توسكاني الإيطالية.. تاريخ عريق واستقرار جاذب للاستثمار

مدير صندوق استثمار عقاري لـ «الشرق الأوسط»: كان الهدف هو تقديم عقارات هذه المنطقة في اطار استثماري دولي

لقطة لمنطقة لمنطقة توسكاني الإيطالية وستيفن كارمايكل («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من تدهور أسواق العقار الأوروبية في الوقت الحاضر، فإن منطقة توسكاني الإيطالية ما زالت تحتفظ بقيمتها، وفقا لأبحاث كثير من شركات العقار الدولية، ومن بينها شركة «نايت فرانك» البريطانية. وينظر الإيطاليون أنفسهم إلى المنطقة على أنها «ملجأ آمنا» للاستثمار العقاري في إيطاليا في الوقت الحاضر. كما تجلب المنطقة أكبر نسبة من الاستثمار العقاري الأجنبي في إيطاليا. وتصل نسبة الاستثمار الأجنبي في المنطقة إلى 21 في المائة، وهو ما يعني أن أغلبية الاستثمار العقاري في توسكاني ما زالت من الإيطاليين أنفسهم، الذين يبحثون عن عقارات ثانية في الريف الإيطالي أو يهجرون المدن إلى الريف.

وهي منطقة تشتهر بتاريخها العريق، وسهولة الوصول إليها دوليا عبر مطاري بيزا وفلورانس. ويمكن الوصول إلى كافة المواقع السياحية في مقاطعة توسكاني في غضون 30 دقيقة من أحد المطارين بينما تمتد ربوع الريف الإيطالي إلى الجنوب والغرب.

ويقول بيل تومسون، من شركة «نايت فرانك»: «عانت توسكاني من متاعب الاقتصاد الإيطالي مثلها مثل بقية المقاطعات الإيطالية الأخرى، ولكن القطاع الفاخر فيها الذي يجذب الاستثمار الأجنبي لم يتأثر كثيرا وحافظ على قيمته». ويعدد بيل مزايا الاستثمار في توسكاني، حيث الأسعار ما زالت أقل من ذروة عام 2007 بنحو 20 في المائة، بالإضافة إلى ما تقدمه توسكاني من أسلوب حياة مميز. وهو يعتقد أن معظم الاستثمار يتوجه إلى القصور الريفية في توسكاني بغرض تحديثها والإقامة فيها أو بيعها.

أحد صناديق الاستثمار البريطانية التي تستثمر في قمة قطاع العقار في توسكاني، اسمه صندوق «فيكير» (Vikare) ويديره الخبير الاستثماري، ستيف كارمايكل. ويقول كارمايكل: «الصندوق يخضع لإشراف هيئة الخدمات المالية البريطانية (FSA)، ويراقب أعماله أيضا عضوان مستقلان في مجلس إدارته يوقعان على كافة قرارات الاستثمار، ويتأكدان من توافقها مع المعايير التي وضعها المستثمرون. مما يشير إلى أن الصندوق لا يقترض أكثر من نسبة 55 في المائة من جملة استثماراته لتجنب متاعب الاقتراض العقاري، كما ربط الصندوق رسوم الإدارة بمدى الإنجاز الاستثماري الذي يحققه الصندوق وارتفاع قيمة الأصول. ولكنه صندوق محدود السيولة بطبيعته لأنه يستثمر في أصول عقارية، ومع ذلك تصل نسبة السيولة فيه إلى خمسة بالمائة في أي وقت، وهي نسبة مرتفعة نسبيا وتلبي طلبات السيولة الاستثنائية. ويعمل الصندوق في مجال الاستحواذ وترميم وإعادة بيع القصور الريفية في توسكاني، ويلبي الصندوق من المبيعات طلبات تسييل الاستثمار في الصندوق المقدمة من المستثمرين عقب كل دورة استثمارية تستمر أربع سنوات».

ولتوضيح نشاط هذا الصندوق وطبيعة الاستثمار العقاري في توسكاني، كان الحوار التالي مع كارمايكل:

* ما مزايا صناديق الاستثمار العقاري بالمقارنة مع صناديق الاستثمار في مجالات أخرى؟

الفارق الواضح هو طبيعة الاستثمار العقاري الملموسة؛ فالمستثمر يستطيع أن يرى ويلمس استثماره، وأهم من ذلك أنه من السهل عليه فهم طبيعة هذا النوع من الاستثمار، والاستثمار العقاري في السوق الملائم، ومن دون الاقتراض المكثف يمكن أن تكون عوائده جيدة. وفي الوقت نفسه يبقى مثل هذا العقار بسيطا في هيكلته، ولا يماثل غموض وتعقيد أدوات الاستثمار الحديثة. ونجد أن هذه البساطة والشفافية تجذب المستثمرين إلى الصناديق العقارية أكثر من غيرها، خصوصا بعد التراجع الشديد الذي أصاب بعض الصناديق خلال الأزمة المالية الأخيرة. كذلك تتيح الصناديق العقارية نسبة من الأمان بالتعرض إلى مجموعة من العقارات وليس إلى عقار واحد وتوفر خبرة كثير من المتخصصين في شؤون الاستثمار العقاري. وهذه الخبرة ضرورية في معظم الصناديق، ولكنها حيوية في مناطق مثل توسكاني حيث توفر الاتصالات والعلاقات فرص استثمارية جيدة.

* كيف كان إنجاز الصندوق منذ تدشينه وما حجم الاستثمار فيه ونوعية الإشراف عليه؟

لقد تم إطلاق صندوق «فيكير» وتم الاستحواذ بالفعل على عدة عقارات في توسكاني. وتقييم الصندوق بعد ثلاثة أشهر من بدايته يظهر ارتفاعا في الأصول بنسبة تصل إلى نحو 20 في المائة. ويصل حجم الأصول تحت الإدارة في صناديق «فيكير» إلى ما يزيد على 200 مليون يورو، وتم إغلاق صندوق «فيكير» العقاري في توسكاني على قيمة 3.5 مليون يورو قبل طرح الصندوق الثاني الذي بلغت قيمته حتى الآن 2.5 مليون يورو. ونحن ندير هذه الصناديق لأغراض استثمارية محددة. وهناك صندوق عقاري تجاري نغلقه بعد وصول الاستثمار فيه إلى 11 مليون يورو، ونطرح صندوقا ثانيا فيه قريبا. وتخضع كل هذه الصناديق لأحكام مفصلة توضح أسلوب نشاطها.

*كيف يستثمر الصندوق في عقارات توسكاني، وما حجم العوائد التي تتوقعها؟

يشتري الصندوق فرصا عقارية، معظمها من قبل عرضها في السوق. ويقوم الصندوق بإعادة تأهيل وترميم هذه العقارات ثم بيعها لتحقيق عوائد للمستثمرين. ويتم بيع هذه العقارات على المستوى الدولي. ونحن نتوقع عوائد على الاستثمار تصل إلى 15 في المائة.

*هل هناك شروط معينة مفروضة على المستثمرين للبقاء مع الصندوق لفترة معينة كحد أدنى؟

إن مدة الاستثمار في الصندوق تصل إلى أربع سنوات، وبعدها يقرر المستثمرون بالتصويت ما إذا كانوا يريدون تصفية الصندوق وجني الأرباح أو الاستمرار في الصندوق. وفترة الأربع سنوات مقصود بها دورتان من ترميم العقارات وبيعها؛ لأن العقار الواحد يستغرق ما بين 12 و 15 شهرا لإعادة ترميمه. وإذا كانت أغلبية الأصوات تريد الاستمرار في الصندوق، فإن المستثمر الذي يريد سحب استثمارة يمكنه أن يفعل ذلك.

* لماذا اختار الصندوق منطقة توسكاني من بين كل الأسواق الممكنة في بريطانيا وأوروبا؟ وما تأثير أزمة اليورو على الوضع الاقتصادي الإيطالي؟

- لقد اخترنا توسكاني، نظرا لنضج المنطقة واستقرارها؛ فهي منطقة جاذبة للاستثمار الأجنبي منذ فترة طويلة في مجال العقارات الثانية للأثرياء. وقد عملنا في هذا السوق بنجاح لعدة أعوام، وكان التطور الطبيعي هو تقديم عقارات هذه المنطقة في إطار استثماري دولي ضمن صناديق الاستثمار العقاري. والأثر السلبي الوحيد الذي شهدناه هو تراجع ثقة المستهلك، ولكن المنطقة تجنبت التراجع الشديد في قيمة العقارات، وحافظت قمة السوق على قيمتها. ولم تتراجع أرقام السياحة الأجنبية إلى إيطاليا، بل عادت إلى معدلاتها التي كانت سائدة قبل الأزمة المالية. وهؤلاء السياح يمثلون الفئة الأكثر إقبالا على شراء العقارات التي تم ترميمها.

* هل تعمل الشركة في أسواق أخرى؟ وهل لكم أي نشاط في لندن؟

- لا، نحن نعمل فقط في مجال أسواق العقار الإيطالية، ولنا بعض النشاط في اسكتلندا. وخطط المدى الطويل لنا هي التوسع جغرافيا في بعض الدول والمناطق التي توفر المناخ المستقر في القطاع العقاري. ولنا مكتب في منطقة مايفير في لندن ولكن ليس لنا نشاط عقاري في المدينة في الوقت الحاضر. وقد حددنا منطقة وسط لندن بالإضافة إلى سويسرا بوصفها أسواق عقار مستقرة وواعدة يمكننا أن نعمل فيها، ولكنها ما زالت مجرد خطط للمستقبل.

* إلى أين تريد قيادة الشركة في السنوات الخمس المقبلة؟ وهل هناك طموحات للتوسع في أسواق عقارية أو مالية أخرى؟

- إن خطط الشركة تشمل النمو من خلال توسيع نطاق الاستثمار من ناحية، وتنمية قيمة الأصول من ناحية أخرى. ونحن نقوم الآن بإدارة الاستثمارات لصالح كثير من الأسر الإيطالية التي تريد أفضل استغلال تجاري لأصولها العقارية، وهو مجال نريد تنميته في المستقبل. وهدفنا المعلن هو تنمية الأصول الخاضعة للإدارة إلى حجم مليار يورو، ومن أجل تحقيق هذا لا بد من تنويع مصادر الاستثمار، مع الالتزام بمباديء الشفافية والبساطة والعمل في أسواق ناضجة ومستقرة.

أسواق العقار الإيطالية مستقرة

* تشير أحدث مؤشرات العقار الإيطالي إلى أن الأسواق مستقرة في الوقت الحاضر في انتظار ما سوف تسفر عنه تطورات أزمة اليورو والديون الأوروبية. وفيما يتعلق بسوق منطقة توسكاني تقول المؤشرات إن الأسعار ارتفعت طفيفا، ولكن صفقات البيع والشراء متراجعة. وكان أحد أبحاث بنك «لويدز» البريطاني قد أشار قبل أسابيع إلى أن بوادر الانتعاش بدأت تعود إلى أسواق العقار الدولية، ولكنها لن تكون شاملة لجميع المواقع. ويقول باري لومان، الباحث في بنك« لويدز»: «إن كثيرا من المشترين ينتظرون ما سوف يسفر عنه الكساد الحالي ليس فقط من حيث التأثير على أسواق العقار وإنما أيضا على ميزانياتهم وأحوالهم المالية. ولكن فترة الهدوء الحالية قد لا تطول، وعند عودة الطلب على العقارات الدولية قد تكون فرص الشراء الرخيص قد انتهت».

ورشح البنك عدة مواقع عالمية متوقعا لها الانتعاش السريع من بينها منطقة توسكاني الإيطالية التي قال التقرير إنها ذات موقع كلاسيكي تصمد في الأسعار خلال أقوى الأزمات. وذكر التقرير منطقتي أمبريا وبحيرة كومو (القريبة من توسكاني)، وهما منطقتان لم ينخفض سعرهما بنفس النسب التي تراجعت بها أسعار مناطق إيطاليا الأخرى. وتستفيد هذه المناطق أيضا من ارتفاع نسبة للطلب الأجنبي عليها. وهي توفر أسلوب حياة مميز وبنية تحتية من الطراز الأول بمطارات قريبة، وطرق جيدة، ومناخ معتدل. كما توفر كثيرا من التسهيلات السياحية على مدار العام من شواطيء إلى أرياف ومدن وفرص تزلج على الجليد، ويمكن الوصول السهل إليها من جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الحاضر يمكن اختيار بعض الشقق الصغيرة في مواقع سياحية جيدة توفر الإقبال عليها طوال العام بأسعار تبدأ من 220 ألف يورو.

ولكن مثل هذه الشقق مفضلة لدى الإيطاليين أكثر من الأجانب الذي يفضلون القصور الريفية. ويمثل عدم الإقبال الإيطالي على العقارات الريفية فرصة ثمينة للاستثمار الأجنبي الذي يمكن له انتقاء الفرص الجيدة في مواقع توسكاني الريفية. ومن المتوقع أن تحقق أسعار العقار في توسكاني نموا يترواح بين واحد وثلاثة في المائة هذا العام. وتأتي معظم الأرباح من تطوير وتحديث العقارات الريفية بعد شرائها ثم إعادة بيعها في السوق.