المشترون من شرق أوروبا هم الأكثر نشاطا

الخبير العقاري سايمون بارنز: يعثر على العقارات المطلوبة لزبائنه قبل أن تعرض في السوق

سايمون بارنز
TT

سايمون بارنز، خبير شراء العقارات الفاخرة في لندن يتبع نمطا غريبا في حياته المهنية، فهو يعمل في لندن ويعيش في مالطا مع أسرته المكونة من زوجته وابنته، ويزورهما في نهاية كل أسبوع. وقال إن الحياة في مالطا أسهل والطقس فيها أفضل، وإن هناك الكثير من زملائه الذين يقضون في رحلة القطار من الضواحي إلى لندن أكثر من ساعتين ونصف الساعة التي يقطعها بالطائرة من مالطا إلى لندن وبالعكس.

يتخصص سايمون في فئة العقارات الفاخرة فقط، ويقول إنه لا يخدم أكثر من أربعة إلى خمسة زبائن في الوقت نفسه. وهو يقوم بكافة المهام التي يتطلبها البحث عن العقار والتفاوض بشأنه ومتابعة خطوات الشراء حتى مرحلة تبادل الوثائق. وهو يعمل في المجال منذ أكثر من 20 عاما، ويعمل بمفرده منذ عشر سنوات، وتعرفه أوساط العقار البريطانية جيدا، خصوصا في وسط العاصمة.

«الشرق الأوسط» التقت مع سايمون للاستفسار منه عن كيفية بحثه عن العقار الفاخر وتلبية مطالب زبائن هذا القطاع الصعب، بالإضافة إلى رأيه في السوق حاليا وانطباعاته عن المستثمرين من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مراجعة بعض الصفقات التي قام بها.

اللقاء جرى في وسط لندن، وبدأه سايمون بالقول إنه يتخصص في القطاع الفاخر وحده في منطقة وسط لندن ويتعامل مع فئة واحدة من البائعين وفئة واحدة من المشترين المحتملين.

* كيف بدأت العمل في مجال شراء العقار في لندن؟

- كنت أعمل في شركة عقارية مقرها في منطقة مايفير بالقرب من فندق كلاريدج، وكان يمر علينا نزلاء الفندق من المترددين على لندن ويقولون لنا «لو وصل هذا العقار إلى السوق وعرض للبيع، الرجاء الاتصال بنا»، ثم يغادرون لندن. ولذلك قرر أن يبادر هو بسؤال أصحاب هذه العقارات إذا كانوا يريدون البيع لمشتر مستعد لشروطهم. ولم يكن هذا الأسلوب معهودا في ذلك الوقت. وفي معظم الأحوال كان مالك العقار يقول إنه يمكن أن يبيع ولكن بشرط شراء شقة معينة أو عقار مماثل. ولذلك كانت الشركة تقوم بترتيب الصفقة أو سلسلة الصفقات المطلوبة لبيع العقار. وكان هذا الأسلوب يستغرق الكثير من الوقت ولكنه كان أكثر إثارة واختلافا عما تقوم به الشركات الأخرى. كما كان يوثق العلاقات أكثر مع الزبائن بسبب طول فترة التعاون، وكانت المعرفة الشخصية تؤدي في معظم الأحيان إلى صفقات تالية لأفراد الأسرة. وكانت للزبائن طلبات أخرى مثل شراء بوتيك أو منزل ريفي، ولكن الشركة لم تكن تتعامل في هذه المجالات، فقررت أن أستقل وأن أعمل بمفردي لتقديم خدمات متكاملة لعدد محدود من الزبائن. وهو نفس نمط تقديم خدمة المحاسبة أو المحاماة، فأنا أقدم خدمات الاستشارة العقارية. أيضا تغيرت طبيعة العمل واتجهت الشركات إلى الإنترنت ولكن الإنترنت لا تقدم خدمة مميزة في مجال العقار، وظل الطلب موجودا خصوصا على الخدمة الشخصية التي يمكن من خلالها وصف العقار والحي المحيط به والمشاهد ونوعية الجيران وتلبية مطالب المشترين المختلفة وهكذا.

* هل تعمل فقط في قطاع قمة السوق؟

- هذا هو القطاع الذي تعودت عليه وأعمل فيه، ولكن لو طلب عميل شراء عقار صغير لأغراض استثمارية فلن أمانع في البحث عنه.

* بالإضافة إلى سؤال أصحاب العقار عما إذا كانوا يريدون بيع عقاراتهم الفاخرة ما الأساليب الأخرى التي تتبعها؟

- إن لندن محدودة المساحة. والجلوس مع العميل والاستماع إلى طلباته يجعل تحديد نوعية العقار وموقعه مسألة سهلة، وهنا يبدأ البحث في منطقة محددة. ويشمل البحث معرفة ما بيع من عقارات خلال السنوات العشر الأخيرة ومن اشترى في المنطقة. ولدي قاعدة معلومات بكل ما حدث في قطاع العقار الذي أعمل به منذ السبعينات. ويمكن بعد فترة تحديد موقع العقار المطلوب، وبعد ذلك تتطلب المسألة بعض الصبر والعمل الجاد. وفي معظم الأحوال لا يمانع أصحاب العقار في البيع. والمرات التي قال فيها أصحاب العقار إنهم رافضون تماما لفكرة البيع هي مرات محدودة.

* لماذا لا يذهب المشتري مباشرة إلى البائع؟

- المسألة تتعلق بالسعر. فعندما يحاول مثلا مشتر من شرق أوروبا طلب شراء عقار معين ويعلن عن هويته وقدرته المالية، فلن تكون لديه القدرة على التفاوض وقد ينتهي به الأمر بدفع مبالغ أعلى بكثير من استخدام وكيل شراء محترف مثلي. والوسيط أو وكيل الشراء يحمي هوية المشتري ويحصل على أفضل الشروط.

* كيف تعرف أنك تحصل على أفضل الشروط للمشتري؟

- من يشتري في هذا القطاع من السوق لديه في العادة فريق كبير من المستشارين، ويمكن للبائع أن يطلب أي ثمن، ولكن الخبرة بالسوق يمكن أن تصل بالثمن إلى الرقم الصحيح بالقياس إلى غيره من العقارات في المنطقة. من معايير التسعير أيضا تقييم البنوك وما تسمح بإقراضه على العقار، ويكون تقدير البنوك أقل من القيمة السوقية بنحو 10 - 15 في المائة. وهناك أيضا القيمة الإضافية التي يطلبها البائع لمن يريد أن يشتري منه العقار من دون عرضه في السوق. وإذا حاولت مثلا بيع عقار بأكثر من قيمته الحقيقية، فإن مراحل الشراء تمر بفريق من المحاسبين ومهندسي العقار والبنوك، وأي منهم يستطيع أن يقول إن هذا العقار لا يستحق الثمن المعروض فيه، فتفشل الصفقة. وأحيانا يتعلق الأمر بمدى تعلق المشتري بالعقار حتى ولو كان تسعيره أعلى من السائد في السوق.

* تقول إنك تقدم خدماتك لعدد محدود من العملاء، ماذا يحدث إذا طلب منك عدد أكبر من العملاء البحث عن عقارات لهم، هل تعتذر لهم؟

- (ضاحكا) لم أجد نفسي في هذا الموقف بعد. هناك الكثير من الزبائن الذين نتعامل معهم ولكن في أي وقت معين ليس هناك أكثر من اثنين أو ثلاثة ناشطين في السوق ويبحثون جديا عن عقارات للشراء. وحتى الآن لم أجد نفسي في موقف حرج من زبائن لديهم نفس المطالب، ولذلك ليس هناك تضارب في المصالح. والشراء في هذا القطاع لا ينبع عن الحاجة وإنما عن الرغبة، فإذا وجد العقار المناسب تمت الصفقة، وإلا فإن المشتري ينتظر الوقت الملائم. وأحيانا يسافر المشتري ويعود بعد شهور لاستئناف الحديث عن نوعية العقار الذي يبحث عنه. وقد يستغرق إجراء الصفقات أحيانا فترات تزيد على العام.

* كيف ترى حالة السوق في الوقت الحاضر بالمقارنة مع العام الماضي مثلا؟

- أقول إن السوق أكثر نشاطا عما كانت من قبل. ويمكن اعتبار سوق وسط لندن بمثابة الفقاعة التي لا تعرف الكساد، فالمطاعم والفنادق كلها مشغولة. وإذا ذهبت إلى نايتسبردج لن تجد أثرا للكساد. وتأتي كافة الجنسيات إلى لندن من أجل الشراء. كما أن هناك الكثير من الأثرياء الأجانب الذين لم يصلوا إلى شهرة أبراموفيتش لأنهم لم يشتروا فريقا للكرة، ولكن باستطاعتهم شراء ما يريدون من عقار في لندن. والعائق الوحيد الذي يعرقل السوق هو محدودية إمدادات العقار في المنطقة وشح التمويل بعد الأزمة المالية. والصفقات الآن قد تكون أقل عددا ولكنها أكبر حجما. وحتى الآن لا أرى أي علامات على تباطؤ السوق.

* ما الحل برأيك في رفع الضرائب على شراء العقارات عبر شركات «الأوفشور» بنسبة 15 في المائة؟

- الحل بسيط وهو شراء الشركات نفسها التي تملك العقار وليس العقار وحده، وقد ظلت هذه الممارسة في السوق حتى من قبل فرض الضريبة لأغراض مثل المحافظة على سرية هوية المشتري. ولكن بصفة عامة لم تؤثر هذه الضريبة على السوق ولا على قدرة الأثرياء على الشراء. وأعتقد أن الضرائب البريطانية ما زالت أقل من غيرها في الدول الأخرى.

* ما نسبة المشترين من الشرق الأوسط في السوق حاليا؟

- إن المشترين من الشرق الأوسط جزء مهم من السوق، وهم من كبار المشترين في نايتسبردج ومايفير وبلغرافيا. وفي قمة السوق يمثل هؤلاء نحو 20 في المائة، وهم مولعون بالمساومة التي تفقدهم بعض العقارات لصالح الأوروبيين الشرقيين. كذلك هم يواجهون بعض المعضلات في هذه المناطق منها قصر مدد تراخيص العقار وأيضا تصميم بعض العقارات التي لا تناسب احتياجاتهم.

* ما هذه الاحتياجات؟

- هم يريدون غرف استقبال منفصلة للرجال وللنساء، وتصميما وموقعا خاصا للمطبخ، ويريدون عددا أكبر من غرف النوم. ومعظم العقارات الفاخرة في لندن لا توفر أكثر من سبع غرف نوم.

* هل رأيت بنفسك صفقات فقدت بسبب سوء المساومة؟

- نعم. وعرض مبالغ أقل من قيمة العقار هو أمر لا قيمة له، وأحيانا يفسد الصفقات بالكامل لأن البائع يعتبرها بمثابة إهانة ويرفض البيع لهذا الشخص بأي ثمن بعد ذلك. والحل في هذه الحالات هو استشارة وسطاء حول الأسلوب الأمثل للتفاوض مع البائع. فمن الممكن التفاوض على سجاد في سوق شرق أوسطي بعرض نصف الثمن، ولكن هذا الأسلوب لا يصلح لشراء عقارات القطاع الفاخر في لندن. فلا يمكن المساومة مثلا على سعر سيارة «رولزرويس» أو يخت جديد من الوكيل. وهناك انطباع خاطئ لدى بعض المشترين من شرق وجنوب آسيا أن الأزمة المالية خفضت أسعار عقارات لندن وأنه يمكن المساومة عليها. وهذا قد يكون صحيحا في أنحاء بريطانيا الأخرى ولكن ليس في لندن.

* من أكثر المشترين الأجانب نشاطا في سوق لندن حاليا؟

- المشترون من شرق أوروبا هم الأكثر نشاطا لأنهم الأقل مساومة من الهنود والصينيين والشرق أوسطيين. وفي أحسن مناطق حي كنزنغتون تجد في السوق سنويا ثلاثة أو أربعة عقارات فاخرة ويأتي لمشاهدتها بعض الأجانب القادرين على دفع ثمنها. ولكن العربي والهندي والصيني يفتش عن عيوب العقار ويحاول خفض الثمن، بينما الأوروبي الشرقي ينظر إلى العقار على أنه فرصة قد لا تتكرر ويشتريه، وعندها يكتشف الآخرون أن الفرصة ذهبت ولن تعود.

* نظرا لندرة إمدادات القطاع الفاخر في وسط لندن، هل ترى أن «النقاط الساخنة» سوف تنتقل إلى بقعة أوسع داخل لندن للمشتري الأجنبي؟

- لا أعتقد ذلك. في القطاع الفاخر المسألة تتعلق بالبريتسيج والعنوان في لندن حتى ولو كان الانتقال لمسافة عدة شوارع يمكنه أن يخفض ثمن العقار إلى النصف. فالأمر هنا يتعلق بمناطق ارستقراطية مستقرة منذ عقود، ولن يتغير هذا الوضع مهما توسعت المشاريع المعمارية. ومع ذلك فالأمر يتعلق بالعميل وما يريده، لأن ما يريده أحيانا قد لا يكون متاحا في المناطق المحدودة في وسط لندن. فإذا أراد مشتر شراء عقار به ملعب تنس في بلغرافيا، فالنصيحة هي أن بلغرافيا ليست فيها عقارات بهذه المواصفات وأن عليه البحث في مناطق أخرى.

* لماذا يريد الأثرياء المعيشة في لندن؟

- هناك الكثير من الأسباب، منها المدارس الجيدة وأسلوب المعيشة المتميز والمناخ الثقافي والفني. وهناك الكثير من الأثرياء الذين ذهبوا إلى مدن أخرى مثل جنيف للمعيشة هربا من الضرائب، واكتشفوا بعد فترة أن المعيشة في لندن أفضل حتى مع دفع الضرائب. وليست هناك أي دلائل على تراجع هذه الرغبة.

* ما نسبة الأجانب الذين يشترون في لندن حاليا؟

- نحو ثلاثة من كل خمسة مشترين.

* من المشتري الصعب في نظرك، من يعرف ماذا يريد أو من لا يعرف ماذا يريد؟

- الأمر يعتمد على الشخص، فهناك من يعرف تماما ماذا يريد ولكنه ما إن يدخل عقارا حتى يقول، ليس هذا ما أريد ويخرج فورا، ويسبب الكثير من الإحراج.

* ما حجم أكبر صفقة تعمل عليها حاليا؟

- نحو 55 مليون إسترليني.