بعد انتعاش غير مسبوق.. سوق العقارات الألمانية «رهين مستقبل اليورو»

ملياردير ألماني: على المستثمرين التعامل بحذر شديد

TT

أعلن الملياردير الألماني الشهير نيكولاس بيرجروين أن السوق العقارية الألمانية، التي تعد واحدة من أكبر المستفيدين من أزمة الديون الأوروبية، سوف تعاني في حالة انهيار منطقة اليورو. وأضاف بيرجروين، الذي يملك منازل وعقارات في برلين تقدر قيمتها بنحو 300 مليون يورو (375 مليون دولار): «تعد ألمانيا ملاذا آمنا، ولكنها ستكون في ورطة في حالة انهيار منطقة اليورو». وأكد بيرجروين أنه يتعين على المستثمرين التعامل «بحذر شديد». وذلك وفقا لتقرير نقلته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية.

وتشير تقديرات مجموعة «سي بي آر إي» إلى أن المستثمرين قد أنفقوا 3.52 مليار يورو على استثمارات عقارية لا تقل عن 50 منزلا، بزيادة 76 في المائة مقارنة بالعام السابق. وفي تقرير لها في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قالت المجموعة التي تتخذ من ولاية لوس أنجليس مقرا لها إن السبب في هذا الاستثمار الكبير يعود إلى حالة المرونة التي يتمتع بها الاقتصاد الألماني واحتمال ارتفاع قيمة الإيجارات.

وفي اتصال هاتفي في 19 يونيو (حزيران) قال جيمس ستوتارد، وهو رئيس إدارة محفظة الأوراق المالية والسندات الدولية بشركة «فيديلتي إنفستمينتس»، إن تلك المرونة قد تتعرض لاختبار خلال العام المقبل، حيث تتجه إيطاليا وإسبانيا إلى الاعتماد على حزمة إنقاذ مالي سيادية، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض الجدارة الائتمانية لألمانيا. ويصل إجمالي الديون الحكومية لدول جنوب أوروبا إلى 2.8 تريليون يورو.

وقال بيرجروين إنه لن يحيد عن استثمار المزيد من الأموال في برلين. وتمتلك شركته نحو 90 مبنى في برلين، بما في ذلك مبنى «كافيه موسكاو» بالقرب من ميدان ألكسندر الشهير، ومصنع سابق في منطقة تريبتو تم تحويله إلى مكاتب ومنازل سكنية. وعلاوة على ذلك، تملك الشركة عقارات في تل أبيب وإسطنبول. وفي مقابلة شخصية معه بجناحه الخاص بفندق «ريجنت برلين» قال الملياردير الألماني لوكالة «بلومبيرغ»: «إننا نلقي نظرة على المدى الطويل للغاية، ولسنا بحاجة لإظهار نتائج سريعة».

وفي عام 1985، قام بيرجروين بإنشاء شركة لإدارة استثماراته واتحاد عائلي صغير. والآن، تملك شركة «بيرجروين هولدينغز» مكاتب في برلين وأمستردام وإسطنبول ومومباي ونيويورك وتل أبيب، كما تملك أصولا تقدر قيمتها بأكثر من 1.5 مليار يورو.

وقامت الشركة بشراء شركة «كارستادت وارينهاوس»، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة وتملكت أكبر سلسلة متاجر في ألمانيا، في شهر سبتمبر (أيلول) 2010، بعد أكثر من عام من إعلان سلسلة المتاجر إفلاسها. وتدير شركة «كارستادت» 119 منفذا، بما في ذلك منفذ «كاديوي» في برلين والذي يعد ثاني أكبر متجر في أوروبا، وفقا لما أعلن عنه موقع «بيرجروين هولدينغز» الإلكتروني. وتملك شركة «بيرجروين هولدينغز» مجموعة كبيرة من العقارات والمكاتب والفنادق. وفي تل أبيب، قامت الشركة بالاستعانة بشركة «ريتشارد مير آند بارتنرز أركتيكت» لتصميم برج سكني فاخر في شارع روتسفيلد.

وتقوم الشركة أيضا بتطوير 15 مليون قدم مربعة (1.4 مليون متر مربع) من المنازل والمتاجر والمكاتب في منطقة نيوارك بولاية نيوجيرسي، بهدف إحياء منطقة وسط المدينة. وعن ذلك يقول بيرجروين: «يتميز العمل في نيوارك بالحب أكثر من أي شيء آخر». وقد ولد بيرجروين لأب يدعي هاينز وهو عاشق للفن وقام بتجميع مجموعة رائعة من أعمال بول كلي وبابلو بيكاسو، وكذلك أعمال ألبرتو جياكوميتي وهنري ماتيس، بعد الحرب العالمية الثانية. يذكر أن متحف بيرجروين المملوك للدولة في حي شارلوتنبورغ بالعاصمة الألمانية برلين، يضم أكثر من 100 صورة لبيكاسو.

ويذكر أن وضع سوق العقارات الألمانية أفضل حالا من نظيرتها في باقي دول منطقة اليورو، حيث ارتفعت الأسعار بنحو 2.6 في المائة خلال العام الحالي، مقارنة بـ0.5 في المائة قبل عام، وفقا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي، في حين ارتفعت الأسعار في باقي دول المنطقة بنحو 0.3 في المائة.

وقد هبطت الأسعار في معظم دول جنوب أوروبا، وفي مقدمتها إسبانيا، التي هبطت الأسعار فيها بنسبة 7.4 في المائة، وفقا لتقديرات البنك المركزي الأوروبي. ويرى بيرجروين أن فرص الاستثمار تتركز في برشلونة ومدريد وميلانو وتورينو، على الرغم من أن أزمة الديون السيادية لم تحل بعد. وقال بيرجروين: «من المبكر للغاية الحديث عن ذلك. علينا الانتظار حتى ينهار كل شيء بطريقة مناسبة. وحتى لو استقرت الأمور، ستكون هناك فرص». وفي أحد المؤتمرات في العاصمة الألمانية برلين، قالت المستشارة إنجيلا ميركل إنه يتعين على القادة الأوروبيين القضاء على «العجز» الذي حدث عند تأسيس الاتحاد الاقتصادي والنقدي قبل 20 عاما. وقال بيرجروين إن الشيء الوحيد الذي يمكنه تأمين مستقبل منطقة اليورو على المدى البعيد هو وجود تكامل مالي، وأضاف: «أوروبا تشبه المبنى الذي لم يكتمل تشييده بعد، ولا تزال العناصر الأساسية لهذا المبنى مفقودة».

ويقول خبراء عقارات إن سوق العقارات الألمانية شهد طفرة غير مسبوقة خلال العام الماضي. ولكن، هل يعني هذا أن أسعار العقارات قد بلغت ذروتها في ألمانيا وأنها سوف تشهد تحركا أو انخفاضا طفيفا في عام 2012؟ وما مدى نشاط سوق بيع المنازل في هذا البلد، لا سيما في المدن الحضرية الكبيرة مثل ميونخ وبيرلين وفرانكفورت؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، يقول خبراء إنه يتعين على المرء أولا معرفة الإحصاءات المهمة التالية: تشغل إعلانات البحث عن المنازل التي ينشرها سماسرة العقارات المساحة نفسها تقريبا، إن لم تكن مساحة أكبر في بعض الحالات، التي تشغلها إعلانات المساحات المعروضة للبيع. وهذا يعني أن كل الوكلاء العقاريين يعانون من نقص في «الأماكن التي يستطيعون بيعها». وكانت أكثر الموضوعات إثارة في الوكالات العقارية الألمانية في عام 2011 مسألة عرض شقة مكونة من أربع غرف نوم في فرانكفورت للبيع مقابل 395.000 يورو. ومن بين الاستفسارات الـ55 التي تلقتها إحدى الوكالات بعد أقل من 24 ساعة من نشر الإعلان على الإنترنت، قام نحو 50 زبونا بمعاينة هذه الشقة، التي تم بيعها في نهاية المطاف لصاحب العرض الأفضل، الذي كان أعلى بكثير من السعر المطلوب.

وتقول الوكالة التي باعت الشقة إن هذه الواقعة تعد مؤشرا على انتعاش سوق الشقق، حتى إننا ما زلنا نقول إنه لو كان لدينا 5 أو 6 شقق مكونة من 3 أو 4 غرف نوم في الأماكن التقليدية في فرانكفورت، لكان باستطاعتنا تكرار مثل هذه التجربة مرارا بكل سهولة. الاستنتاج الذي قد نخرج به من ذلك هو أن «هناك عملية بحث جنونية عن العقارات في أي مكان في ألمانيا وبأي سعر».

وتقول الوكالة في موقعها إنه يجب على المرء التفرقة بشكل واضح بين الأماكن المختلفة الموجودة داخل المدن (الأماكن الصغيرة) وشروط الملكية، فضلا عن تاريخ بناء العقارات والأسعار المطلوبة فيها. وتضيف أن هنالك حالات لا يتم فيها البيع بشكل سريع؛ حيث كان لدينا في عام 2010، شقة «بنتهاوس» جميلة في بلدة كوينغشتاين الرائعة التي تقع وسط التلال على بعد نصف ساعة فقط من مدينة فرانكفورت والتي تشتهر بكونها واحدة من بين أعلى المدن الألمانية في مستويات الدخل، وقد تم بيع الشقة مقابل ثلثي السعر المطلوب فقط، بعد فترة طويلة من الإعلانات وعدد كبير من الزيارات التي قام بها الأشخاص الراغبون في الشراء.

وتراوح سوق العقارات الألمانية في مكان ما بين هذين النقيضين، وتعكس الوضع العام في البلاد المتمثل في ارتفاع الطلب على المساحات العائلية داخل المدن وانخفاض الطلب على كل المساحات الأخرى التي تقع خارج المدن الحضرية الكبيرة. وعلى الرغم من كون العقارات المبنية حديثا خارج المدن الكبيرة أو تلك التي تقع على حدودها أرخص من مثيلاتها الموجودة داخل المدن وأنه قد تم بناؤها وفقا لأحدث قواعد الاستهلاك المنخفض للطاقة وأن أسعارها تعتبر معقولة بالنسبة للعائلات التي لا تستطيع دفع نصف مليون يورو أو أكثر نظير الحصول على شقة كبيرة في فرانكفورت، فإنها تلقى رواجا كبيرا، لدرجة أنها تباع في أغلب الأحوال حتى من دون نشر إعلانات.

وأصبحت المباني السكنية التي تم بناؤها في القرن العشرين، والتي تسمى باللغة الألمانية « Zinshaus»، شديدة الندرة في سوق العقارات في ألمانيا، حيث لم يعد معظم الملاك يرغبون في عرضها للبيع. يؤكد كثير من الوكلاء العقاريين أن الملاك يعرضون تلك المباني في البداية للبيع، ثم يغيروا رأيهم بسرعة في النهاية بعد أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا بسيطا: «ماذا علي أن أفعل بهذا المال؟ إن أفضل شيء يمكنني القيام به هو الاحتفاظ بالمبنى الخاص بي في مثل هذا الوقت».

وهناك كثير من الجوانب التي تزيد من جاذبية سوق العقارات الألمانية بالنسبة للبائعين والمشترين في الوقت الراهن، ولكن هناك أمر واحد مؤكد، ألا وهو حقيقة استمرار الطلب في هذه السوق التي يتوافر فيها المشترون الذين يرغبون في الاستثمار في سوق العقارات، ولكن ليس بأي ثمن، والبائعون الذين يسعون جاهدين للحصول على أعلى الأسعار وبأي وسيلة، وبين الطرفين يوجد الوكيل الذي يحاول التوسط بينهما، في الوقت الذي يزداد فيه عدد الأشخاص الذين يكتسبون الخبرة اللازمة للتوصل للقيمة السوقية العادلة للممتلكات.