مارك بولاك مدير مؤسسة أستون تشيس للعقارات: 75% من المشترين أجانب

خبير لندني لـ «الشرق الأوسط»: لا تغفلوا مناطق «ريجنت بارك» و«سان جونز وود»

مارك بولاك و جانب من حي السيتي ووسط لندن
TT

بينما يشتد الصراع العقاري على مناطق النخبة في وسط لندن، وترتفع الأسعار إلى آفاق غير مسبوقة، فإن هناك العديد من الضواحي القريبة التي ترتبط بلندن وتوفر عقارات من الدرجة الأولى بأسعار أقل من وسط المدينة. وهي أيضا مناطق يمكن توقع ارتفاع الأسعار فيها في المستقبل للعديد من الأسباب. ويعتقد بعض خبراء العقار في لندن أن القيمة الكامنة في هذه العقارات أكبر من تلك باهظة الثمن في المناطق الأرستقراطية التقليدية في وسط العاصمة. فحتى مع استمرار ارتفاع أسعار فئة السوبر في سوق العقار يحذر الخبراء من إمكانية التراجع في أي وقت خلال مرحلة الكساد.

من هؤلاء الخبراء مارك بولاك، مدير مؤسسة «أستون تشيس» العقارية التي تعمل في منطقة شمال غربي لندن، التي تشمل ريجنت بارك حيث مسجد لندن الرئيسي، منذ عام 1985.

في الشهور الأخيرة لاحظت الشركة زيادة في طلب العقار في هذه المناطق من الأجانب أيضا، ولاستيضاح صورة ما يجري في سوق العقارات اللندنية الفاخرة بعيدا عن مركز العاصمة قليلا، كان اللقاء مع مارك بولاك في مكتبه القريب من منطقة ريجنت بارك:

* في المناطق التي تعمل فيها شركتكم، ما هي نسبة الطلب من الأجانب، وما هي نسبة العرب منهم؟

- في السنوات الأخيرة تغير نمط البيع، ويمكنني أن أقول إن نسبة 75 في المائة من المشترين الآن في المنطقة هم من الأجانب. وهناك العديد منهم يختارون سان جونز وود بسبب وجود المدرسة الأميركية فيها وسهولة المواصلات بوجود خط المترو «جوبيلي لاين» فيها الذي يصلها مباشرة بحي السيتي المالي. ومعظم المشترين يأتون من مناطق آسيا والصين والشرق الأوسط ويقبلون على العقارات المؤمنة بخدمات الحراسة وكونسيرج. والبعض يشتري هنا لغرض الاستثمار، أو للإقامة لفترات خلال السنة في مدينة عالمية ذات ثقافة متسامحة.

* هل تعاملت مع مشترين من الشرق الأوسط؟

- نعم منذ فترات طويلة، لكنهم لا يقبلون بكثافة على العقارات في المناطق التي نعمل فيها حاليا.

* هل لاحظت أن لهم متطلبات خاصة تختلف عن المشترين الأجانب الآخرين؟

- لا أعتقد أن هناك خصائص تقتصر على المشترين من الشرق الأوسط. وهم بالتأكيد يفضلون خدمة كونسيرج، وهم أيضا يقبلون على المجمعات السكنية الحديثة المؤمنة بحراسة، ويريدون حديقة ومكانا لصف السيارة، بالإضافة إلى المميزات الأخرى في القطاع مثل الحمامات الملحقة بغرف النوم. كما يفضلون السكن بالقرب من ريجنت بارك حيث يذهبون للعب في الحدائق مع أبنائهم في عطلات نهاية الأسبوع. وهم يعيشون في عائلات مترابطة. ويمكن لهذه المنطقة أن تجتذب المزيد من عائلات الشرق الأوسط في المستقبل.

* كيف تصف أحوال السوق في عام 2012، بالمقارنة مع العام الماضي؟

- نجد ظروف السوق بها الكثير من التحديات، وكان النشاط قويا في العام الماضي خصوصا في القطاع الذي يبلغ نحو عشرة ملايين إسترليني، لكن هذا القطاع تباطأ بعض الشيء هذا العام وأصبح من الصعب الحصول على التزام بالشراء من الزبائن. ونجد أن حجم التعامل مخيب للآمال، وقمة السوق ليس بها الكثير من النشاط. والقطاع الوحيد الذي نجد فيه بعض النشاط الآن هو ما بين مليونين وخمسة ملايين إسترليني، وهو قطاع ينشط فيه الأجانب بوجه خاص. وكان أغلى عقار بيع في منطقة سان جونز وود هذا العام بسعر 8.1 مليون إسترليني.

* هل هذا بسبب الموقع؟

- على الإطلاق، لكن مصادر السوق والإعلام تعطي هذا الانطباع بأن قمة السوق محصنة تماما ضد التذبذب في الأسعار. وهذا ليس صحيحا. ففي المناخ الحالي يتردد كثيرون قبل الإقبال على خطوة الشراء، وهم لا يشعرون بأي عجلة لإنجاز صفقات. كذلك تأثر كثيرون بالميزانية الأخيرة التي رفعت فيها ضريبة التمغة من خمسة إلى سبعة في المائة، وبنسبة 15 في المائة للمشترين عبر شركات أوفشور. وفي بعض الحالات طالب المشترون بخفض في الأسعار لتعويض هذه التكاليف الإضافية. ويعتقد البعض أن فرض 15 في المائة على شركات الأوفشور غير مبرر لأن استخدامها لم يكن بغرض التهرب من دفع الضرائب وإنما للحفاظ على الخصوصية وعدم إعلان هوية المشتري وأيضا للحماية من ضرائب الإرث. وأعتقد أنها كانت خطوة سيئة من الحكومة، لأن مثل هذه الخطوة قد تشجع مستثمرين على الذهاب إلى مواقع أخرى.

* هل تعمل أيضا في مجال البحث عن العقارات، وما هي نسبة هذا النشاط من إجمالي نشاط الشركة؟

- نعم نعمل في مجال البحث عن العقارات المناسبة، لكن النسبة من إجمالي النشاط لا تزيد على نحو خمسة في المائة. ونشاطنا الأساسي هو في بيع العقارات، ولدينا علاقات جيدة مع الشركات والأفراد على السواء. وبعض العقارات في قمة السوق تأتي إلينا للتسويق، لكن خارج نطاق الإعلان العام عنها لأسباب عديدة يتعلق بعضها بالأمن أو الرغبة في الخصوصية.

* ما هي صعوبات تسويق عقارات ليس مسموحا لك بالإعلان عنها؟

- هي بالتأكيد عملية صعبة. ونحن الآن نتفاوض لتسويق عقار في حدود 40 مليون إسترليني يريد أصحابه التوقيع على تعاقد بعدم الإعلان عنه. وتجري العملية عن طريق الاتصالات الخاصة. والخبرة هنا هي العامل الأساسي بعد العمل في المنطقة لسنوات طويلة. فعندما يتصل بنا أحد لبيع عقار، فإننا في الغالب نعرف العقار وتاريخه وملاكه السابقين والأسعار التي بيع بها، من واقع سجلاتنا. ولدينا بالطبع شبكة وكلاء بيع وشراء نتعامل معهم، وهم يسهمون في بيع العقارات من دون الإعلان عنها.

* ما هي أسباب عرض العقارات «خارج نطاق السوق»؟

- في الغالب تكون المسألة متعلقة بأمن العقار وتوفير الخصوصية لأصحابه. وفي بعض الحالات تكون المسألة مجرد «جس نبض» للسوق بحيث إذا بيع العقار في صفقة جيدة كان بها، وإذا لم يبع فلا ضرر من التجربة. وهي تعتمد على الظروف، فبعض البائعين لا يريدون صور عقاراتهم في الصحف والمجلات، والبعض الآخر يسعى إلى تحقيق علاوة فوق سعر عقاره.

* هل يمكن استنتاج أن بعض العقارات التي تعرض خارج نطاق السوق تمثل صفقات رديئة مقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية؟

- يمكن قول ذلك. لكن العقارات التي تعرض بهذا الأسلوب هي في الواقع عقارات خاصة وتستحق علاوة على سعرها. وهناك العديد من الصفقات التي عقدت عبر السنوات والتي دفع فيها المشتري علاوة على الثمن المطلوب من أجل ضمان الحصول على عقار معين. وهذه الصفقات تعني أن المشتري يود الاحتفاظ بالعقار لفترات طويلة لأنه لو باعه بسرعة فلن يستعيد أمواله بسبب التكاليف الباهظة للدخول والخروج من السوق.

* في مجال تأجير العقار، هل يكون ذلك للشركات أم للأفراد؟

- النسبة هي نحو 60 في المائة للأفراد و40 في المائة للشركات، وهي نسبة تعبر عن نوعية العقار، التي تقترب من قمة السوق عنها لقاع السوق. وتتراوح الإيجارات بين 500 إسترليني لغرفة واحدة و15 ألفا في الأسبوع لعقار فاخر.

* لماذا تعتبر أن لندن مدينة لها مزايا خاصة؟

- لقد كنت في حفل استقبال مؤخرا في 10 داوننغ ستريت (مقر رئيس الوزراء البريطاني) في مناسبة خاصة بجمعية خيرية ندعمها، وبعدها خرجت ومررت بقصر باكنغهام، وعند ذلك أحسست بأنني أعيش في مدينة رائعة نأخذها أحيانا على أنها شيء عادي لكنها متألقة بكل المعايير. وقديما قالوا إن من يمل من لندن فقد مل من الحياة، ففي لندن كل ما يمكن أن يطلبه المرء في حياته. وفي لندن اليوم تتعايش كل الأجناس والأديان في وئام. وفي المناطق الشمالية هناك مسجد لندن وحديقة ريجنت بارك والمساحات المفتوحة بدلا من ازدحام وسط العاصمة. وهي نسبيا مدينة آمنة للحياة فيها، والخدمات التعليمية والصحية فيها ممتازة، كما أن بها مركز كلية إدارة الأعمال البريطانية.

* ما هي نصيحتك للمستثمر الأجنبي القادم إلى لندن؟

- أقول له لا تنس مناطق مثل ريجنت بارك وسان جونز وود في لندن لأنها تقدم قيمة عقارية جيدة، فهناك عقارات بنفس نوعية عقارات وسط لندن بألفي إسترليني للقدم المربع بدلا من أربعة آلاف. وهذه الضواحي قريبة من المركز وبها مواصلات جيدة وترتبط بأوروبا عبر قطار «يوروستار» وبمطار هيثرو عبر القطار السريع «هيثرو إكسبريس».

أزمة اليورو تدفع الأوروبيين باتجاه لندن تدفع المخاوف من انهيار اليورو مستثمري أوروبا في الوقت الحاضر للتوجه إلى لندن كملاذ آمن. وتؤكد شركة «نايت فرانك» على أهمية الاستثمار الأجنبي في لندن كمحرك لقطاع العقار فيها، وتقول إن هذا العامل ما زال فاعلا بقوة في السوق مع دخول أكثر من 60 جنسية سوق العقارات اللندنية في العام الأخير. لكنها لا تهمل الاستثمار المحلي الذي ما زال يمثل نحو 45 في المائة من جملة الصفقات، خصوصا من المشترين في فئة المليون إلى خمسة ملايين إسترليني من قطاع الأعمال والبنوك. وتتوقع الشركة أن يستمر معدل الزيادة خلال هذا العام لأن سوق التوظيف في لندن ما زالت نشيطة حتى ولو تراجع الاستثمار الأجنبي في لندن.

وكان تقرير آخر من الشركة نفسها قد أشار إلى ارتفاع في أسعار عقارات لندن بنسبة 8.3 في المائة خلال العام الماضي. وأكد التقرير أن الأحياء الفاخرة في لندن زادت في قيمتها بنسبة 31.2 في المائة منذ شهر مارس (آذار) عام 2009. وتقود قمة النشاط في الأسواق اللندنية الآن عقارات في فئة المليون إلى خمسة ملايين إسترليني (1.5 إلى 7.5 مليون دولار)، وهو قطاع ارتفع بنسبة أربعة في المائة خلال الربع الأخير من العام الماضي.

وينشط في سوق لندن حاليا قطاع جديد من المستثمرين الذين يدخلون السوق بحثا عن العقارات ذات القيمة الإيجارية العالية. ويحصل هؤلاء على شروط جيدة من البنوك، بعد أن كان الوضع مختلفا في الماضي. فحتى وقت قريب كانت البنوك تفرض رسوما إضافية على قروض شراء العقارات بغرض التأجير تزيد بنسبة واحد في المائة على الأقل عن القروض الإسكانية للمشترين الجدد أو المنتقلين من عقار سكني لآخر. وكان تعليل هذه التفرقة في المعاملة هو أن مخاطر الاستثمار العقاري أكبر من الاستخدام للسكن، لأن أسواق الإيجار عالية المخاطر مع احتمالات متزايدة لإفلاس هذا النوع من المستثمرين.

ويبدو أن المناخ تغير الآن حيث تفضل البنوك هذا النوع من المستثمرين عن المشترين الجدد، وتقدم لهم امتيازات أفضل من صغار المشترين. فهي لا تشترط مثلا دفع ربع الثمن مقدما لشراء عقار، كما لا تفرض أي زيادات على فوائد القروض بل تطرح لهم نسبا أقل لإغرائهم. وأدت التوجهات الجديدة للبنوك إلى توسع الاستثمار العقاري بغرض التأجير في بريطانيا كإحدى أهم ركائز السوق حاليا. لكن هذا الوضع يزيح من السوق شريحة المشترين الجدد الذين يبحثون عن عقارات للإقامة فيها، بسبب صعوبة الحصول على التمويل اللازم وعدم كفاية مدخراتهم لسداد نسب عالية كمقدم لثمن العقارات، تشترطها البنوك حاليا.

من بين أفكار الاستثمار الجديدة التي ظهرت في مجال تأجير العقار تكوين سنديكات تجمع استثمارات فردية في شركات تشتري عقارات بغرض التأجير ثم توزع عوائد الأرباح على المشاركين. وتوفر هذه السنديكات حاليا عوائد أعلى مما يتاح من أغلب الاستثمارات الأخرى سواء في البورصة أو ودائع حسابات التوفير.