مليارديرات البرازيل يبنون قصورهم وسط المحميات الطبيعية

الشواطئ البرازيلية والمنتجعات ملكية عامة.. ولكنها تخصص من قبل الأثرياء

TT

من مياه الأطلسي المتلألئة ذات اللون الأخضر الزمردي على الساحل الشرقي للبرازيل، تبدو جزيرة كافالا أشبه بجنة استوائية مزدهرة بالخضرة تحيط بها صخور ضخمة. لكن هذا المكان أصبح الآن في حوزة المليونير أنتونيو كلاوديو ريزيندي، أحد مؤسسي أكبر شركة إيجار سيارات في أميركا اللاتينية، والذي استولى عليه بوضع اليد، وقام بدءا من عام 2006 بإزالة غابة قديمة تنمو فيها أزهار الأناناس البرية، كي يفسح المجال لبناء قصر ريفي تبلغ مساحته 1752 مترا مربعا، بحسب جهاز شؤون البيئة بولاية ريو دي جانيرو. وهذا المنزل الذي بني جزء منه تحت الأرض ويختفي داخل الغابة الكثيفة المحيطة به، لا يمكن رؤيته سوى من الأعلى من طائرة.

وقد خالف ريزيندي (65 عاما) القواعد، التي تعطيه الحق في شغل الأرض داخل محمية طبيعية، ولكن ليس بناء منزل كبير بها، طبقا لما حكم به قضاة فيدراليون برازيليون. ويواجه الرجل منذ ما يزيد على 4 أعوام تهما مدنية وجنائية، حيث استأنف ضد حكم أصدرته المحكمة بهدم المنزل ومغادرة المكان، طبقا لما ذكرته مجلة «بلومبرغ ماركتس» في تقرير مطول حول خرق أثرياء البرازيل لقوانين البيئة.

وذكر «معهد البيئة بولاية ريو دي جانيرو»، (INEA)، في التقرير الصادر عنه في شهر أغسطس (آب) عام 2011، أن ريزيندي هو واحد من ضمن عشرات المليونيرات الذين يقضون عطلات نهاية الأسبوع وفترات الإجازات في منازل مبنية تخالف القواعد البيئية الفيدرالية وكذلك القواعد البيئية الخاصة بالولايات في بعض أجمل المناطق في البرازيل. ومن بين واضعي اليد هؤلاء المخرج السينمائي برونو باريتو، الذي تقول النيابة إنه دمر محمية طبيعية في جزيرة بيكو الواقعة في خليج باراتي.

وقد حصل آخرون، مثل العائلة التي تسيطر على شركة الإنشاءات العملاقة متعددة الجنسيات «كامارغو كوريا»، على تصريح حكومي ببناء منازل صغيرة في محميات طبيعية، لكنهم قاموا بدلا من ذلك ببناء مجمعات في مناطق شاطئية. كما قام ورثة روبرتو مارينهو، الذي أسس مجموعة «أورغانايزاكوس غلوبو»، وهي أكبر مجموعة إعلامية في أميركا الجنوبية، ببناء منزل تبلغ مساحته 1300 متر مربع (14 ألف قدم مربع) ومهبط طائرات هليكوبتر وحمام سباحة، في جزء من غابة مطلة على ساحل المحيط الأطلسي يفترض قانونا ألا يتم المساس بها حفاظا على البيئة الطبيعية.

وقد اختار منتجو هوليوود قصرا مبنيا على الطراز البولينيزي في خليج مامانغوا ليكون مكان التصوير الرومانسي لمشهد غرامي من فيلم «ملحمة الشفق: بزوغ الفجر - الجزء الأول»، وهو رابع فيلم من سلسلة أفلام المراهقين التي تدور حول مصاصي الدماء. وهذا المنزل، الذي تم بناؤه بوضع اليد، ملك للمليونير إيكارو فرنانديز، وهو مسؤول كبير في مجال توزيع الأغذية.

ويقول إدواردو غودوي، مدير مكتب «معهد شيكو منديز للحفاظ على التنوع الحيوي»، الذي يدير المحميات الطبيعية على المستوى الفيدرالي، في باراتي، إن جميع الشواطئ البرازيلية تعد ملكية عامة طبقا للقانون، لكن الأثرياء البرازيليين يفعلون كل ما يشاءون على أراض ليست ملكا لهم في الغالب. ويضيف غودوي: «إنهم يظنون أنهم الوحيدون الذين يستحقون أن يستمتعوا بقطعة من الجنة لأنهم أغنياء. هم يقولون إنهم أصحاب الجزيرة أو الشاطئ، والجميع يصدقونهم. لكن هذا ليس ما يقوله القانون».

وقد امتنع فرنانديز عن التعليق، غير أن محاميه، رودريغو زوين، اعترف بأن موكله بنى منزلا من دون تصريح، كما أخبر زوين النيابة في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي بأن فرنانديز سوف يعيد 95 في المائة من قطعة الأرض التي يملكها إلى حالتها الأصلية إذا تم تمكينه من البقاء في المنزل. وحتى أوائل شهر مارس (آذار) الماضي، كانت النيابة لا تزال تدرس الطلب.

ويعد رد الفعل هذا من جانب المحكمة طريقة شائعة يستغلها كثير من واضعي اليد الأثرياء في التعامل مع أحكام القضاء، حيث لا ينكرون في العادة أنهم أضروا بالبيئة، ويتعهدون بدلا من ذلك بأن يصلحوا الأضرار، ثم بعد ذلك لا يفعلون أي شيء.

وفي شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2008، قدم المخرج السينمائي باريتو تعهدا أمام المحكمة بأن يهدم منزله وأن يعيد المنطقة إلى حالتها الأصلية في غضون عامين. وبعد مرور أربع سنوات، ما زال باريتو مستحوذا على قطعة الأرض، التي تركها كما هي، طبقا لما قالته النيابة. وقد امتنع باريتو، الذي يستأنف ضد الشكاوى الحكومية المقدمة ضده، عن التعليق.

ومع تضخم ثروات الأغنياء في البرازيل نتيجة وصول النمو الاقتصادي هناك إلى أعلى معدلاته منذ أكثر من عقدين، يتزايد الاستغلال غير القانوني للأراضي العامة في المحميات الطبيعية، بحسب غودوي، الذي يدير الجهاز الفيدرالي لشؤون البيئة الذي يرأسه في باراتي، وهي عبارة عن مستعمرة يعود تاريخ بنائها إلى القرن السابع عشر وتقع على بعد نحو 250 كيلومترا (155 ميلا) جنوب ريو دي جانيرو، على خليج يمتلئ بالجزر التي توجد بها إشغالات غير قانونية.

وقد اختار واضعو اليد السكن داخل محميات «سيروكو» و«جواتينغا» و«تامويوس»، في جزر وغابات بها الكثير من الأنهار والشلالات والشواطئ التي تبني فيها السلاحف البحرية أعشاشها. ويمضي غودوي قائلا إن الأغنياء يستعينون بمحامين لمراوغة القوانين، ويكذبون على السلطات فيما يتعلق بطلبات تصاريح البناء، ويدمرون المحميات الطبيعية والأنهار بشكل غير قانوني، ويقومون بخصخصة الشواطئ عن طريق استئجار حراس أمن مسلحين من أجل إبعاد الزوار.

ويؤكد فرناندو أموريم لافييري، وكيل نيابة فيدرالي قضى ثلاث سنوات في منطقة باراتي، أن المسؤولين عن تفعيل القوانين والقضاة الذين يحكمون بإخراج واضعي اليد من المحميات الطبيعية ليست لديهم أي صلاحيات، مما يمكن البرازيليين الأغنياء من الإفلات بأي شيء تقريبا. ويضيف لافييري: «القانون هو القانون للفقراء والأغنياء، لكن الأغنياء لديهم محامون كبار، والقضايا التي ترفع ضدهم تدخل في عرض مستمر لسنوات طويلة داخل المحاكم».

وقد ساعد ازدهار الاقتصاد البرازيلي، بفضل ما شهده من طفرة ائتمانية وانتعاش في الصادرات خلال العقد الماضي، على ارتفاع قيمة الأصول، مثل العقارات والأسهم والسندات والسلع الأساسية، مما أدى إلى ظهور 19 مليونيرا جديدا كل يوم في بلد به 190 مليون نسمة، بحسب «تقرير الثروات العالمي» الصادر عن شركة «كابجيميني» ومصرف «بنك أوف أميركا ميريل لينش» في عام 2010.

ويبلغ صافي ما يمتلكه البرازيليون جميعا 890 مليار دولار، أو ما يمثل 39 في المائة من إجمالي الأصول المملوكة لأفراد في أميركا اللاتينية، بحسب تقرير صادر عن «ويلث إكس»، وهي شركة أبحاث تقع في سنغافورة، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011.

ويقول لافييري إن واضعي اليد يستفيدون من الثغرات الموجودة في القوانين، فبداية من عام 1983، عمدت الحكومة الفيدرالية إلى سن قوانين للمحافظة على منطقتي باراتي وأنغرا دوس رييس القريبة منها، اللتين تعيش فيهما أنواع نادرة معرضة لخطر الانقراض. وتسمح القوانين المحلية لبعض الناس بالإقامة هناك، نظرا لأن العائلات التي تعيش على الصيد من السكان الأصليين تعيش منذ أجيال في تلك المناطق قبل أن تتحول إلى محميات طبيعية.

ويقول جوزيه أولمبيو أوغستو موريلي، وهو محلل بيئي يترأس مكتب «المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطبيعية المتجددة»، (IBAMA)، وهو جهاز شؤون البيئة الفيدرالي في البرازيل، في منطقة أنغرا دوس رييس: «إذا لم يسيروا على القواعد، تستطيع الحكومة أن تسحب منهم الحق في شغل الأرض وأن تلزمهم بهدم ما قاموا ببنائه».وبالفعل، فقد أصدر «المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطبيعية المتجددة» أمرا يلزم ريزيندي بهدم المنزل الذي كان يبنيه على جزيرة كافالا.

وعلى الجانب الآخر من خليج باراتي، قام إيكارو فرنانديز، صاحب شركة «رينو بارتيسيباسوس آند دستربيودورا دي أليمينتوس ليميتد»، وهي شركة توزيع أغذية بالجملة في مدينة ساو باولو، بشراء قطعة أرض تبلغ مساحتها 400 ألف متر مربع في عام 2003 على شاطئ «برايا دا كوستا» في خليج مامانغوا. وقد تم فرض الحماية البيئية على قطعة الأرض هذه، التي تقع داخل محمية «جواتينغا» البيئية التي تبلغ مساحتها 8 آلاف هكتار (19800 فدان)، لأن هذا المكان يوجد فيه الزقاق البحري الوحيد في أميركا الجنوبية، كما أن هذه البقعة محاطة بالجبال المغطاة بغابات لم تمسها يد وتعيش فيها القرود وآكلي النمل وحيوانات اليغور.

وقد أنشأ فرنانديز منزلا مكونا من طابقين تبلغ مساحته 666 مترا مربعا مطلا على الشاطئ، طبقا لما ذكرته النيابة في دعوى قضائية مدنية مرفوعة ضده أمام المحكمة. ويضم المنزل 15 حجرة بها مصاريع خشبية ونوافذ ذات ألواح زجاجية في الطابق الأرضي، كما يوجد بيت للضيافة وشاليه لمديرة المنزل فوق أحد التلال هناك.

مقاضاة فرنانديز

* وشرعت النيابة في مقاضاة فرنانديز في نوفمبر عام 2004 لعدم الحصول على تصريح بيئي بالبناء، كما ذكرت النائبة العامة الفيدرالية باتريشيا فينانسيو، في تقرير لها بتاريخ 3 يناير عام 2006، أنه قام بقطع الأشجار في مناطق من الغابة المحمية، وردم أحد المجاري المائية، وإزالة المساحات الخضراء المقابلة للشاطئ.

وأصدرت المحكمة في عام 2004 حكما يلزم فرنانديز بوقف الإنشاءات، لكنه لم يفعل، بل ظل منذ ذلك الوقت يستأنف ضد المطالب القضائية بهدم المنزل الذي اكتمل بناؤه وإعادة الأرض إلى حالتها الطبيعية، طبقا لما جاء في تقرير صادر عن «معهد شيكو منديز للحفاظ على التنوع الحيوي في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2011.

وقد صرح باول فلوغ، المتحدث باسم شركة «ساميت إنترتينمنت كوربوريشن»، بأن الشركة ليس لديها علم باتهامات النيابة فيما يتعلق بالعقار الذي صورت فيه فيلمها «بزوغ الفجر».

ويوضح ريكاردو مارتينز، وكيل نيابة فيدرالي، أن معظم المليونيرات يسجلون العقارات بأسماء شركات قابضة، مما يسمح لهم بأن يدفعوا ضرائب أقل وأن يجعلوا هناك صعوبة أكبر أمام الحكومة في اكتشاف المسؤول عن الجرائم البيئية، وهذه الشركات تسيطر عليها في الغالب شركات أخرى تقع في مناطق تقدم امتيازات ضريبية. وقد كان هذا هو الحال مع عائلة مارينهو الإعلامية، إذ تكشف غراتزييلا موريس باروس، وهي مفتشة لدى «معهد شيكو منديز للحفاظ على التنوع الحيوي»، أن أفراد هذه العائلة خالفوا القوانين البيئية ببناء قصر ريفي على مساحة 1300 متر مربع يطل على شاطئ «سانتا ريتا» مباشرة.

وتضيف باروس أن العائلة قامت في عام 2008، ببناء منزل عصري من دون تصريح بين كتلتين خرسانيتين كبيرتين منفصلتين غرست فيهما قطع زجاجية. وقد فاز منزل آل مارينهو هذا بالكثير من الجوائز المعمارية، ومن بينها جائزة أفضل تصميم من مجلة «وول بيبر» في عام 2010.

كما قامت العائلة بإنشاء حمام سباحة على الشاطئ العام، وإزالة غابة محمية كي تفسح المجال لبناء مهبط طائرات هليكوبتر، كما تقول باروس، التي شاركت في حملة تفتيش مفاجئة على العقار في إطار الدعوى القضائية التي رفعتها النيابة الفيدرالية ضد الإنشاء على هذه الأرض. وتستطرد قائلة: «هذا المنزل يعد مثالا لبعض أخطر الجرائم البيئية التي نراها في المنطقة. يقول الكثيرون إن عائلة مارينهو تحكم البرازيل. هذا المنزل المطل على الشاطئ يظهر أن العائلة لديها بالتأكيد قناعة بأنها فوق القانون».

وتتابع باروس قائلة، إن أصحاب شركة «كامارغو كوريا»، التي تعد أكبر مجموعة إنشائية في البرازيل، قاموا بالبناء على أرض محمية، وهي ملك لشركتي «أغروبيكواريا آند كوميرسيال كونكويستا ليميتد»، و«ريجيمار كوميرسيال». وصاحب الشركة الأولى هو فرناندو دي أرودا بوتيلهو، المتزوج من المليارديرة روزانا كامارغو دي أرودا بوتيلهو، أما صاحبة الشركة الثانية فهي ريجينا دي كامارغو بيريز أوليفييرا دياز، شقيقة روزانا. وتشير التقارير الصادرة عن «المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطبيعية المتجددة» إلى أن العائلة أنشأت مجمعا فاخرا داخل محمية «سيروكو» الطبيعية. وتضيف باروس أن العائلة قامت، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، ببناء منزلين بشكل غير قانوني على مساحة 700 متر مربع، لتزيد بذلك من حجم الإنشاءات غير المرخصة. وفي يونيو (حزيران) عام 2010، كان هذا الشاطئ مسرحا لحفل زفاف فرناندو أوغستو كامارغو دي أرودا بوتيلهو، ابن فرناندو بوتيلهو، وحضر الحفل نحو 800 مدعو.