمو بنسبة 3.5% و4.1% في عامي 2012 و2013 بالترتيب، وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البحرين في عام 2011 نحو 300 مليون دولار رغم الاضطرابات المدنية التي شهدتها البلاد. كما ارتفع عدد شركات الخدمات المالية في البحرين من 401 إلى 414 في عام 2011، وما لبثت حالة التفاؤل الحذر التي استهلت بها البحرين عام 2012 أن تراجعت بعض الشيء أثناء فترة استعداد البلاد لاستضافة فعاليات سباق الجائزة الكبرى في شهر أبريل (نيسان) الماضي بسبب الاضطرابات التي أثارتها المعارضة.

وفي مسعى من الحكومة للتغلب على تأثير تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على البحرين، أعلنت عن حزمة تحفيز اقتصادي تتألف من إنفاق بقيمة 300 مليون دولار على مشاريع البنية التحتية وبرنامج بقيمة 550 مليون دولار لتوفير مساكن لنحو 50.,000 أسرة مدرجة في قوائم الانتظار الحكومية للحصول على مساكن، في حين من المتوقع أن تتركز المساكن التي تطورها الحكومة في مناطق مهمة من مملكة البحرين تشمل المدينة الشمالية وشرق مدينة الحد وشرق سترة، وقد انعكست المشكلات التي واجهتها البحرين على الأجل القصير على التعليقات التي أطلقتها مؤسسة «ستاندارد آند بورز» التي جاء فيها أنه على الرغم من أن غالبية القطاعات لم تتأثر تأثرا جوهريا بالاضطرابات، فإن قطاعي المحروقات والبنية التحتية ظلا محركي النمو الرئيسيين على الأجل القصير.