كوارث انهيار العقارات في الإسكندرية كابوس لا ينتهي

جانب من مبنى قديم بالإسكندرية
TT

باتت مدينة الإسكندرية المصرية أمام كابوس عقاراتها الآيلة للسقوط. وتشير إحصاءات رسمية إلى أن عدد العقارات الآيلة للسقوط في المدينة 10 آلاف عقار. ويقول خبراء إن السبب في ذلك يعود إلى الطبيعة الخاصة للمدينة العريقة التي تتطلب تخطيطا هندسيا معينا، كما أنها تعاني حالة من تفشي الفساد في إداراتها المحلية.

وأودى انهيار عقار مكون من 11 طابقا، مطلع الأسبوع قبل الماضي، بحياة 19 سكندريا، بعد أن تسبب في انهيار أربعة عقارات مجاورة له، لكن الكارثة أعادت تسليط الضوء من جديد على مشكلة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بعد سقوط عدد من العقارات في مناطق وأحياء راقية وعشوائية على السواء، كان أشهرها مأساة عمارة لوران المنكوبة، وأخيرا عقارات المنشية، مما أثار تساؤلات حول هذه المشكلة المزمنة.

ومثل باقي المحافظات المصرية، شهدت الإسكندرية حالة من هستريا الهدم والبناء والتعلية بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في ظل حالة من الانفلات الرقابي، ورصدت محافظة الإسكندرية مخالفات بناء طوال العام ونصف العام المنصرم وصلت إلى 8049 مخالفة، ومعظمها عقارات شيدت بدون تراخيص.

العميد يحيى الزان، رئيس اتحاد ملاك عمارة الموت بلوران وأحد الناجين منها، والذي فقد زوجته في الحادث الأليم، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن المأساة أن معظم تلك العقارات التي انهارت أو الآيلة للسقوط بنيت بالمواد المستوردة الفاسدة التي أدخلتها شركة «عز للاستيراد والتصدير»، والتي كانت تستورد هذه الخامات من رومانيا، محذرا من أن كل العمارات التي تم بناؤها في فترة الثمانينات أيضا مهددة بالانهيار.

من جانبه، أكد الدكتور ياسر عارف، استشاري معماري بمركز دراسات الإسكندرية والبحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك إهمالا في البناء وعدم اتباع الأساليب الهندسية السليمة.

وقال عارف، وهو أيضا عضو اللجنة الفنية بمحافظة الإسكندرية، إن «الكثيرين يهملون موضوع تحليل التربة لوضع أساسات العقارات لأنه يتكلف كثيرا، ويكتفي المقاول بسؤال أصحاب العقارات المجاورة له عن نوعية الأساسات التي أقاموا عليها بناءهم، وبالتالي تكون أساسات غير صالحة، كذلك تكون غير مصممة للأحمال الواقعية للعقار. هناك مشكلة في عدم الحفاظ على توزيع الأحمال».

ويشير عارف إلى إحدى الحيل القانونية التي تلجأ إليها مافيا العقارات بالمدينة، وهي الحيلة التي باتت تعرف بـاستخدام «الكحول»، وهو وضع اسم شخص متوفى أو شخص يصعب الوصول إليه، حيث يتحمل هذا الشخص المسؤولية الجنائية إذا ما وقعت الكارثة.

وعلى الرغم من أن 30 في المائة من مباني الإسكندرية تقع في نطاق المناطق العشوائية، فإن عارف يقول إن المشكلة التي تواجه المدينة تقع في معظمها في العمارات التي تكون تحت إشراف الأحياء، حيث يتساهل في التراخيص.

ولفت عارف إلى أن المشكلة الكبرى هي أن القانون لا يسمح بهدم الطوابق المخالفة إذا ما كانت مستخدمة، يقول: «هذا وضع خطأ لكنه يحتمي تحت شعار الظروف الاجتماعية.. الفساد في الأحياء متفشٍّ وله قواعد ثابتة، فمن المعروف أنه لكي يقوم مالك العقار بتعلية دور يكون للمهندسين في الحي نسبة منه، وهي معروفة ومحددة. يتابع: «هناك شهادات مزورة منها تقرير تربة وشهادة إشراف.. وفي الحي يدرك الموظفون جيدا أن كل ذلك مزور، وقد وجدت أن فيللا جديدة في كينج مريوط وهي غير مسجلة، قام مهندس الحي بكتابة أن المبنى تم بناؤه من 20 سنة حتى يثبت أنه مسجل.

من جانبه، قال أحد المسؤولين في إدارة التخطيط العمراني بمحافظة الإسكندرية، رفض ذكر اسمه، إن «ظاهرة انهيار العقارات بالإسكندرية تأتي نتيجة أن أغلب المباني بها معرضة لخطر الانهيار الداهم.. لقد عملت في مناطق الأحياء الشعبية القديمة لسنوات طويلة، مثل مينا البصل واللبان والجمرك وكرموز، وأزعم أن 80 في المائة من العقارات القديمة بها إما يجب هدمها أو ترميمها على الأقل، و50 في المائة من هذه النسبة معرضة للانهيار العاجل، وعندما نخاطب المحافظة أو أي مسؤول يكون الرد أنهم لن يخرجوا الناس كلها في الشارع».

ومن خلال خبرته التي تجاوزت 40 عاما في الأحياء، يؤكد أن مسألة العقارات الجديدة التي تنهار إما لأخطاء فنية أو عمليات جشع شديدة، منبها على أن المشكلة الكبرى في أراضي الإسكندرية أنها ذات طبيعة خاصة، ولا تتحمل ذلك حتى الأساسات العميقة، وهو ما يؤدي للظاهرة التي يطلق عليها «البيوت الراقصة»، مشيرا إلى أن هناك أحياء في الإسكندرية مثل السيوف وسموحة، كانت عبارة عن برك تم ردمها وأراضيها رخوة، وتم تخطيطها في الماضي من أجل بناء الفيللات مراعاة لطبيعة الأرض.

ويلقي علي بركات، رئيس نقابة المهندسين، باللائمة على جشع الملاك والمقاولين اللاهثين وراء الملايين، لافتا إلى أنه في سموحة كان متر الأرض بـ1500 جنيه، والآن وصل إلى 20 و30 ألف جنيها، مشيرا إلى ضرورة تغيير سياسة الإسكان في المدينة، وإتاحة أراض بشروط ميسرة للمواطنين لتفادي استمرار الكارثة.